انتفاضة الحمر - الفصل 91
📏 حجم الخط
✍️ نوع الخط
🎨 الخلفية
🖥️ عرض النص
دعم رواية انتفاضة الحمر لزيادة تنزيل الفصول
الفصل 47: حر
“الوعاء” هو قطعة من القذارة—عش بعمق ثلاثمائة متر من المعدن والخرسانة ، مشبع برائحة القمامة وعمال التنظيف. ذات مرة بدا وكأنه يرتفع فوق ساحة ليكوس كقلعة سامقة. ولكن بينما تهبط سفينتي، لا يبدو سوى بثرة معدنية باهتة في غابات التايغا المريخية الجنوبية، بعيدًا عن المدن العظيمة حيث يحتشد الرجال للمجهود العظيم ضد أوكتافيا أو لون.
الرماديون بالداخل ليسوا صالحين لكسب أجرهم إلا في ترهيب الحمر. يا ليتني لم أعتبر الرماديين يومًا مثل “دان القبيح” قوات نخبة. من المحزن أن أرى كم كانت شياطين شبابي ضعيفة وتافهة حقًا. كأنني أتيت من ماضٍ خيالي أجوف.
لم يعلموا أن سفينتي قادمة. لا يعرفون لماذا أنا هنا، ولا يجب أن أخبرهم. إنهم يتفرقون كذباب الخيل بينما أسير على منحدر سفينتي نحو منصة الهبوط التي اسودت بفعل المحركات ، وحراسي الشخصيون من الأوبسديان يتدفقون أمامي. راغنار يرتفع خلفي بينما أسير عبر القاعات ذات الحواجز المعدنية. أي من هؤلاء الرماديين سيعرف كيف يصل إلى حيث أحتاج للذهاب، لكنني أبحث عن وجه مألوف.
“دان”، أسأل أحد عمال النظافة البنيين. “أين هو؟”
أقتحم إحدى غرفهم المشتركة، حيث يلعب اثنا عشر من الرماديين الورق ويدخنون السيجار. تلاحظني امرأة، وتحول انتباهها عن مكعب عرض مجسم حيث يتناقش العديد من الرؤوس المتحدثة— فضي، وبنفسجي، واثنان من الخضر— حول التداعيات السياسية لغزو المريخ على أنغام مونتاج لمآثري. يسقط سيجارها من فمها. الرجل الجالس بجانبها يصفع السيجار وهو يسقط على ساقه ويلتهم القماش.
“كارلي، يا غمد اللحم الغبي”. يبتعد عن الطاولة. “اللعنة. ما خطب…”
يلتفت “دان القبيح” ليراني لأول مرة منذ أربع سنوات. أستطيع أن أشعر بشعر جلده يقف بينما ينتبه زنبرك الانضباط المخبأ في جسده الكسول. لا يوجد تعرف في عينيه، لا خوف، فقط طاعة.
هذا لا يمنحني أي شعور بالارتياح. كان يجب أن تكون على شفتي دان ابتسامة متعجرفة، ونظرة ضبع لئيمة في هيئته. لكنه ليس كذلك. إنه مُروّض. مطيع. وجهه محفور من حب الشباب في مرحلة الطفولة. الشعر الدهني الذي سخرت منه أنا ولوران خلف ظهره، قد اختفى الآن. حلت محله فوهة صلع، تحيط بها براعم من الشعر الرمادي الذابل. إنه مخيف ككلب مبلل. هذا هو الرجل الذي تركته يقتل إيو.
كيف لم أستطع إيقافه؟ هل كنت ضعيفًا إلى هذا الحد يومًا؟
“الحديقة الفقاعية”، أقول لدان، وصوتي يملأ غرفة الاستراحة المعدنية. “خذني إلى هناك”.
لقد استدرت بالفعل. يربت راغنار على فخذه. “تعال أيها الكلب”.
لقد مرت أربع سنوات منذ أن وقفت هنا آخر مرة. تتلألأ النجوم بلون رمادي أعلاه بينما يرتدي الليل غطاءه. الحديقة أصغر مما أتذكر. أقل امتلاءً بالألوان، بالأصوات. أفترض أن هذا متوقع، بالنظر إلى أين كنت، ورؤية ما رأيت. هناك المزيد من القمامة. المزيد من علامات استخدام الرماديين للمكان للمضاجعة والشرب. أركل علبة بيرة فارغة بحذائي. غلاف لوح حلوى يحدد المكان الذي استلقيت فيه أنا وإيو آخر مرة معًا.
