عبد الظل - الفصل 2354
لاتنسو الدعاء لأخوتنا في غزة ❤️
الإعدادات
Size
A- A+Font
لون الخلفية
الفصل 2354 : خيارات وفيرة
كان داخل ضريح الحقيقة شبيهًا للغاية بداخل قلعة الرماد – مجرد تقليد مبنى حقيقي، وليس بناءً حقيقيًا. كان عبارة عن غرفة واسعة، أصغر حجمًا من القاعة المليئة بالدخان في الحصن المتداعي، لكنها لا تزال كبيرة بما يكفي ليشغلها رجس هائل.
بالطبع، لم يكن هناك أيّ من مخلوقات الكابوس في الداخل في تلك اللحظة – فقط صني وكاي والقاتلة.
لم يكن الضريح مريحًا تمامًا، ولكن على الأقل لم يكن هناك رماد يتساقط عليهم من الأعلى. كان الدخان محصورًا في وسط القاعة الكبرى، لذا كان باقي المكان نظيفًا، بل وباردًا بشكل لطيف. تفحّص كاي المأوى المؤقت لبضع ثوانٍ، ثم تنهد.
“بصراحة، إنه تراجع بسيط مقارنة بالمنازل التي كنت تبنيها مؤخرًا. لقد أصبحت بارعًا جدًا في ذلك.”
ضحك صني بخفوت.
“حقًا؟ يُسعدني سماع هذا.”
ثم هز رأسه.
“قضيت معظم حياتي بلا مأوى، كما تعلم. وفي النهاية، صنعت لنفسي منزلًا يمكنه تتبّعي أينما ذهبت… وأكل أعدائي…”
تنهد بحنين.
‘من كان يظن أني لن أستطيع اصطحابه معي هذه المرة؟’
هزّ صني رأسه مجددًا وتوجه نحو عمود الدخان.
بصرف النظر عن شكله وحجمه، كان الجزء الداخلي من ضريح الحقيقة يختلف عن قلعة الرماد من ناحيتين. أولًا، بما أن هذا البركان قد ظهر للتو، لم يكن هناك سوى طبقة رقيقة من الرماد تغطي الأرض. ثانيًا…
وصل صني إلى الحفرة الدائرية التي تؤدي إلى أعماق البركان وتوقف، ناظرًا إلى حافتها بتعبير متأمل.
‘أشعر أني كنت محقًا.’
بدلًا من قاعدة واحدة، كان هناك مذبحان أمام الحفرة. وإن صحّ حدس صني، فهما مخصصان لتماثيل اليشم. أحد المذبحين سيسمح له بمبادلة تمثال ثلج مقابل حقيقة، أما الآخر… فالآخر على الأرجح سيسمح له بالتضحية به مقابل نوعٍ من الهِبة، إما لنفسه أو لمحاربيه. لكنه لم يكن يعتزم اتخاذ قرار بشأن جوائزه بعد. أولًا، عليه أن يعرف هوية رجس الثلج الثالث الذي سيقاتلونه بعد فجرين.
“فلنرتح قليلًا.”
كان كاي قد قال إن ضريح الحقيقة ليس مريحًا كثيرًا، لكن لا شيء منع صني من جعله أكثر قابلية للعيش. استحضر بعض قطع الأثاث وتمدّد على أريكة، شاعِرًا ببعض الرضا لكون الأمر أصبح يبدو أقل غرابة من قبل. لم يكن قد نام بعد داخل لعبة آرييل، ورغم عدم وجود حاجة حقيقية لذلك، إلا أن صني شعر بنفسه ينجرف نحو النعاس. ربما لن تتاح له فرصة للراحة لاحقًا، لذا كان بإمكانه استغلال هذه الأخيرة.
لكن لم يأتِ النوم بسهولة، وسرعان ما وجد نفسه مستلقيًا هناك، مستيقظًا تمامًا، تطارده أفكار دخيلة.
وفي النهاية، تنهد وجلس.
كان كاي مستيقظًا أيضًا، ناظرًا إلى الدخان المتصاعد بتعبير شارد. فرك صني عينيه، ثم حدّق بصمت في الرامي الساحر.
“هل هناك ما يزعجك، صني؟”
ابتسم ابتسامةً ملتوية.
“أعتقد ذلك.”
بقيّ صني صامتًا لبضع ثوانٍ، ثم قال:
“أنتَ شخصٌ مثيرٌ للفضول. وأنتَ تعرف هذا، أليس كذلك، يا كاي؟”
رفع الرامي الساحر حاجبه، واستدار لينظر إليه.
