رواية تناسخ الشرير - الفصل 46
لاتنسو الدعاء لأخوتنا في غزة ❤️
الإعدادات
Size
A- A+Font
لون الخلفية
الفصل 46: أحمقان كبيران!
سماء كانت صافية طوال اليوم، إذ بها تكتسي فجأة بغيوم ملبدة في الليل، ومطر غزير غمر المدينة في لحظات.
عادت شن شياو يان إلى منزلها عند سفح جبل تشين تشونغ بعد يوم طويل في المستشفى. أوقفت سيارتها في المرآب، لكنها لم تترجل على الفور. بدلاً من ذلك، أطفأت المحرك وأرجعت المقعد للخلف إلى أقصى حد، مستلقية هناك وهي تستمع للموسيقى، غارقة في أفكارها.
لقد اعتادت على هذه اللحظات؛ ففي تلك السيارة الصغيرة ذات البابين، التي بالكاد تختلف عن سيارة مدبرة المنزل المخصصة للتسوق، تجد ملاذًا خاصًا بها. في هذا المكان المغلق والهادئ، يمكنها أن تشعر بأنها تنتمي إلى نفسها فقط، بعيدًا عن ضغوط العمل المرهقة وخلافات العائلة المستمرة التي تجعلها تشعر وكأنها دمية تتحكم بها الخيوط.
بينما كانت غارقة في تأملاتها، استحضر ذهنها مشهدًا رأته أثناء توقفها عند إشارة المرور. كان هناك رجل في منتصف العمر يقود دراجة على مسار الدراجات، منظره أثار في نفسها شعورًا غريبًا.
لم يكن الأمر بسبب مظهر ذلك الرجل، بل بسبب تصرفه الغريب. فقد كان لديه معطف مطري، لكنه لم يستخدمه لحماية نفسه، بل وضعه فوق شيء دائري كبير على المقعد الخلفي لدراجته، تاركًا نفسه يغرق تحت المطر.
عندما مرَّ الرجل بتقاطع الطرق، ألقت شن شياو يان نظرة إضافية فضولية، لتكتشف أن ما تحت المعطف كان دمية دب تيدي كبيرة. في تلك اللحظة، خمنت أن هذا الرجل ربما لديه ابنة صغيرة لطيفة تنتظره في المنزل.
شعرت بدفء في قلبها، ومزيج من الإعجاب والغيرة.
ربما تكون ظروف الرجل المادية متواضعة، لكنها كانت متأكدة من أن عائلته تنعم بالسعادة والمحبة.
أما عن والدها، فقد كانت منهكة جسديًا ونفسيًا إلى حد أنها لم تعد تمتلك الطاقة للتفكير فيه أو حتى الشعور تجاهه بأي شيء. في النهاية، كل أحلامها وأوهامها قد تحطمت بالكامل في تلك الغرفة الخاصة في قاعة حفل الخطوبة.
وهناك أيضاً تلك الزيجة (علاقة الزواج) التي كانت تقترب منها ككابوس، وهي شيء لم تجرؤ حتى على التفكير فيه.
محاولة لتجنب التفكير في كل هذه الأمور المزعجة والمحبطة، أخرجت من حقيبتها رسمة ملونة باستخدام أقلام الشمع. الرسمة لم تكن متقنة، لكن عندما رأت نفسها فيها وهي ترتدي المعطف الأبيض، ابتسمت بشكل غير إرادي.
كانت هذه الرسمة قد أهدتها لها فتاة صغيرة في المستشفى وهي مصابة بسرطان الدم، أهدتها لها تعبيرًا عن شكرها للرعاية التي تلقتها منها طوال الوقت.
كانت تلك الفتاة الضعيفة الصغيرة، تعاني من الألم والإجهاد جراء العلاج الكيميائي، لكن رغم كل ذلك، كانت تحاول أن تبتسم عندما تكون مع والديها أو مع شن شياو يان. كانت تلك الطفلة الضعيفة المفعمة بالصبر تجعل الجميع يشعرون بالحزن والألم.
