انتفاضة الحمر - الفصل 43
📏 حجم الخط
✍️ نوع الخط
🎨 الخلفية
🖥️ عرض النص
دعم رواية انتفاضة الحمر لزيادة تنزيل الفصول
الفصل 43: الاختبار الأخير
أجدها نائمة في جناح بجوار جناح جوبيتر الخاص. شعرها الذهبي مبعثر. عباءتها أقذر من عباءتي. انها بنية ورمادية اللون، لا بيضاء. تفوح منها رائحة الدخان والجوع. لقد دمرت الغرفة، وقلبت طبقًا من الطعام، وغرزت خنجرها في الباب.
يخشاها الخدم البنيون والورديون، ويخشونني أيضًا. أراقبهم بينما ينسلون مبتعدين. انهم أبناء عمومتي البعيدون. أراهم يتحركون، انهم كائنات غريبة. مثل النمل. مجردين من المشاعر. أشعر بوخزة. المنظور مخلوق شرير. هكذا رأى أغسطس إيو وهو يقتلها. مثل نملة. لا. لقد نعتها بـ “السافلة الحمراء”. كانت في عينيه كالكلب.
“هل كان الطعام ممزوجًا بشيء ما؟”
أسأل أحد الورديين. يتمتم الفتى الجميل بشيء، وهو ينظر إلى الأرض.
“تكلم كرجل” أزمجر.
“مهدئات، يا سيدي”. إنه لا ينظر إلي. لا ألومه. أنا ذهبي. أطول منه بقدم. وأقوى بمراحل. وأبدو مجنونًا تمامًا. كم يظنني شريرًا.
أطلب منه أن ينصرف. “اختبئ. جيشي لا يستمع لي دائمًا عندما أطلب منهم عدم العبث مع الألوان الدنيا.”
السرير فخم. الملاءات من حرير. و الفراش من الريش. الأعمدة من العاج والأبنوس والذهب. موستانج نائمة على الأرض في الزاوية. لفترة طويلة اضطررنا للاختباء حيث ننام. لا بد أنها شعرت بأن الأمر غير مألوف وهي مستلقية في راحة تامة، حتى مع وجود مهدئات في جسدها. حاولت كسر النوافذ أيضًا. أنا سعيد لأنها لم تفعل. إنها مسافة طويلة للسقوط نحو الأسفل.
أجلس بجانبها. أنفاسها تحرك خصلة شعر واحدة. كم مرة راقبتها وهي نائمة بسبب الحمى. كم مرة فعلت هي الشيء نفسه. لكن لا حمى الآن. لا برد. لا ألم في معدتي. لقد شُفي جرح كاسيوس. انتهى الشتاء. في الخارج، رأيت أولى الأزهار تتفتح. قطفت واحدة على سفح الجبل. إنها في الجيب الخفي لعباءتي. أريد أن أعطيها لموستانج. أريدها أن تستيقظ وزهرة الهيمانثوس بجوار شفتيها.
لكن عندما أخرجها، ينغرس خنجر في قلبي. أسوأ من أي نصل معدني. إيو. الألم لن يزول أبدًا. لا أعرف إن كان من المفترض أن يزول. ولا أعرف إن كان هذا الذنب الذي أشعر به مستحقًا. أقبّل زهرة الهيمانثوس وأخبئها. ليس بعد. ليس بعد.
أوقظ موستانج برفق. تتسع ابتسامتها حتى قبل أن تفتح عينيها، كما لو أنها تعرف أنني بجانبها. أنادي باسمها وأزيح الشعر عن وجهها. ترمش عيناها وتُفتحان. تتلألأ بقع ذهبية في قزحيتيها. تبدو غريبة جدًا بجانب أصابعي الخشنة المتسخة بأظافري المتشققة. تدفن وجهها في يدي وتتمكن من الجلوس. تتثاءب. و تنظر حولها. أكاد أضحك وأنا أراها تستوعب ما حدث.
