عبد الظل - الفصل 2326
لاتنسو الدعاء لأخوتنا في غزة ❤️
الإعدادات
Size
A- A+Font
لون الخلفية
الفصل 2326 : الهجوم والدفاع
طُرح صني خارج الظلال وتدحرج فوق الصخر الذائب، وما يزال يحتضن القاتلة بين ذراعيه. وبعد لحظة، دفع نفسه عن الأرض وحمل كليهما بعيدًا عشرات الأمتار، إلى بر الأمان.
كان كاي في الهواء، مع شرارات مشتعلة تتراقص على شعره الكستنائي. توهّجت الأجزاء البرونزية من درعه العاجي من الجانب الأيسر، وكانت خيوط من الدخان تتصاعد من تحت كتفه المدرّع.
كان هناك أثر جرح طويل على منحدر البركان. احترقت طبقة الرماد بالكامل، وتحولت الصخور إلى حمم تنساب كجدولٍ أحمر ناري.
‘يا مُصيبَتاه…’
عاد صني إلى وعيه عندما ارتطم مرفق القاتلة بأضلاعه، دافعًا إياه بعيدًا. وبعد لحظة، كانت قد بدأت بالفعل في سحب وتر قوسها من جديد دون أن تنظر إليه حتى. فعل كاي الشيء نفسه في الهواء، مستخدمًا قوة جانبه لسحب الوتر.
في الأفق، كانت السرب الكريستالي يلتهم المسافة بين القمة المغطاة بالثلج والبركان بسرعة بالغة. كانت الرجسات الحشرية قد نظّمت نفسها في تشكيل غريب في السماء، وتكاد أجنحتها الشفافة تلامس بعضها البعض.
كانت تلك الأجنحة أشبه بعدسات، تركّز ضوء الشمس الصاعدة إلى شعاع من الدمار الأبيض النقي. قد لا يكون كل وحش بمفرده خطرًا جدًا، ولكن حين يعمل العشرات منهم معًا… يمكن للمدافعين عن قلعة الرماد أن يتحوّلوا إلى رماد هم أيضًا.
رمش صني بضع مرات بدهشة، وقد استولى عليه الذهول. يبدو أن مخلوقات الكابوس الكريستالية لم تكن بتلك السهولة كما تبدو.
‘بل، ربما خمس عشرة ثانية.’
لعن بصمت، ثم صاح:
“كاي، هل أنت بخير؟”
أجاب الرامي من الأعلى، بصوت رصين:
“نعم. فأنا لا أُحترقُ بسهولة.”
ويبدو أن كلماته كانت إجابة وأمرًا في آنٍ واحد — فبمجرد أن أنهى حديثه، انطفأت الشرارات المتوهجة في شعره، وتلاشى الدخان المتصاعد من تحت درعه مع نسيم الرياح.
ابتسم صني ابتسامةً قاتمة.
“استمر في التهرب إذًا!”
أضاء شعاعٌ آخر من الضوء الحارق منحدرات البركان، لكن هذه المرة، تمكّن الثلاثة من تفاديه في الوقت المناسب. لم يُصَب أي منهم بالحرق… ومع ذلك، اضطر كلّ من القاتلة وكاي إلى إبطاء وتيرتهما للحظة وجيزة.
عبس صني.
‘هل سنموت هنا حقًا؟’
حتى لو كان لديهم وقت أطول، فإن كاي كان يوشك على النفاد من السهام. أما القاتلة، فكانت تستعيد سهامها — لكن كل واحدة منها تستغرق بعض الوقت في العودة.
ففي النهاية، لم تكن تلك السهام ذكريات. وعلى عكس القديسة، لم تستطع القاتلة استدعاء الذكريات وإعادتها، إنما كانت أسلحتها مسحورة بطرق مبتكرة لتُشبه الذكريات. كان قوسها يتحوّل إلى سلسلة رفيعة تلتف حول ذراعها كدرع ساعد، بينما جُعل جُعبتها مسحورة لاستدعاء السهام عبر مخزن بُعدي خاص.
في الواقع، هناك قطعة ساحرة حقًا من فنون السحر أُدخلت في وسم السهام وربطها بالطبقة البُعدية المخفية في الجُعبة، وكذلك لضمان قدرتها على الاستدعاء من مسافات بعيدة… لكن لم يكن صني لديه أي وقت ليُعجب بتحفته السحرية في هذه اللحظة.
