سلالة المملكة - الفصل 579
📏 حجم الخط
✍️ نوع الخط
🎨 الخلفية
🖥️ عرض النص
دعم سلالة المملكة لزيادة تنزيل الفصول :
سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم
الفصل 579: سحقاً للأمير
‘زين كوفيندير’.
في تلك اللحظة، تجمّد ‘داغوري’ تماماً، وبدا وكأن روحه قد فارقته.
وعلى الجانب الآخر من الزجاج، كان ‘تاليس’ مصعوقاً بالقدر ذاته.
“لِـ.. لِمَ؟” سأل تاجر الخمر بلاشعور، وقد غادرته كل ملامح المكر.
“أنت تعلم لِمَ.” كانت ابتسامة ‘رافاييل’ لا تزال مرسومة على وجهه، لم تنقص ذرة.
اعتدل ‘داغوري’ في جلسته، وسأل بنبرة يملؤها التوجس والقلق: “يا صـ.. يا صاح، ألم تقل إنك.. إنك تخدم المملكة؟ أي دائرة تتبعها تحديداً؟”
أومأ ‘رافاييل’ برأسه ببرود زاد من ارتباك السجين: “أمرٌ مثير للدهشة حقاً. أنت لا تخشى ‘وزارة المالية’ التي تمتص الدماء، ولا تهاب قوة الشرطة التي تثير الرعب، ولا ترتعد أمام ‘وزارة العدل’ المرموقة.. لكنك تفقد كل هدوئك بمجرد أن تسمع اسم نبيل أجنبي ذي شأن”.
ارتجف ‘داغوري’ بجسده كله.
بدا وكأنه بدأ يدرك شيئاً ما، فأخذ يتلفت حوله في الغرفة برعب متزايد: “هذا ليس مجرد مركز شرطة عادي، أليس كذلك؟ لِمَن تعملون في الحقيقة؟”
سخر ‘رافاييل’ منه قائلاً: “أوه، لعلّك قلق من أن يكتشف دوق ‘قلعة السوسن’ أن ‘داغوري موس’ —رجل الأعمال الكفؤ الذي ينعم بفضله، ويتلقى منه التوجيهات ويعمل وكيله في تجارة الخمر بـ ‘إقليم المركز’— قد ملأ جيوبه الخاصة من خلف ظهره؟ لعلّه سيستاء حين يعرف أنك استمتعت بمبالغ هائلة من العمولات السرية طوال هذه المدة، وأدرت العديد من الأعمال الخاصة في أماكن أخرى..”
رأى ‘تاليس’ كيف كان ‘داغوري’ يرتعد مع كل كلمة ينطق بها ‘رافاييل’.
تابع ‘رافاييل’ بابتسامة ودودة: “بل وبلغت بك الجرأة أن تقول للدوق إن التجارة قد فشلت، وتتباكى أمامه على قسوة الأيام؟”
بدأت أنفاس ‘داغوري’ تتسارع بشكل مسموع، وابتلع ريقه بصعوبة بالغة: “اسمع يا صاح، لا بد أن هناك سوء فهم كبير بيننا. أنا لا أفهم شيئاً مما تقوله..”
أمسك ‘رافاييل’ بالوثيقة ونهض من مقعده، وكأنه يستعد للمغادرة وإنهاء نوبة عمله: “لا تقلق، سنرتب لك عربة بعد قليل، وسنعيدك إلى منزلك بضجيج وموكب مهيب لنشكرك على تعاونك وصدقك— مباشرة بعد أن تُرسل هذه الأدلة إلى ‘مدينة اليشم’ لتوضع في يد الدوق ‘زين’”.
تجمد ‘داغوري’. اختفت كل علامات الغطرسة والثقة التي كان يبديها منذ قليل.
“أنت.. لا يمكنك..” بدأ بالكلام، لكنه لم يستطع إخراج الجملة كاملة.
أمال ‘رافاييل’ رأسه جانباً وابتسم بخبث وهو يضع القشة الأخيرة التي قصمت ظهر البعير: “بعد كل شيء، أنت تعلم أن ‘قسم الاستخبارات السرية للمملكة’ لا يمكنه القيام بعمليات تعذيب غير قانونية”.