ما كان يسبب لشن شياو يان القلق أكثر هو أن المستشفى قد أرسل عدة إشعارات تطالب بدفع رسوم علاج الفتاة. إذا لم يتم دفع المبلغ قريبًا، فلن يتبقى أي فرصة لعيشها.
كانت شن شياو يان ترغب بشدة في مساعدتها، لكن الأرصدة السلبية في حسابها البنكي كانت تجعلها عاجزة عن فعل أي شيء.
على مر السنين، كانت الرواتب الضئيلة التي تحصل عليها تتبرع بها عدة مرات للمرضى بسبب مشاعرها الطيبة، بل إنها في بعض الأحيان استعارت بعض المال من مصروف والدتها. لكنها هذه المرة لن تستطيع فعل ذلك.
وحتى لو استطاعت، فإن مصروف والدتها، حتى لو تم جمعه بالكامل، لن يكون كافيًا لسد تكاليف العلاج المرتفعة.
ثم فكرت في الأمر وأدركت أن المستشفى هو في النهاية ملك لعائلتها، وعائلتها غنية وذات نفوذ، ومع ذلك لا تستطيع إنقاذ مريض واحد، مما جعلها تشعر بإحباط شديد.
ربما لا يوجد شخص آخر أكثر فشلًا من ابنة عائلة غنية مثلها.
تنهدت بحزن، وأخذت أشيائها ثم فتحت الباب وخرجت من السيارة.
وفي تلك اللحظة، فتح الباب الإلكتروني الذي يربط المرآب بالمنزل، وخرجت شن يي شيان بخطوات واثقة.
وكما هو الحال دائمًا، كان اللقاء بين الابنة الكبرى والابنة غير الشرعية مليئًا بالتوتر وعدم الارتياح.
بعد أن مرتا ببعضهما، توقفت كلتاهما فجأة عن المشي في وقت واحد.
كانت شن شياو يان تفكر فيما إذا كان بإمكانها التوسل إلى أختها الكبرى المسؤولة عن إدارة المستشفى للتخفيف عن الطفلة الصغيرة ومنحها بعض المساعدة. أما شن يي شيان، فكان ذهنها مشغولًا بكلمات سونغ شي تشينغ التي قالها عن شقيقتها الصغرى.
”أختي.“
”مهلاً.“
استدار الاثنتان في نفس اللحظة بعد أن لم تستطيعا كبح أنفسهما، وتجمدتا للحظة عند سماع نداء الأخرى، ليحدقا في عيون بعضهما البعض.
”تكلمي أنتِ أولاً.“ قالت شن يي شيان بوجه جامد وهي ترفع ذقنها قليلًا.
