عبد الظل - الفصل 2325
لاتنسو الدعاء لأخوتنا في غزة ❤️
الإعدادات
Size
A- A+Font
لون الخلفية
الفصل 2325 : الخلية الكريستالية
رغم أن صني لمح إلى أنه لن يشارك في المعركة، إلا أنه، في الحقيقة، كان يعلم أنه سيفعل. كانت ملامحه اللامبالية مجرد قناعٍ لا أكثر.
فقد كان الوضع قاتمًا للغاية.
غربًا، خرج الدود الهائل أخيرًا من جدار الثلج المتموج. وصل رأسه الضخم إلى الجسر الزجاجي الأثيري، ومع تموّج جسده الشاحب، زحف الوحش الملعون بسرعة عبر الهاوية المغمورة بالسُحب الذهبية. كانت السحب مصبوغةً بألوانٍ زاهية من الذهب والمغنوليا، بينما لمع الجسر الرقيق تحت أشعة الشمس. كان المشهد جميلًا بقدر ما كان دودة الثلج بشعة.
امتد جسدها الهائل خارج العاصفة الثلجية، ممتدًا لعدة كيلومترات بالفعل، ومع ذلك، لم يكن صني قادرًا على رؤية ذيلها بعد. بل، كان لديه شعور غريب بأنه قد لا يراه أبدًا، وكأن جسد ذلك الملعون يتحدى مفهوم النهاية.
وكأن طول ذلك المخلوق الكابوسي البشع لامتناهي ببساطة، يمتد بقدر ما تدعو الحاجة. ومثل هذا الوحش يمكنه على الأرجح التهام جذور عالمٍ كامل.
ومع ذلك، شعر صني بأن الضغط الأكبر يأتي من العملاق الآلي الذي يسير على الجسر الزجاجي المغطى بالثلوج شرقًا. والآن وقد اقترب ذلك الكائن، استطاع تمييز بعض تفاصيله. كان العملاق يشبه قليلًا ألعاب الفرسان الذين شاهدوهم في قصر اليشم. ولكن ذلك الشبه كان سطحيًا.
كان المخلوق الكابوسي بوضوح من صنع الأيدي، فجسده الضخم مركبٌ من الخشب والنحاس والجلد المتآكل، ومشكلٌ ليبدو كمحاربٍ عظيم يرتدي درعًا ثقيلًا. وقد وسمت آلاف الندوب سطحه، كما لو أن العملاق نجا من عددٍ لا يُحصى من المعارك المرعبة، وكأنه خاض كل حربٍ دارت رحاها يومًا، وأسقط آلاف الأعداء بسيفه.
لم يكن العملاق يشبه لعبةً إطلاقًا. بل، إن بدا عليه شيء، فهو أنه أشبه بدمية تدريب استخدمها سَامٍ مولع بالحرب، قبل أن تدب فيها الحياة، وتستسلم بعدها للفساد. وربما كان الأمر كذلك فعلًا.
كان العملاق يسير بخطى ثقيلة محسوبة عبر الجسر، وحتى من تلك المسافة البعيدة، شعر صني بضغط اقترابه، ذاك الثقل البطيء المحتوم. لحسن الحظ، كان الملعونان يسلكان طريقهما نحو البركانين اللذين تخلّى عنهما كاي والقاتلة.
أما خلية الجليد الرجسة… فقد كانت تتجه مباشرة نحو قلعة الرماد.
وبحلول هذه اللحظة، كانت أولى الرجسات الكريستالية قد بدأت في الظهور من الشبكة الهائلة من الكهوف التي حفرتها داخل الجبل. كانت أجسادها الشفافة تتوهج تحت أشعة الشمس، مشرقةً بانعكاسات الضوء. وقد وصلت أولى الكائنات إلى الجسر الزجاجي – توقفت، وهزّت الجليد والثلج عن دروعها الكريستالية، ثم قفزت في الهواء. فانبسطت أجنحة شفافة خلفها، متوهجةً كألواحٍ من الزجاج الملوّن بالذهب.
‘رائع. إذاً يمكنها الطيران أيضًا؟’
خلف قناع اللامبالاة، شعر صني بالقلق. واصل تشكيل السهام بينما يراقب العدو من خلال الظلال.
