سلالة المملكة - الفصل 582
📏 حجم الخط
✍️ نوع الخط
🎨 الخلفية
🖥️ عرض النص
دعم سلالة المملكة لزيادة تنزيل الفصول :
سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم
الفصل 582: ثمة تخفيضات!
الأرك: لعنة بلية الملك
“إذن يا ‘فيليسيا’، لستِ بالمرأة التي تعول على غيرها، ولا يملك زمام أمركِ كائنٌ كان.”
“بما في ذلك ‘أخوية الشارع الأسود’.”
رنا ‘رافائيل’ بنظراته المتأملة نحو المرأة المستلقية بجانبها على الطاولة، بينما كانت الأخيرة غارقة في وجومها، تجرّ الأصفاد المقيدة بقوائم الطاولة عبثاً، وقد بدت في حركاتها مسحة من العبثية والخمول.
“ما من امرأة ترتضي المذلة مقاماً، وما كان الخنوع يوماً خياراً طوعياً.” رمقته ‘فيليسيا’ بنظرات باردة، وأردفت: “حتى أولئك النسوة اللواتي يحسبن أنفسهن راضياتٍ بالتبعية ومستكيناتٍ لها.”
ألقى ‘رجل العظام القاحلة’ نظرة شزراء نحو الزجاج ذي الاتجاه الواحد.
لاحظ ‘تاليس’ أن ‘العراف الأسود’ القابع بجانبه قد استغرق في ضحك صامت، جعل الكروم المستقرة على ركبتيه تهتز جيئة وذهاباً.
فتح ‘رافائيل’ الملف الذي بين يديه وعاد إلى صلب الموضوع: “لذا، إن لم يكن لديكِ مانع، هل تفضلتِ بتوضيح سبب هذا ‘التحول الحركي’ العنيف لأعضاء ‘الأخوية’ من المواقع الأخرى إلى العاصمة الملكية مؤخراً؟ وتحديداً التركيز على أولئك المهاجرين الشماليين؟”
‘فيليسيا’، التي بدا أنها استسلمت وتوقفت عن المقاومة، قلبت عينيها بضجر. تلك الفاتنة المغوية انقلبت على طاولة التحقيق، وجمعت ساقيها الطويلتين المثيرتين اللتين تكسوهما الجوارب الطويلة بجانب ‘رافائيل’، وكأنها تتمطى فوق فراشها الوثير.
“وما الغريب في ذلك؟ قبل بضعة أشهر، اشتعلت نار الحرب الأهلية بين الشماليين في ‘منطقة الرمال السوداء’. عجز الكثيرون عن البقاء، فما كان منهم إلا الفرار جنوباً عبر الحدود؛ كل الأراضي الأخرى مملوكة لأربابها، أما ‘مدينة نبع النجوم الخالدة’ فجني المال فيها يسير والعمل متوفر. فلِمَ لا يأتون؟”
الحرب الأهلية في ‘منطقة الرمال السوداء’.
استذكر ‘تاليس’ ما أخبره به ‘جيلبرت’ ذات يوم: في الأيام التي كان فيها الأمير يصارع للعودة إلى وطنه، استغل الملك ‘تشابمان’ تأخر ‘مدينة الصلوات البعيدة’ في ‘تحالف الحرية’ ليقوم بتصفية المعارضين بكل الوسائل المتاحة، حتى صار أبرز أرشيدوق في تاريخ ‘منطقة الرمال السوداء’.
وهو، ‘تشابمان لامبارد’، لن يقنع بهذا القدر أبداً. إن ما صنعه لم يكن سوى رفرفة جناحي فراشة فوق أرض ‘إيكستيد’.
“لكن الأمر لا يقتصر على ‘الإيكستيديين’ فحسب، بل إن من وفدوا إلى العاصمة عبر ‘الأخوية’ يضمون العديد من أبناء ‘الكوكبة’ من الحدود الشمالية أيضاً.”
تجاهل ‘رافائيل’ تلك السيقان المرمرية المتداخلة بجانبه وتابع: “وخاصة النساء والأطفال، وقد انضوى عدد غير قليل منهم تحت إمرتكِ وتلقوا ‘تدريبكِ على كسب العيش’؟”
عند سماع ذلك، هزت ‘فيليسيا’ رأسها بازدراء: “هفف، عادت القصة القديمة من جديد.”
“أنا مسؤولة فقط عن رعاية الزهور الصغيرة، ولا شأن لي بالبقية؛ إن كنت تبحث عن تجارة البشر غير القانونية، فلِمَ لا تذهب إلى ‘أنطون السفاح’ أو ‘رودا ذو القلب الحديدي’، أو على الأقل الزعيم ‘موريس’؟”
وكزت ملفات ‘رافائيل’ بأصابع قدميها باستفزاز: “أم أنك تفتقر إلى الشجاعة ولا تجرؤ إلا على الاستقواء على الضعفاء؟”
سحب ‘رافائيل’ الملفات منتظراً الإجابة، لكن ‘فيليسيا’ انقلبت مرة أخرى. هذه المرة، وجّهت وجهها نحو ‘رافائيل’، وأدخلت أصابعها بدلال داخل ياقة ثوبها ومسحت برفق.
“تعلم، الأهداف اللينة…”
لهثت المرأة بصوت ناعم وعينين غائمتين، ويدها تطوي صدرها باستمرار، في مشهد يجعل الآذان تلتهب حمرة.