“حسنًا، كنت سأخبرك عن حلم رأيته عن تنانين. كانت أرجوانية جميلة وتحب أن تغني الأغاني.” تنقر درعي بإصبعها. فيحدث رنينا.
“لقد سرقت الأضواء مني. يا لك من وغد. ما الذي حدث؟”
“لقد غضبت.”
تتأوه. “لقد أصبحت الفتاة التي تحتاج الى الانقاذ، أليس كذلك؟ تباً! أنا أكره هؤلاء الفتيات.”
أخبرها بالمستجدات. جيش جاكال منقسم. قواته تحاصر منزل مارس بينما يختبئ هو وليلاث في الجبال العميقة. سنتمكن من العثور عليه بسهولة. “إذا أردت، يمكنك أخذ جيشنا واقتلاع ذلك الوغد.”
“تم”، تبتسم ابتسامة عريضة، وترفع حاجبها.
“ولكن هل يمكنك الوثوق بي؟ ربما أرغب في أن أكون الزعيم العظيم لهذا الجيش الغريب.”
“يمكنني أن أثق بك.”
“كيف تعرف ذلك؟” تقول مرة أخرى.
عندها أقبّلها. لا أستطيع أن أعطيها زهرة الهيمانثوس. ذاك هو قلبي، وهو من المريخ– أحد الأشياء القليلة التي ولدت من التربة الحمراء. ولا تزال ملكًا لإيو.
لكن هذه الفتاة، عندما أخذوها… كنت سأفعل أي شيء لأرى ابتسامتها العريضة مرة أخرى. ربما في يوم من الأيام سيكون لدي قلبان لأعطيهما.
مذاقها مثل رائحتها. دخان وجوع. لا نبتعد عن بعضنا. تتسلل أصابعي عبر شعرها. أصابعها تلامس فكي، عنقي، وتمر بخفة على مؤخرة رأسي. يوجد سرير. لدينا الوقت. وهناك جوع مختلف عن ذلك الذي شعرت به عندما قبلت إيو لأول مرة.
لكنني أتذكر عندما أخذ غطاس الجحيم من جاما، داجو، نفسًا عميقًا من لفافة التبغ خاصته، محولًا إياها إلى جمرة ساطعة لكنها سرعان ما انطفأت في لحظات قليلة. لقد قال: “هذا أنت”.
أعلم أنني متهور. مندفع. أستوعب ذلك. وأنا مثقل بأشياء كثيرة – شغف، ندم، ذنب، حزن، شوق، غضب. في بعض الأحيان تحكمني، لكن ليس الآن. ليس هنا.
انتهى بي الأمر معلقًا على المشنقة بسبب شغفي وحزني. انتهى بي الأمر في الوحل بسبب ذنبي. كنت سأقتل أغسطس من أول نظرة بسبب غضبي. لكنني الآن هنا.
لا أعرف شيئًا من تاريخ المعهد. لكنني أعرف أنني أخذت ما لم يأخذه أحد غيري. أخذته بالغضب والمكر، بالشغف والهيجان. لن آخذ موستانج بالطريقة نفسها. الحب والحرب ساحتا معركة مختلفتان.
لذا، على الرغم من الجوع، أبتعد عن موستانج. دون كلمة، تعرف ما في ذهني، وهكذا أعرف أنه القرار الصحيح. ترسل قبلة أخرى إليّ. تدوم أطول مما ينبغي، ثم نقف معًا ونغادر. نمسك بأيدي بعضنا حتى الباب، ثم ألتفت إليها. “أحضري لي راية جاكال، يا موستانج.”
“نعم، يا سيدي الحاصد.” تنحني انحناءة ساخرة و ترفقها بغمزة صغيرة. ثم تذهب.
المكان يعج بالنهب. في خضم كل هذه الفوضى، وجد سيفرو جهاز الإرسال المجسم. انه يحتوي على تجاربنا الحسية مخزنة في أقراصه الصلبة وهو جاهز لإرسالها إلى المنتقين أينما كانوا. إنه ليس بثًا مباشرًا، لذا لم تصل أحداث اليوم إلى المنتقين بعد. هناك تأخير لمدة نصف يوم. هذا كل ما يتطلبه الأمر. أعطي سيفرو التعليمات وأجعله يبدأ في تجميع القصة التي أريدها أن تُروى. لن أثق بأحد غيره.
