ولادة جديدة على ابواب مكتب الشؤون المدنية - الفصل 8

ولادة جديدة على أبواب مكتب الشؤون المدنية

الفصل الثامن: ⦅صباحُ الخير♡⦆

✦･ﾟ:‧₊˚.❀.˚₊‧:･ﾟ✦

كانت يو دونغ تعمل في محطة إذاعية لا تبعد كثيرًا عن المجمع السكني الذي تقيم فيه. وكان هناك باصٌ ليلي يمر من أمام المجمع مباشرةً ويوصلها إلى هناك خلال نصف ساعة.

وكانت ساعات عمل المذيعين مرنة، أما برنامج يو دونغ فكان يُبث من منتصف الليل حتى الثانية صباحًا.

كل يوم، كانت تغادر منزلها عند الحادية عشرة مساءً، تركب الباص إلى المحطة، تقدّم البرنامج، ثم تعود إلى المنزل في حوالي الثالثة فجرًا.

وكان شيا فنغ، الذي بدأ مؤخرًا العمل في النوبات الليلية، لا يعلم أن يو دونغ تخرج للعمل كل ليلة. كان يعود في الصباح الباكر ويظن أنها لا تزال نائمة. وهكذا، وعلى الرغم من أنهما يعيشان في المنزل نفسه منذ فترة، فإن أحدهما لم يفسّر ما يجري عمدًا، والآخر لم يسأل عمدًا. ظن شيا فنغ أن يو دونغ لا تزال تبحث عن عمل، إذ إنها تخرجت حديثًا.

✦･ﾟ:‧₊˚.❀.˚₊‧:･ﾟ✦

كان نسيم الليل عليلًا، وحين خرجت يو دونغ للعمل تلك الليلة، كانت ترتدي شالها الجديد، وقد وصل الباص في موعده عند مدخل المجمع السكني.

ابتسم لها السائق عندما مرّرت بطاقتها.

“إلى العمل مجددًا الليلة، أيتها الفتاة؟”

إن مهنة سائق الباص تتسم بالوحدة، إذ يسافرون لمسافات طويلة ويتعاملون مع ركّاب مختلفين يوميًا، ولهذا يفرحون بالدردشة مع الوجوه المألوفة.

“نعم.”

“هل لا يزال موعد النزول عند بوابة المحطة في الثانية تمامًا؟”

“نعم، لن أتأخر اليوم.” ابتسمت يو دونغ، وأخرجت كوب قهوة ساخن اشترته وقدّمته للسائق. “شكرًا لأنك انتظرتني البارحة.”

ففي الليلة الماضية، خرجت يو دونغ من المحطة متأخرة دقيقتين. ظنت أنها فوّتت الباص، لكنها رأت الباص على الجانب الآخر من الطريق، والسائق يلوّح لها من النافذة. حينها، كان دفء مشاعرها يضاهي دفء كوب القهوة الذي تمسكه الآن.

“قهوة؟ هذا بالضبط ما يمنعني من النوم!” قال السائق مبتسمًا.

ضحكت يو دونغ وتقدّمت داخل الحافلة حتى وجدت مقعدًا وجلست.

كان الباص الليلي عادةً سريعًا، وغالبًا ما يتجاوز المحطات إن لم يكن هناك أحد ينتظر. وأحيانًا، يصعد إليه بعض العاملين في نوبات الليل.

وبعد محطتين، فُتحت أبواب الحافلة، ودخل رجل في منتصف العمر يرتدي بذلة. مرّر بطاقته، ثم خطا بخطوات متعثّرة وجلس خلف يو دونغ، تفوح منه رائحة دخان وخمر كثيفة.

فتحت يو دونغ نافذتها بصمت، محاولة تبديد تلك الرائحة، لكن جلوسه القريب منها جعل رائحة الدخان تخنقها. وبعد دقائق، قرّرت أن تغيّر مقعدها.

وعندما همّت بالوقوف، شعرت أن ثيابها مشدودة بشيء ما. وحين التفتت، وجدت الرجل وقد غفا، مستندًا بجسده على شالها.

فكّرت يو دونغ قليلًا، لكنها في النهاية لم توقظه، بل خلعت شالها بهدوء وذهبت إلى الجهة الأخرى من الحافلة.

كانت أضواء النيون خارج النافذة أكثر سحرًا في ظلمة الليل، لكنها بدت متناقضة مع التعب البادي على وجوه الناس. أحسّت يو دونغ وكأنها عادت عشرة أعوام إلى الوراء، إلى تلك النسخة القديمة منها، يو دونغ التي كانت تعمل حتى الواحدة أو الثانية صباحًا، تلك المرأة التي بدت كمحاربة لا ترحم. كم مرة كانت تغفو على مقعد الحافلة ويوقظها السائق عند الوصول للمحطة النهائية؟ وعندما بدأت تجني المال، راحت تشرب الأعشاب الصينية لتنظيم معدتها وتقويتها.

