انتفاضة الحمر - الفصل 7
📏 حجم الخط
✍️ نوع الخط
🎨 الخلفية
🖥️ عرض النص
دعم رواية انتفاضة الحمر لزيادة تنزيل الفصول
المجلد الثاني : الولادة الجديدة
ثمة مهرجان نرتدي فيه أقنعة بوجوه شياطين لدرء الأرواح الشريرة عن أمواتنا في الوادي. تتلألأ الأقنعة ببريق الذهب الزائف.
الفصل السابع : لعازر
لا أرى “إيو” عند الموت. يؤمن أهلي بأننا نرى أحباءنا عندما نموت. ينتظروننا في وادٍ أخضر حيث يملأ دخان حطب التدفئة ورائحة اليخنة الزكية الهواء. هناك رجل عجوز تغطي قطرات الندى قبعته يؤمّن الوادي، ويقف مع أهلنا منتظرًا على طريق حجري ترعى على جانبيه الأغنام. يقولون أن الضباب هناك منعش ورائحة الزهور عطرة، وأن أولئك المدفونين يعبرون الطريق الحجري بشكل أسرع.
لكنني لا أرى حبيبتي. لا أرى الوادي. لا أرى سوى أضواء وهمية في الظلام. أشعر بالضغط، وأعلم، كما يعلم أي عامل منجم، أنني مدفون تحت الأرض.
أطلق صرخة مكتومة. يدخل التراب فمي. يعتريني الهلع. لا أستطيع التنفس، لا أستطيع التحرك. تحتضنني الأرض حتى أتمكن أخيرًا من شق طريقي خارجًا عبر مخالبي، وأشعر بالهواء، وألهث طالبًا الأكسجين، وأتنفس بصعوبة وأبصق التراب.
تمر بضع دقائق قبل أن أرفع رأسي واشيح بنظري عن ركبتي. أجثو في منجم مهجور، نفق قديم هُجر منذ زمن طويل ولكنه ما زال متصلًا بنظام التهوية. رائحته تفوح منها رائحة التراب. تحترق شعلة واحدة بجانب قبري، وتلقي بظلال غريبة على الجدران. تحرق بصري كما فعلت الشمس حين أشرقت فوق قبر “إيو”.
أنا لست ميتًا.
يستغرق الأمر وقتًا أطول مما قد يظنه المرء لأدرك ذلك. لكن هناك جرحًا دمويًا حول عنقي حيث قطع الحبل جلدي. وهناك تراب في الجروح على ظهري.
مع ذلك، لست ميتًا.
لم يسحب العم “نارول” قدمي على نحو كاف. ولكن من المؤكد أن “علب الصفيح” كانوا ليتحققوا من الأمر، إلا إذا كانوا كسالى. ليس من الصعب تصديق ذلك، ولكن هناك شيئًا آخر يحدث. كنت اخطوا مترنحًا عندما سرت إلى المشنقة. أشعر بشيء في عروقي حتى الآن، خمول كما لو أنني كنت تحت تأثير المخدر. “نارول” فعل هذا. لقد خدّرني. دفنني. ولكن لماذا؟ وكيف أفلت من العقاب عندما أنزل جثتي؟
عندما اسمع هديرا منخفضا من الظلام خلف الشعلة، أعلم أنني سأحصل على إجابات. عربة مدرعة، تشبه خنفساء معدنية بست عجلات، تزحف فوق قمة نفق طويل. تنفث شبكتها الأمامية البخار عندما تتوقف أمامي. ثمانية عشر ضوءًا يعمون بصري، تخرج أجسام من جانبي المركبة، وتخترق وهج المصابيح الأمامية لتمسك بي.
أنا مذهول جدًا لدرجة أنني لا أقاوم. أيديهم متصلبة مثل أيدي عمال المناجم ووجوههم مغطاة بأقنعة شياطين “ليلة أكتوبر”. ومع ذلك، يحركونني برفق، ويوجهونني بدلاً من إجباري على الدخول إلى فتحة العربة المدرعة بالقوة.