“أنا؟ إن كان عليّ القول، فقد ظننت دومًا أني شخص ممل جدًا. مقارنة برفاقي، أعني.”
سخر صني.
“أوه، لكن هذا بالضبط ما يجعلك مثيرًا للفضول. كونك مختلفًا عنّا جميعًا.”
بقيّ كاي صامتًا، كما لو كان يدعوه للاستمرار. اتكأ صني على مسند الأريكة وأطلق تنهيدة.
“هذا الدرع الذي أرتديه صُنع من قِبل نيذر، شيطان المصير. يُعرف أيضًا باسم شيطان الاختيار. وها نحن ذا، نبحث عن جزء من شيطان القدر. القدر، والمصير، والاختيار… قد لا تعلم هذا، لكن كل تلك الأمور تثير إهتمامي كثيرًا.”
عقد صني ذراعيه.
“في السابق، كان قلة قليلة من الناس، باستثناء أبناء الإرث، يُسمح لهم بالاختيار إن كانوا يريدون الإصابة بتعويذة الكابوس أو لا. كان يُفرض عليهم مواجهة الكابوس الأول، ثم يُجبرون على دخول عالم الأحلام مع الانقلاب الشتوي. بعضهم نجا، وبعضهم لم يفعل. لكن بعد أن يستيقظ حاملو التعويذة… أصبح بإمكانهم أخيرًا اختيار أمرٍ ما بأنفسهم. إن كانوا يريدون تحدي الكابوس الثاني، أو لا.”
ابتسم صني ابتسامةً قاتمة.
“نظريًا على الأقل. أما في الحقيقة، فلم يكن لأيّ منا خيارٌ حقيقي في الأمر. بالنسبة لنيفيس، كان ذلك هو السبيل الوحيد للنجاة والعودة إلى عالم اليقظة. أما إيفي، فلم يكن أمامها إلا هذا الطريق لتحصل على جسد سليم. وكانت كاسي بحاجة لذلك لتصلح ما أفسدته. كان موردريت شبح مرآة بلا وعاءٍ له. وكانت جيت مضطرة لأن تستمر في النمو لتتغلب على عيبها. أما أنا… فلم يكن بوسعي أن أسمح لنفسي أن أتخلف عن أحد.”
وأشار إلى كاي.
“فبصراحة… من بيننا جميعًا، أنت الوحيد الذي كان يملك ذلك الخيار، يا كاي. كان بإمكانك أن تبقى مستيقظًا وتقضي بقية حياتك بأمان وراحة. ومع ذلك، اخترت أن تُجيب نداء الكابوس. لذا، أنا فضولي… لماذا؟”
بدا على كاي بعض الارتباك. تريّث لبضع ثوانٍ، ثم هز كتفيه.
“ربما… فعلاً كان لدي ترف اتخاذ خيارات أكثر من معظم أصدقائي. في البداية، فعلت كما قلت بالضبط — عشت بأمان وراحة، مغلقًا عيني عن معاناة الآخرين. كان ذلك في القلعة الساطعة. لكن بعد الهروب من الشاطئ المنسي، لم أعد أرغب في العيش هكذا.”
ابتسم.
“أخبرني أحدهم ذات مرة – لا أذكر من بالتحديد – أن القوة هي الفضيلة الوحيدة، والضعف هو الخطيئة الوحيدة. بدت تلك الفكرة مقنعة بادئ الأمر، لكن لاحقًا، غيّرت رأيي. في الحقيقة، امتلاك القوة وسوء استخدامها بدا لي خطيئةً أعظم من الضعف. كنت قد خطئت سابقًا حين كنت ضعيفًا، فلم أشأ أن أُخطئ مجددًا بإهدار قوتي. لذلك، اخترت المسؤولية. واخترت أيضًا أن أتبع أصدقائي، الذين لم تكن لديهم حرية الاختيار كما كانت لي.”
انحنى صني قليلًا إلى الأمام.
“وهذا بالضبط هو لبّ الأمر. كانت لديك حرية، لكنك تخليت عنها في سبيل المسؤولية.”
فازدادت عيناه قتامة.
“ألا تندم أبدًا؟ ألا تشتاق إلى الحرية التي تنازلت عنها؟”
ضحك كاي ببساطة.
جعلت إجابته الأخيرة صني يرتعش قليلًا.
“لا. لم أفتقدها ولو لمرة واحدة.”
ترجمة آمون