“ذلك النوع اللين، المستدير، والناعم؟”
ارتبك ‘تاليس’ وأشاح بنظره بعيداً، ليجد ‘مورات’ يراقب المشهد باهتمام وتلهف.
أما ‘رافائيل’، الذي شعر بصداع في رأسه، فقد صرف بصره عن ذلك المشهد المريب وتجنب النظر إلى وضعية ‘فيليسيا’ المستفزة. سعل بشكل غير طبيعي وقال: “أعلم أن ناديكِ في ‘شارع المربع الأحمر’ يزدهر، ويجني المال كل يوم…”
“كما أنه استقطب الكثير من الأثرياء ذوي النفوذ، لذا ليس من السهل علينا تفتيشه أو مداهمته مباشرة…”
عند سماع ذلك، ابتسمت ‘فيليسيا’ التي كانت تداعب نفسها، وظهرت غمازاتها الصغيرة مع حمرة خفيفة على وجنتيها رداً على كلماته، في مشهد يخطف الأنفاس.
لكن ‘رافائيل’ استجمع نفسه بسرعة، ودخل في صلب الموضوع: “ومع ذلك، مع عمليات التفتيش الصحي، وتراخيص العمل، والتحقق من التوظيف، وتدقيق الضرائب…”
وضع ‘رافائيل’ الوثائق بنظرة صارمة: “لن تكون هناك مشكلة؛ سيتم تعليق عملكِ لمدة أسبوعين أو ثلاثة.”
تعليق العمل…
توقفت ‘فيليسيا’ عن مداعبة صدرها. وتلاشت هالتها المغوية في لمحة بصر.
“أيها الفتى الوسيم،” سحبت المرأة يدها من فستانها، واستحالت نظرتها من الحارة إلى الباردة فجأة، وكانت كلماتها حادة كالسيف: “العمر قصير، وأنت وسيم جداً، فلا تضيعه!”
حين تعرض للإغراء، ربما لم يكن ‘رافائيل’ مرتاحاً. أما حين تعرض للتهديد، فقد ظل رابط الجأش.
همهم ‘رجل العظام القاحلة’ غير مكترث تماماً: “لماذا؟”
“لماذا تبحثين عن فتيات الشمال، أولئك الفتيات المعروفات بعدم شعبيتهن لدى الزبائن؟”
حدقت فيه ‘فيليسيا’ بحذر وتجهم.
“يمكنكِ الإجابة على هذا السؤال البسيط،” مدّ ‘رافائيل’ يده بأدب نحو السيدة، “أو التخلي عن أرباح النصف شهر القادم، بما في ذلك نفقات المعيشة وأموال الزينة لزهوركِ الصغيرة.”
بدا ‘رجل العظام القاحلة’ لطيفاً ومؤدباً للغاية، لكن ما بين سطوره لم يكن سوى رغبة في قطع أرزاق الناس: “الخيار لكِ.”
قطبت ‘فيليسيا’ حاجبيها، وحتى ذلك التعبير كان ساحراً بشكل خاص. مدت زعيمة بائعات الهوى في ‘الأخوية’ يدها بتردد وألقت نظرة مريبة على المحقق.
ردّ عليها ‘رافائيل’ بابتسامة مشرقة ودافئة.
“لأن الأمر أصبح رائجاً.”
ترددت ‘فيليسيا’ لفترة ثم أجابت بامتعاض: “الآن، زبائن العاصمة الملكية—وخاصة الطبقة الراقية—أقبلوا على اللعب مع فتيات الشمال، لذا أصبحن يحظين بشعبية كبيرة.”
“بل ويشترطون أن يكنّ طويلات القامة، ذوات قوام ممشوق، ومن ذلك النوع ذي الطباع الحادة.”
فتيات الشمال…
كان ‘تاليس’ قد توقع هذا حين سمع الأمر.
“وكيف علمتِ بذلك؟” نظر ‘رافائيل’، بقصد أو بغير قصد، باتجاه الزجاج.
رمقته ‘فيليسيا’ بنظرة ازدراء: “علمت؟ وما الذي يستدعي العلم؟”
“لا تنسَ أن ‘نجم القطب’ الخاص بمملكتنا قد عاد من الشمال، وهو خبير في اصطياد فتيات الشمال.”
‘نجم القطب’.
عائد من الشمال…
لم يملك ‘تاليس’ إلا أن يغمض عينيه برفق، شاعراً بمرارة داخلية.
هز ‘رافائيل’ رأسه بخفة: “لم أفهم.”
“لم تفهم؟ هذه هي البيئة التي جلبها معه!” صاحت ‘فيليسيا’ باشمئزاز وتابعت تذمرها: “بالأمس، وبّخ سموه العديد من السيدات النبيلات في المأدبة، بل وطلب تحديداً فتاة شمالية لرافقته—هذا هو الدليل!”
قطب ‘تاليس’ حاجبيه.
“انتظري لحظة! ألا تظنين أن الأمر غريب؟” لم يستطع ‘رافائيل’ منع نفسه من التساؤل عند سماع هذه الشائعات الشنيعة: “الأمير الموقر يطلب البغايا فور عودته؟ وفي مأدبة؟ ويطلب فتاة شمالية تحديداً؟”
حدقت فيه ‘فيليسيا’ وكأنها ترى كائناً غريباً.
“غريب؟ ها!”
