انتفاضة الحمر - الفصل 82
📏 حجم الخط
✍️ نوع الخط
🎨 الخلفية
🖥️ عرض النص
دعم رواية انتفاضة الحمر لزيادة تنزيل الفصول
الفصل 38: المطر الحديدي
كل ما أراه هو المعدن. أنا واحد من ألف في قرص العسل المعروف “بأنابيب الاطلاق”. خلف الأنبوب المعدني، تحتدم معركة. لا أشعر بشيء. لا باهتزاز “باكس”. ولا بالصواريخ وهي تنطلق عبر الفضاء لتجلب الموت الصامت. فقط نبض قلبي. أخبرني ميكي أنه كان أقوى ما رآه في “أحمر”، بفضل سم أفعى الحفر الذي تتبع عروقي عندما كنت صغيرًا. يجعل يدي ترتعشان الآن وهو يركض في صدري. الخوف يمتطيني. الخوف من أشياء كثيرة. الخوف من خذلان أصدقائي، من فقدان أصدقائي. من إخبار أصدقائي بالحقيقة حول ما أنا عليه. الخوف من عدم كوني على قدر المهمة التي أمامي. الخوف الناجم عن الشك— في نفسي، في خططي للتمرد. الخوف من الموت. الخوف من الضياع في ظلام الفضاء خلف الهيكل. الخوف من خذلان إيو، شعبي ، ونفسي. ولكن بشكل رئيسي، الخوف من المعدن الساخن.
الثرثرة تأتي عبر أجهزة الاتصال. انها روتينية. الخطة قيد التنفيذ، وأنا لست سوى ترس الآن. المعركة أكبر من أن أشارك فيها كلها. أردت أن أقود “باكس” من مركز قيادتها حتى أتمكن من مشاهدة سفن العدو تسقط أمام أسطولي. لكن أوريون وروكي أفضل مني في الفضاء.
أردت أن أكون في سفن الإلتحام التي تحمل فرق الاقتحام عبر الثغرة إلى هياكل العدو؛ أردت اقتحام مراكز القيادة، صد الغزاة عن سفينتي، القفز من مدمرة إلى مدرعة، وجعلها ملكي. لكنني لن أأسر الامبراتور بيلونا. “العمالقة” سيفعلون ذلك. في النهاية، أعدائي يملون عليّ أين أذهب. أنا أطارد الجائزة الكبرى. جائزة كانت هدفي منذ أن غادرت “لونا”.
قلادة “الحصان المجنح” الحقيقية باردة على صدري. شعر إيو يكمن بداخلها. ركز على ذلك. على الطريقة التي كان يتحرك بها شعرها. ينجرف مع رياح المناجم العميقة. ركز هناك. بالتفكير فيها، يداهمني الشعور بالذنب. أنا أحب هذه الحياة. بغض النظر عن ترددي في لعب دور “الذهبي”، بغض النظر عن الأعذار الحزينة التي أقدمها، جزء مني مثلهم. ربما ولدت لأكون من “لونين”.
اللعنة على ذلك. الإنسان لم يولد ليكون من أي “لون”. حكامنا قرروا إنزالنا إلى “ألوان”. وكانوا مخطئين.
” أودينتس فورتيونا جُفات، يا أعزائي”، يقول سيفرو عبر خط اتصال خاص.
أنفجر ضاحكًا من اللاتينية. “المزيد من هراء ‘الحظ يحابي الجريئين’؟ لماذا لا تقول فقط ‘كارب ديام’؟” (اغتنم اليوم)
“لأنه من التقليد أن نقول…”
“هل تغازلان دائمًا هكذا قبل المعركة؟ هذا رائع”، تضيف فيكترا.
“كان يجب أن تريهما في المعهد، حب من أول عواء”، تضحك موستانج.
“رأيت المقاطع! يا لهما من ثنائي جميل.”
أسمع الابتسامة في صوت موستانج. “كانا يرتديان ملابس متطابقة. أنيقان، أليس كذلك يا روكي ؟ ورائحتهما كريهة.”
“بالتأكيد لم ألاحظ.”
