عودة طائفة جبل هوا - الفصل 1442
📏 حجم الخط
✍️ نوع الخط
🎨 الخلفية
🖥️ عرض النص
[email protected]
-بيبال تخصم عمولة 1-2دولار لهذا زادت اسعار الدعم-
كانت الليلة حالكة السواد وثقيلة الوطأة.
في البداية، وعلى الرغم من تهيئة مكانٍ للراحة، ظلّت الهواجس تنهش قلوب الكثيرين. هل سيهاجم مانينبانغ من جديد؟
لكن الإرهاق في النهاية غلب معظمهم، فسقطوا في النوم كأنهم يستسلمون لثقل الوهن الذي ينهك أجسادهم.
أولئك الذين فرّوا بيأس من تشنغدو إلى هنا، وأولئك الذين اندفعوا بكل طاقتهم من نانجينغ، غرقوا جميعًا في سباتٍ عميق.
لكن تانغ سوبو لم تستطع أن تغفو بسهولة.
أصوات الحشرات المتواصلة، وأنفاس النائمين المنتظمة، كانت تدغدغ أذنيها. وبحركة قلقة غير مبررة، التقطت بعينيها ظلال الحراس الواقفين على مقربة. حاولت أن تهدئ نفسها، كما لو كانت تُسكّن روحها.
‘إنه بخير الآن.’
حتى لو هاجم مانينبانغ مجددًا، فمحاربو عشيرة تانغ وسيوف هواسـان موجودون هنا. لذلك، لا داعي لتحمل مثل تلك الفواجع مرة أخرى.
لكن القلق العميق المترسخ في قلبها لم يتبدّد بسهولة.
‘الآن… ماذا سيحدث؟’
كان سؤالًا مثقلاً باليأس.
طوال حياتها، لم تتجاوز حدود قصر عشيرة تانغ قط. ولم تكن وحدها في ذلك، فمعظم نساء العشيرة كنّ يعشن الحياة نفسها.
إلى أن تصبح المرأة زوجة في بيت آخر، فإن الأرض الوحيدة المسموح لها أن تخطو عليها هي أرض العشيرة، أو في أقصى الحدود محيط القصر. أما الآن… فلم يعد هناك قصر لعشيرة تانغ ليعودوا إليه.
كانت فكرة غريبة، لكن مجرد الخاطر بأن عشيرة تانغ لم تعد موجودة كان يكفي ليقبض على صدرها.
‘أيها الكبير…’
فجأة، انقدحت في ذهنها صورة مبهمة لـ تانغ أوي وهو يحثّها على الرحيل.
وفي تلك اللحظة، رأت شخصًا ينهض.
‘هاه؟ من هذا…’
تحرك الشخص بصمت، يسير ببطء بعيدًا عن موضع تجمع الناس. الحراس الذين كانوا يراقبون محيط المكان بحذر اعترضوا طريقه لا إراديًا، لكنهم تراجعوا سريعًا عندما تعرفوا على وجهه.
في ضوء نار المخيم الخافت، بدا وجهه واضحًا. فخطر على بال تانغ سوبو لقب مشهور.
‘تنين جبل هوا السّامي’
بعد أن اجتاز الحراس، سرعان ما غاب عن الأنظار وسط الظلام الذي ابتلع الحقول. وظلت تانغ سوبو تحدّق بصمت في ظهره المتلاشي.
كانت أصوات الحشرات تتردد بهدوء في الفضاء الرحب.
وفي الحقول المكسوّة بالقصب، المحاطة بالجبال الشامخة، مدّ تانغ غوناك يده فجأة ليقبض على قصبة نابتة بجانبه.
وبحركة معصم خفيفة، أطلق القصبة المكسورة، فصدحت صافرة في الهواء قبل أن تخترق صخرة قريبة بصوت مكتوم عميق.
حينها، انبعث صوت إعجاب من مكانٍ ما.
“واو.”
التفت تانغ غوناك، فإذا بـ تشونغ ميونغ يقترب مبتسمًا.
“كان ذلك مدهشًا.”
داس تشونغ ميونغ على القصب وهو يتقدم أكثر، ثم أشار بذقنه إلى مكانٍ بجانب تانغ غوناك.
