ولادة جديدة على ابواب مكتب الشؤون المدنية - الفصل 5

ولادة جديدة على أبواب مكتب الشؤون المدنية

الفصل الخامس: ⦅أنت مدين لي بصفعة♡⦆

✦･ﾟ:‧₊˚.❀.˚₊‧:･ﾟ✦

عندما عادت يو دونغ إلى المنزل، شعرت بالعطش. دخلت المطبخ، وفتحت الثلاجة، وحين رأت أنها مليئة بزجاجات الماء فقط، لم تستطع إلا أن تتفوه قائلة:

“حقًا، هذه ثلاجة طبيب. لا يوجد مشروب واحد له طعم.”

أخذت يو دونغ زجاجة ماء وشربت منها عدة رشفات. ثم أمسكت بهاتفها المحمول بعادة تلقائية لتنوي طلب الطعام من الخارج، لكن ما إن وقعت عيناها على لوحة الأزرار، حتى تذكّرت أن الهواتف الذكية لن تنتشر إلا بعد بضع سنوات.

رن!

لو لم يكن الهاتف في يدها، لما ظنّت أن هذا الرنين يخصّ هاتفها أصلًا.

على الشاشة الإلكترونية ظهر اسم شيانغ شياويو. زميلتها في السكن الجامعي، والتي كانت تربطها بها علاقة وطيدة. لكن شياويو تزوجت لاحقًا، وصارت حياتها اليومية عبارة عن استعراض مبالغ فيه للحب، وهو ما كانت يو دونغ – بوصفها “كلبة عزوبية” – تتجنبه حتى لا تتلقى ضربات حرجة. وبهذا، تباعدتا تدريجيًا، وقد مرّ ثلاث أو أربع سنوات منذ آخر مرة التقتا فيها.

“مرحبًا؟” أجابت يو دونغ.

“دونغ دونغ!” صرخ صوت أنثوي حاد جعل يو دونغ ترتعب لدرجة أنها كادت تُسقط الهاتف.

“النجدة، النجدة!”

“ما الأمر؟”

كانت شيانغ شياويو فتاة مدنية نموذجية من خلفية ميسورة، الابنة الوحيدة لعائلتها. تمتلك ذكاءً عاطفيًا مرتفعًا، وبصراحة، كان طريقها في الحياة مفروشًا بالورود من قِبل الآخرين. حسنًا، هذا فيه بعض المبالغة، لكن أكثر ما كانت يو دونغ تُعجب به في شياويو خلال أيام الجامعة هو أنها إذا طلبت المساعدة – سواء من حبيبها الحالي أو من حبيب سابق – فإنهم يهبّون لنجدتها ما داموا قادرين.

“هل أنتِ في شنغهاي؟”

“نعم.” أجابت يو دونغ.

“رائع! لقد حصلت مؤخرًا على عرض لدبلجة مسلسل آيدول درامي، لكن المؤدية الأصلية للصوت انسحبت فجأة. تعالي وساعديني!” قالت شياويو.

“هل سأحصل على أجري؟”

“بالطبع! بالتأكيد!” أجابت شياويو بصوت عالٍ.

“حسنًا، أرسلي لي العنوان.”

“سأرسله برسالة نصية بعد قليل. خذي سيارة أجرة مباشرة، وسأعوّضكِ.”

بدت عليها العجلة الشديدة، ويو دونغ كانت بحاجة إلى المال على أية حال، فاستعدت وخرجت مجددًا.

لم تكن يو دونغ بحاجة إلى التحقق من رصيدها البنكي، إذ كانت تعرف تمامًا كم تبقى فيه، لأنها منذ عشر سنوات اضطرت للعيش وحدها في مدينة جديدة بـ2000 يوان فقط.

لكن حتى بالنسبة ليو دونغ المستقبل، لم تكن 2000 يوان كافية لشراء ملابس، ناهيك عن يو دونغ الشابة، ذات الذوق المختلف.

ركبت يو دونغ سيارة أجرة، وسرعان ما وصلت إلى العنوان. اشترت عصير بطيخ من متجر قريب، وبعد أن شربت منه رشفتين، دخلت إلى استوديو شياويو.

لم يكن المكان واسعًا، لكن في مدينة مثل شنغهاي، امتلاك استوديو تسجيل بحجم 50 إنشًا يُعد حظًا جيدًا.

كان ديكور الاستوديو عصريًا وأنيقًا، ولن يبدو قديمًا حتى بعد عدة سنوات. لا بد أنه من تصميم أحد أصدقائها السابقين الذين درسوا التصميم.

“أوه، أشكر عمتي وجدتي، لقد وصلتِ.” شيانغ شياويو، التي كانت ترتدي كأنها محترفة حقيقية، نظرت إلى يو دونغ وكأنها منقذتها.