“لماذا لا؟”
روكي يرد، مثيرًا الضحك: “سيفرو أخافني حتى تبولت على نفسي. لم أكن أنظر إلى ما يرتديه”.
“ظننت أنه تعرض لعضة سنجاب وأصيب بداء الكلب بطريقة ما.”
“روكي ؟” ينادي سيفرو بحلاوة.
“سيفرو.”
“مرحبًا.”
“مرحبًا؟”
“في المرة القادمة التي أراك فيها، سأقوم بعضك.”
“يجب أن أذهب.” ضحكة روكي الخافتة تتلاشى. “نحن نشتبك مع قوات العدو الرئيسي.”
“ماذا ستفعل، ستصيبهم بالملل حتى الموت بقراءة شعرية خفيفة؟” يقول سيفرو مجددًا.
روكي يعلن بمرح: “أنت ‘لاحس قضبان'”.
“أتمنى أن ترشد ‘الفوريات’ سيوفكم و’الأقدار’ أن تعيدكم إلى دياركم. حتى ذلك الحين، حبي معكم جميعًا.”
إعلان الحب يفاجئ “الذهبيين”. يُغلق اتصال روكي ويمكننا سماعه على التردد الرئيسي وهو يعطي أوامر لمهاجمة مدمرة معادية.
“يا له من قزم “، يتمتم سيفرو، ولكن حتى الطفل يمكنه التقاط الارتجاف في صوته. إنه خائف.
“هنا تكمن الأسود”، أقول لأصدقائي. “كونوا شجعانًا. كونوا شجعانًا وسأراكم على الجانب الآخر.”
“هنا تكمن الأسود”، يرددون، ليس من أجل أغسطس، ولكن لأننا نتمنى لو كنا شجعانًا كالأسود.
واحدًا تلو الآخر، نودع بعضنا البعض. قبل أن أتمكن من إيقاف نفسي، أتصل بالتردد الخاص بموستانج. تستغرق عشرين ثانية للرد. “ما الأمر؟” التردد يطارد صوتها.
“ابقي على قيد الحياة”، أقول. هناك وقفة. يمكن أن تكون عاطفة؟ انزعاج؟
“أنت أيضًا.” تغلق رابط الاتصال. قريبًا تبدأ التروس في الأزيز والنقر بينما يتم تحميلي في آلية الأنبوب.
لقد تصرفت طوال هذا الوقت وكأنني أعرف ما هو قادم. وكأنني أعرف ما هو “المطر الحديدي”. لكنه يلوح أمامي كوحش مظلم يسيل لعابه. انه لغز، على الرغم من أنني رأيت وجهه. لقد رأيت تجارب الواقع الافتراضي ومقاطع مكعب العرض المجسم. أعرف ما هو بالطريقة التي يعرف بها الطفل الطيران من مشاهدة طائر.
“تم الوصول إلى إحداثيات الانتشار.” صوت روكي يملأ آذان كل “ذهبي” في الأسطول. “دعوا المطر يهطل.”
أنين الشحنة المغناطيسية في الأنبوب يملؤني. أنزلق إلى الأمام في الغرفة، أستعد، وأنظر إلى أسفل حتى لا أكسر رقبتي. ثم ينطلق وأنا أستسلم للسرعة والمعركة بينما تملأ المرارة حلقي. أخترق التيار المغناطيسي، خارجًا من أنبوب السفينة إلى فوضى عارمة.