سخرت المرأة: “أيها الفتى الوسيم، في هذا المجال، لو رأيت ما رأيته أنا…”
بقولها هذا، بردت ملامح ‘فيليسيا’، وتقوست شفتاها بازدراء: “أولئك الذين يسمون أنفسهم بالطبقة الراقية، حين تغلق الأبواب اللامعة، وتُسدل الستائر، وتُفك أحزمة السراويل… لن أتفاجأ لو شرعوا في أكل القذارة كعشاء لهم في يوم من الأيام!”
جلست ‘فيليسيا’ واعتدلت في جلستها، ووجهت شفتيها نحو ‘رافائيل’، وهي تجر الأصفاد اللامعة في يدها مرة أخرى: “لماذا، هل تجد من الغريب تفضيل النساء المترجلات من الشمال مقارنة بمختلف النزوات الغريبة لزبائن العاصمة الملكية؟”
شخرت ‘فيليسيا’ بنبرة ساخطة: “على أية حال، هم أهل السلطة والنفوذ، ومهما كان ما يفعلونه مملاً أو أحمق؛ فطالما أنهم مختلفون عنا، فكل ما يصدر عنهم حسن ويستحق الاتباع، أليس كذلك؟”
اتكأ ‘رافائيل’ إلى الخلف، متجاهلاً ما كانت تعنيه حين استعرضت الأصفاد أمامه.
“إذن أنتم قلدتم الأمر فحسب؟ اتبعتم الموضة؟”
نقر الشاب من ‘دائرة الاستخبارات السرية’ بلسانه وقال: “هم يأكلون القذارة؛ فأنتم تأكلون القذارة أيضاً؟”
هزت ‘فيليسيا’ رأسها وكشرت في وجهه.
“أتعتقد أننا نريد ذلك؟”
“الأمر يشبه عيشهم في أعالي ضفة النهر، بينما نحن نقتات على الفتات في الأسفل،” كزت على أسنانها، ومدت ساقيها دون تردد، ووخزت ذراع ‘رافائيل’ بأصابع قدميها من خلال الجوارب الحريرية: “حين يبدأ من في الأعلى بقضاء حاجتهم في النهر…”
“إذا لم يريدوا الموت عطشاً، فليس أمام من هم في الأسفل سوى تجرع تلك القذارة!”
لم يكن أمام ‘رافائيل’ خيار سوى تجنب باطن قدميها الناعم.
“عليّ أن آكلها وأنا أمتدحها بصوت عالٍ: تباً، إنّ فضلات الأمير ‘تاليس’ ناعمة، قوية الريح، وسائغة المضغ. وتترك في الفم نكهة لا تُنسى؛ حتى الأسنان تصبح لزجة ودافئة!”
*(سحقا لكِ لجعلي اتخيل المنظر)*
كانت المرأة الجميلة التي أمامه، وهي تهز رأسها برضا عن نفسها وتنفث كلمات بذيئة ساخرة، مشهداً غريباً…
“في الحقيقة، لقد انتهيت للتو من غدائي، ولكن…” وضع ‘رافائيل’ الملف بتعبير كئيب: “شكراً لكِ.”
نظرت إليه ‘فيليسيا’ ولم تستطع منع نفسها من الضحك—حتى اهتز جسدها ضحكاً.
كانت في تلك اللحظة بعيدة كل البعد عن دلالها المعتاد، وأكثر جاذبية بكثير.
وحده ‘تاليس’ خلف الزجاج كان بلا تعبير؛ فالاستماع إلى الآخرين وهم يسخرون من فضلاته لم يكن أمراً يدعو للفخر.
صارت ملامح ‘رافائيل’ جادة: “ماذا لو كان لا يعلم؟”
“ماذا لو كان الأمير ‘تاليس’ لا يحب فتيات الشمال أصلاً، ناهيك عن علمه بهذا الأمر؟”
باغت الأمر ‘فيليسيا’ للحظة، ثم لوحت بيدها بلا مبالاة: “ها! كيف يمكن ذلك؟”
“وكيف له ألا يعلم؟”
“إنه أمير، محاط بأذكى الناس في المملكة وما وراءها!”
“ما الذي يمكن أن يخفى عليه ونحن الرعاع نعلمه؟”
ارتجف ‘تاليس’.
اقتربت ‘فيليسيا’ من ‘رافائيل’ بابتسامة خبيثة، متلهفة للنميمة: “الضيوف من ذوي المناصب الرسمية قالوا، من ذا الذي لا يعلم أن الأمير، خلال سنواته في الشمال، كان في ‘موضع حظوة’ وجعل تلك الأرشيدوقة الصغيرة تشعر بالراحة من الداخل والخارج…”
رفع ‘رافائيل’ حاجباً لكنه لم يقل شيئاً.
“وهناك أيضاً الابنة الوحيدة لدوق المنطقة الشمالية، الآنسة الصغيرة من عائلة ‘أروند’. يُقال إنها تسللت أيضاً إلى ‘مدينة سحابة التنين’ وكان لها لقاء مع الأمير. والاثنان بينهما علاقة…”
هذه المرة، توترت ملامح ‘رافائيل’، وزمّ شفتيه بإحكام.
أما ‘تاليس’، خلف الزجاج، فقد شعر بقشعريرة تسري في عموده الفقري لسبب غير مفهوم.
“أرأيت؟ قبل وقت طويل من عودة الأمير إلى دياره، بدأ الناس في العاصمة الملكية بالبحث وتغيير نبرتهم من أجل التقرب من تفضيلاته وإيجاد أرضية مشتركة معه.”