اقتربت شن شياو يان بخطوات بطيئة نحو أختها، وترددت لبعض الوقت قبل أن تقول بصوت منخفض:
”الأمر كالتالي، هناك فتاة صغيرة في قسم أمراض الدم تتلقى العلاج منذ فترة طويلة بسبب إصابتها بسرطان الدم. الآن وصلت عملية علاجها إلى مرحلة حاسمة، لكن بسبب ظروف عائلتها…“
قاطعتها شن يي شيان بضحكة ساخرة قائلة:
”عائلتها فقيرة، لذا تريدين مني أن أكون كريمة وأعفيهم من تكاليف العلاج، أليس كذلك؟ يا أختي قديسة الطيبة!“
وضعت شن يي شيان يديها على صدرها بحركة متعجرفة وبدأت بتوجيه كلمات لاذعة:
”دكتورة شن، هل يمكنكِ أن تبتكري شيئًا جديدًا؟ كم مرة حدث هذا؟ ليس فقط أنكِ تبذلين جهدًا لإنقاذ الآخرين بلا مقابل، بل تريدين الآن أن تضحّي بالمال أيضًا. لو أننا عملنا بطريقتكِ هذه، لكانت المستشفى قد أغلقت أبوابها منذ زمن!“
حاولت شن شياو يان مقاطعتها وهي متوترة:
”أختي، رجاء اسمعيني اولًا.“
أبدت شن شياو يان وجهًا متجهمًا، وهي مجبرة على مواجهة هذا الموقف. لولا أن الفتاة الصغيرة كانت على وشك الموت، لما كانت لتضع نفسها في هذا الموقف المحرج. فتنهدت بخفوت وتوسلت قائلة:
”أعلم أن المستشفى ليس دار خيرية، وليس لديها القدرة على إنقاذ الجميع، لكن يجب أن ننقذ الحالات الطارئة وليس الفقر فقط. تلك الطفلة صغيرة جدًا، وهي تحت أعيننا مباشرة. لا يمكننا أن نقف مكتوفي الأيدي ونراقب أسرتها وهي تسير نحو طريق مسدود. لا تقلقي، لقد سمعت من أهلها أنهم بدأوا ببيع أراضيهم ومنازلهم في بلدهم الأم، ومن المؤكد أنهم سيتمكنون من جمع المال قريبًا…“
”لا تستخدمي اسلوب الشفقة التافه هذا لتضيع وقتي الثمين!“ نظرت شن يي شيان إليها بعينين غاضبتين وقالت: ”وأيضًا، من فضلك احترمي عقلك وسيطري قليلا على قلبك، دعي عقلكي يعود إلى مكانه. هؤلاء المرضى دائمًا ما يتحدثون بألفاظ جميلة، يعطون وعودًا بأنهم سيسددون الفواتير بعد العلاج، ثم عندما نتمكن من علاجهم، يبدأون بتجاهل الأمر تمامًا، وعندما نطالبهم بدفع الأموال، يتظاهرون بأنهم الضحايا ويسارعون إلى التهديد بالانتحار على أسطح المباني أو بالذهاب إلى وسائل الإعلام والحكومة للضغط تلينا أخلاقيًا. هل تعلمين كم من الديون المتراكمة التي سببتها هذه التصرفات؟ اسمعي، وعود الفقراء هي الأكثر كذبًا! إذا كنتِ ستعملين طبيبة كوني فقط كطبيبة، لا تحاولي أن تكوني ملاكًا أبيض يهب لانقاذ الجميع!“
”أختي…“
”لا داعي لقول أي شيء! لن يحصلوا على شيء، إذا كنتِ حقًا مهتمة، فتبرعي براتبكِ كله لهم!“
رفضت شن يي شيان بحدة، واستدارت وهي تزفر بتعبير متعالٍ، ثم نظرت بطرف عينها نحو أختها غير الشقيقة، قائلة بسخرية: ”أليس كذلك؟ هل تلعنيني في قلبكِ الآن لأنني باردة وعديمة المشاعر؟“
هزت شن شياو يان رأسها بصمت، وجهها مثقل بالحزن.