النار والبرق يحكمان الفضاء. وحوش ضخمة من المعدن تتقاذف الصواريخ ذهابًا وإيابًا، تقصف بعضها البعض بصمت بجميع أسلحة الإنسان. صمت ذلك، غريب جدًا، غريب جدًا. ستائر ضخمة من “الشظايا” تنفجر حول السفن، تغطيها بالغضب، تشبه تقريبًا القطن الخام الملقى في الريح. ذوات الأجنحة الخاطفة و”الدبابير” تئز حول بعضها البعض، مطلقة سيولاً من نيران المدافع. إنهم يعضون ويشرحون هياكل المعدن، يقاتلون في سحابة كثيفة عملاقة. في أسراب صغيرة ينسلون من معاركهم الفوضوية، يدورون بصمت نحو تجمعات سفن الإلتحام بينما تطلق المدمرات والحاملات ناقلات جنودها عبر الفضاء في موجات متموجة. إنها لعبة فرق الاقتحام. فوق، تحت، ومن خلال ستائر الشظايا، تتقدم “سفن الالتحام”، باحثة عن هيكل لتتسلق عليه حتى تتمكن من ضخ حمولتها المميتة في بطن السفن الحاسمة، كالذباب الذي يسقط يرقاته في الجروح المفتوحة. جميعهم يقودهم “زُرق” تم تربيتهم لفعل هذا الشيء الوحيد. سفن آل بيلونا تمر بجانب سفن أغسطس، مثل موجات تتداخل، وتتحطم على بعضها البعض. كل ذلك في صمت.
الصواريخ تقفز نحو “سفن الالتحام”، مدمرة الهياكل بالانفجارات. لا ألسنة لهب إلا حيث تُثقب السفن، مسربة ألسنة لهب الأكسجين كما تسرب حيتان الأرض القديمة المصابة بالحراب الدم. طلقات “المدافع الكهرومغناطيسية” تخترق الفضاء، ممزقة عدة “سفن التحام” ومقاتلات أصغر في نفس الوقت، محدثة ثقوبًا في الصفوف. السفن تنفجر مطلقة رجالًا ونساءً حيث يستهدف كلا الجانبين المحركات، آملين في الشل والأسر بدلاً من التدمير. وسط أسطول العدو الأزرق والفضي، تحطم “السفينة الحربية” الضخمة الطرادات والمركبات الفضائية فائقة السرعة مثل عملاق “سايكلوب” يخوض بين الأغنام— هراوته تتأرجح بثقل و بطء.
أحبس أنفاسي بينما تنزلق مدمرة فيكترا، محمية بمدمرتين أخريين، نحو “السفينة الحربية”. تتعرض لوابل من نيران “المدافع الكهرومغناطيسية”، وسفن “رجال الحرب” تطوقها بنيران الصواريخ. يجب أن يضمن آل بيلونا أنها قريبة جدًا من الأسر، لأنهم يفتحون وابلًا آخر في بطنها الذي تم إضعافه. ومع ذلك، وسط النيران التي تعاني منها، تلد الطرادة دفعة يائسة من أربعين سفينة إلتحام. ما يقرب من عشرة أضعاف حمولتها العادية. لقد حفرناها لتصبح مجوفة لتناسب حاملات الجنود الإضافية. هذه هي فرقة حرب آل تيليمانوس. تقطع سفينة فيكترا طريقها مبتعدة عن “السفينة الحربية”، وتغوص بتهور في تشكيل آل بيلونا حيث أسطول والدتها من السفن التي تحمل الشمس النازفة يدعم نسور بيلونا. فيكترا تفجر مفاجأتها الثانية.
والدتها تغير ولاءها، وتخون آل بيلونا كما وعدتني فيكترا أنا وجاكال. سفن والدتها تُنزل أكثر من مئتي “سفينة التحام” وسط قلب أسطول بيلونا. تعم الفوضى.
“عمالقتي” يهبطون على هيكل سفينة القيادة المعادية، وسرعان ما تُزين “السفينة الحربية” بـ “سفن الالتحام”. حظًا سعيدًا، أيها “العمالقة”.
سفن الإلتحام الصديقة لآل بيلونا تعيد توجيه نفسها نحو “السفينة الحربية” لتقديم المساعدة للمعركة التي ستملأ قاعاتها بالدخان والدم. ذوات الأجنحة الخاطفة تمر بسرعة، تطلق النار على “سفن الالتحام” الهابطة، محاولة سلخها قبل أن تفرغ رجالها في جسد “السفينة الحربية”. إنها رقصة أنيقة من الفعل ورد الفعل ورد الفعل ثم رد الفعل مرة اخرى.