ابتسمت ‘فيليسيا’ وقالت: “الآن؟ لم يعودوا يرغبون في الفتيات الرقيقات.”
“وفي هذه الأيام في ‘شارع المربع الأحمر’، بضائع ‘إيكستيد’ مطلوبة بشدة، حتى الفتيان الشماليين الغلاظ—لكن فتيات الشمال أكثر شعبية، وأولئك اللواتي يجمعن بين مظهر الشماليات وسمات أهل ‘الكوكبة’ باهظات الثمن بشكل جنوني.”
*( نعم عزيزي القارء “حتى الفتيان الشماليين الغلاظ” )*
لم ينبس ‘رافائيل’ ببنت شفة، وبدا وكأنه ما زال يستوعب الشائعات التي سمعها للتو. لم تلاحظ ‘فيليسيا’ ذلك، بل بدت منزعجة قليلاً: “في حالتنا، بالطبع، ليس هناك سوى طلب السوق لتلبيته…”
شخرت ‘فيليسيا’ بازدراء واستلقت مرة أخرى على الطاولة.
“أنا فقط لا أفهم ما الجيد في فتيات الشمال هؤلاء؛ كلهن صلباوات كالحديد. لا يستطعن هز خصورهن عند المشي. أيديهن مليئة بالثفن من العمل الشاق، ولا يمكن تعليمهن…”
تمطت بجسدها على الطاولة، مظهرة مرونة مذهلة، واستدارت بزاوية مريحة لتواجه ‘رافائيل’، وغيرت نبرة صوتها فجأة: “ولكن من يدري؟ ربما إذا هبت عليك رياح الشمال لفترة طويلة، ستعتاد على أن يكون الشيء كبيراً، طويلاً، وصلباً.”
تحدثت بطريقة ماجنة وصريحة للغاية، مستعرضة جسدها الجميل، وعلى وجهها أثر خفيف من ابتسامة متملقة: “ماذا، هل تحب أولئك اللواتي من الشمال أيضاً؟”
أولئك اللواتي من الشمال.
قطب ‘رافائيل’ حاجبيه قليلاً. وتراءت في مخيلته صورة تنبض بالقوة والحيوية.
شخر ‘رافائيل’ بخفة، ودون تفكير طويل، رفع حاجباً وقلب الصفحة.
“لكن هل تعلم، أيها الفتى الوسيم، يمكنني أيضاً أن أكون…”
حركت ‘فيليسيا’ كاحلها، وجلدها يلمس كُم ‘رافائيل’ برفق عبر جواربها: “صلبة جداً…”
كان صوتها حالماً وآسراً.
“بالطبع يمكنكِ،” لكن ‘رافائيل’ لم يرفع رأسه، “آنية ‘فيليسيا’…”
في تلك اللحظة، تقدحت عينا ‘فيليسيا’!
وفي نفحة واحدة، انطلقت ساقاها الطويلتان الرشيقتان!
فزع ‘تاليس’.
ودوى صوت ضربة مفاجئة…
… كان اصطداماً مكتوماً لجسد بجسد!
في ثانية واحدة، عاد الهدوء إلى غرفة التحقيق؛ ولم يبقَ سوى أنين المرأة ولهثها.
نظر ‘تاليس’ بتمعن—كانت ركلة ‘فيليسيا’ السوطية محصورة بإحكام في يد ‘رافائيل’؛ وتوقفت عند رقبة الأخير.
رفع ‘رجل العظام القاحلة’ رأسه غير مكترث ونظر إلى إحدى قوائم الطاولة—كانت الأصفاد التي يُفترض أن تمسك بـ ‘فيليسيا’ فارغة تماماً من الطرف الآخر.
“متى تحررتِ؟”
عقد ‘رافائيل’ حاجبيه وزاد من ضغطه على يديها.
ومع تقييد كاحليها، كزت المرأة على أسنانها وشحب لونها، وأجبرت نفسها على التحدث بأنين خافت: “أجل، هذا هو نوع الصلابة الذي كنت أتحدث عنه… سحقاً، أنت تضغط بقوة أيضاً؛ آه، هذا مؤلم…”
اصفرّ وجه ‘فيليسيا’، ولم تعد تحتمل. ارتجفت ساقها اليمنى، وانزلق ذيل الفستان نحو فخذها، كاشفاً عن مساحة كبيرة من بياض بشرتها.
أشاح ‘رجل العظام القاحلة’ بنظره غريزياً.
لكن نظرة ‘فيليسيا’ بردت، وساقها اليسرى، المستندة على الطاولة، بدأت بركلات متناوبة كالسهم المنطلق من قوسه!
من الواضح أن هذه المرأة لم تكن مجرد ممثلة بارعة—وفاتنة للغاية—بل إن مهاراتها الدفينة لم تكن لِيُستهان بها.
لسوء حظها، واجهت ‘رافائيل’.
وبصوت مكتوم…
… مرة أخرى، أمسك ‘رافائيل’ بكاحل ‘فيليسيا’ بإحكام.
كان ‘رجل العظام القاحلة’ بلا تعبير وهو ينحني للأسفل، وظهر زوج آخر من الأصفاد في يديه، ليصفد كاحل المرأة بقائمة الطاولة القطرية.
“تباً!”
عند سماع شتائم ‘فيليسيا’، تفادى ‘رافائيل’ الشبيه بالشبح قبضة يدها بعد قفزتها، وكأنه تنبأ بها.