أحضرت فيتشنير من زنازين قلعة أبولو. يستلقي على كرسي في قاعة طعام أوليمبوس. وجهه بنفسجي جراء ضربي له. الأرضية مصنوعة من هواء مكثف، لذا نحن معلقون فوق هوة عمودية طولها ميل. قدماه على الطاولة وفمه ملتوي في ابتسامة.
“ها هو الفتى المهووس”، ينادي، متلمسًا ذقنه. “كنت أعرف أنك تملك فرصة جيدة.”
أوجه له إصبعي الأوسط تحيةً. “كاذب.”
يرد الإصبع. “حقير.” يمد يده إلى يدي.
“لا تقل لي أنك ما زلت غاضبًا بشأن التسميم، الأمراض، المكيدة مع كاسيوس، الدببة في الغابة، التكنولوجيا الرديئة، الطقس الفظيع، محاولات الاغتيال، الجاسوس.”
“الجاسوس؟”
“أمزح معك. ها! ما زلت طفلاً. بالحديث عن ذلك، أين جنودك؟ هل يركضون، يأكلون حتى التخمة، يستحمون، ينامون، يمارسون الجنس، يلعبون مع الورديين؟ هذا المكان فخ من عسل، يا بني. فخ من عسل سيجعل جيشك عديم الفائدة.”
“أنت في مزاج أفضل.”
“ابني بأمان”، يقول بغمزة. “والآن ماذا تنوي أن تفعل؟”
“لقد أرسلت موستانج بالفعل للتعامل مع جاكال. وبعد هذا، سأذهب إلى منزل مارس. ثم سينتهي كل شيء.”
“أووو. إلا أنه لن ينتهي.”
يفرقع فيتشنير علكة مألوفة ويتألم. لقد آذيت فكه. يجعلني أضحك. شعرت بالرغبة في الضحك منذ أن أسقط سيفرو جوبيتر. ساقي تؤلمني من ذلك الرجل اللعين. حتى مع المسكنات، بالكاد أستطيع المشي.
“بلا ألغاز. لماذا لم ينته الأمر؟”
“بسبب ثلاثة أشياء”، يقول فيتشنير. وجهه قاسي الملامح يتفحصني للحظة.
“أنت عبارة عن مخلوق غريب. أنت وجاكال كلاكما كذلك. الجميع دائمًا يريدون الفوز. لكنكما مختلفان، غريبان. الذهبيون لن يموتوا من أجل الفوز. نحن نقدّر حياتنا كثيرًا. أنتما لا تفعلان. من أين أتى ذلك؟”
أذكره بأنه أسيري ويجب أن يجيب على أسئلتي.
“ثلاثة أشياء لم تنتهِ. إليك الحقيقة. سأخبرك ما هي إذا أجبت على سؤالي: ما الذي يدفعك.” يتنهد. “الشيء الأول، يا صديقي، هو كاسيوس. ببساطة سيتعين عليه مبارزتك حتى يسقط أحدكما أيها الوغدان الصغيران ويموت.”
كنت أخشى ذلك. أجيب على سؤال فيتشنير. أخبره أن جاكال أراد أن يعرف الشيء نفسه. ما الذي يدفعني. الإجابة المباشرة هي الغضب. من نقطة إلى أخرى، إنه الغضب. إذا حدث شيء، لم أكن أتوقعه، أتفاعل كحيوان – بعنف. لكن الإجابة المعمقة هي الحب. الحب يدفعني. لذا يجب أن أكذب عليه قليلاً.
“كان لأمي حلم بأن أكون أعظم من أي شخص في عائلتي. أعظم من حمل اسم أندروميدوس. اسم أبي.” أبي المزيف. عائلتي المزيفة. لكن الفكرة لا تزال نفسها. “أنا لست من بيلونا. لست من أغسطس. لست من أوكتافيا أو لون .” أبتسم ابتسامة شريرة، انه شيء يمكنه تقديره. “لكنني أريد أن أكون قادرًا على الوقوف فوقهم والتبول على رؤوسهم اللعينة جميعًا.”
