عبد الظل - الفصل 2153
لاتنسو الدعاء لأخوتنا في غزة ❤️
الإعدادات
Size
A- A+Font
لون الخلفية
الفصل 2153 : عالم أنظف
بعد العشاء مع الحاكم المؤقت الموقر، لم تعد القُبة تبدو مُنظمة ومرتبة لجيست بعد الآن.
بل بدت كئيبة ومثيرة للاشمئزاز.
في تلك الغرفة الفاخرة، شرح الطاغية الودود بحماس وجهة نظره المختلة لأعضاء فريق واردين… أو بالأحرى، اشتكى من مصاعبه إلى زملائه المستيقظين، دون أن يكلف نفسه عناء التحقق مما إذا كانوا يشاركونه أوهامه أم لا.
وكأن الأمر كان من المسلَّمات.
ما كان يؤمن به الحاكم المؤقت الموقر… باختصار، هو أن المستيقظين وحدهم هم البشر الحقيقيون، وبالتالي يستحقون أن يُعامَلوا على هذا الأساس.
مع نزول تعويذة الكابوس، انقسمت البشرية إلى مجموعتين متميزتين – أولئك الذين اختارتهم التعويذة، وأولئك الذين تجاهلتهم.
كانت المجموعة الأولى أقوى، أسرع، وأكثر قدرة على التحمل. امتلك المستيقظون قوى غامضة، وتعرضوا لاختبارات قاتلة لإثبات جدارتهم. وبطبيعة الحال، كان من المتوقع أن يلعبوا دورًا أكبر في المجتمع مستقبلًا، ويحصلوا على امتيازات أكبر نتيجة لذلك.
ومع ذلك، فقد أخذ المجنون اللعين الأمر إلى مستوى آخر تمامًا. بدا وكأنه يعتبر اختيار التعويذة لهم مشيئة سماوية، ومسحة سَّامِيّة تجعل المستيقظين الورثة الحقيقيين للأرض.
المستيقظون مقدسون… وبالتالي، فإن من لم تختارهم التعويذة أشرار. كانوا مجرد وحوش ساروا في حياتهم نائمين، عاجزين على المشاعر الحقيقية أو التفكير العقلاني، ومقلدين السلوك البشري بشكل أخرق. وكان من الصواب معاملتهم كقطيع من الماشية – أو التخلص منهم عندما تنتهي فائدتهم.
على الأقل، كان هذا هو إيمان الحاكم. لم يكن واضحًا ما إذا كان جنوده يشاركونه هذا الاعتقاد المريض أم أنهم ببساطة اتبعوا نزواته لأن إساءتهم لسكان القبة العاديين كانت تمر دون عقاب في ظل حكمه.
كان هناك نظام وأمان بالفعل… لكنه لم يكن نابعًا من اتحاد الناس للحفاظ على القبة، بل لأنهم كانوا يُعاملون كالعبيد، وأي شخص يفشل في إنجاز المهام التي يُكلفه بها المستيقظون كان يُعاقب بوحشية، أو يُقتل على الفور.
كان تعبير وجه واردين متيبسًا بينما كانا يسيران إلى مسكنهما.
وفي النهاية، قال:
“كنت… أعلم أن الوضع سيكون سيئًا. لكنني لم أتصور أنه قد يصل إلى هذا الحد، بهذه السرعة.”
نظر إليه جيست.
“ومن هو المتفائل الآن، هاه؟”
حدق واردين فيه بلا تعبير.
تنهد جيست.
“حسنًا، لا يهم. ليس لدينا أحد من جماعتنا في هذه القبة على أي حال – سنحتاج إلى العبور إلى قباب أخرى إذا أردنا الوصول إليهم.”
لم يكن الأمر مفاجئًا حقًا. صحيحٌ أن الحاكم ذهب بعيدًا جدًا، لكنه بالتأكيد لم يكن الوحيد في حركة تفوق المستيقظين الناشئة. كان من الطبيعي أن يكون هناك من يرون المستيقظين ككائنات مختلفة جوهريًا وأرقى بالفطرة مقارنة بالبشر العاديين.
لم يكن من النادر أيضًا رؤية الناس يخرجون بنظريات غريبة عن تعويذة الكابوس، معتبرين إياها نوعًا من التدخل السَّامِيّ. كان هناك ما لا يقل عن اثني عشر طائفة غريبة تنتشر في NQSC، تنمو بسرعة وتطور الميولات المتطرفة.
وهذا ما يفعله المجانين عادة. لكن كان هناك أيضًا من هم بكامل قواهم العقلية، لكنهم يستغلون جنون الآخرين بقسوة لتحقيق مآربهم الخبيثة.
كانت فوضى عارمة.
أصبحت ملامح وجه واردين قاتمة، ولكنه لم يقل أي شيء آخر.
…لفترة من الوقت.
في الصباح، بعد أن شهدوا المزيد من المعاملة الوحشية التي يتعرض لها البشر العاديون داخل القبة، نادى واردين على جيست بهدوء.
وبصراحة، بحلول ذلك الوقت، حتى جيست نفسه كان يبدو شاحبًا بعض الشيء. بل إنه ترك فطوره دون أن يمسه، شاعراً بالغثيان لمجرد رؤية الوجبة الفاخرة أمامه.
لربما كانت تلك أول مرة يهمل فيها جيست طعامًا مجانيًا.
حدق واردين فيه لفترة، ثم قال بنبرة متزنة:
“بشأن ما قلته. عن أننا يجب أن ننتقل ببساطة إلى القبة التالية.”
رفع جيست حاجبه.
“حسنًا؟”
توقف واردين للحظة.