أظهر ‘رجل العظام القاحلة’ أمام أعينهم وعياً جسدياً مذهلاً، وبضربة واحدة فقط، أمسك بذراعها مرة أخرى، وضغط على المرأة المتخبطة ليعيدها إلى الطاولة، وصفدها بإحكام في الأغلال التي تحررت منها.
فشلت محاولة ‘فيليسيا’ للهجوم المباغت.
وهكذا، استلقت الجميلة المبعثرة، بيد وقدم مصفدتين بقوائم الطاولة، بشكل مائل ووضعية غريبة—في عرض مغرٍ للغاية.
“ياو، كنت أعلم، أيها الفتى الوسيم…”
رأت ‘فيليسيا’ أن هروبها قد فشل، فمالت إلى الخلف وأبرزت منحنياتها، وعادت لدلالها مجدداً: “التقييد، التصفيد، فض البكارة—الرجال مهووسون بهذه الأشياء…”
كانت عيناها تفيضان بالأفكار الماجنة.
إلا أن ‘رافائيل’ لم يكن محترماً ومتحفظاً هذه المرة.
“أجل، ولكن ألسْتِ كذلك أيضاً؟”
نظر إليها ‘رجل العظام القاحلة’ بابتسامة عريضة، غامضة، وشيطانية.
ومع تلك الابتسامة المنذرة بالسوء، ذهب ‘رافائيل’ خلف رأسها، ومرر يديه برفق فوق كتفيها، وصولاً إلى الزر الأول في ياقتها، وشرع في فكه.
عند رؤية لمحة من ملابسها الداخلية، تغيرت عينا ‘فيليسيا’ قليلاً.
هذا الرجل……
لا، لا بد أنه يخدعها…
“ماذا يفعل؟”
سأل ‘تاليس’ ‘مورات’ بعدم ارتياح: “تقنيات التحقيق شيء، ولكن هذا يتجاوز الـ…”
لكن ‘العراف الأسود’ ببساطة أشار إليه بالصمت.
“كنت أعلم، هه، الرجال…”
شاعرةً بمكان يدي ‘رافائيل’، أغمضت ‘فيليسيا’ عينيها بازدراء، وهي تئن بإغراء بينما تبحث عن الفرصة التالية: “أوه—”
لكن لدهشتها، لم يكن لدى ‘رافائيل’ أي نية للتوقف.
كانت عيناه جادتين، وأطراف أصابعه تنزلق دون قيود عبر ياقة الثوب وإلى داخل ملابسها الداخلية، تتلمس صدر ‘فيليسيا’ المرفوع، وتتوغل أعمق فأعمق—
انفتحت عينا ‘فيليسيا’ فجأة!
“سحقاً لك!”
جذبت المرأة الأغلال من الجانبين، وصارعت براثن ‘رافائيل’ الآثمة، وشتمت بصوت عالٍ وقد تملكها الغضب من الخزي: “أنت حقاً مهووس بهذا القرف، ها؟”
فجأة، تحولت نظرة ‘رافائيل’ إلى الصرامة، وانطلقت يده اليسرى!
شعرت ‘فيليسيا’ بألم شديد.
“هسسس—تباً!”
في الثانية التالية، ابتعد ‘رافائيل’ عن جانب ‘فيليسيا’، ونظر بحذر إلى الشيء الذي كان يمسكه بيده اليسرى.
كان ‘مشد صدر’ نسائي.
حميمي، ومثير، وداكن اللون.
نظرت ‘فيليسيا’ إلى صدرها، شاعرة بالفراغ، ثم إلى ‘رافائيل’ بذهول.
لتشاهد ‘رافائيل’ وهو ينفض المشد بعناية ولطف، ويمسحه بوصة بوصة.
وفي وقت قصير، استخرج سبعة أو ثمانية أسلاك حديدية، وخمس أو ست إبر رفيعة، وثلاث شفرات حادة على الأقل، وكيساً صغيراً من المسحوق الطبي، والعديد من الأشياء الصغيرة التي لم يستطع ‘تاليس’ التعرف عليها.
تغيرت نظرة ‘فيليسيا’ عند تلك النقطة إلى رعب حقيقي وعدم تصديق.
“هذه الجرعة كافية لإسقاط ثلاثة رجال بالغين،” غمس إصبعه بحذر في المسحوق وشمه قليلاً، مميزاً بعض المكونات من رائحة المرأة، “أو إسقاطكِ أنتِ.”
“مثير للإعجاب حقاً.”
وضع ‘رافائيل’ تلك الأدوات، واحدة تلو الأخرى، بعناية على الكرسي: “من بين كل الخصوم الذين واجهتهم، لستِ الأفضل، لكنكِ بالتأكيد الأكثر صلابة.”
“تباً لك.” كزت ‘فيليسيا’ على أسنانها وحدقت فيه؛ كان حقدها هذه المرة نقياً وخالصاً مقارنة بتصنعها السابق.
ابتسم ‘رافائيل’.
“حتى الآن، أحسنتِ استغلال جسدكِ، وأجبرتِني مراراً وتكراراً على إشاحة نظري قبل استخدام هذه ‘الأداة الصغيرة’ هنا لفتح الأصفاد،” وضع ‘رافائيل’ مشدها وأغلق الأزرار على صدر ‘فيليسيا’، دون أن ينسى تسوية ياقتها، “ماذا، هل تُعلّم البغايا هذا أيضاً؟”
إدراكاً منها للفوارق بينها وبين العدو، توقفت ‘فيليسيا’ عن استخدام الدلال والإغراء كخدعة ونظرت ببساطة إلى الأصفاد في يدها وقدمها، بعدم رضا.