في تلك اللحظة، انتفض ‘داغوري’ انتفاضة عنيفة!
“ماذا؟ أي قسم تابع للملكة؟” سأل تاجر الخمر بذهول مطبق.
ابتسم رجل ‘العظم القاحل’ واستدار ليرحل.
“انتظر لحظة! لقد تذكرت الآن. لقد تذكرت!”
ربما كانت الجملة الأخيرة ثقيلة جداً لدرجة لا تُحتمل. سقط ‘داغوري’ عن كرسيه، ثم نهض عن الأرض في ذعر وهو يصرخ: “سيكون هناك تدفق هائل لرؤوس الأموال اليوم. أضمن لك أن الذين لديهم بذمتي ديون من أجور ومتأخرات سينالون أموالهم قريباً. وسيكون هناك فائض كبير من الالاصول أيضاً. أود أن أتبرع بكل ذلك لك شخصياً يا صاح، أو لدائرتك، لدعم عملكم.. هل يمكنك فقط.. أن تجعل الأمر يبدو وكأني لم أكن هنا قط؟”
لم يتأثر ‘رافاييل’، بل اكتفى بابتسامة شريرة: “لا تقلق، أنت على علاقة بـ ‘كبيرة القوم كاثرين’، أليس كذلك؟ حين تخرج، ستعتني بك ‘عصابة قارورة الدم’ بكل تأكيد؟ أو لعلي سمعت أن العرف في ‘مدينة اليشم’ هو أخذ الناس إلى عرض البحر في قارب، ومهما حدث هناك في أعالي البحار، فلا علاقة له بقوانين المملكة..”
ضيق عينيه وضحك ببرود: “ليس لدينا صلاحية للتعامل مع الأمر حتى وإن أردنا ذلك”.
بدت كل كلمة ينطق بها ‘رافاييل’ وكأنها تطعن ‘داغوري’ في مقتل.
انفجر ‘داغوري’ بالبكاء بصوت عالٍ، والملامح تملؤها الرعب: “كلا، كلا، أرجوك.. هذا.. هذا يعادل قتلي.. أنا مواطن في هذه المملكة، لا يمكنك تركي للموت..”
رد ‘رافاييل’ بابتسامة معتذرة: “على الإطلاق. إن دوق ‘قلعة السوسن’ رجل متسامح وودود، لعلّه لن يمانع؟ فبعد كل شيء، لديك عائلة كبيرة، وكان عليك أن تعيلهم”.
‘تعيلهم’.
كان ‘داغوري’ يرتعد، محدقاً في ‘رافاييل’ بذهول تام وفراغ في عينيه.
ظل ‘رافاييل’ يبتسم كعادته، ثم استدار بزهو لينتظر الرد.
وبعد عشر ثوانٍ كاملة..
“سحقاً.”
أخيراً، لم يحتمل ‘داغوري’ وطأة نظرات ‘رافاييل’ وانهار على الأرض.
“حسنٌ، حسنٌ.. كل ما تبتغيه سأفعله.. سأعطيك ما تريد”.
لقد تحطم تماماً. بدأت الدموع والأخلاط تسيل على وجهه وهو ينشج: “فقط.. فقط لا تخبر الدوق.. أنا.. أنا فقط أردت أن أجمع مبلغاً جيداً من الأصول قبل التقاعد.. عائلتي..”
قهقه ‘رافاييل’ بابتهاج: “مرحباً بك في ‘قسم الاستخبارات السرية للمملكة’، يا سيد ‘موس’”.
وبمنتهى الرضا، انحنى ليساعد ‘داغوري’ المرتعف على النهوض.
“لا تقلق، تحت حمايتنا، لن تتقاعد في وقت قريب”.
حدق ‘داغوري’ بذهول في الشاب الذي أمامه، وقد بات وجهه خامداً تماماً.
في الطرف الآخر من الغرفة، التفت ‘تاليس’ نحو ‘مورات’ باشمئزاز واضح: “أهذه هي طريقتكم في تجنيد الناس وكسبهم؟”
ضحك ‘العراف الأسود’ ضحكة خافتة وهو على كرسيه المتحرك: “أعلم أن سموك يمقت هذه الأساليب”.
