انتفاضة الحمر - الفصل 33
لاتنسو الدعاء لأخوتنا في غزة ❤️
الإعدادات
Size
A- A+Font
لون الخلفية
دعم رواية انتفاضة الحمر لزيادة تنزيل الفصول
الفصل 33: اعتذارات
يوقظني كاسيوس في منتصف الليل. يقول بهدوء: “لقد عثر سيفرو على روكي. حالته مزرية. تعال”.
“أين؟”.
“شمالاً. لا يستطيعون تحريكه”.
ننطلق مبتعدين عن القلعة تحت ضوء القمرين التوأمين. تملأ ندفات ثلج شتوية مبكرة متراقصة الهواء. تصدر أصوات امتصاص من الوحل بينما نتحرك نحو نهر ميتاس الشمالي. ليس هناك أصوات سوى خرير الماء وهبوب الرياح بين الأشجار. أمسح النعاس من عيني وأنظر إلى كاسيوس. معه سيفانا الأيونيان، وفجأة تتقلص معدتي حين أدرك ما الذي يحدث. إنه لا يعرف مكان روكي. لكنه يعرف شيئاً آخر. إنه يعرف ما الذي فعلته.
انه فخ لا يمكنني الهروب منه. أظن أن هناك أوقاتاً كهذه في الحياة. الأمر أشبه بمشاهدة الأرض تقترب بينما أنت تسقط من ارتفاع شاهق. رؤية النهاية قادمة لا تعني أنك تستطيع تفاديها، إصلاحها، أو إيقافها.
نمتطي الخيل لعشرين دقيقة أخرى. يقول كاسيوس فجأة: “لم تكن مفاجأة”.
“ماذا تقصد؟”.
“لقد عرفت لأكثر من عام أن جوليان كان مقدراً له الموت”. يتساقط الثلج بصمت بينما نتحرك معاً عبر الوحل. الحصان الدافئ يتحرك بين ساقي. خطوة بخطوة في الوحل. “لقد أفسد اختباره. لم يكن الأذكى قط، ليس بالطريقة التي يريدونها. أوه، كان لطيفاً وبارعا بالعواطف—كان يستطيع استشعار الحزن أو الغضب من على بعد كيلومتر. لكن التعاطف من شيم الألوان الدنيا”. لا أقول شيئاً.
“هناك عداوات لا تتغير يا دارو. كالقطط والكلاب. والثلج والنار. وأغسطس وبيلونا. عائلتي وعائلة الحاكم الأعلى”. عينا كاسيوس مثبتتان إلى الأمام حتى عندما يتعثر حصانه وتتحول أنفاسه إلى ضبابية في الهواء. “لكن على الرغم مما ينذر به الأمر، كان جوليان متحمساً عندما تلقى رسالة القبول مختومة بختم الحاكم الأعلى الشخصي. لم يبد الأمر صائباً لي أو لإخوتي الآخرين. لم أظن أبداً جوليان من النوع الذي سينجح. أحببته، كل إخوتي وأبناء عمي أحبوه؛ لكنك قابلته. أوه، لقد قابلته—لم يكن أذكى العقول، لكنه لم يكن أغباها؛ لم يكن ليكون في الواحد بالمئة الأدنى. لا حاجة لإقصائه من القطيع. لكنه كان يحمل اسم بيلونا. اسم يكرهه عدونا. وهكذا استغل عدونا البيروقراطية، استخدم لقبه، صلاحياته المخوّلة له حسب الأصول، لقتل فتى لطيف. رفض دعوة إلى المعهد هو عمل غير قانوني. وكان مسروراً جداً، ونحن—أمي وأبي وإخوتي وأخواتي وأبناء عمي وأحبائي—كنا متفائلين جداً به. لقد تدرب بجد”.
يأخذ صوته نبرة ساخرة. “لكن في النهاية، أُلقي بجوليان للذئاب. أو هل يجب أن أقول للذئب؟”. يوقف حصانه، وعيناه تخترقانني بنظراتهما.
“كيف اكتشفت الأمر؟” أسأل، وأنا أحدق أمامي نحو المياه الداكنة. تختفي ندفات الثلج على السطح الأسود. الجبال ليست سوى تلال تغطيها الضلال من بعيد. النهر يخرخر. لم أترجل عن حصاني.