أتذكرها كسرير من العشب الناعم. ولكن هناك أعشاب ضارة الآن. ربما كانت هناك أعشاب ضارة حينها ولم ألاحظها. الزهور ذابلة، أشياء تافهة. ألمس واحدة بإصبعي وأشعر بحزن يجذبني بينما أحدق عبر سقف الفقاعة لأرى النجوم تتساقط عبر السماء. أشخر. ربما كانت نجومًا يومًا ما. اعتقدتها كذلك عندما كنت أصغر سنًا. لكنني الآن أعلم أنها السفن الحربية التي تستعد لهجوم على لونا. لا أعرف ما الذي توقعته. لم يبقَ سحر هنا.
كان يجب أن أترك هذا المكان مثاليًا في الذاكرة. أتساءل عما إذا كانت إيو أكثر أمانًا هناك، في مأمن من عيني. لو رأيتها الآن، لو عدت، هل سأكون مغرمًا إلى هذا الحد؟ هل ستبدو مثالية إلى هذا الحد؟
أسير عبر الحديقة. إنها حقًا بالكاد أكبر من أجنحتي على “باكس”. أنا أغلظ من الأشجار التي أسير تحتها. العشب يتساقط بالقرب من قاعدتها حيث ترتفع الجذور عبر الأرض.
أجد المكان الذي جئت من أجله. زهور الهيمانثوس تعيش فوق قبر إيو. العشرات. كان سيبدو معجزة لو لم أتذكر برعم الزهرة الذي وضعته في القبر معها. إنها ليست هناك بعد الآن. أعلم ذلك. الرماديون كانوا سيخرجونها من القبر ويعلقونها في الساحة لتتعفن بعد أن شنقوني.
هناك مفارقة مظلمة أدركها للتو. جئت إلى هنا لأطلب مباركتها لكنها ليست هنا. لقد هربت من هذا القفص إلى الوادي.
لذا أجلس متربعًا، أنتظر غروب الشمس، حيث انتظرت شروقها يومًا ما. عندما تغرب، يملأ ضوء النهار المتضائل حديقة الفقاعة بلون دموي. ثم تستسلم الشمس للأفق ويسحب الليل كفنه المثقوب بالنجوم فوق المريخ.
أضحك على نفسي. ينزلق راغنار من مكانه عند الباب. “أنا بخير”، أقول دون أن ألتفت إليه. “كانت ستضحك عليّ لمجيئي إلى هنا”.
“الضحك هدية”.
“أحيانًا”.
أقف وأنفض الغبار عن بنطالي، وألقي نظرة أخيرة على المكان. الحديقة ليست مثالية كما كانت في الذاكرة. ولا هي كانت كذلك. كانت نافدة الصبر. يمكن أن تكون حاقدة لأسباب تافهة. لكنها كانت فتاة. لم تبلغ السابعة عشرة حتى. وقد أعطت أقصى ما تستطيع، وفعلت أفضل ما تستطيع بما لديها. لهذا السبب سأحبها دائمًا، ولهذا السبب أعلم ما إذا كانت ستمنح مباركتها لما سأفعله أم لا. لا يمكن لقلبي أن يبقى هنا في هذا القفص الذي هربت منه بنفسها. يجب أن يمضي قدمًا.
…….
وهنا قد تطور بطلنا قليلا. ما رأيكم بالحكمة التي تنص على أن المكان المثالي من الذاكرة لا يجب العودة إليه مجددا كي لا يخفت بريقه وكي لا يخيب أملك بما اعتبرته يوما مثاليا.
✨ عضوية مميزة في فضاء الروايات ✨
🚫📢 تخلّص من الإعلانات المزعجة
💖 استمتع بتجربة قراءة سلسة ومميزات حصرية مقابل مبلغ رمزي
📌 ملاحظة: أرسل اسمك في الموقع عند الدفع ليتم تفعيل العضوية ✅
جميع ما يتم ترجمته في الفصول منسوب إلى المؤلفين، ونحن بريئون من أي معانٍ تخالف العقيدة أو معانٍ كفرية وشركية.
هذا مجرد محتوى ترفيهي فلا تدعه يؤثر عليك أو يلهيك عن دينك.
استغفر اللـه وأتوب إليه.