”إذًا، هل ما زلت تحملين ضغينة بشأن زواجك سونغ شي تشينغ بدلًا مني؟“
”أختي، أيمكن ألا نتحدث عن هذا الموضوع…“
”لماذا لا نتحدث عنه؟ أنتِ الطرف المظلوم هنا، ومن الطبيعي أن تدينيني وتلوميني، بل حتى ترغبين بصفعي لإخماد كل تلك الكراهية التي جمعتها على مدار عشرين عامًا بسبب الظلم الذي الحقته بكِ وبأمكِ. لماذا تكتمين كل هذا؟“
بلغة لاذعة وسلوك متسلط، لم تفوت شن يي شيان الفرصة لإهانة أختها، خصوصًا عندما رأت شن شياو يان تنكس رأسها وتضغط شفتيها بإحباط، وجهها مليء بالحزن. ازدادت حدة غضبها حين تذكرت تعليقات سونغ شي تشينغ حولهما، فانفجرت قائلة:
”في كل مرة أراكِ تتصرفين كأنكِ زهرة بيضاء مستضعفة، أشعر بالغضب الشديد! هل يمكنكِ أن تكوني أكثر قوة؟ توقفي عن هذا الخنوع الذي يجعلنا نبدو مثيرين للشفقة أمام الآخرين!“
شن شياو يان، التي لم تفهم سبب تفاقم غضب أختها، شحب وجهها وابتسمت بمرارة:
”صحيح… ربما لم يكن يجب أن أُولد أصلاً.“
”كيف تجرؤين على قول هذا؟ هل تلمحين الآن إلى أن والدنا ارتكب خطأ بإحضاركِ إلى هذا العالم؟“
شن يي شيان زادت من حدة كلامها، ثم لاحظت الرسمة التي تحملها شن شياو يان بين يديها، فانتزعتها بقوة وقالت باستهزاء:
”ما هذا الشيء؟ كيف تجرؤين على إحضار شيء رخيص وبشع كهذا إلى المنزل! أشعر بالخجل نيابةً عنكِ!“
بينما كانت تتحدث، رفعت شن يي شيان الرسمة وباشرت في تمزيقها.
قفزت شن شياو يان بسرعة لاستعادة الرسمة، لكنها للأسف تأخرت والتقطتها وهي ممزقة لنصفين. كانت تنظر إلى الرسمة الممزقة في يديها، وبدأت مشاعر الحزن والظلم والغضب تتجمع في قلبها كبركان يوشك أن ينفجر. وفي لحظة واحدة، انفجرت مشاعرها بكل عنف:
”هل اكتفيتِ الآن؟ كنتِ تضغطين عليّ طوال حياتي، تبخسينني، تحقرينني، والآن تدفعينني للزواج من هذا الوغد. حياتي دُمرت! ماذا تريدين مني بعد ذلك؟ هل يجب أن أموت حتى تكونان أنتِ وأبي راضيين؟ إذا كنتِ تكرهين وجودي إلى هذا الحد، فلِمَ لا تذهبين لتعاتبي أبي على إنجابي بدلاً من الاستمرار في إهانتي بهذه الطريقة؟!“
صُدمت شن يي شيان ولم تستطع تصديق ما تسمعه، لم تتوقع أن يؤدي تمزيق رسم تافه إلى استفزاز أختها لهذه الدرجة، أو أن تكون أول مرة تُهان فيها من قبلها بهذه الطريقة. وعندما استعادت تركيزها، كانت شن شياو يان قد ابتعدت بالفعل، تمسح دموعها، مغادرة في صمت.
”ببساطة… كل واحد منهما أكثر صعوبة في الفهم من الآخر! لقد فقدا عقليهما!“
صاحت شن يي شيان بغضب شديد، وجهها أسود من الغضب بينما اندفعت إلى السيارة الرياضية، فضغطت على دواسة البنزين بشدة وغادرت المنزل بسرعة.
ولكن بعد فترة من القيادة السريعة، لم تشعر بالراحة أبدًا. لم تستطع منع نفسها من إخراج هاتفها والاتصال برئيس قسم الطب، وقالت بصوت حازم: ”هناك طفلة في قسم أمراض الدم مصابة بسرطان الدم، أجلوا رسوم علاجها لبعض الوقت، ركزوا على العلاج أولًا… نفذوا ما قلته! لا تسألوا عن التفاصيل! اسمها ماذا؟ ..لا أعرف! هي تلك التي تجيد رسم الرسوم بالقلم الشمعي!“
ثم رمت هاتفها بقوة إلى المقعد الأمامي، مازالت تسب وتلعن: ”لا يصدق! كيف يمكنها القول إنني أقل منها! هل فقدت عينيها؟ أحمقان كبيران! يستحقان أن يكونا معًا!“
———————
ترجمة وتدقيق: الطاوي المتجول