داخل العربة المدرعة، ضوء المصباح الكروي أحمر دموي. أجلس في مقعد معدني مهترئ مقابل الشخصين اللذين جلباني من قبري. قناع الأنثى أبيض باهت وذهبي، له قرن كشيطان شرير. تتلألأ عيناها بشكل قاتم من فتحتي العينين. الشخصية الأخرى رجل خجول. إنه نحيل وهادئ، ويبدو خائفًا مني. لا يستطيع قناعه ذو وجه الخفاش العابس إخفاء نظراته الخجولة أو الطريقة التي يخفي بها يديه — وهي سمة من سمات الخوف، كما كان العم “نارول” يدعي دائمًا عندما علمني الرقص.
“أنتم من أبناء آريس، أليس كذلك؟” أخمن.
يجفل الضعيف، بينما عينا المرأة ملؤهما السخرية. “وأنت لعازر”، تقول. أجد صوتها باردًا وبطيئا؛ إنه يلاعب الأذنين كما تلاعب القطة فأرًا أمسكت به.
“أنا دارو”.
“أوه، نحن نعرف من أنت”.
“لا تخبريه بأي شيء يا “هارموني”! صاح الضعيف. “لم يأمرنا “الراقص” بمناقشة أي شيء معه حتى نصل إلى الديار”.
“شكرًا لك يا “رالف”.” تنهدت “هارموني” في وجه الضعيف وهزت رأسها. بعد أن أدرك خطأه، تحرك الضعيف بشكل غير مريح في مقعده، لكنني توقفت عن الاهتمام به. هنا، المرأة هي الملك. على عكس الضعيف، قناعها يشبه قناع عجوز شمطاء، إحدى ساحرات مدن الأرض الساقطة اللواتي كن يصنعن الحساء من نخاع عظام الأطفال.
“أنت في حالة يرثى لها.” مدت “هارموني” يدها لتلمس عنقي. أمسك بها وأضغط عليها.
عظامها هشة كالبلاستيك المجوف في يد “غطاس الجحيم”. يمد الضعيف يده إلى صاعقه، لكن “هارموني” تشير إليه ليلتزم الهدوء.
“لماذا لم أمت؟” أسأل. بعد الشنق، صار صوتي أشبه بحصى تُجر على صفيح معدني.
“لأن آريس لديه مهمة لك يا غطاس الجحيم الصغير.”
تتأوه متألمة عندما أضغط على يدها.
“أريس…” تومض في ذهني صور انفجارات القنابل والأطراف المقطوعة والفوضى. أريس. أعرف نوع المهمة التي سيريدها. أنا مخدر جدًا حتى أنني لا أعرف ماذا سأقول له عندما يسألني. عقلي مشغول بـ”إيو”، وليس بهذه الحياة. أنا قوقعة فارغة. لماذا لم أبقَ مدفونا في الأرض؟
“هل يمكنني استعادة يدي الآن؟” تسأل هارموني.
“إذا خلعتِ قناعك. وإلا، سأحتفظ بها.”
تضحك وتنزع قناعها. وجهها يجمع بين النهار والليل—الجانب الأيمن مشوّه، كتلة مشقوقة من الجلد المترهل، تتداخل فيه طيّات ناعمة مثل الأنهار من الندوب. حرق بخاري. مشهد مألوف، ولكن ليس على النساء. من النادر أن تكون امرأة في فريق حفر. ومع ذلك، فإن الجانب غير المحروق من وجهها هو الذي يذهلني. إنها جميلة، أجمل حتى من “إيو”. بشرة ناعمة، بيضاء كالحليب، عظام بارزة ورقيقة. ومع ذلك تبدو باردة جدًا، غاضبة وقاسية. أسنانها السفلية غير متساوية وأظافرها مهملة. لديها سكاكين في حذائها. أستطيع أن أقول ذلك من الطريقة التي انكمشت بها عندما أمسكت بيدها.
الضعيف، “رالف”، قبيح بشكل لا يثير الدهشة — وجه داكن مثل فأس، وأسنان كلها متفرقة وقذرة. يحدق من نافذة العربة المدرعة بينما نسير عبر أنفاق مهجورة حتى نصل إلى طرق أنفاق معبدة ومضاءة مخصصة للمركبات السريعة.
أنا لا أعرف هؤلاء “الحمر”، وعلى الرغم من أن لديهم وشم ” الحمر” على أيديهم، إلا أنني لا أثق بهم. هم ليسوا من “لامدا” أو “ليكوس”. يمكن أن يكونوا “فِضّيين” أيضًا.