“انتظري!” بعد أن أخذت رشفة أخرى من عصير البطيخ، أخرجت يو دونغ إيصال الأجرة وقالت:

“أريد أولًا 50 يوان أجرة السيارة!”

“هل تظنين أنني سأحتال عليكِ بخمسين يوان؟” تنهدت شيانغ شياويو، ثم استعجلتها:

“تعالي واقرئي النص أولًا!”

دخلت يو دونغ إلى غرفة الاجتماعات، ورأت شخصين جالسين بالفعل. كانت إحداهما فتاة صغيرة لطيفة، ابتسمت بلطف حين رأت يو دونغ. أما الآخر فكان شابًا وسيمًا ومشرقًا، ولسبب ما بدا لها مألوفًا.

قالت شيانغ شياويو:

“حسنًا، هناك دوران نسائيان ودور رجالي واحد، أخيرًا أصبحنا جاهزين.” ثم نظرت إلى يو دونغ والرجل وأضافت: “هذا المسلسل يحتوي على أكثر الحوارات بينكما أنتما الاثنين. من الأفضل أن تناقشا النص سويًا أولًا.”

أومأت يو دونغ، وجلست على كرسي، وبدأت تقرأ النص.

بعد فترة، شعرت يو دونغ أن أحدًا ما يحدّق بها.

رفعت رأسها، فالتقت عيناها بعيني الرجل الوسيم المقابل لها، لكنه أشاح ببصره فورًا.

هل وقع في حبي؟

فكرت يو دونغ، ثم عدّلت من شعرها، وجلست باستقامة، وواصلت قراءة النص.

وبعد صفحتين، شعرت من طرف عينها بأنه ينظر إليها مجددًا. رفعت بصرها ثانية، فنظر إلى الأسفل مجددًا.

وبعد عدة مرات، لم تعد يو دونغ قادرة على الاحتمال، لكنها ظنت أنه ربما خجول، فسألته بلطف:

“هل تحتاج شيئًا؟”

فتح الشاب الوسيم فمه ليتكلم، لكنه تردد.

“لماذا يتردد رجل مثلك؟” (وإن كنت ستعترف بحبك، فسأرفضك بلُطف.)

تردد الشاب قليلًا، ثم سأل:

“دونغ دونغ، كيف كانت حالكِ في اليومين الماضيين؟”

دونغ دونغ؟

عندما كانت صغيرة، كانت عائلتها فقيرة. كانت أمها تشتري السمك وتقطّعه ليستمر لعدة وجبات. وفي يومٍ من الأيام، كان والدها سكرانًا وعاد إلى المنزل، وظل يشير إلى السمك المجمد… ثم إليها. ومنذ ذلك الحين، ثبت اسمها: “يو دونغ”، واسم الدلع: “دونغ دونغ”.

< اسم “يو دونغ” يمكن ترجمته إلى “الشتاء” أو “المجمدة”، و”دونغ دونغ” إلى “السمكة المجمدة”. لكن سأحتفظ بالاسم كما هو لأنه مضحك بما يكفي من تلقاء نفسه.>

لكن… فقط عائلتي وبعض الأصدقاء المقربين من الجامعة يعرفون بهذا اللقب.

من هذا الرجل؟

قال لها بابتسامة:

“لم أجرؤ على قول المزيد عندما بدأتِ بالبكاء ذلك اليوم، لكن الآن وأنتِ تبدين بخير…”

الفتاة اللطيفة التي كانت تقرأ النص بجانبها شمّت رائحة فضيحة، وتوقفت عن تقليب الصفحات.

شيئًا فشيئًا، بدأت أفكار يو دونغ تترابط:

رجل وسيم، يبدو وكأنه خريج جامعي حديثًا، يعرف لقبي، وكنتُ قد بكيت أمامه في مكتب الشؤون المدنية قبل أيام…

“النذل!”

وأخيرًا تذكّرت يو دونغ من هو، وضربت الطاولة بكلتا يديها.

اللعنة، أليس هذا هو حبي الأول الذي لم أره منذ عشر سنوات!؟

آه… لم أرك منذ زمن، لدرجة أنني كدت لا أتعرف عليك.

“دونغ دونغ، أعلم أنك حزينة، لكن كيف لكِ أن تلعني الناس!” قال فانغ هوا، وهو ينظر بتوتر إلى الأخت اللطيفة.

بعد الفراق القاسي قبل عشر سنوات، لم تكن يو دونغ تتصور أنها قد تلتقي فانغ هوا مرة أخرى. لكن ما إن رأته، حتى اشتعلت فيها نار مجهولة. وقفت، وتقدمت نحوه بخطوات ثابتة.