أواصل مساري، غير قادر على تغييره. إلى يساري ويميني، ينطلق الآلاف من “الذهبيين” والأوبسديان في بذلات قتال فضائية متطورة مدرعة، و”الرماديون” في “مجموعات” تضم كل منها اثني عشر. مطر من الرجال والمعدن. وسط تيارنا، تطير “سفن شحن” كبيرة محملة بالمزيد من الأوبسديان و”الرماديين”. بمجرد أن نصل إلى اليابسة ونؤمن رؤوس الجسور، ستنسل الفيالق المجمعة من المدرعات والحاملات على متن زوارق الإنزال وتتدفق خلفنا.
على الرغم مما يعتقده آل بيلونا وحلفاؤهم، لا يمكنهم منعنا من إنزال الرجال— المدار حول الكوكب كبير جدًا. لهذا السبب، فإن السيطرة على المدن ذات أهمية قصوى. إنها قلاع جزرية. الطريقة الواقعية الوحيدة للاستيلاء عليها هي الوصول إلى اليابسة والتسلل تحت الفجوة البالغة مئتي متر بين دروعها الطاقية قرصية الشكل والأرض. هذا يتطلب رجالاً على السطح. ملايين الرجال في هجوم منسق.
سننشئ مئة رأس جسر، وبعد ذلك ستبدأ معركتنا بجدية. في الفوضى، تنطلق الصواريخ نحو بذلات قتالنا الفضائية المتطورة. السفن الرئيسية الصديقة تنشر ستائر من “الشظايا” خلفنا، و”الدبابير” تغطي أجنحتنا. “دبابير” العدو تتمكن من الانقضاض من الجوانب، مطلقة النار علينا. العشرات في المطر يموتون حولي، دروعهم تنطوي كالورق المحترق. أكره هذا. أريد أن أصرخ. البعض يفعل ذلك وعلينا قطع اتصالاتهم.
لا يوجد شيء يمكنني القيام به. أصلي ألا أموت. أصلي ألا يموت أصدقائي. ولكن أصلي لمن؟ “الذهبيون” ليس لديهم سَّامِيّ. نحن “الحُمر” لدينا “رجل عجوز” في “الوادي”. لكنه لا يساعدنا في هذه الحياة. إنه ينتظر فقط ليرعانا ويحرسنا في الحياة التالية.
قلبي يقرقع في صدري. فرط التنفس. أكاد أتمزق من جلدي. أشعر كأنني صبي. أريد راحة المنزل. حساء أمي، لمسة يدها الحازمة، الحب الذي كان يزهر في داخلي كلما تمكنت من جعلها تبتسم. أي شيء لأشعر بفرحة إدراكي أن إيو أحبتني. أشتاق إلى الليالي الباردة والهادئة قبل الحب عندما كانت مجرد شهوة وجوع، حيث كنا نتبادل القبلات سرًا، وقلوبنا ترفرف، كطائرين صغيرين يدركان أنهما قد يبنيان عشًا معًا في النهاية. هكذا كان من المفترض أن تكون الحياة. عائلة. حب أول. ليس السقوط عبر الغلاف الجوي حيث لا يهتم القتلة بشيء أكثر من ملء جسدك بالمعدن الساخن قبل الانتقال لقتل أصدقائك. عقلي يشرد حتى بينما جسدي يتصرف.
الكوكب ينمو وينمو حتى يصبح عملاقًا متضخمًا يستهلك رؤيتي. لا أعرف من مات، ومن هو على قيد الحياة. شاشتي مزدحمة للغاية. نضرب الغلاف الجوي ويعود الصوت مدويًا. هالات من الألوان تغلف جسدي المرتجف. إلى يساري ويميني، يبدو الجنود المتساقطون كـ “يراعات برق” غاضبة انتُزعت من خيال “نحات”. أُعجب بواحد إلى يساري، الشمس البرونزية خلفه وهو يسقط، ترسم ظله، تخلده في تلك اللحظة الفريدة— واحدة أعلم أنني لن أنساها أبدًا— بحيث يبدو كملاك ميلتوني يسقط بغضب ومجد. هيكله الخارجي يتخلص من درعه الاحتكاكي، كما قد يكون لوسيفر قد تخلص من أغلال السماء، ريش من اللهب يتقشر، يرفرف خلفه. ثم يخترق صاروخ السماء ومتفجرات عالية الجودة تعمده لتجعله بشريًا مرة أخرى.