“أنك قمت بعمل أغسطس القذر؟” يضحك بازدراء. “لقد وثقت بك يا دارو. لذا لم أكن بحاجة لرؤية ما أرسله لي جاكال. لكن عندما حاول سيفرو سرقته مني وأنا نائم في الغابة العظمى، عرفت أن هناك خطباً ما”. يلاحظ ردة فعلي. “ماذا؟ هل ظننت أنك تتعامل مع أشخاص أغبياء؟”.
“أحياناً. نعم”.
“حسناً، لقد شاهدته الليلة”.
تسجيل مجسم. مع وجود روكي وليا، نسيت أمر الكيس. كان من الأفضل لو أنني نسيته. كان من الأفضل لو أنني وثقت به ولم أرسل سيفرو لسرقته. ربما كان سيتخلص منه حينها. ربما كانت الأمور ستكون مختلفة.
“ماذا شاهدت؟” أسأل.
“تسجيلاً مجسماً يظهرك وأنت تقتل جوليان يا أخي”.
“جاكال حصل على تسجيل مجسم” أفكر بصوت عالٍ. “إذن مشرفه أعطاه إياه. أظن أن هذا يعني أن اللعبة مزيّفة من الأساس. أفترض أنه لا يهمك أن جاكال هو ابن الحاكم الأعلى وأنه يتلاعب بك للتخلص مني”. يرتجف.
“لم تكن تعرف أن جاكال هو ابنه، أليس كذلك؟ أظن أنك كنت ستتعرف عليه لو رأيته ولهذا أرسل ليلاث”.
“لم أكن لأتعرف عليه. لم أقابل ابن ذلك الوغد قط. لقد أبقاهم بعيداً عن أنظارنا قبل المعهد. وأبعدتني عائلتي عنه بعد…” يتلاشى صوته وعيناه تغوصان في ذكرى بعيدة.
“يمكننا هزيمته معاً يا كاسيوس. لا داعي للانقسام—”.
“لأنك قتلت أخي؟” يبصق. “لا يوجد ‘نحن’ أيها العاهر العاجز. انزل عن حصانك اللعين”.
أترجل عن حصاني ويرمي لي كاسيوس أحد السيوف الأيونية. أقف في مواجهة صديقي في الوحل. لا أحد يشاهدنا سوى الغربان والقمران. و المشرفون. نصلي المنجلي على السرج؛ على الأقل له انحناءة، لكنه عديم الفائدة ضد نصل أيوني. سيقتلني كاسيوس.
“لم يكن لدي خيار،” أقول له. “آمل أنك تعرف ذلك.”.
“ستتعفن في الجحيم، أيها الوغد المتلاعب،” يصرخ. “لقد سمحت لي بمناداتك يا أخي!”.
“إذن ماذا كنت تريد مني أن أفعل؟ هل كان يجب أن أترك جوليان يقتلني في الممر؟ هل كنت ستفعل ذلك؟”. هذا يجمده. “إنها الطريقة التي قتلته بها.” يصمت للحظة. “نأتي كأمراء وهذه المدرسة من المفترض أن تعلمنا كيف نصبح وحوشاً. لكنك أتيت وحشاً”. أضحك بمرارة.
“وماذا كنت أنت عندما مزقت تيتوس؟”.
“لم أكن مثلك!” يصرخ كاسيوس.
“لقد تركتك تقتله يا كاسيوس، حتى لا يتذكر المنزل أن اثني عشر فتى تبولوا طويلاً على وجهك. لذا لا تعاملني وكأنني وحش”.
“أنت كذلك،” يسخر.
“أوه، أغلق فمك اللعين ولننتقل إلى الأمر مباشرة. أيها المنافق”.
المبارزة لم تدم طويلاً. لقد كنت أتدرب معه لشهور. وهو قد شارك بالمبارزات طوال حياته. يتردد صدى النصلين عبر النهر الجاري. يتساقط الثلج. يلتصق الوحل ويتناثر. نلهث. يتصاعد البخار من أنفاسنا. ترتجف ذراعاي بينما تصطدم الأنصال و تحتك. أنا أسرع منه، وأكثر سلاسة. كدت أن أصيب فخذه، لكنه يعرف قواعد هذه اللعبة.