“أنا لا أمقتها فحسب، بل..” هز الأمير رأسه بضيق: “هذا يذكرني بـ ‘درع الظل’”.
سخر ‘مورات’ قائلاً: “إذاً نحن نؤدي عملنا بشكل صحيح؛ فهكذا يعمل تقسيم الأدوار عندنا: نحن نبقى في الظل لنقوم بالأعمال القذرة، بينما تقف أنت تحت ضياء الشمس وتُدين تلك الأعمال. نخبُ تعاوننا السعيد”.
رمق ‘تاليس’ ‘العراف الأسود’ بنظرة شزراء وقطب جبينه.
على الجانب الآخر من الزجاج، تمكن ‘رافاييل’ أخيراً من تهدئة ‘داغوري’ —الذي استسلم تماماً— وأعاده لمقعده.
“الآن، هل يمكنك الإجابة على سؤالي؟”
كانت عينا ‘داغوري’ محمرتين. وبينما يمسح الدم عن أنفه بمنديل، رفع بصره في تيه: “أي.. أي سؤال؟”
كرر ‘رافاييل’ سؤاله بصبر: “لِمَ.. لِمَ مستقبل صناعة الخمر في المملكة مظلم؟”
بدا أن ‘داغوري’ قد أصيب بصدمة مما مر به، فظل واجماً لبرهة قبل أن يسترد رشده.
أجاب تاجر الخمر بمرارة: “أجل، أجل.. رغم أنها كانت مجرد شائعة في البداية، إلا أنها تأكدت ليلة أمس.. والآن، لا بد أنها انتشرت بين جميع تجار الخمر في أنحاء المملكة”.
ومضت عينا ‘رافاييل’: “ماذا حدث؟”
أجاب ‘داغوري’ على مضض: “ذاك الأمير”.
عند سماعه عن نفسه، ذُهل ‘تاليس’.
تابع ‘داغوري’ بسخط: “أميرنا الحكيم ‘تاليس’، دوق ‘بحيرة النجوم’، لا يحب الخمر. في مأدبة ليلة أمس، قُدم الخمر الذي أنتجه مصنعي إلى طاولته، ولم يلمسه قط. ولا حتى قطرة واحدة”.
وقال بحنق: “حتى حين كان يرفع النخب، تظاهر بالشرب فقط، ثم سكب الخمر عمداً”.
رد ‘رافاييل’ بـ”هممم” ثم سأل: “لعل الخمر الذي تنتجه لم يكن على ذوقه؟”
“هاه! سواء كان الأمير لا يحب الشرب، أو أن الخمر لم يناسب ذوقه، فما الفرق؟”
بعد أن تحطمت دفاعاته النفسية، شرع ‘داغوري’ يثرثر دون توقف، واليأس يملأ صوته: “وليس الأمر أنه لا يشرب فحسب، بل هو لا يحب أن يشرب الآخرون أيضاً”.
رفع ‘تاليس’ رأسه في حيرة.
قطب ‘رافاييل’ جبينه أيضاً: “أحقاً؟”
ضحك ‘داغوري’ بسخرية: “بالأمس، في المأدبة الملكية، ورغم أني لم أذهب، إلا أن لي صديقاً كان هناك. رأى بأم عينيه، قبل وقوع حادثة الرهائن، سيدة نبيلة شابة بارعة الجمال ومن عائلة مرموقة، تقدمت تطلب من الأمير رقصة. وفي النهاية، ولأنها شربت قدحين من الخمر قبل الحديث معه، تعرضت للتوبيخ من قِبل سموّه علانية، وعادت وهي تبكي”.
استمر ‘رافاييل’ في التشكيك: “أأنت متأكد؟”
“لقد شاع الخبر في دوائر الفتيات النبيلات كلهن!”
بصق ‘داغوري’ وتابع باحتقار: “لقد رفض سموّه كل فتاة شربت الخمر. حتى عمته حين شربت القليل، لم يظهر لها أي رحمة وطردها من المأدبة على عجل! وهناك خادم آخر شهد بأنه بعد انتهاء المأدبة، وحين كان سموّه يتحدث مع الدوق ‘زين’ على انفراد، كان كل ما يشربه هو الماء!”