“هل سبق لك أن كنت شحاذاً في الشوارع، أيها الفتى الوسيم؟”
تركت ‘رافائيل’ يرتب ملابسها وقالت ببرود: “خاصة خلال ‘السنة الدموية’، حين طُرد الملايين من منازلهم وتُركوا هائمين؛ خلفت الحرب دماراً وأيتاماً، ووُلد أسوأ الشحاذين وأكثرهم إثارة للشفقة؟”
فُوجئ ‘تاليس’ بالكلمات.
‘السنة الدموية’.
الشحاذون.
كان لـ ‘رافائيل’ النظرة ذاتها.
“الشوارع، هي أفضل مدرسة.” حدقت ‘فيليسيا’ بوجوم في السقف: “تعلمك كل شيء.”
وسواء كنت محظوظاً أم لا، فستظل الشوارع قاسية.
في تلك اللحظة.
صدر صوت حاد طفيف…
عند ذلك الصوت، نظرت ‘فيليسيا’ للأسفل بدهشة. فُكت الأصفاد من يدها. مشى ‘رافائيل’ إلى الجانب الآخر، وبالطريقة نفسها، فك أغلال قدم المرأة.
جلست ‘فيليسيا’ في مفاجأة: “ماذا تفعل…؟”
“توقفي،” ترك ‘رافائيل’ قدم ‘فيليسيا’، وساعدها على النهوض عن الطاولة، وقال بجدية: “أخبري ‘مصدر بضائعكِ’.”
“أن يتوقف فوراً عن البحث عن فتيات الشمال والعودة إلى روتين عملكم المعتاد،”
“وأن تتوقفوا عن تلبية اهتمامات الزبائن.”
“هذا كل شيء.”
جلست ‘فيليسيا’ مرة أخرى على كرسيها وانتعنت حذاءها، وعيناها تتنقلان بين الأصفاد و ‘رافائيل’، وبدت مشوشة بشأن الموقف. ومع ذلك، ضغطت على صدرها، متذكرة الإهانة التي تعرضت لها للتو، لذا وبروح صلبة، رفعت رأسها وكزت على أسنانها: “مستحيل!”
“اذهب وقل ذلك لـ ‘عصابة زجاجة الدم’!”
“هم من بدؤوا الأمر! وهم الوحيدون الذين يملكون إمدادات أفضل منا!”
لم يغضب ‘رافائيل’؛ بل جلس مرة أخرى على الطاولة مبتسماً لها: “أؤكد لكِ—سيتوقفون هم أيضاً.”
“في العاصمة الملكية، لن يستطيع أحد المنافسة في مثل هذا الأمر بعد الآن.”
“أما بالنسبة لآخر طرف يتوقف، فإن ‘إدارة الشرطة’—أو ‘وزارة المالية’، أو ‘مجلس المدينة’، وحتى ‘إدارة الانضباط’، أياً كان ما يخطر ببالكِ—سيقومون بزيارات متكررة خلال هذه الأسابيع القليلة.”
‘عصابة زجاجة الدم’.
بهتت ‘فيليسيا’. ولم تجادل أكثر.
وزارة المالية، مجلس المدينة، إدارة الانضباط…
مهلاً!
“من أنت؟”
استعادت ‘فيليسيا’ حواسها، وتفحصت غرفة التحقيق بكل تفاصيلها: “أنت لا تسأل عن ‘أخوية الشارع الأسود’؛ ولا تسأل عن خفايا عملنا؛ ولا تسأل عن موكلينا وزبائننا، لكنك مهتم بشكل خاص بأشياء غريبة…”
نظرت بحذر إلى ‘رجل العظام القاحلة’: “هل أنت ضابط شرطة حقاً؟”
ابتسم ‘رافائيل’ بغموض ولم يرد.
ضيقت ‘فيليسيا’ عينيها الجميلتين: “على الأقل اسمك؟”
ربما خفف ‘رافائيل’ من حدة التوتر بإطلاق سراحها؛ فلم تعد تستخدم حيل الإغراء المتعمدة بل أصبحت سليطة اللسان: “لا يمكنني الاستمرار في تسميتك ‘الفتى الوسيم ذو الرجولة الضئيلة’ في مخيلتي للأبد؟”
تصلب ‘رافائيل’ كالجثة.
‘رجولة ضئيلة’…
خلف الزجاج، رفع ‘تاليس’ حاجباً.
نظرت ‘فيليسيا’ بتحدٍ إلى ‘رافائيل’، وعيناها تغرزان في منطقته مراراً وتكراراً.
“لماذا، لم تسمح لي برؤيتها، لذا سأضطر لتخمين أنها صغيرة جداً.” رمشت بعينيها ببراءة.
صمت ‘رافائيل’ لفترة طويلة.
في النهاية، حسم أمره ورفع رأسه: “‘كوهين’.”
وبجدية قال: “اسمي هو—‘كوهين كارابيان’.”
*( ربنا يكون في عونك يا كوهين)*
في الغرفة الأخرى، حدق ‘تاليس’ بعينين واسعتين.