“ماذا لو لم أرغب في ذلك؟”
عبس، ثم أضاف ببطء:
“ماذا لو أردت أن أبدأ بالعمل على… الحل الواضح… الآن؟ ألن أحتاج إلى القضاء على المنافسة إذا كنت أريد أن أصبح أحد حكام البشرية في نهاية المطاف؟”
ابتسم جيست.
بدا له وكأن الترتيب قد انقلب… ما أراده واردين حقًا هو التخلص من القمامة أمثال الحاكم المؤقت الموقر، وبما أنه لم يكن هناك من ينظف الشوارع، فلم يكن أمامه خيار سوى أن يصبح هو نفسه مختصًا في التخلص من النفايات.
حتى يتمكن ابنه من أن يكبر في عالم أنظف.
هز جيست كتفيه.
“إذن، سيتعين على الحاكم الموقر أن يموت.”
تغير تعبير واردين، فأصبح أكثر برودة وخطورة من ذي قبل.
في النهاية، قال بلا مبالاة:
“مع ذلك، لا يمكننا قتله دون مبرر.”
ضحك جيست.
“أحقًا؟ حسنًا، اترك ذلك لي. إذا هاجمني أولًا، فسيكون لدينا مبرر للدفاع عن أنفسنا، أليس كذلك؟ آه، لكن لا تخطئ في الفهم. لن يكون الأمر مقتصرًا على الحاكم فقط… رجاله مذنبون مثله تمامًا، ولن يسرهم أن يروا مبررهم ينهار. في الواقع، سيعيِّنون سريعًا دمية جديدة ويواصلون ارتكاب الأعمال الوحشية دون عقاب.”
نظر إليه واردين بنظرة قاتمة.
“لكننا أصبحنا جيدين جدًا في قتل الوحوش، أليس كذلك؟”
ابتسم جيست.
“بالفعل…”
بقي واردين صامتًا لفترة، ثم أومأ برأسه.
“إذن. سأُوكلك بهذا الجزء.”
***
بعد يومين، لم يعد الجزء الداخلي من القبة منظمًا ولا أنيقًا.
بل تحول إلى حمامٍ من الدماء.
مات الحاكم المؤقت الموقر. كما لقي أكثر محاربوه ولاءً موتهم أيضًا – أما الآخرون، فقد استسلموا أو هربوا.
كان إنجازًا مذهلًا أن تتمكن مجموعة صغيرة من المحاربين المستيقظين بقيادة واردين من تفكيك القوة المحلية بأكملها رغم أنهم كانوا يفوقونهم عددًا بعشرة أضعاف. لكن لم تكن الأعداد ذات أهمية كبيرة أمام هجوم منسق جيدًا. خاصةً إذا بدأ بضربة قطع رأس مفاجئة.
علاوة على ذلك، لم يكن المستيقظون المحليون نِدًّا لواردين وفريقه. فهؤلاء الذين اعتادوا سحق الضعفاء كانوا عادةً أول من ينهار عندما يواجهون الأقوياء… والمحاربون الذين غزوا القلعة القديمة كانوا أقوياء جدًا.
أما الحاكم، فقد قتله جيست بنفسه. فقد حرض الأحمق المسكين على الهجوم من خلال الجمع بين قدراته المستيقظة والنائمة، ثم أخرج أحشائه هناك في قاعة الطعام الفاخرة.
لم يكن الأمر صعبًا جدًا. في الواقع، كان سهلًا إلى حد ما… فعادةً ما يواجه جيست صعوبة في قتال الرجسات، لأنها كانت وحوشًا بلا عقل. لكن البشر كائنات ذكية، والغضب الشديد يسلبهم أخطر أسلحتهم – عقولهم.
لذا، بالنسبة له، فقتل البشر أسهل وأكثر مكافأةً.
كان الحاكم مستيقظًا قويًا، لكنه سقط أمام نصل جيست مثل غيره. وعندما ارتطم جسد الأحمق على الأرض، لم يشعر جيست بالكثير من الفخر… أو بأي مشاعر أخرى، في الواقع.
فقط الرضا الناتج عن شعوره بجسده يصبح أقوى.
بعد ذلك، تخلصوا بسرعة وبشكل استراتيجي من أنصار الحاكم. والآن، كان هناك بضع عشرات من الجنود الأسرى راكعين في فناء القصر الفاخر، بينما كانوا يفتشونه بحثًا عن أي مختبئين.
وحينها، اكتشفوا القبو المخفي.
…بعد بضع دقائق، عاد جيست على ساقين ضعيفتين وقرفص في الردهة، لاهثًا بشدة.
ثم ارتجف وتقيأ على السجاد الفاخر، وعيناه ترتجفان قليلاً.
خرج واردين من القبو بعد دقيقة أو دقيقتين، شاحبًا كالشبح.
بقي كلاهما صامتًا لفترة، يحدقان في بعضهما البعض بوجوه شاحبة.
وفي النهاية، كان جيست هو من تحدث أولًا:
“أظن… أظن أنني أفهم الآن ما كنت تعنيه. هناك، على جدار القلعة. هؤلاء الناس… يجب على أحدهم أن يوقفهم، أليس كذلك؟”
أخذ واردين نفسًا عميقًا.
وبعد بضعة لحظات، قال ببرود:
“هؤلاء ليسوا بشرًا.”
في النهاية، لن ينجُ الأسرى في ذلك اليوم أيضًا.
لم يقم واردين بإعدامهم بنفسه – بل سلمهم ببساطة لسكان القبة العاديين وهم مقيدون.
فلربما كان إعدامهم بسرعة ليكون أكثر رحمةً.
وأثناء مشاهدته للمجزرة الدموية خارج القبة، تنهد جيست…
آلمه أن يرى كل شظايا الروح تلك تُهدر سدىً.
ترجمة آمون