بنقرة خفيفة من معصميه لتحريك سيفي جانباً، يتقدم ويغرس نصله الأيوني عبر درعي في بطني. كان يجب على النصل أن يكوي الجرح فوراً ويدمر الأعصاب، تاركاً إياي مصاباً ولكن حياً، لكنه أطفأ الشحنة الأيونية، لذا لا أشعر سوى بشد رهيب بينما ينزلق المعدن الغريب داخل جسدي وتتدفق الحرارة للخارج. أنسى أن أتنفس. ثم أشهق. يرتجف جسدي. يحتضن السيف. أشم رائحة عنق كاسيوس. إنه قريب. قريب كما كان حين يضع يده على رأسي ويدعوني أخي. شعره دهني.
تغادرني الكرامة وأبدأ في الأنين كالكلب. يزهر ألم نابض—يبدأ كضغط، كامتلاء بطني بالمعدن، ثم يتحول إلى رعب مؤلم. أرتجف بحثاً عن أنفاس كي استنشقها، أبتلع الهواء. لا أستطيع التنفس. الأمر أشبه بثقب أسود في أحشائي. أسقط إلى الخلف وأنا أئن. هناك ألم. الألم شيء. وهذا شيء مختلف تماما. إنه رعب وخوف. جسدي يعرف أن هذه هي الطريقة التي تنتهي بها الحياة. ثم يتم سحب السيف وتبدأ المعاناة. يتركني كاسيوس أنزف وأتنشج في الوحل. كل ما أنا عليه يختفي بعيداً وأصبح عبداً لجسدي. أبكي.
أصبح طفلاً مرة أخرى. أتكور حول الجرح. يا الهـي ، إنه… رهيب. لا أفهم الألم. انه يلتهمُني. لستُ رجلاً؛ أنا طفل. دعني أموت بشكل أسرع.
أغوص في الوحل البارد، البارد جداً. أرتجف وأبكي. لا أستطيع منع نفسي. جسدي يفعل الأشياء من تلقاء نفسه. جسدي يخونني. لقد اخترق المعدن أحشائي. يخرج دمي. ومعه تتلاشى آمال الراقص، تضحية أبي، حلم إيو. بالكاد أستطيع التفكير بهم. الوحل داكن وبارد. هذا يؤلمني كثيراً. إيو. أفتقدها. أفتقد وطني. ماذا كانت هديتها الثانية؟ لم أكتشف ذلك قط. أختها لم تخبرني أبداً. الآن أعرف الألم. لا شيء يستحق هذا. لا شيء. دعني أكن عبداً مرة أخرى، دعني أرى إيو، دعني أموت. أي شيء إلا هذا.
……
وهكذا نطوي صفحة أخرى من هذه الملحمة… لكنها ليست صفحة هادئة، بل صفحة تقطر بالدم، وتشتعل بالخيانة، وتصرخ بالوعود المؤجلة.
في هذا المجلد، اكتشفنا أن النصر قد يكون أثقل من الهزيمة، وأن الطعنة التي تأتيك من الخلف… أعمق من كل جراح المعركة.
شكرًا لأنكم رافقتموني عبر هذا المجلد المليء بالدهشة والخذلان، واستعدوا للمجلد الرابع… حيث تُكسر كل القواعد، وتُختبر كل الولاءات، وتُحسم معركةٌ لم يعد فيها مكان للرجوع.
إلى اللقاء في القادم… حيث لن ينجو أحد بلا ندوب.
أوه كم أحب نهاياتي الدرامية نلتقي بالمجلد الرابع والأخير والذي يتكون من 10 فصول.
إن وجدتم أيّ أخطاء لغوية أو إملائية أو نحوية أو صرفية أو غيرها، فلا تترددوا في الإشارة إليها في قسم التعليقات. ملاحظاتكم محل تقدير كبير، وتساعدني على تقديم عمل أدق وأفضل جودة. شكرًا لقراءتكم واهتمامكم!
ترجمة [Great Reader]
OBI
ترجمة اكثر من رائعة شكرا على جهودك