“المحطة القادمة: محطة الإذاعة!”

عند سماع هذا الإعلان، وقفت يو دونغ، وعادت إلى مقعدها الأصلي، وربّتت على كتف الرجل.

فتح عينيه بتثاقل، ونظر إليها مشوشًا، ثم أدرك بعد لحظات أنه كان مستلقيًا على ثياب شخصٍ آخر. احمرّ وجهه خجلًا وقال معتذرًا:

“أوه، معذرة! لم أقصد أن أسحق ثيابك!”

تناولت يو دونغ شالها وقالت بلطف:

“لا بأس! أين ستنزل؟ تبدو مرهقًا، فكن حذرًا عند نزولك.”

“طريق تشوانشا!” قال الرجل ضاحكًا. “لم أصدّق أنني احتجت نصف سنة لأتذكر الاسم!”

أومأت يو دونغ برأسها، وتوجهت نحو مقدمة الحافلة للنزول. وعندما توقّفت الحافلة، نظرت خلفها فرأت الرجل قد غفا من جديد. همست للسائق:

“سيدي، الرجل الجالس في الخلف سينزل في طريق تشوانشا، هل يمكن أن تذكّره من فضلك؟”

نظر السائق إلى الخلف وابتسم موافقًا.

خلعت يو دونغ عبء ذكرياتها القديمة، وابتسمت وهي ترتدي شالها الذي بات يفوح برائحة الخمر، ثم دخلت مبنى المحطة.

✦･ﾟ:‧₊˚.❀.˚₊‧:･ﾟ✦

“أخيرًا وصلتِ!”

لم يكن في المحطة في هذا الوقت سوى رجل الأمن، وزميلها في العمل “الأستاذ يو”، الذي كان مسؤولًا عن تحويل مكالمات الجمهور. كان الأستاذ يو رجلًا في الأربعين من عمره، طيب المزاج، يعمل في هذه المحطة منذ أكثر من عشر سنوات.

“أستاذ يو، جلبت لك بعض الوجبات الخفيفة.” قالت يو دونغ مبتسمة، ووضعت كيس الوجبات على مكتبه.

“أوه، هذه الفتاة تعاملني بلطف!” قال الأستاذ يو بسرور، وبدأ يتناول الطعام.

ضحكت يو دونغ دون أن تقول شيئًا، وضعت حقيبتها، ورتّبت أغراضها قليلًا، ثم دخلت إلى غرفة التسجيل، استعدادًا لبدء البرنامج فور انتهاء البث السابق.

[00:00:00]

“مرحبًا بالجميع، أنتم تستمعون إلى FM9666.

أهلًا بكم في برنامج شبح منتصف الليل، معكم دي جي سمكة الجيلي.”

بدأ البرنامج رسميًا، وبعد أن انهت يو دونغ الافتتاحية ببراعة، قامت ببث أغنية.

“هذه الأغنية مُهداة إلى كل من لا يزال في طريق عودته إلى المنزل. لترافقكم هذه الأنغام حتى لا تبقوا وحيدين.”

ثم بدأت أغنية دافئة تبث عبر جميع المنصات اللاسلكية المتصلة بالبرنامج.

“يبدو أن أحد المستمعين أرسل لنا أخيرًا سؤالًا!”

نقرت يو دونغ بضع نقرات، حتى ظهر السؤال على الشاشة أمامها:

“هذا المستمع يسأل: ‘لماذا سُمي البرنامج شبح منتصف الليل؟ إنه اسم لفيلم رعب، ألا يجدر بك أن تروي قصصًا مخيفة؟’”

ابتسمت يو دونغ وقالت:

“اسم هذا البرنامج لا علاقة له بفيلم شبح منتصف الليل. إنما المقصود هو تلك الهيئة الساحرة التي تظهر في منتصف الليل. وأين تجدون تلك الهيئة؟ إنها هنا، معكم، أنا دي جي سمكة الجيلي… امرأة جميلة في منتصف الليل!”

“ليس لدي الكثير لأقوله الآن، وحان الوقت لأي من أصدقائنا المستمعين أن يتصلوا. مَن يرغب في الدردشة مع سمكة الجيلي؟ أي موضوعٍ كان، حتى القصص المخيفة، يمكنكم طلبها!”

“وإن لم يتصل أحد، فسأواصل بث الأغاني للجميع!”