في النهاية، ألمح مركبات خدمات وعربات مدرعة أخرى من الفتحة. لا أعرف أين نحن، ومع ذلك، هذا يزعجني بدرجة أقل من الحزن المتضخم في صدري. كلما طالت الرحلة، وزاد الوقت الذي أُترك فيه لأفكاري، اشتدّ الألم.
أتحسس خاتم زفافي. “إيو” لا تزال ميتة. إنها لا تنتظرني في نهاية هذه الرحلة. لماذا نجوت أنا بينما لم تنجُ هي؟ لماذا سحبت قدميها بقوة؟ هل كان بإمكانها أن تعيش أيضًا؟ أشعر وكأن أحشائي عبارة عن ثقب أسود.
ثقل رهيب يضغط على صدري، وأتوق إلى القفز من العربة المدرعة الى مسار احدى مركبات الخدمات.الموت سهل عندما تكون قد حاولت بالفعل العثور عليه. لكنني لا أقفز؛ أجلس مع “هارموني” و”رالف”. أرادت “إيو” المزيد لي. أقبض على عصابة الرأس القرمزية في قبضتي.
يتسع طريق النفق قليلاً عندما نصل إلى نقطة تفتيش يديرها “علب صفيح” قذرون يرتدون عتادًا مهترئًا. البوابة الكهربائية ليست مشحونة حتى. يسمحون للعربة المدرعة التي أمامنا بالمرور بعد مسح لوحة جانبيه.
ثم يأتي دورنا وأبدأ التحرك بشكل غير مريح في مقعدي تمامًا مثل “رالف”. تضحك “هارموني” بازدراء بينما يقوم “علبة الصفيح” ذو الشعر الرمادي بمسح جانب العربة المدرعة ويشير لنا بالمرور عبر البوابة.
“لدينا رمز مرور. لا عقول للعبيد. “علب الصفيح” في المناجم أغبياء. عليك أن تحذر من نخبة “الرماديين” أو العمالقة “الأوبسيديان”. لكنهم لا يضيعون وقتهم هنا في الأسفل.”
بينما نخرج من طريق النفق الرئيسي إلى طريق مسدود تحيطه مستودعات خدمات ليست أكبر بكثير من الساحة العامة، أحاول إقناع نفسي بأن كل هذا ليس مجرد خدعة من قبل “الذهبيين”، وأن “هارموني” و”رالف” ليسا أعداء.
تتدلى مصابيح كبريتية ساطعة من سقف المستودعات. نصف المصابيح محترقة. يومض أحدها وينطفئ فوق مرآب بالقرب من مستودع موسوم برمز عجيب مرسوم بطلاء غريب.
نتجه إلى المرآب. يُغلق الباب وتشير “هارموني” لي بالنزول من العربة.
“أهلاً بك في الديار”، تقول. “حان الوقت الآن لمقابلة الراقص”.
……
لعازر هو اسم لشخصية مسيحية ذكرت في إنجيل يوحنا أقامه المسيح من الموت بعد أربعة أيام
إن وجدتم أيّ أخطاء لغوية أو إملائية أو نحوية أو صرفية أو غيرها، فلا تترددوا في الإشارة إليها في قسم التعليقات. ملاحظاتكم محل تقدير كبير، وتساعدني على تقديم عمل أدق وأفضل جودة. شكرًا لقراءتكم واهتمامكم!
ترجمة [Great Reader]
✨ عضوية مميزة في فضاء الروايات ✨
🚫📢 تخلّص من الإعلانات المزعجة
💖 استمتع بتجربة قراءة سلسة ومميزات حصرية مقابل مبلغ رمزي
📌 ملاحظة: أرسل اسمك في الموقع عند الدفع ليتم تفعيل العضوية ✅
جميع ما يتم ترجمته في الفصول منسوب إلى المؤلفين، ونحن بريئون من أي معانٍ تخالف العقيدة أو معانٍ كفرية وشركية.
هذا مجرد محتوى ترفيهي فلا تدعه يؤثر عليك أو يلهيك عن دينك.
استغفر اللـه وأتوب إليه.