“هل لي أن أجلس؟”
رمق تانغ غوناك تشونغ ميونغ بنظرة معقدة.
“حسنًا، إن أردت أن تبقى وحدك، أستطيع أن أعود.”
“… لا، لا بأس.”
أومأ تانغ غوناك برأسه نحو المكان بجواره، فجلس تشونغ ميونغ فورًا. رفع رأسه بصمتٍ نحو السماء، وظلّ كلاهما يتأمل المشهد. ربما كانا يجلسان في المكان نفسه، لكن كلًّا منهما كان ينظر إلى عالم مختلف.
بعد صمتٍ طويل، تكلّم تانغ غوناك ببطء:
“لماذا لا تتكلم؟”
“لم آتِ لأقول شيئًا محددًا. جئت فقط، هذا كل ما في الأمر.”
أطلق تانغ غوناك ضحكة صغيرة.
“ستلقى حتفك يومًا ما بسبب هذه اللامبالاة.”
“ألا ترى أن الأمر غريبًا؟”
“ماذا تعني؟”
“كنت أُلام على قلّة اهتمامي بالآخرين. والآن يقال لي إنني أتدخل كثيرًا في شؤونهم.”
“… همم.”
“لا أشعر أنني تغيّرت كثيرًا، فلماذا تغيرت كلمات الناس؟”
“حسنًا… لا أعلم. قد يكون أحد الأمرين.”
نظر تشونغ ميونغ إلى تانغ غوناك الممدد على ظهره، رأسه على الأرض.
“إما أنك تغيّرت، أو أن العالم هو الذي تغيّر.”
“… أيهما تظن؟”
“أعتقد أنك أنت من تغيّر. لا، بل أنا متأكد. الشخص الذي التقيت به أول مرة، مختلف عنك الآن.”
أصدر تشونغ ميونغ أنينًا خفيفًا.
“يقولون إن الإنسان يتغيّر حين يكون على وشك الموت .”
“حسنًا، أنت بالفعل في منتصف الطريق. كونك على قيد الحياة يكفي.”
لم يكن يمزح.
لقد استنزف كل ما لديه من طاقة، ومع ذلك لم يرَ تانغ غوناك أكثر من احتمال ضئيل بنجاته. وحتى لو عاش، فلن يعود أبدًا إلى ما كان عليه سابقًا.
لكن ها هو الآن، يرمي النكات ببرود إلى جانبه، في مشهد يعجز تانغ غوناك عن تفسيره بمنطق.
“هل جسدك بخير؟”
“أشعر أنني على وشك الموت.”
“… الصراحة تليق بك.”
“إنها واحدة من فضائلي الكثيرة!”
“وليس فضيلتك الوحيدة، أليس كذلك؟”
“واو، صريح جدًا مع صديقك.”
قهقه تانغ غوناك بحرارة.
نعم، لقد كانت إحدى فضائل تشونغ ميونغ العديدة. أن يكون بجانبه يمنحه بهجة لا يمكن شرحها . ربما كانت هذه أيضًا من الفضائل التي لا غنى عنها في شخصيته.
رفع تانغ غوناك رأسه مجددًا نحو السماء. بدت النجوم وكأنها تحدّق به.
“يا تنين جبل هوا ، ماذا يخطر ببالك وأنت تنظر إلى تلك النجوم؟”
“همم…”
فكّر تشونغ ميونغ لحظة، ثم ابتسم.
“لا يخطر ببالي شيء.”
كانت إجابة مراوغة كما هي عادته، لكن ملامح تانغ غوناك اتخذت مسحة حزينة. ثم قال ببطء:
“لطالما نظرت إلى تلك النجوم وفكرت: لو استطعت أن ألقي أسلحة خفية بعدد يملأ السماء كهذه، لصرت الأقوى في العالم. ولأصبحت تانغا الأعظم في العالم.”
“… لقد وُلدت حقًا لتكون ربّ عشيرة.”
لا، بل بدا أنه قد سمع كلمات شبيهة من قبل… هل كل رجال تانغ يفكرون بهذا الشكل؟
“لكن هل تعلم كيف تبدو لي تلك النجوم الآن؟”
“… لست متأكدًا.”