ثم نظرت يو دونغ إلى الأستاذ يو، وتوقعت أن يهز كتفيه كالمعتاد ويشير بعدم وجود مكالمات، لكن على غير العادة، رن الهاتف، وأشار لها الأستاذ يو.

استدارت يو دونغ مجددًا.

“حسنًا، لنرد الآن على أول اتصال من أحد مستمعينا.”

“مرحبًا!”

“أختي الجميلة سمكة الجيلي!” جاء صوت فتاة رقيق من الطرف الآخر، يُرجّح أنها لا تزال طالبة.

“وما اسم الأخت الجميلة؟”

“أنا… هل يمكن ألا أذكر اسمي؟” بدا صوت الفتاة خجولًا، كأنها تخشى أن تغضب منها سمكة الجيلي.

“بالطبع، لكن كي يكون الحديث أسهل، هل لي أن أناديكِ بـالجميلة؟”

ضحكت سمكة الجيلي وسألت: “أجميلة، هل ما زلتِ طالبة؟”

“نعم، أنا في الصف الأول هذه السنة.”

“طالبة جديدة؟ ولماذا أنتِ مستيقظة في هذا الوقت؟ هل تعانين من لوعة حب؟”

سألتها سمكة الجيلي مازحة.

وحين نظرت إلى الشاشة، رأت سيلًا من الرسائل تتهمها بالتهور والتدخل في مشاعر مراهقة.

قطّب الأستاذ يو حاجبيه ولوّح لها بيده.

رأت سمكة الجيلي ذلك لكنها تجاهلته.

“لا، لا!” صاحت الفتاة الجميلة.

“هاه، كنت أمزح! إذن يا زميلتي الجميلة، ما الذي يُزعجك؟”

ولأنها أول متصلة تتحدث معها، كانت سمكة الجيلي صبورة للغاية.

“أنا… سأنتقل إلى مدرسة جديدة مجددًا.”

“الانتقال؟ هل لا ترغبين في مفارقة زملائك القدامى؟” خمنت سمكة الجيلي.

“لا… لا!”

ثم انفجرت الفتاة باكية.

“لا أريد الذهاب إلى المدرسة. لقد انتقلت كثيرًا من قبل، وفي كل مرة أذهب فيها إلى مدرسة جديدة، يتنمر عليّ زملائي…”

قالت الفتاة بصوتٍ متهدج، يشوبه الحزن والمرارة:

“حين اكتشف والداي ما يحدث، ساعداني على الانتقال، لكن كل مدرسة جديدة تكون مثل التي قبلها… لا أريد أن أعيش هكذا بعد الآن… لماذا يتنمرون عليّ؟ ووو…”

انتشر صوتها الممتلئ بالظلم والانكسار في أرجاء غرفة البث الصغيرة.

“جميلة! أيتها الجميلة!” نادت سمكة الجيلي الفتاة مرتين حتى تمكنت من تهدئتها. ثم قالت:

“جميلة، أتودّين معرفة نوع الأشخاص الذين لا يتعرضون للتنمر بسهولة؟”

“أيّ نوع؟” جاء صوت الفتاة خافتًا كهمسة.

“الأشخاص الذين يضحكون بسهولة، الشجعان، المتفائلون، السخيون.” قالت سمكة الجيلي بصوت هادئ، ثم تابعت:

“من تردّ الصراخ بالصراخ، وتقابل الضرب بالضرب، وإذا نادوها بالمجنونة، تركض بجنون إلى غرفة المدير! من لا تبكي، ولا تُظهر ضعفًا، ولا تخاف من المعلمين.”

انهالت الرسائل على الحاسوب. البعض لام سمكة الجيلي على تعليم الأطفال عادات سيئة، فيما أيدها آخرون معتبرين كلماتها صائبة.

“لا تبكي أبدًا أمام من يتنمرون عليكِ، حتى وإن كنت حزينة أو متألمة.” ثم سألت:

“هل يمكنكِ أن تكوني هذه الفتاة؟”

“أنا… أنا؟”

“نعم!”

“سأحاول!”

قالت سمكة الجيلي: “جميلة، غدًا ارتدي ملابسكِ المفضلة، واذهبي إلى المدرسة بابتسامة. اجعلي من نفسكِ ملكة من هذه اللحظة فصاعدًا. نبيلة، جميلة، قوية!”

“هكذا ستجدين فارس أحلامك!”

“أنا… هل يمكنني ذلك؟”

“أنتِ ملكة!” قالت سمكة الجيلي بإصرار.

“نعم!” صاحت الطفلة، ثم صرخت بثقة:

“أنا ملكة! لن أُغيّر مدرستي بعد الآن!”