“اذهبي وابحثي عني، يا آنسة، ثم قرري ما إذا كنتِ تريدين الانتقام مني،” قال ‘رافائيل’ ببرود.
‘كوهين كارابيان’.
قطبت ‘فيليسيا’ حاجبيها قليلاً.
أمعنت النظر في ‘رافائيل’، وكأنها تريد نحت وجهه في ذاكرتها وألا تنساه أبداً.
“حسناً جداً، يا ‘كوهين’،” قالت المرأة وهي تبدو متأملة، “لن أفلتك من يدي.”
انحنت ‘فيليسيا’ فجأة للأمام ولفّت ذراعيها حول رقبة ‘رافائيل’: “ولا بد أن يأتي يوم تذيقكِ فيه هذه السيدة التي أمامك الويل—من رأسك حتى أخمص قدميك، حتى تبكي عيناك دماً وتموت من الإرهاق.”
“‘كوهين كارابيان’ الضئيل.”
حدقت المرأة بشراسة في عيني ‘رجل العظام القاحلة’.
تقوس طرف فم ‘رافائيل’.
“إذن هو… إذن أنا أتطلع لذلك.”
ردت عليه ‘فيليسيا’ بابتسامة غنجة لكنها متجهمة قبل أن تتركه. انحنت بلا مبالاة وانتعنت حذاءها ذي الكعب العالي.
“إذن، هل انتهيت من البحث عن المتاعب؟”
“الآن، يا ‘كوهين’ الضئيل، إذا كنت لن تعتقلني…”
لكن ‘رافائيل’ تحدث فجأة: “قبل بضع سنوات، كانت هناك حانة في ‘الشارع السفلي’ ليست بعيدة عن ‘الشارع الأسود’.”
“لكنها غيرت مالكها بعد ‘حرب الليلة الواحدة’، هل يذكرك ذلك بشيء؟”
في لمح البصر، تقدحت عينا ‘تاليس’ الذي كان يستمع!
“تقصد، ‘حانة الغروب’؟”
نظرت ‘فيليسيا’ للخلف بريبة.
“تلك هي ‘المنطقة الخضراء’ التابعة لـ ‘الأخوية’؛ يرتادها رجال أكثر ممن ضاجعتهم،” هزت المرأة رأسها باختصار وقالت ببرود: “لا أذكر بوضوح.”
بدا ‘تاليس’ شارد الذهن.
بدت ذاكرته وكأنها طارت إلى زمن بعيد.
قبل أن يصبح أميراً.
أولئك… الناس والحوادث.
تابع ‘رافائيل’ السؤال: “يُقال إن صاحب ‘حانة الغروب’، ذلك القاتل ‘الساطور المعكوس’، كان على خلاف مع ‘الأخوية’ وبالتالي قطع علاقاته مع ‘السيف الأسود’ ورحل بعيداً؛ أهذا صحيح؟”
“لا أدري؛ لست متأكدة.” عند الحديث عن ‘حانة الغروب’، كان لـ ‘فيليسيا’ نظرة باردة.
همهم ‘رافائيل’.
“هل تدرين إذن، لأي أمر قطع المالك و ‘الأخوية’ علاقاتهما؟”
سوت ‘فيليسيا’ ثوبها وألقت عليه نظرة ساخطة، إما غضباً أو عدم رضا: “قلت إنني لا أعرف؛ الزعيم ‘موريس’ لا يحب أن نسأل كثيراً.”
لكن ‘رافائيل’ ضحك.
كان يحدق مباشرة في ‘فيليسيا’: “يُزعم أنكِ على علاقة جيدة مع ابنة صاحب الحانة، الساقية؟”
قامت ‘فيليسيا’ بحركة طفيفة.
استمع ‘تاليس’ في ذهول.
‘حانة الغروب…’
‘خلاف داخل الأخوية…’
والأهم من ذلك، ‘ابنة المالك… الساقية…’
‘على علاقة جيدة بفيليسيا؟’
لاحظ الأمير أن ‘العراف الأسود’ بجانبه كان يراقبه باهتمام، وكأنه يتوقع هذا المشهد.
لكن ذلك لم يعد يهم.
لم يعد يهم أبداً.
تنفست ‘فيليسيا’ بعمق.
“هل تقصد تلك الفتاة، همم، الوقحة، الرائعة، اللطيفة، والشهية،” زمّت زعيمة بائعات الهوى شفتيها، وشخرت باستسلام: “من المؤسف أنها لم تُسقَط في الفراش قبل أن ترحل.”
‘جالا’.
من خلال الزجاج، ثبت ‘تاليس’ عينيه دون حراك على ‘فيليسيا’.
‘جالا’!
تجاهل ‘رافائيل’ تصريحها المريب، وبنظرة ثاقبة، وصل إلى جوهر الأمر: “ربما تدرين إذن أين هم؟”
كانت عينا ‘فيليسيا’ باردتين.
استدارت وقابلت نظرة ‘رافائيل’ مباشرة، غير مستسلمة: “أدري ماذا—أيها السافل.”
لم يرف لـ ‘رافائيل’ جفن.
“‘كوهين’، هفف، من ابتكر اسماً غبياً كهذا؟ إنه غبي كصاحبه تماماً.” أدخلت ‘فيليسيا’ يديها في فستانها لتعيد ترتيب صدرها بينما كانت تبرطم بازدراء.
قطب المشاهد، ‘تاليس’، حاجبيه ونظر إلى ‘مورات’.