“أنتِ… ماذا تفعلين؟” فوجئ فانغ هوا من زخمها.

ضحكت يو دونغ، وفجأة هاجمته. رفعت يدها وصفعته صفعة مدوّية:

“لطالما رغبت في ضربك!”

كان أكثر ما ندمت عليه في تلك العلاقة الرديئة أنها حين وقفا أمام مكتب الشؤون المدنية، لم تفعل سوى البكاء، ولم تفكر حتى في صفعه. لكنها اليوم… نالت مرادها أخيرًا.

“ماذا تفعلين؟!” لم يتوقع فانغ هوا تلك الصفعة.

أما الأخت الصغيرة، فصُدمت من هذا المشهد الفجائي.

“همف!” بعد أن أفرغت غضبها، عادت يو دونغ إلى مقعدها، وأمسكت بكأس عصير البطيخ، وشربت منه. ثم نادت:

“شياويو، تعالي إلى هنا!”

“ما الأمر، ما الأمر؟” ركضت شيانغ شياويو إلى الغرفة وهي في حالة فوضى بسبب انشغالها، لكن ما إن لاحظت الجو المتوتر، حتى سألت بقلق:

“ما الذي حصل؟”

كان فانغ هوا صامتًا، وجهه غاضب.

أما الأخت اللطيفة فحاولت أن تتلاشى بصمت.

سألتها يو دونغ ببرود:

“هل ما زلت تعتبرين نفسكِ صديقتي، يا شيانغ شياويو؟”

“طبعًا!”

“هل تصدقين أنني حين تقولين إنكِ تحتاجين مساعدتي، سأأتي فورًا دون نقاش؟”

“نعم، أصدق!”

“فكيف تجرئين على فعل هذا بي!؟” سألتها يو دونغ.

“أنا… ماذا فعلت بكِ؟” سألت شيانغ شياويو بحيرة.

“أتحضرينني للعمل مع النذل الذي تخلّى عني؟ أأنتِ تفعلين هذا عن قصد لتؤذيني؟”

حين سمعت يو دونغ تقول ذلك، ازدادت حيرة شيانغ شياويو. نظرت إلى فانغ هوا، الذي بدا وجهه كئيبًا، وسألت:

“أنتم… افترقتما؟”

“يو دونغ، دعينا نتحدث في الخارج.” لم يرغب فانغ هوا في مناقشة مثل هذه الأمور أمام الآخرين.

“ها!” رمقته يو دونغ بنظرة تهكمية.

ازداد وجه فانغ هوا سوادًا.

نظرت شيانغ شياويو بين الاثنين. بدا أن بينهما خصامًا فعلاً، لكنها لم تستطع تصديق ذلك تمامًا.

“هل انفصلتما حقًا؟ ظننت أنكما ستتزوجان؟”

“نعم، كنت أحمل كل أوراقي الرسمية معي. لكن عندما وصلت، انفصل عني أمام باب مكتب الشؤون المدنية، وألقى في يدي عشرة آلاف يوان كتعويض انفصال.”

تكلمت يو دونغ وكأنها تحكي عن شخصٍ آخر. لم يكن في تعبيرها أي حزن، بل امتلأ بالسخرية والاستهزاء.

“وغد!”

“وغد!”

ارتفع الصوتان في آنٍ واحد، وتبادلت الفتاة اللطيفة وشيانغ شياويو النظرات.

“يو دونغ!” انعوج وجه فانغ هوا غضبًا.

“ماذا؟ هل أتيت لتسترد نقودك؟” سخرت يو دونغ.

“الأمر ليس كما يبدو!” سارع فانغ هوا لشرح الموقف لشيانغ شياويو.

“إذن، كيف يبدو برأيك؟” سخرت يو دونغ منه.

“كيف ستروي تلك القصة إن كنتَ أنت من يحكيها؟”

“أنتِ…” قال فانغ هوا بغضب، “انظري إلى حالكِ الآن.”

“هل حالي له اي علاقة بك؟” سخرت يو دونغ وهي ترتشف من عصير البطيخ مجددًا.

واحد يشرب عصيره بهدوء، والآخر واقف يغلي من الغضب.

“لن أنحدر لمستوى امرأة كهذه!” التقط فانغ هوا نظارته الشمسية وغادر المكان بضربة عنيفة للباب.

ساد الصمت قاعة الاجتماعات.

نقرت يو دونغ على نصها الموضوع على الطاولة وقالت:

“وماذا الآن؟ أنا لن أعمل معه. هل ستبحثين عن بديل؟”

“أوه…” صُدمت شياويو للحظة، ثم استعادت وعيها بسرعة:

“لا بأس، سنجد بديلاً. لسنا بحاجة إلى رجال أوُغاد مثله!”