في اللحظة التي نجتاز فيها الغلاف الجوي، تصرخ نيران المدافع السطحية نحونا، فاتحة ثقوبًا عبر سربنا المتساقط. مثل خلية نحل ضُربت، نقوم بتفعيل “أحذية الجاذبية” ونتشظى إلى ألف سرب مختلف، كل يحاول اتباع إحداثياته الخاصة. ذوات أجنحة خاطفة معادية تبعتنا إلى الغلاف الجوي، لكننا هنا أكثر قدرة على المناورة، ونحطم المقاتلات الكبيرة بسهولة. أنقض على واحدة من الخلف مع العوائين يتبعونني بحماس، وأشرحها بـ “نصلي”. أطير مبتعدًا بينما تدور لولبيًا إلى أسفل عبر السحب نحو المحيط بالأسفل.
نيران مضادة للطائرات تصرخ نحونا عبر السحب وتقتل “الذهبي” إلى يميني— انه من العوائين ، على الرغم من أنني لا أعرف من هو حتى أنظر إلى اللوح الرقمي الخاص بي. داريا “الهاربي” قد ماتت. هكذا ببساطة. لا تضحية لإنقاذ آخر. لا عواء غضب في النهاية. لا لفتة نبيلة. لا عاطفة. الفتاة المخلصة التي كانت ترتدي أحزمة من فروات الرؤوس في المعهد، والتي أبقت “روتباك” والمتجهم في أسر ألاعيبها الغريبة، قد رحلت.
طعنة من الذعر تخترقني وأغوص عبر السحب مع بقية طليعة فيلقي. ننطلق منخفضين فوق المحيط، حيث سفينتان حربيتان تبصقان النار. يرسل سيفرو صاروخين يتسللان عبر الهواء؛ ينفجران، متحولين إلى مجموعة صواريخ صغيرة، والتي تصبح مجموعة أخرى لكل منها. تنفجر مثل حبات الذرة فوق النار.
الحرب عبارة عن فوضى. لطالما كانت كذلك. لكن التكنولوجيا تجعلها أسوأ. إنها تغير الخوف. في المعهد، كنت أخشى الرجال. كنت أخشى ما يمكن أن يفعله تيتوس وجاكال بي. ترى الموت قادمًا هناك ويمكنك على الأقل أن تصارعه. هنا ليس لديك مثل هذا الترف. الحرب الحديثة هي الخوف من الهواء، الظلال، الخوف من الصمت. سيأتي الموت ولن أراه حتى.
أرتطم بجبل مغطى بالثلوج. سحب من البخار تتصاعد بينما أذيب حفرة في البياض من حرارة بدلتي الحمراء الساخنة. بقية فريقي يهبطون حولي، يجدون ملاذًا آمنًا على الأرض. رجال نيازك يهوون من وحوش معدنية. ثب. ثب. ثب. وضباب الحرب يرتفع. “وصلنا اليابسة”، أزمجر.
يسقط سيفرو على ركبته، يفتح خوذته، ويتقيأ في الثلج. آخرون ينضمون إليه. المتجهم القبيح يشهق حزنًا. “روتباك” يمسك بكتفه. المهرج يقف حارسًا فوقهم، وشعره المصفف على شكل “الموهوك” المصبوغ بالأحمر مائل على رأسه. “هاربي” لم تعد موجودة. لم أكن أعرف أنه سيكون هكذا. ظننت أنني عرفت الرعب. لم أكن أعرفه. مات أناس في الدقيقة الأخيرة أكثر ممن عرفتهم في حياتي. خوف لورن من الحرب يرتجف في داخلي. هذه هي الحرب. فوضى. صدفة. ثم موت.