وما إن ارتفع أولهم في الهواء، حتى تحطم جناحه، وقد كسره سهمٌ أطلقه كاي. هوى المخلوق الكابوسي نحو الأسفل، محكومًا عليه بالاختفاء في بحر السُحب – لكن، قبل أن يختفي، انقض اثنان من بني جنسه، ومزّقا الكائن المتعثر إلى أشلاء، ثم التهما لحمه الكريستالي. عبس صني.
‘لم يكن سريعًا بما فيه الكفاية.’
كان كاي والقاتلة أشبه ببطارية مدفعية من شخصين… أو لنقل: شخص واحد وأنسة ظل. كانت كمية الدمار التي يمكن لقوسين متساميين أن يسبباها مذهلة حقًا. مع كل سهم، كانت رياح الأعاصير تندفع مزمجرةً، لتدمّر سفوح البركان الشاهق، وتهز الأرض تحتهم. ودوّت القعقعات مثل الرعد المزمجر، شاقّةً السكون، وتاركةً صني بأذنين تطنّان.
وكانا سريعَين أيضًا. عندما تخيّل ما الذي كان يمكن لهما أن يفعلاه بأسوار فالكون سكوت المعدنية العظيمة، شعر بقشعريرة تزحف على عموده الفقري.
سارعت القاتلة إلى قتل عدد من الرجسات، غارزةً سهامها في أجسادهم الكريستالية دون تمييز. أما كاي، فقد تعلّم الدرس، وبدأ يحاول التصويب نحو نقاط أكثر ضعفًا، مثل الأجنحة أو العيون. وتمكن هو أيضًا من إسقاط بعض الوحوش الحشرية نحو بحر السحب – مزّق اثنان منهم على يد إخوتهما، بينما سقط الثالث على الجسر الأثيري، وركض فوق سطحه، فقط ليموت بعد لحظات، حين ثبّته سهم من القاتلة إلى الزجاج المتلألئ.
حين استعاد ذكريات معركتهم ضد أسورا الإدانة، شعر صني بالدهشة من مدى كفاءة الرُماة في قتل الوحوش العظيمة. ومع ذلك، كان فتكهم المذهل أبعد ما يكون عن الكفاية لمنع خلية الجليد من الوصول إلى البركان، فضلًا عن القضاء عليها. في أفضل الأحوال، سيتمكنان من التخلص من بضع عشرات من تلك الرجسات الكريستالية الجميلة على نحوٍ مريب، قبل أن يُجبرا على الأشتباك معًا.
وحين تهبط عليهم أسراب الوحوش العظيمة، سيتم اجتياحهم في لحظات.
كان على صني أن يمنع حدوث ذلك. لكن حتى هو لم يكن واثقًا من قدرته على مجابهة عشرات من الوحوش العظيمة. ربما، لو كان يملك ظلاله بجانبه، ويتمكن من تضخيم جسده، لكانت فرصه أفضل.
أما الآن، وهو وحيد، فلم يكن أقوى بكثير من كل مخلوق كابوسي كريستالي على حدة. كان لديه بعض المزايا بفضل جانبه، بطبيعة الحال، لكن رغم أنها تكفي لمجابهة عشرة أو عشرين من الوحوش العظيمة، فإن قتال الخلية بأكملها قد يقتله بسهولة.
‘قتال ضد احتمالات مستحيلة، على بُعد شعرة من الموت… آه، ويا لهُ من شعورٍ مألوف…’
تجعد تعبير صني فجاةً. لم يكن يرغب في العودة إلى هذا الجانب بالذات من ماضيه العاصف. لا بد أن هناك خدعة، أو استراتيجية ما يمكنه التفكير بها.
تبقّت نحو نصف دقيقة قبل أن يصل سكان خلية الجليد إلى البركان. يمكن للوحوش العظيمة أن تتحرك بسرعة مذهلة، لكن كاي والقاتلة كانا يركّزان طلقاتهما على الأسرع أولًا – لذا كانت الرجسات تصل أبطأ مما كانت ستفعل.
‘لدي ثلاثون ثانية لأبتكر خطة.’
بدأ صني بصنع سهم آخر، ثم اندفع إلى الأمام، وأمسك بالقاتلة، وسحبها إلى الظلال.
“كاي، تفادَ!”
كان كاي قد أصبح في الهواء بالفعل قبل أن يُنهي صني جملته. وفي اللحظة التالية، انفجر منحدر البركان، غارقًا في وهجٍ أبيض شرس وحرارة حارقة.
ترجمة آمون