يعجب فيتشنير بذلك. لطالما أراد الشيء نفسه، لكنه وجد أنه بدون النسب، فإن الجدارة لا تأخذك إلا إلى حد معين. هذا الإحباط يمثل حالته.
“الشيء الثاني الذي لم ينتهِ هو هذا.” يلوح فيتشنير بيديه حوله. لقد فهمت جوهر الأمر– إنه لا يكشف عن شيء جديد. لقد قتلت مشرفًا. لدي دليل على أن الحاكم الأعلى رشا آخرين وهدد المزيد حتى يفوز طفله. محاباة الأقارب. التلاعب بالمدرسة المقدسة. هذه ليست أخبارًا عابرة. ستحطم شيئًا ما. ربما حتى تعزل الحاكم الأعلى عن منصبه. ستوجه تهم. أما عن العقوبة؟ سيرغب المنتقون في سفك الدماء.
“وسيرغب الحاكم الأعلى في سفك دمك. هذا سيحرجه، وربما يفسح المجال أمام حاكم أعلى من بيت بيلونا. ربما والد كاسيوس.”
يسألني فيتشنير لماذا أثق بالجنود في جيشي الذين كانوا عبيدًا. “إنهم يثقون بي لأنهم رأوا كيف كان سينتهي بهم الأمر في خضم كل هذا لو لم آتِ. هل تظنهم يريدون جاكال سيدًا لهم؟”
“جيد”، يقول فيتشنير. “أنت تثق بهم جميعًا. رائع، إذن لا يوجد تعقيد ثالث. انه خطئي.” أضغط عليه لمعرفة ما يعنيه، فيتنهد ويرضخ.
“أوه، فقط أنك أرسلت موستانج ونصف الجيش للتعامل مع جاكال.”
“وماذا في ذلك؟”
“إنه لا شيء حقًا. أنت تثق بها.”
“لا. قل لي. ما الذي تقصده؟”
“حسنًا، حسنًا. إذا كان يجب أن تعرف، إذا لم يكن هناك طريقة أخرى للالتفاف حول الأمر: إنها أخته التوأم.”
فرجينيا أو أغسطس. أخت جاكال التوأم. وريثة العائلة العظيمة، عشيرة أغسطس. الابنة الوحيدة للحاكم الأعلى نيرو أو أغسطس. الرجل الذي تسبب في كل هذا. أُبقيت منعزلة وبعيدة عن أعين العامة لتجنب محاولات الاغتيال، تمامًا مثل أخيها. لهذا السبب لم يعرف كاسيوس ابنة عدو عائلته اللدود.
لكن عندما جلست مع جاكال، عرفت موستانج من هو. أخوها. هل كانت تعرف من قبل هوية جاكال؟ لا شيء يمكن أن يفسر صمتها إذا كانت تعرف من هو ولم تقل شيئًا. لا شيء يفسره باستثناء الولاء للعائلة – وهو ولاء يفوق الصداقة، يفوق الحب، يفوق قبلة في زاوية غرفة.
لقد أرسلت نصف جيشي إلى جاكال. لقد أعطيته درعًا ارتداديًا، وأحذية جاذبية، وعباءات شبحية، وشفرات، وأسلحة نبضية، ما يكفي من التكنولوجيا ليحتل أوليمبوس. تباً.
يعرف جميع المشرفين. وعندما أمر بهم مسرعًا، يضحكون. يضحكون على غبائي. ينمو الغضب بداخلي. أريد أن أقتل شخصا ما. أحشد قواتي. إنهم منتشرون في جميع أنحاء القلعة، يأكلون طعامها، ويستمتعون بملذاتها. حمقى. إنهم حمقى. أفضل من لدي يتواجدون حيث أحتاجهم. سيفرو، متروك لعمله. هذا هو أهم شيء.