يومئ سيفرو لي، ماسحًا القيء عن فمه. جوبيتر يساعده على الوقوف. الغريب أن سيفرو يدعه يفعل ذلك. أبحث عن إشارة موستانج على اللوح الرقمي في خوذتي. إنها على قيد الحياة مع العنصر الرئيسي لقوتي، لكننا انفصلنا. أنا مع دزينة من “الذهبيين” وأربعين من الأوبسديان مدربين خصيصًا على المعدات العسكرية عالية التقنية.
“اخلعوا الهياكل”، أصرخ في الأوبسديان. “أوميغا، احرسوا المحيط.” نتخلص من دروعنا الحرارية الخارجية الضخمة لنكشف عن بذلات القتال الفضائية المتطورة الأكثر رشاقة تحتها. آمر برفع الخوذ. وجوه شياطين وحيوانات معدنية تحل محل وجوه الأصدقاء.
ولكن هناك جمال في هذه اللحظة. في أنصاف الثواني حيث يومئ “الذهبيون” والأوبسديان لبعضهم البعض لنقل الطمأنينة قبل الذهاب إلى مهامهم، يجدون العزاء في شرنقة الواجب، في الرفقة، كما فعلت أنا في المناجم.
أجمع سيفرو إليّ مع العوائين. راغنار، المنفصل عن فيلقه، يقف في ظلي. هبطنا على الجانب المضيء من الكوكب. يبدو الأمر كزخة نيازك بينما تخترق الموجة الثانية من بذلات القتال الفضائية المتطورة الغلاف الجوي، تاركة مسارات من الدخان الأسود عبر السماء الزرقاء المندوبة بالنار. مئات المدافع الأرضية لا تزال تطلق النار على السرب الذي ينتشر من الأفق إلى الأفق، ولكن ببطء تخف تيارات النيران تلك حيث يتم استهداف المدافع من الفضاء أو يتم القضاء عليها من قبل فرق مثلنا على الأرض. فريقي على بعد ثلاثمائة كيلومتر من حيث نحتاج أن نكون. كيف حدث ذلك؟
أتصل بموستانج عبر الاتصالات. إنها على بعد خمسين كيلومترًا أقرب إلى منطقة الإنزال المحددة على جبل آخر. قوتها أقرب إلى أربعمائة رجل. “يبدو أننا الأغبياء”، يقول سيفرو.
ننزل أسفل سفح الجبل. نحن لا نطير. بدلاً من ذلك، نحن “نثب”. في الأكاديمية علمونا أن نفكر في الأمر مثل قذف حجر فوق سطح الماء. يمكننا أن نطير بـ “أحذية الجاذبية”، لكن الطيران يجعلك هدفًا للصواريخ والمضادات الجوية، ناهيك عن فرق الصيد المعادية. لذا نقفز خمسين مترًا في الهواء، ثم نستخدم “أحذية الجاذبية” لدفعنا مرة أخرى نحو الأرض.
نيران صواريخ تأتي من قمة قريبة. سيفرو وفريقه يتعاملون معها، قافزين فوق أودية بعمق ألف متر، منزلقين لأعلى واجهة صخرية شديدة الانحدار بينما نتقدم أنا وراغنار إلى الأمام. دوي مكتوم يتردد عبر سلسلة الجبال بينما يخلصوننا من برج الصواريخ. ينضم إلينا العواؤون في نهاية سلسلة الجبال. نجثم على جانب جرف، حيث تتجمع السحب المنخفضة. إلى اليسار، على بعد حوالي عشرين كيلومترًا، ترتفع أبراج ثيسالونيكا البعيدة المبيضة، جاثمة على الساحل الخشن لبحر “ثيرميك” الصافي. موطن تاكتوس. أشعر بوخزة حزن.
نتقدم شمالاً. أشاهد الأبراج تتلاشى، حتى تصبح مجرد معدن لامع على ساحل ذلك الماء الهادئ بشكل غريب. الانفجارات تدوي في المسافة. أشعر بوطأة يد تسقط على كتفي المدرع. “تمامًا كما بعد أن استولينا على أوليمبوس.” يبتسم سيفرو، ناظرًا إلى أسفل من قمة جبل جديد إلى الأرض التي تمتد مفتوحة أمامنا.