تأمل ‘رافاييل’ الأمر لبرهة: “هذا كل ما في الأمر؟ كل ذلك بناءً على أحداث تافهة في مأدبة ليلة أمس؟ لعل هذا مجرد عذر وجدته لتبرير فرارك دون سداد ديون أموالك بعد فشل تجارتك، مما تسبب في توريط مئات العائلات..”
قاطعه ‘داغوري’ بحدة: “لقد أخبرتك، أنا ذاهب فقط في عطلة.. اسمع، الشائعات حول كره الأمير للشرب موجودة منذ مدة، وليست وليدة ليلة أمس”.
“ماذا تقصد؟”
نخر ‘داغوري’ قائلاً: “أولاً، جاء الخبر من تجار الشمال في ‘منطقة الرمال السوداء’. نشروا أن الأمير ‘تاليس’ وملك ‘إيكستيد’ الحالي اختلفا على قدح خمر وهما الآن يكرهان بعضهما. لا أدري كيف عاش الأمير في الشمال، لكن الطريقة التي قدم بها نفسه منذ عودته إلى ‘الكوكبة’ واضحة: إنه يعيش حياة زاهدة، لا يمس خمراً ولا نساء”.
رفع ‘داغوري’ إصبعه وتابع بكل جدية: “في ‘معسكر أنياب النصل’، أعد زملائي في ‘الصحراء الغربية’ جرة من أجود الخمور. ورشوا جنود ‘الجناح الأسطوري’ ليقدموها له، رغبة في التودد إليه والترويج لبضاعتهم. في النهاية، لم يمنحهم الأمير أي اعتبار، بل حطم الجرة دون أن يلقي عليها نظرة ثانية! إنه وريث المملكة، كما تعلم. هكذا بدأت الشائعات”.
زفر ‘داغوري’ بضيق: “ولقد سمعت للتو عما حدث هذا الصباح: حارسان شخصيان للأمير ‘تاليس’ —من حرس الملكية، ومن عائلات ‘خدم جاديستار السبعة’ المرموقة— شربا الكثير ليلة أمس، مما تسبب في وقوع حادثة الرهائن عن غير قصد. فأمر الأمير بجلدهما في ‘قاعة مينديس’، وجُلدا حتى أشرفا على الهلاك. وتقول الشائعات إنه كان يعد الجلدات بنفسه”.
أنصت ‘رافاييل’ باهتمام بينما كان يختلس النظر نحو الزجاج.
أمال ‘داغوري’ رأسه للخلف بيأس: “هذا رائع جداً. قريباً ستعلم ‘الكوكبة’ برمتها أن ملك المستقبل لا يحب الشرب، ويمقت من يشربون. سحقاً للأمير”.
تنحنح ‘رافاييل’: “ربما بالغت في رد فعلك، فكره الأمير للشرب قد لا يكون له ذاك التأثير الكبير..”
“أوه! إنه الأمير! ملك المستقبل!” قاطعه ‘داغوري’ بنفاد صبر: “كل ما يفعله، وكل تفصيل يخصه، له تأثير هائل، أتفهم؟!”
لم ينطق ‘رافاييل’.
وغرقت الجهة الأخرى من الزجاج في صمت مطبق.
“اسمع يا صاح، أنت لا تزال شاباً، لكني رأيت ذلك وأعرفه..” مسح ‘داغوري’ أنفه بالمنديل وتابع: “التأثير قد لا يكون فورياً، لكن مع مرور الوقت.. سيصبح تدريجياً عرفاً شائعاً في دوائر الطبقة العليا بالعاصمة: فمن أجل إرضاء الأمير والتقرب من الدوق، ستبدأ فئة قليلة بشرب كميات أقل، ثم سيتبع الجميع هذا النهج. ثم سيبدأ بعض المتنفذين بالمطالبة بالامتناع عن المسكرات، وهو ما سينعكس كاتجاه عام ضد الشرب في ‘مدينة النجم الأبدي’، وفي النهاية ستسن المملكة قوانين لتقييد الكحول أو منعه..”