لكن ‘العراف الأسود’ اكتفى بهز رأسه.
“أعلم أن ‘لانس’ قد منحكِ التدريب اللازم لضمان أن ‘العين التي لا تنام’ تمتلك القوة الكافية لمنعكِ من معرفة وقول أي شيء جوهري.”
تنفس ‘رافائيل’ بعمق وزفر ببطء: “لكن اذهبي وأخبريه.”
أطلق ‘رجل العظام القاحلة’ ابتسامة متهكمة: “أن أهله يتوقعون منه…”
“أن يعود إلى بيته كثيراً.”
بهتت ‘فيليسيا’ للحظة.
نظرت إلى ‘رافائيل’ بمفاجأة، ثم إلى الملف الذي بيده، وإلى الملفات التي كانت مبعثرة على الأرض.
تلك القضايا طويلة الأمد التي لم تستطع حتى إدارة الشرطة حلها.
بعد ثانية، شحب وجه ‘فيليسيا’ كالموت وارتجفت خفة.
“أنتم، أنتم أناس—”
اتكأ ‘رافائيل’ على الطاولة، وارتفعت زوايا فمه قليلاً.
لكن المرأة سرعان ما كبحت تعبيرها، محاولة قصارى جهدها لإخفاء الذعر في قلبها.
“ربما عليك إخباره بنفسك.”
تحدثت ‘فيليسيا’ بجمود، وقد ذهب هدوؤها السابق.
“سأفعل،” هز ‘رافائيل’ رأسه ببطء، “يوماً ما.”
عضت ‘فيليسيا’ شفتها.
“اللـ—اللورد ‘لانس’ قال،” كانت كلماتها متعثرة قليلاً، ومن الواضح أنها تأثرت بشدة بالعواطف: “لقد سدد دينه منذ أمد بعيد، ولا شأن لنا بما يدين به لك أو لا يدين.”
صمت ‘رافائيل’ لفترة.
وأصبحت عيناه مخيفتين ببطء.
“أخبري ‘لانس’ أنه سدد الفائدة ولكن ليس أصل الدين.”
وبصوت أجش، كانت كلماته التالية كفيلة ببث الرعب في أي شخص: “المعرفة وكتمان الأسرار هو واجب دائرتنا.”
تغير تعبير ‘فيليسيا’.
ابتلعت ريقها بصعوبة وتحدثت بقوة: “اذهب إلى الجحيم، يا ‘كوهين كارابيان’ السافل!”
ابتسم ‘رافائيل’ وسلمها مشد الصدر الأسود: “يمكنكِ الذهاب الآن. حين تنتهين من تغيير ملابسكِ، سيقوم زميلي بمرافقتكِ للخارج.”
حدقت ‘فيليسيا’ مباشرة في عينيه بمشاعر مختلطة.
“لا داعي، سأتركه لك كتذكار،” استدارت المرأة أخيراً بحزم وأمسكت بصدرها المرفوع: “أفضل طريقة لارتدائها هي تركها فضفاضة تماماً!”
أسقط ‘رافائيل’ المشد بلا مبالاة وأومأ برأسه: “حسناً إذن، أتطلع للقائنا القادم.”
نظرت إليه ‘فيليسيا’ ببرود؛ لم تستطع التعبير عن استنكارها بقوة أكبر من ذلك.
بإشارة من ‘رافائيل’، دخل الرجلان الضخمان إلى غرفة التحقيق وسلموا ‘فيليسيا’ الغطاء.
ولكن في اللحظة التالية، ابتسمت المرأة، وكأن الربيع قد حل.
“أوه، أيها الفتى الوسيم ‘الضئيل’،” غمزت ‘فيليسيا’، وهي تعض على شفتها اللامعة: “أنا أتطلع لذلك أيضاً، ولكن يمكنك الذهاب بروية وبطء.”
تصلبت ملامح ‘رافائيل’.
“بالطبع، أنت وزملاؤك أيضاً، تعالوا غالباً إلى ‘شارع المربع الأحمر’ للمرح—تذكروا، ناديي يُسمى ‘مغامرة ليلة واحدة’.”
اقتربت ‘فيليسيا’ من الرجلين الضخمين بدلال.
هز ‘رافائيل’ رأسه بيأس.
“أيضاً، يا ‘كوهين’، إذا كنت أنت…”
جالت عينا ‘فيليسيا’ في المكان، حتى استقرت على وجه ‘رافائيل’ البارد والوسيم، ومسحت شفتيها بابتسامة ناعمة: “ثمة تخفيضات!”
إن أعجبتكم الترجمة، أتمنى منكم دعمي بالدعاء لأهلنا وإخواننا في فلسطين والسودان، جزاكم الله خيرًا.
تمت ترجمته بواسطة كاوي العصافير RK
✨ عضوية مميزة في فضاء الروايات ✨
🚫📢 تخلّص من الإعلانات المزعجة
💖 استمتع بتجربة قراءة سلسة ومميزات حصرية مقابل مبلغ رمزي
📌 ملاحظة: أرسل اسمك في الموقع عند الدفع ليتم تفعيل العضوية ✅
جميع ما يتم ترجمته في الفصول منسوب إلى المؤلفين، ونحن بريئون من أي معانٍ تخالف العقيدة أو معانٍ كفرية وشركية.
هذا مجرد محتوى ترفيهي فلا تدعه يؤثر عليك أو يلهيك عن دينك.
استغفر اللـه وأتوب إليه.