“باستثناء أن الجميع لديهم ‘أحذية جاذبية’ هنا.” أتحقق من إحداثياتنا في شاشة العرض في خوذتي. يستمر الغزو فوقنا. سفن حربية معادية، نادرة الآن، تعبر السماء. واحدة تستهدفنا. تزمجر عبر سحابة وتمضغ الأرض بمدافع “رشاشة آلية”. نلجأ إلى وادٍ. الثلج يتطاير حولنا. ثم يتسلل صاروخ ويُسقط صخرة على ساقي في الانفجار، مثبتًا إياي. تقف الحصاة والمهرج فوق جسدي، يحميانني.
“راغنار!” أصرخ. “حطمها!” لا أرى ما يفعله، لكن الصوت هائل حيث تدخن السفينة الحربية وتدور من الهواء، تترنح نحو الأرض، ثم تختفي في سحابة من الشظايا. “ساقاك؟” يسأل سيفرو بفزع. يسحبون الصخور عني. التروس تئن والمكونات الكهربائية تئز. “لا تزال تعمل.”
نهبط من سلسلة الجبال الثلجية إلى سهول المريخ الوعرة. كتلة من المشاة الثقيلة مثلنا تتحرك إلى يسارنا. أجهزة الإرسال والاستقبال الخاصة بهم تصنفهم كقواتنا. ولكن بعيدًا إلى اليمين، على بعد حوالي ثلاثين كيلومترًا، حيث ترتفع الأرض إلى مرتفعات شبه استوائية، يثب طابور لآل بيلونا إلى الأمام— ربما ثلاثمائة فرد في فرق منفصلة.
“لقد اخترقوا إحدى إشارات اتصالاتنا”، ينقل مدير اتصالات “أخضر” في الفضاء عبر إشارة جديدة. “إنهم يصطادونك يا إيكاروس.” انه رمز ندائي الثانوي. “هنا سنعرف من يفوز بالسماوات”، أقول. يوجه سيفرو ليزر تتبع على فرقة العدو، تمامًا كما يوجهون واحدًا علينا. ليزرهم يتأرجح على الأرض أمامنا كذبابة مذعورة. نتفرق، نطير أنا وسيفرو معًا بعيدًا، ثم يهطل مطر من النار على عدونا من مسارين. في نفس اللحظة، يحدد سيفرو طائرة بدون طيار تنشر صواريخ عنقودية علينا. يحددها، و”مدافع رشاشة آلية” من ثيسالونيكا القريبة تطلق قذيفة تترك خطًا من النار الزرقاء عبر الأفق. تختفي الطائرة بدون طيار في زهرة حمراء. هذا هو الجنون المتعدد لحرب التكنولوجيا الفائقة.
نشق طريقنا إلى إحداثيات موستانج، المستشعرات والعيون تبحث عن الموت الذي يختبئ في الجبال. إنه يطارد السهول. يختبئ في غابات “الأشجار العملاقة” الشاهقة وفي مياه البحار الوليدة.
بحيرة عظيمة تمتد بعيدًا إلى يسارنا، بينما بركان خامد تدريجي جدًا في انحداره بحيث يبدو أكثر بقليل من تل مغطى بالثلوج يلوح إلى يميننا. أرتفع أعلى على طول قمة سلسلة الجبال التي نعبرها لأحصل على رؤية أفضل للمناطق المحيطة. بيانات طوبوغرافية دورية تومض على اللوح الرقمي الخاص بي حيث تبث الطائرات بدون طيار البيانات، تُسقط من السماء، ثم تُستبدل.
الجو هادئ داخل بدلتي. لا أستطيع سماع الريح التي تصفر حولي على هذا الارتفاع الشاهق. سحابة عاصفة، واحدة من سحب المريخ الرعدية المثيرة، تتدحرج من البحيرة البعيدة. عندما تضرب الغابة أسفل الجبل، تهطل الأمطار والبرق يمزق السماء. على قمة الجبل الخشنة ، الثلج يدور، ويذوب على بدلتي.