“إنها تبدو كأعين.”
“أعين؟”
أومأ تانغ غوناك.
“أعين الأسلاف وهي ترقبني.”
للحظة، انطبقت شفتا تشونغ ميونغ بإحكام. كان ثقل كلمات تانغ غوناك خانقًا، يفوق ما يمكن التعبير عنه بالكلمات.
خفض تانغ غوناك رأسه ببطء. ومع اختفاء النجوم الموشّاة في السماء من أمام عينيه، لم يعد يرى سوى السواد الذي غلّف العالم.
“عشيرة تانغ ستسقط.”
“…”
“مهما حاولنا أن نمنع ذلك، فهو محتوم. ما فُقد لا يُستعاد.”
“اللورد…”
“كلما أعملت فكري، لا أجد جوابًا.”
“…”
“ماذا يجب أن أفعل الآن؟”
لم يستطع تشونغ ميونغ أن يقدّم أي كلمات عزاء.
فما يعتصر قلب تانغ غوناك من ألمٍ يفوق تصوره. احتراق قصر تانغ، وعدم القدرة على العودة إلى سيتشوان، لم يكونا إلا البداية.
لقد فقدوا الورش… وفقدوا السموم.
وهذا ليس مما يُسترد في وقت قصير. وربما الآن لن تستطيع عشيرة تانغ أن تبلغ مكانتها السابقة أبدًا.
فخسارة تانغ لأسلحتها وسُمومها، لا يختلف كثيرًا عن فقدان طائفة هوا لسيوفها. هل يمكن أن تُسمى طائفة هوا طائفة هوا إن لم تعد تملك سيفًا؟ هل يستطيع تشونغ ميونغ أن يؤكد بيقين أنها ستظل كذلك؟
لذلك، لم يستطع أحد أن يجيب عن سؤال تانغ غوناك نيابةً عنه.
“… لقد سمعت عما حدث في تشنغدو. أن الشيخ شينسو أشعل النار في تانغا وطرد العائلة.”
‘جوبـيونغ…’
أغمض تشونغ ميونغ عينيه بشدة.
انطبعت في ذهنه صورة وجه تانغ جوبـيونغ الشيخ الهرم، ووجه الفتى الصغير جوبـيونغ في آنٍ واحد. كيف له أن يتذكره؟
“هذا ليس من طبعه… لكنه في الوقت ذاته من طبعه.”
“… صحيح.”
“بفضل الشيخ شينسو، استطاعت تانغا أن تحافظ على بقائها. ولا يكفي أي شكر في مقابل ذلك. لكن أخبرني، يا تنين جبل هوا…”
استدار تانغ غوناك فجأة نحو تشونغ ميونغ، وعيناه تلمعان باحمرار.
“هل لأن ضعفي يدفعني إلى الضغينة تجاهه؟ أم أن السبب هو خبثٌ في داخلي؟”
“لورد تانغ…”
ازدادت عيناه رطوبة.
أحسّ تشونغ ميونغ بمزيد من الكآبة. لم يسبق له أن رأى تانغ غوناك على هذا النحو.
حتى في مواجهة الموت، كان يقف شامخًا.
أما الآن، فبدا بعيدًا جدًا عن صورته المعتادة. لم يكن ملك السموم المخيف لعشيرة تانغ سيتشوان، بل مجرد رجلٍ أنهكته الأعباء والضغوط.
تنهد تشونغ ميونغ بعمق.
‘ليس غريبًا. لا يوجد إنسان قوي دائمًا. هناك فقط من يعضّ على أنيابه ويتظاهر بالقوة. تمامًا كما كنتُ أنا في الماضي.’
“أعرف… الناس أثمن من كل شيء. كيف أجرؤ أن أقارن السموم أو الأسلحة بالبشر؟ لم يخطئ شينسو. حتى لو كان القرار قراري، لما تغيّر.”
هبط صوت تانغ غوناك عميقًا، كأنه يغرق في الماء… بل في شيء أثقل من الماء.
“لكن… لا أعلم. مع أنني أعرف ما هو الصواب، ما زالت تراودني هذه الأفكار.”