أمرت تاكتوس بمطاردة بقايا فينوس وميركوري في الأراضي المنخفضة الجنوبية واستعبادهم، وأرسلت ميليا لحشد بقية جيشي مع نايلا. أحتاج للذهاب إلى منزل مارس الآن. لا أستطيع انتظار تجمع جنودي. أحتاج إلى أجساد جديدة، لأنه عندما يأتي توأم أغسطس، سيكون لديهم أسلحة وتكنولوجيا تضاهي ما لدي، وربما يكون لديهم المزيد من الجنود.
لقد تغيرت اللعبة. لم أستعد لهذا. أشعر كأنني أحمق. كيف استطعت تقبيلها؟ يبتلع الظلام قلبي. ماذا لو كنت قد أعطيتها زهرة الهيمانثوس؟ أمزقها إلى شرائط وأنا أقفز من حافة جبل أوليمبوس في حذائي الجاذبي وأدع البتلات تتساقط.
آخذ العوائين فقط معي، مارًا بالبتلات بينما نحلق هابطين. نرتدي أحذية الجاذبية والدروع ونحمل قبضات نبضية وشفرات نبضية. اختفى الثلج في أرض منزل مارس. يحل محله تربة طينية خاضتها أقدام الغزاة. المرتفعات مغطاة بالضباب. تفوح منها رائحة الأرض والحصار. أبراجنا، فوبوس وديموس، تحولت إلى أنقاض. لقد أدت المنجنيقات التي أُهديت للمحاصرين عملها هناك. وكذلك فعلت في أسوار قلعتي القديمة.
الواجهة الأمامية في حالة خراب ومكسوة بالسهام، وجرار القطران المكسورة، والسيوف، والدروع، وبعض الطلاب.
ما يقرب من مائة جندي يحاصرون مارس. معسكرهم بالقرب من خط الأشجار، ولكن تم بناء سياج مغلق حول قلعة مارس لمنع أي هجوم مفاجئ من القلعة. لقد كان شتاءً طويلاً لكلا الجانبين، على الرغم من أنني ألاحظ أواني الطهي الشمسية، والسخانات المحمولة، وحزم التغذية لقوات حصار جاكال – المكونة من جوبيتر وأبولو وربع منزل بلوتو.
عدة صلبان تقف شامخة في أسفل المنحدر. تواجه القلعة. على الصلبان ثلاثة أجساد. تخبرني الغربان بحالتهم. العلامة الوحيدة للمقاومة التي أراها من منزل مارس هي رايتنا – ذئب مارس، ممزق ومحروق. التي تتدلى مترهلة في مواجهة الريح الضعيفة.
ننزل أنا والعواؤون من السماء كسَّامِيّن ذهبية. عباءاتنا الممزقة ترفرف خلفنا. لكن إذا كان المحاصرون يتوقعون أن نكون مشرفين نحضر المزيد من الهدايا، فلم يكن من الممكن أن يكونوا أكثر خطأ. نهبط بقوة على الأرض. العواؤون أولاً، وأنا أهبط في مقدمتهم، وعندما أضرب الأرض، يتفرق العدو أمامي في رعب مطلق. لقد عاد الحاصد إلى دياره.
تركت العوائين يدمرون الأعداء على أرضنا. هذا هو أقرب ما كنت إليه من الوطن، من ليكوس، منذ شهور. أنحني وآخذ حفنة من تراب منزل مارس بينما رجالي يقومون بالعمل من حولي. مارس. الوطن. لقد حملت راية مختلفة، لكنني اشتقت لمنزلي. يركض الأعداء لمهاجمتي. يرون نصلي، ويعرفون من أنا. أمشي وسطهم منيعًا. الحاجز النبضي هو درعي. سيفرو والعواؤون هم سيفي.