ألمح حركة على قمة قريبة. أتمالك نفسي عن إطلاق سلاحي عندما أرى أنه ليس من آل بيلونا، بل وحش منحوت. أكبر رؤيتي وأرى “الغريفين” يتشبث بحافة عش ضخم يقع في ممر حجري ضيق فوق القمة، يراقب بدهشة بينما يطير الرجال عبر واديه بالأسفل. يا له من عالم بناه هؤلاء “الذهبيون”.
رجالي ينضمون إليّ على القمة المجاورة، متوقفين للحظة لفحص خلايا الطاقة في بذلات قتالنا الفضائية المتطورة. لن تدوم طوال اليوم. مجموعة موستانج ترتطم بالأرض حولنا، مما يتسبب في تناثر الثلج بينما يضيف أربعمائة قاتل يرتدون بذلات القتال الفضائية المتطورة قوتهم إلى قوتنا.
تضرب بقبضتها قبضتي. “إيكاروس؟” صوت يطقطق في أذني. “إيكاروس، هل تسمعني؟”
“روكي ، أسمعك. ما الأمر؟”
“إيكاروس… عاجل… على… تسمعني؟” إشارته تتقطع بينما يضرب البرق فوق رؤوسنا. أجهزة التشويش من كلا الجانبين تعبث بالفعل بالموجات الهوائية. “دار… مع… ني… في آجيا.”
“روكي ؟ روكي ؟” أعرف خطة المعركة في الأعلى، لكن نبرة صوته تقلقني.
“الاتصالات كلها مشوشة”، أقول لموستانج. “الترددات المحلية بخير. إنها أجهزة التشويش والعاصفة.” المطر يتناثر على درعها.
سيفرو يشير إلى الأعلى. “سيتعين عليك الصعود بمؤخرتك فوقها لتسمع.” في الأعلى، تضرب صاعقة سفينة. أنظمتها تتعطل وتهوي قبل أن يُعاد تنشيطها، فقط لتصطدم بـ ذوات أجنحة خاطفة عابرة.
“أوه، تبًا.” أعطي راغنار وجوبيتر أوامر بالتقدم أمام سلسلة الجبال وتأمين الوادي الشمالي لقوتنا الرئيسية من فيالق “الرماديين”. بينما نحاصر مدنًا أخرى لتحويل انتباه آل بيلونا، بالنسبة لي آجيا هي كل ما يهم. مليون رجل سيهاجمون أسوارها. يفتح الموسوم يده لي في تحية ثم يقفز من قمة الجبل مع جوبيتر ومئة محارب من الأوبسديان.
موستانج وسيفرو ينتظران في الأسفل بينما أنطلق صاعدًا عبر السحب المشبعة بالبرق مع العديد من حراسي الشخصيين. بعد السحب، أطفو في سلام نسبي، وأنادي روكي.
“إيكاروس!” يصرخ في جهاز الاتصال. “إنها هنا. إنها ليست على ‘لونا’ أو مع أسطول المجتمع الرئيسي! لقد اكتشفناها للتو. رجال كافاكس وجدوا ‘حرسا امبراطوريا’ على متن ‘السفينة الحربية’… إنها هنا! لقد جاءت سرًا بدون أسطولها؛ أمسكنا بها.”
“روكي. تمهل. ماذا تقول؟”
“دارو، ‘الحاكمة’ على المريخ. مركبتها محاصرة خلف الحواجز الطاقية في آجيا. إنها محاصرة.”
“روكي. أعرف ذلك بالفعل. إنها السبب في أنني أريد آجيا.”
✨ عضوية مميزة في فضاء الروايات ✨
🚫📢 تخلّص من الإعلانات المزعجة
💖 استمتع بتجربة قراءة سلسة ومميزات حصرية مقابل مبلغ رمزي
📌 ملاحظة: أرسل اسمك في الموقع عند الدفع ليتم تفعيل العضوية ✅
جميع ما يتم ترجمته في الفصول منسوب إلى المؤلفين، ونحن بريئون من أي معانٍ تخالف العقيدة أو معانٍ كفرية وشركية.
هذا مجرد محتوى ترفيهي فلا تدعه يؤثر عليك أو يلهيك عن دينك.
استغفر اللـه وأتوب إليه.