وبعد انتهاء المكالمة، تجاهلت سمكة الجيلي الرسائل المتدفقة، وبثّت أغنية أخرى.

وحين انتهى البرنامج، اندفع الأستاذ يو نحو يو دونغ غاضبًا:

“كيف يمكنكِ قول هذا الكلام؟ هذا بث إذاعي! كل كلمة تنطقين بها تُبث مباشرةً! كيف تُعلّمين الأطفال هذه الأمور؟”

ردّت يو دونغ:

“أي أمور سيئة؟ لقد علّمتها فقط كيف تقاوم العنف المدرسي. كانت في حالة نفسية سيئة… أليس من الجيد أني ساعدتها؟”

قال الأستاذ يو، متنهّدًا:

“أعلم أن نيتك حسنة، لكن انظري إلى ما قلتِه… إنها أول وظيفة لكِ، لذا ربما لا تعرفين مدى خطورة الرأي العام…”

ابتسمت يو دونغ وقالت:

“لا بأس، لا أحد يستمع لبرنامجنا أصلًا! من الرسائل، بالكاد نبلغ مئة مستمع! وإذا هاجمنا الناس، فهذا يعني أن برنامجنا صار مشهورًا!”

“يو دونغ، آه…” أراد الأستاذ يو مواصلة العتاب، لكنها قاطعته قائلة:

“أوه، سأفوت الباص!”

ثم أمسكت حقيبتها وركضت خارجًا.

لم يملك الأستاذ يو إلا أن هزّ رأسه متنهّدًا.

✦･ﾟ:‧₊˚.❀.˚₊‧:･ﾟ✦

وصل الباص في موعده، وعندما صعدت يو دونغ، فوجئت بوجود أحد مستمعيها داخله.

“لقد استمعتُ لبرنامجكِ للتو!” قال السائق ضاحكًا.

“هاه؟”

“ألستِ دي جي سمكة الجيلي من برنامج شبح منتصف الليل؟”

كان السائق قد بحث عن تردد إذاعتها خلال استراحته في المحطة، وتمكن من التعرّف على صوتها.

أومأت يو دونغ مبتسمة.

قال السائق متأثرًا:

“كلامكِ كان رائعًا. تلك الفتاة بحاجة للاعتماد على نفسها. نقلها من مدرسة إلى أخرى يعالج العَرَض لا السبب.”

“أنا فكرت في الأمر بالطريقة نفسها!”

ضحك السائق وقال:

“من الآن فصاعدًا، سأكون من مستمعيكِ الأوفياء!”

ضحكت يو دونغ:

“أتريد توقيعًا؟ عندما أصبح مشهورة، يمكنك بيعه بسعر جيد!”

“هاهاها…”

واصل الاثنان حديثهما طوال الطريق، حتى وصلت يو دونغ إلى مدخل المجمع السكني.

✦･ﾟ:‧₊˚.❀.˚₊‧:･ﾟ✦

كان شيا فنغ يعمل في الوردية النهارية اليوم، لكن جدول المستشفى لم يكن منتظمًا دومًا. عادة ما يعود إلى المنزل بعد الحادية عشرة ليلًا، لكن بدا أنه عاد باكرًا تلك الليلة، إذ كانت الأنوار مضاءة عندما فتحت يو دونغ الباب.

“أين كنتِ؟”

كان الشقّة تضم غرفتين وصالة، وكانت الصالة واسعة، فحوّل شيا فنغ إحدى زواياها قرب الشرفة إلى مساحة للمذاكرة. وكان جالسًا خلف مكتبه، عابس الوجه، حين دخلت.

تفاجأت يو دونغ بدورها وقالت:

“لماذا لم تنم بعد؟ لقد تأخر الوقت!”

سألها شيا فنغ بقلق، وهو يضع الملف من يده:

“إلى أين ذهبتِ؟ من غير الآمن أن تتجول فتاة بمفردها ليلًا.”

خلعت يو دونغ حذاءها وأجابت:

“عدت من العمل الآن! أستقل الباص المباشر، لذا لا خطر في ذلك.”

“من العمل؟ وما نوع العمل الذي ينتهي في هذا الوقت المتأخر؟”

عندها تذكّرت يو دونغ أنها لم تخبر شيا فنغ عن وظيفتها من قبل، فسكبت لنفسها كوب ماء، وجلست مقابلة له وقالت:

“لقد نسيت تمامًا أن أخبرك. تخصصت في البث والتقديم خلال دراستي الجامعية، والآن أنا مذيعة راديو. أُشرف على برنامج يُبث في منتصف الليل، لذا أعود متأخرة.”