أدرك تشونغ ميونغ ما أراد أن يقوله.
“… لو أنني فقط حميت العشيرة، لو أنني حميت أساس تانغا مهما كلف الأمر من تضحيات…”
ربما كان سيكون الأمر أهون قليلًا.
حتى لو نقص عددهم، لبقيت عشيرة تانغ كما هي. ولو ظل كل ما أنجزته عبر السنين محفوظًا، لربما كان بإمكانها استعادة مجدها يومًا ما كحاكمة لسيتشوان.
“أليس هذا ساخرًا؟”
انقبض وجه تانغ غوناك.
“… لورد.”
“أمقت نفسي.”
ارتعشت يدا تانغ غوناك.
“إنه أمر تافه… أن أقارن قطعة باردة من الحديد بأرواح البشر. ومع ذلك، أفكر أنه لم يكن ليضير لو مات بعضهم في سبيل حماية ما فقدناه.”
كانت يداه ترتعشان، لكن صوته كان أكثر ارتجافًا، كما لو كان أحدهم يخنقه ويعصر رقبته.
“ربما كان الألم سيكون أشد، لكنني لا أكفّ عن التفكير… ربما كان موقفي اليوم أهون قليلًا!”
غطّى تانغ غوناك وجهه بيديه، وتسرب صوته المرتعش من بين أصابعه.
“أنا… أنا ممقوت للغاية.”
أدار تشونغ ميونغ وجهه. لم يكن لأنه لا يريد أن يرى، بل لأن قلبه كان أثقل من أن يهدأ.
سقوط المستقبل الذي آمن به، وفقدان كل ما اعتبره ملكًا له، والتحطّم تحت وطأة لا تحتمل…
‘لقد شعرتَ بالأمر نفسه، أليس كذلك؟’
لا شك أنهم شعروا كذلك.
تلاميذ هوا الشباب، الذين أدركوا أن ليس واحدًا من الشيوخ الذين انتظروا عودتهم قد رجع، ومع ذلك حاولا يائسين أن يحموا طائفة هوا المشتعلة بدموع الدماء في أعينهم… لا بد أنهم عاشوا الشعور ذاته الذي يعيشه تانغ غوناك الآن.
من ذا الذي يجرؤ على مواساته بسهولة؟ من ذا الذي يستطيع أن يفهم قلبه حقًا؟
“أخبرني، يا تنين جبل هوا.”
“… نعم.”
“ماذا عليّ أن أفعل؟”
تلاقت عينا تانغ غوناك المبللتان بدموعه مع تشونغ ميونغ، الذي سرعان ما أشاح ببصره، رافعًا نظره إلى السماء.
السماء الموشاة بالنجوم تداخلت مع السماء التي رآها ذات يوم… يوم احترق فيه جبل هوا.
ولهذا، كان على تشونغ ميونغ أن يتكلم.
أن ينطق بالكلمات التي كان من المفترض أن تُقال. بالكلمات التي وجب عليه أن ينقلها.
بالكلمات التي لم يستطع صاحبها أن يبوح بها قبل رحيله.
******
ذا تعويض عن فصل البارحة ، اتمنى يكون أعجبكم .
بالمناسبة لو أحد منكم عنده القدرة يدعم الرواية فضلا يدعمها الآن لأن العطلة قربت تنتهي ولما أرجع للدراسة للأسف وقتي رح يضيق فما اقدر اترجم دفعات .
✨ عضوية مميزة في فضاء الروايات ✨
🚫📢 تخلّص من الإعلانات المزعجة
💖 استمتع بتجربة قراءة سلسة ومميزات حصرية مقابل مبلغ رمزي
📌 ملاحظة: أرسل اسمك في الموقع عند الدفع ليتم تفعيل العضوية ✅
جميع ما يتم ترجمته في الفصول منسوب إلى المؤلفين، ونحن بريئون من أي معانٍ تخالف العقيدة أو معانٍ كفرية وشركية.
هذا مجرد محتوى ترفيهي فلا تدعه يؤثر عليك أو يلهيك عن دينك.
استغفر اللـه وأتوب إليه.