أسير إلى الصلبان الثلاثة وأحدق لأرى أنطونيا، كاساندرا، وفيكسوس. الخونة. ماذا فعلوا الآن؟ أنطونيا لا تزال على قيد الحياة، وكذلك فيكسوس، بالكاد. أمرت الشوكة بإنزالهم وأخذهم إلى أوليمبوس لروبوتات الإسعاف. سيتعين عليهم أن يتعايشوا مع واقع أنهم شقوا حلق ليا. آمل أن يؤلمهم ذلك.
أقف للحظة عند أسفل التل. أنادي لأخبرهم من أنا. لكنهم يعرفون ذلك بالفعل، لأن راية مارس تنزل وفي مكانها تُرفع ملاءة سرير متسخة مرسوم عليها على عجل نصل منجلي مقوس.
“الحاصد!” يصرخون، وأنا خلاصهم. “الزعيم!”
المدافعون ممزقون، متسخون، ونحيلون. بعضهم ضعيف جدًا لدرجة أننا نضطر لحملهم من أنقاض القلعة. أولئك الذين يستطيعون، يأتون لتحيتي أو إمالة رؤوسهم أو تقبيل خدي. أولئك الذين لا يستطيعون، يلمسون يدي وأنا أمر. هناك أرجل مكسورة وأذرع مسحوقة. سيتم إصلاحها. ننقلهم إلى أوليمبوس. لن يكون منزل مارس مفيدًا في المعركة القادمة، لذا سأستخدم المحاصرين من بلوتو وجوبيتر وأبولو.
أمرت المهرج والحصاة باستعبادهم جميعًا براية منزل مارس. يسلمها لي فتى نحيل بالكاد أتعرف عليه. لكن عندما يمسك بي في عناق بعظامه البارزة، في عناق قوي لدرجة أنه يؤلمني، أعرف من هو. يتردد نحيب صامت في صدري.
روكي صامت وهو يعانقني. ثم يرتجف جسده كما ارتجف جسد باكس وهو يواجه الموت. إلا أن هذه الارتجافات تأتي من الفرح، لا من الألم. روكي حي.
“أخي”، يبكي. “يا أخي.”
“ظننتك ميتًا”، أقول له وأنا أحتضن جسده الهش. “روكي، ظننتك ميتًا.” أحتضنه بقوة. شعره خفيف جدًا. أشعر بعظامه من خلال ملابسه. إنه مثل قطعة قماش مبللة حول درعي.
“أخي”، يقول لي. “كنت أعرف أنك ستعود. كنت أعرف ذلك في قلبي. كان هذا المكان خاويًا بدونك.” يبتسم لي بفخر كبير. “كم تملأه الآن.”
كان زعيم منزل ديانا على حق. منزل مارس عبارة عن حريق هائل. وهو يتضور جوعا. لدى روكي ندوب على وجهه. يهز رأسه، وأعلم أن لديه قصصًا ليرويها – أين كان، وكيف عاد. لكن لاحقًا.
يبتعد متعثرًا. تذهب معه كوين، ذات الأذن الواحدة والمتعبة. تومئ كشكر وتضع يدها على أسفل ظهر الشاعر النحيل بطريقة تجعلني أعرف أنها تركت كاسيوس. “أخبرنا أنك ستعود”، تقول. “روكي لا يكذب أبدًا.”
بولوكس لا يزال مرحًا عندما أراه. صوته أجش ويمسك بذراعي. يقول أن كوين وروكي أبقيا المنزل متماسكًا. كاسيوس استسلم منذ فترة طويلة. ينتظرني في غرفة الحرب.
“لا تقتله… أرجوك. لقد أكل عقله، يا رجل. كل ما فعله بك قد أثقل كاهله؛ اكتشفنا ذلك جميعًا. لذا فقط دعه يحصل على بعض الوقت بعيدًا عن هذا المكان، يا رجل. هذا المكان يؤثر في رأسك. يجعلك تنسى أنه ليس لدينا خيار.”
يركل بولوكس قطعة من الطين. “لقد وضعني الأوغاد مع فتاة صغيرة، هل تعلم”.
“أثناء العبور؟”
“طابقوني مع فتاة صغيرة. حاولت قتلها بهدوء… لكنها لم تمت”.