“جيد!” قالت يو دونغ برضى.

ابتسمت شيانغ شياويو، ثم أدركت فجأة:

“آخر مرة التقينا فيها كانت قبل شهر فقط. كيف تحولتِ من فتاة حمقاء وطيبة إلى امرأة بلسانٍ سام ينافس الحموات؟”

“لقد تُركت!” أجابت يو دونغ ببرود.

قلّبت شيانغ شياويو عينيها في إشارة إلى عدم اقتناعها بجوابها الغامض، لكنها لم تُلح. الآن عليها أن تبحث عن بطل صوتي بديل فوق انشغالاتها الأخرى، فبَدء مشروع جديد ليس أمرًا سهلًا، آه.

نظرت يو دونغ إلى الفتاة اللطيفة الجالسة في الزاوية. وعندما تذكرت أنها نعتت فانغ هوا بـ”الوغد”، ابتسمت لها وسألتها:

“ما اسمكِ؟”

“تاو تاو!” رمشت الفتاة اللطيفة بعينيها المبللتين وابتسمت.

تاو تاو؟ أليست هذه ملكة مسلسلات الآيدول بعد بضع سنوات؟ فركت يو دونغ عينيها، لقد كانت أجمل حتى قبل أن تُجري جراحة التجميل!

“أوعديني ألا تُجري جراحة تجميل أبدًا!”

“آه؟؟”

❃ ◈ ❃

المستشفى

أنهى شيا فنغ معاينته الأخيرة، وكان ينوي العودة إلى المنزل بعد أن يكتب السجل الطبي الأخير.

في تلك اللحظة، عاد شاو ييفان من عملية جراحية وسأل شيا فنغ:

“ما زلت هنا؟ عملية العمة غدًا، يجب أن تعود مبكرًا لترتاح وترافقها.”

“لا بأس. سأعود في الوقت المناسب لعمليتها.” أجابه شيا فنغ.

“رغم أن عملية القلب غدًا نسبة نجاحها فقط 50%، لكن المدير وانغ ذكر أن حالة العمة النفسية اليوم كانت أفضل بكثير، وهذا سيزيد من فرص نجاحها بالتأكيد.”

كان شاو ييفان زميله منذ الجامعة. تخرجا معًا، وأكملا التدريب في نفس المستشفى، لذا كانت علاقتهما وثيقة بطبيعتها.

“آمل ذلك.” ظل القلق ظاهرًا على وجه شيا فنغ.

“بالمناسبة، سمعت أن آن آن سافرت إلى أمريكا؟” كان شاو ييفان على علم بعلاقته بآن آن، وتفاجأ من إصرارها على السفر في وقتٍ حرج كهذا.

“لقد انفصلنا!” رأى شيا فنغ أن الأمر لا يحتاج إلى كتمان، وبعد تفكيرٍ بسيط، قالها بصراحة.

“انفصلتما؟” صُدم شاو ييفان.

“لقد كنتَ تطيعها طيلة تلك السنوات. بل اشتريتَ مؤخرًا منزلًا وغيّرت ديكوره من أجلها. لماذا انفصلتما فجأة؟”

“طلبتُ يدها الأسبوع الماضي، لكنها رفضت.” قال شيا فنغ بابتسامة مريرة.

“قلت لها: إن لم نتزوج، سننفصل. فكان ردّها أن حجزت تذكرة وسافرت إلى أمريكا.”

“هذا ليس عرض زواج، هذا تهديد!” لم يجد شاو ييفان ما يقوله.

“لكن آن آن أيضًا لم تكن مضطرة للهروب إلى أمريكا!”

أغلق شيا فنغ السجل الطبي أمامه، ولم يقل شيئًا.

قال شاو ييفان:

“عليك أن تهدأ قليلًا.”

“أنت تعرف أنني لست من النوع المتهور.” وقف شيا فنغ، وخلع معطفه الأبيض، وعلّقه على ظهر الكرسي.

“سأذهب أولًا.”

“أوه!” أدرك شاو ييفان مغزى كلامه، وصُدم.

شيا فنغ لم يكن أبدًا من النوع المندفع. لذا، فإن كلماته التي قالها لآن آن، بلا شك، كانت نتيجة تفكير طويل، رغم النتيجة غير المرضية التي تلتها.

لكن… إن كان ثمة أمر واحد فعله شيا فنغ باندفاع في حياته، فسيكون:

اليوم الذي التقط فيه زوجة وأخذها إلى المنزل.

✦･ﾟ:‧₊˚.❀.˚₊‧:･ﾟ✦

ترجمة:

Ａｒｉｓｕ－ｓａｎ