تردّد للحظة، ثم نظر داخل الظلال. ما أراده صني هو مدّ يده إلى الداخل وسحب جثة الوحش العظيم الأول الذي قتلته القاتلة، والذي ما زال ملقى على منحدر الجبل البعيد. لكنه، حين بدأ يتحرّك لفعل ذلك، اجتاحه فجأة إحساس بارد ومروّع. وكأن كيانًا هائلًا ومخيفًا يحدّق فيه من داخل الظلال، محذرًا إياه من الاقتراب.
‘ما الذي… يحدث؟’
شعر صني بالفزع. كانت هذه المرة الأولى التي يشعر فيها بشيء كهذا… ففضاء الظلال المظلم من المفترض أن يكون موطنه، لذا فإن مواجهته لشيء أدهى منه هناك كانت تجربة غير مرحّب بها.
لقد شعر وكأن مجسًّا عملاقًا سيخرج من الظلام ويمسك به إن تجرأ على خطو قدم أو حتى مدّ إصبع إلى الجبل الثلجي.
‘هل نحن ممنوعون من مهاجمة قمة العدو؟’
لماذا يسمح الكائن المختبئ تحت السُحب لسهامهم أن تُطلق، لكنه يمنعهم من العبور فوق بحر السحب بأنفسهم؟.
غير صني طريقة تفكيره، وأجبر نفسه على التفكير فيما يحدث كلعبة.
كان نطاق الثلج هو من يهاجم، إذًا فنطاق الرماد يدافع؟ كانت تلك جوهريّة غريبة من نوعها.
إطلاق السهام على المهاجمين يُعدّ عملاً دفاعيًا، لكن التقدّم نحو القمة الثلجية بدا وكأنه يخالف القواعد.
‘فأين ذهبت مقولة أن الهجوم خير وسيلة للدفاع، إذًا؟’
ازدادت نظرة صني قتامة.
وبينما كان يُفكّر في خطوته التالية، كان كل من كاي والقاتلة قد تمكّنا من قتل اثني عشر رجسًا إضافيًا. كانت المخلوقات الكريستالية الآن قريبة بما يكفي – بما يكفي ليتمكن صني من رؤية شظايا الكريستال وعظام قديمة مستلقية داخل بطونها الشفافة.
وإن وُجد ما يمكن اعتباره خبرًا سارًا، فهو أن تلك الرجسات الحشرية قد غاصت تحت سحب الرماد. فالشمس الصاعدة قد حجبتها السُحب الداكنة، لذا لم يعد هناك شعاع من النور المركز يضرب منحدرات البركان. ومع ذلك، فالوقت لا يزال ضيقًا.
استنشق صني بعمق، مهيئًا نفسه للمعركة.
‘مهلًا، كاي! أتتذكر لما قلت إن قلعتنا بشعة لأقصى حد؟’
هبط كاي على الأرض قربه، منزلقًا فوق الرماد وموترًا وتر قوسه بسهم جديد.
“بالتأكيد! لماذا؟”
ألقى صني نظرةً خاطفة على سرب الوحوش العظيمة المُقترب وابتسم.
“غيّرت رأيي! لننسحب إلى القلعة، حالًا!”
أطلق كاي سهمه، ثم ألقى نظرة سريعة عليه، قبل أن ينطلق نحو قلعة الرماد دون أن ينبس بكلمة. لحقت به القاتلة، مندفعةً نحو الفوّهة بسرعة تخطف الأنفاس.
لثوانٍ معدودة، بقي صني وحده على قمة البركان المتفحّم، ينظر إلى سرب وحوش الثلج بنظرة باردة.
‘ويفر، أيها الوغد!’
هل كان ويفر يعلم أن أحدًا ما سيأتي لاستعادة جزء من إرثه من لعبة آرييل في يوم من الأيام؟ لا بدّ أنه كان يعلم – وإلا لما خُبئ ذلك الجزء هنا أساسًا.
فلماذا، بحق، لم يُسَهّل ذلك الشِيطَان اللعين من أمر استعادة إرثه ولو قليلاً؟.
لعن صني شيطان القدر، واستدعى الظلال. وفي اللحظة التالية، نبتت مئات من الأشواك الطويلة من منحدر البركان، كل واحدةٍ منها تنتهي بطرف حاد بشراسة.
ثم انطلقت جميعها نحو السماء المظلمة، صاعدةً لملاقاة السرب الهابط كما لو أنها تحييه بوابلٍ قاتل.
مستفيدًا من تلك المظلة التي وفّرتها قذائف الظلال، انسحب صني نحو قلعة الرماد.
ترجمة آمون