يتنهد بولوكس ويصفعني على كتفي. يحاول أن يضحك ضحكة مرة. “لقد مررنا بوقت عصيب، لكن على الأقل لسنا حمرًا، هل تفهم؟”
تمامًا. يغادر وأبقى وحيدًا في قلعتي القديمة. مات تيتوس في المكان الذي أقف فيه. أنظر إلى الحصن. إنه أسوأ الآن مما كان عليه في عصره. كل شيء أسوأ الآن، بطريقة ما. تباً. لماذا كان على موستانج أن تخونني؟ كل شيء مظلم الآن بعد أن عرفت. الأمر يلقي بظلاله على حياتي.
كان بإمكانها إخباري مرات عديدة. لكنها لم تفعل أبدًا. أعلم أنها أرادت التحدث معي عندما كنت مع جاكال، لكن على الأرجح فقط لتقول لي شيئًا تافهًا. بعض الأخبار الطفيفة. أم أنها ستخون دمها من أجلي؟ لا. لو كانت ستفعل ذلك، لأخبرتني قبل أن أعطيها نصف جيشي. أخذت رايتها أيضًا، وراية سيريس. لماذا احتاجت كل هذا العدد إلا لشن حرب معي؟
أشعر وكأنها قتلت إيو. أشعر وكأنها وضعت حبل المشنقة وأنا سحبت القدمين. هي ابنة أبيها. أشعر بتلك الطقطقة الصغيرة تمر عبر يدي. لقد خنت إيو. أبصق على الحجارة. فمي جاف. لم أشرب أي شيء طوال الصباح. رأسي يؤلمني.
حان الوقت “لأظهر رجولتي”، كما كان يقول عمي نارول. حان الوقت لرؤية كاسيوس.
يجلس وشفرته الأيونية بارزة من حافة طاولة منزل مارس. يجلس في المقعد الذي نحتت عليه شعاري. راية المنزل القديمة ملقاة على ركبته. يد الزعيم الذهبية تتدلى حول عنقه. لقد مر وقت طويل منذ أن غرز ذلك السيف في بطني. السلاح يبدو سخيفًا الآن. كمجرد لعبة، أو أثر قديم. أنا أبعد ما يكون عن هذه الغرفة، عن شفرته، عن متناوله، لكن عينيه توقفان قلبي.
الذنب مثل العصارة الصفراوية في حلقي. يملأ صدري ويستنزفني.
“أنا آسف بشأن جوليان”، أقول له. شعره مليء بالتجعدات الذهبية لكنه متلبد بالحصى والشحم. تعيش البراغيث هناك. لا يزال جميلاً، و أوسم مما سأكون عليه يومًا. لكنني الرجل الأعظم.
لقد خمدت الشرارة في عينيه. الوقت والبعد عن هذا المكان هو ما تحتاجه روحه. شهور من الحصار. شهور من الغضب والهزيمة. شهور من الفقدان والذنب استنزفته من كل ما يجعله كاسيوس. يا لها من روح مسكينة. أشعر بالأسف من أجله. أكاد أضحك. بعد أن غرز سيفًا في بطني، أشفق عليه. لم يخسر معركة قط. هو وحده من بين جميع الزعماء يمكنه قول ذلك. لكنه يأخذ الشارة ويرميها لي.
“لقد فزت. ولكن هل كان الأمر يستحق؟” يسأل كاسيوس.
“نعم.”
“لا تردد…” يهز رأسه. “هذا هو الفرق بيني وبينك.”
يضع الراية وسيفه جانبًا ويسير بالقرب مني، قريبًا لدرجة أنني أشم رائحة أنفاسه الكريهة. أظن أنه سيعانقني. أريد أن أعانقه، أن أعتذر وأستجدي مغفرته. ثم يفتح جرحًا على مفاصل أصابعه، يمتص الدم منه ويبصقه في وجهي، مفاجئًا إياي.