“هل تقصدين محطة الإذاعة والتلفزيون وسط المدينة؟”

“نعم.” أومأت يو دونغ برأسها.

قال شيا فنغ متفكرًا:

“رغم ذلك، الخروج في هذا الوقت لا يزال خطيرًا… عليكِ أن تذهبي بالسيارة.”

ردّت مبتسمة:

“سيكون ذلك رائعًا، لكني لا أملك رخصة قيادة بعد!”

(كانت تملك واحدة سابقًا، لكنها لم تجتز الامتحان الجديد بعد).

“لا تقلق، أنا صديقة لسائق الباص الليلي، وركوب الباص ليس مختلفًا كثيرًا عن السيارة.”

عَبَس شيا فنغ قلقًا، لكنه لم يجد ما يقوله، فاكتفى بقول:

“إذن تعلمي القيادة واحصلي على الرخصة، وبعدها يمكنكِ القيادة بنفسك.”

“وأنت؟”

“والدي لديه سيارة أخرى، يمكنني قيادتها.” قال شيا فنغ.

أومأت يو دونغ برأسها، وشعرت أن اهتمام الآخرين بها أمر لطيف. ثم رأت شيا فنغ ينظر مجددًا إلى أوراقه، فسألته بفضول:

“لديك عمل غدًا، فلماذا تسهر حتى الآن؟”

أجاب شيا فنغ وهو يبحث في ملفاته:

“عندي مؤتمر بعد الظهر، وبسبب انشغالي بمرض والدتي، لم أجد وقتًا لترتيب أوراقي.”

ثم أضاف وهو يشير إلى الأوراق:

“اذهبي للنوم أولًا.”

نظرت يو دونغ إلى الأوراق، كانت مكتوبة بالصينية، لكنها رأت الطابعة تطبع نصوصًا بالإنجليزية، فسألت:

“هل تقوم بترجمتها؟”

“نعم، هناك عدد من الخبراء القادمين من أمريكا غدًا، وأردت ترجمة بعض المعلومات المهمة للإنجليزية.”

قال دون أن يرفع رأسه.

رأت يو دونغ عشرات الصفحات مبعثرة، فرفّت عينيها وسألت:

“هل ترغب في مساعدتي؟ لغتي الإنجليزية جيدة، ويمكنني النوم خلال النهار.”

نظر شيا فنغ إليها بدهشة، بينما ذهبت يو دونغ إلى غرفتها، وأحضرت دفترها، ثم أخذت خمس صفحات وبدأت الترجمة.

رأى شيا فنغ أنها جادّة في مساعدته، فلم يُعلّق أكثر، وراح يراجع ما تترجمه.

وأثناء العمل، واجهت يو دونغ العديد من المصطلحات الطبية غير المألوفة، فصارت تسأله عنها. وبعد برهة، ناولها شيا فنغ قائمة مطبوعة تحتوي على أشهر المصطلحات.

وعندما بزغ الصباح، كانا قد أتما ترجمة كافة الملفات. طبعت يو دونغ صفحاتها وسلّمتها إلى شيا فنغ قائلة:

“راجعها، وإن وجدت أي خطأ، سأصححه.”

ألقى شيا فنغ نظرة على الأوراق، ووجد أن الترجمة متقنة. رفع رأسه، فرأى علامات التعب على وجهها، فشعر بالذنب وقال:

“لا بأس، اذهبي لتنامي، سأكمل الباقي.”

فكّرت يو دونغ لحظة، ثم أومأت بثقة وقالت:

“رفعت النسخة الإلكترونية على حاسوبي. استخدمها كما تشاء، أنا ذاهبة للنوم.”

قال وهو يبتسم:

“أحسنتِ، و… شكرًا لكِ!”

كانت يو دونغ واقفة ويدها تستند إلى الطاولة، ووجهيهما قريبان للغاية، لا يفصل بينهما سوى الطاولة الصغيرة.

وفي تلك اللحظة، كانت الشمس قد بدأت تتسلل عبر الشرفة، تلامس صدغَي شيا فنغ، وتُدفئ وجه يو دونغ.

ربما كان ضوء الشمس قد أذهل عينيها، أو أنها كانت مرهقة جدًا، إذ انحنت وقبّلت شيا فنغ على جسر أنفه، ثم تمتمت بـ”تصبح على خير”، وعادت إلى غرفتها لتنام.

فيما بقي شيا فنغ جامدًا في مكانه، يغمره ضوء الصباح.

✦･ﾟ:‧₊˚.❀.˚₊‧:･ﾟ✦

ترجمة:

Ａｒｉｓｕ－ｓａｎ