“هذا ثأر دموي”، يهمس باللغة الراقية. “إذا التقينا مرة أخرى، فأنت لي أو أنا لك. إذا تنفسنا مرة أخرى في نفس الغرفة، سيتوقف نفس أحدنا. اسمعني الآن، أيها الدودة الحقيرة. نحن شياطين لبعضنا البعض حتى يتعفن أحدنا في الجحيم.”
إنه إعلان رسمي بارد يتطلب مني شيئًا واحدًا. أومئ برأسي. ويغادر.
أقف مرتجفًا للحظة بعد رحيله. قلبي يدق في صدري. هناك الكثير من الألم. كنت أظن أن الأمر سينتهي، لكن ليست كل الندوب تلتئم. ليست كل الخطايا تُغفر.
آخذ راية مارس وأثبت شارة الزعيم على نفسي. أشاهد الخريطة على الحائط. ترفرف راية النصل المنجلي فوق كل قلعة هناك؛ لقد أمن رجالي البقية حتى بينما يستعد تاكتوس لهجوم موستانج على أوليمبوس. الآن تلك القلاع ملكي، وليست لذئب منزل مارس.
يشبه نصلي المنجلي حرف لام من لامدا. عشيرتي. المكان الذي لا يزال فيه أخي، أختي، عمي، أمي، أصدقائي، يكدحون. يبدون بعيدين كبعد عالم آخر، ومع ذلك فإن رمزهم، رمز ثورتنا – أداة عمل تحولت إلى سلاح حرب – يطير فوق جميع منازل الذهبيين باستثناء واحد. بلوتو.
أغادر القلعة عبر البرج. أنا غطاس الجحيم الأحمر من ليكوس. أنا الزعيم الذهبي لمنزل مارس. وأنا ذاهب إلى معركتي الأخيرة في هذا الوادي اللعين. بعد ذلك ستبدأ الحرب الحقيقية.
……
بينما كنت أتصفح تيك توك البارحة، صادفت فيديو يعرّف برواية انتفاضة الحُمر، وهذا جعلني أرغب في توجيه شكري لكل من يقرأ هذه الترجمة. أشجعكم أيضًا على اقتراح الرواية لأصدقائكم، أو مشاركة تحليلاتكم ونظرياتكم، وحتى ترتيب الشخصيات أو كتابة انطباعات ومراجعات. فهي رواية مشهورة جدًا في الغرب لكنها ما زالت مظلومة عربيًا.
وأحب أن أطمئنكم أنني ملتزم بمتابعة الترجمة حتى النهاية، وكل ما أطلبه منكم هو دعم بسيط: تعليق، إعجاب، أو ترشيح. كذلك، يوجد سيرفر ديسكورد خاص بـ”ملوك الروايات” أنشر فيه إشعارات الفصول الجديدة، ومع الوقت قد نفتح غرفة نقاش إذا لاقت الرواية رواجًا.
على فكرة، لم يبقَ سوى فصل واحد على نهاية الكتاب الأول، وبعده سندخل مباشرة في الكتاب الثاني. فكونوا في الموعد!
كان معكم المترجم، دمتم بخير 🌹
إن وجدتم أيّ أخطاء لغوية أو إملائية أو نحوية أو صرفية أو غيرها، فلا تترددوا في الإشارة إليها في قسم التعليقات. ملاحظاتكم محل تقدير كبير، وتساعدني على تقديم عمل أدق وأفضل جودة. شكرًا لقراءتكم واهتمامكم!
ترجمة [Great Reader]
✨ عضوية مميزة في فضاء الروايات ✨
🚫📢 تخلّص من الإعلانات المزعجة
💖 استمتع بتجربة قراءة سلسة ومميزات حصرية مقابل مبلغ رمزي
📌 ملاحظة: أرسل اسمك في الموقع عند الدفع ليتم تفعيل العضوية ✅
جميع ما يتم ترجمته في الفصول منسوب إلى المؤلفين، ونحن بريئون من أي معانٍ تخالف العقيدة أو معانٍ كفرية وشركية.
هذا مجرد محتوى ترفيهي فلا تدعه يؤثر عليك أو يلهيك عن دينك.
استغفر اللـه وأتوب إليه.