شكك ‘رافاييل’ قائلاً: “ألا تبالغ في الأمر؟”
هز ‘داغوري’ رأسه: “حسناً، ربما أجمل قولي قليلاً، لكن يا صاح، أنت تعمل في وظيفة عامة. أياً كانت أهواء الطبقة الراقية، فإن الطبقات الدنيا ستكون أكثر حماساً لاتباعها. ألم تسمع بتلك المقولة؟ حين يسقط قدح في ‘قصر النهضة’، تسقط جمجمة عند حدود المملكة”.
نظر تاجر الخمر إلى ‘رافاييل’ وضحك بسخرية: “وهل تعلم كم قدحاً كسر الأمير ‘تاليس’ ليلة أمس؟ هاه هاه هاه…”
كانت ضحكته تعكس السخط والكآبة، ثم بدأت تخبو تدريجياً.
“إذا أنف الملك من فئة من الناس، فبمجرد وصول الأمر للعامة، سيسوقهم الناس نحو طريق مسدود. وإذا ألقى الدوق نظرة ثانية على شيء ما، فبمجرد وصوله للجمهور، سيصبح ثمنه باهظاً أو حتى لا يقدر بثمن. لقد اتخذ الناس ترهات الكبار كحكم وراحوا يفسرونها، بل ودرسوها في الأكاديميات.. أو إذا نسي نبيل من عائلة مرموقة ارتداء سرواله الطويل عند الخروج للمشي، سيُعتبر ذلك أسلوباً جديداً، وصرعة في الموضة، ويجذب عبادة الجماهير، حيث يتسابق الجميع لتقليده..”
تابع ‘داغوري’ بحنق: “ألم نرَ ما يكفي من هذه الأحداث؟”
تنهد تاجر الخمر: “السلطة هي صنارة صيد، تجذب الجميع للاقتراب منها، وكل ذلك من أجل طعم زهيد. وكيف تظن أني جنيت ثروتي لولا ذلك؟”
ساد الصمت غرفة الاستجواب لبرهة.
قال ‘رافاييل’ بوضوح: “إذاً فقد أغلقْتَ مصنع الخمر بعد تفكير متأنٍ”.
أومأ ‘داغوري’ برأسه.
“أتظنني أردت إغلاقه؟ صدقني، إن لم أوقف خسائري وأخرج الآن، فبعد بضعة أشهر حين تصبح شائعة كره الأمير للشرب معلومة للجميع، لن تزداد سجلاتي إلا سوءاً، وسيكون دُعمائي في ‘مدينة اليشم’ أكثر استياءً. ولست أول مَن اكتشف ذلك: فحس السوق أكثر إدراكاً من حسي، والعملات الذهبية لا تتبع إلا السلطة”.
زم شفتيه وتابع: “ليلة أمس فقط، بعد المأدبة، سحب ستة من المشتري النبلاء طلباتهم للشهر القادم. ادّعوا أن إنتاجهم الخاص من الخمر كافٍ. وكان هناك عشرة آخرون هذا الصباح..”
بدأت عينا ‘داغوري’ تغيمان: “كنت قد ظننت في البداية أنه بعد عودة الأمير، وإقامة المأدبة الملكية، فإن العاصمة التي كانت في سبات لسنوات ستشهد العديد من حفلات العشاء وسيكون هناك زيادة حادة في الطلب على الخمور الفاخرة مثل التي ننتجها. لذا وسعت نطاق شركائي، واشتريت عدة مصانع خمر أخرى تحسباً لزيادة الإنتاج، واقترضت الكثير من المال من أجل هذا..”
سخر ومسح آخر بقايا الدم عن أنفه، ثم رمى المنديل على الطاولة.
“الآن.. الآن لا يسعني إلا وقف خسائري. على الأقل في المستقبل المنظور، لن أتلقى طلباً واحداً يذكر في العاصمة في القريب العاجل”.
سأل ‘رافاييل’ بهدوء: “من كلامك، هل أنت مجرد أول شخص يتصرف بناءً على الشائعات؟ هل سيكون هناك المزيد من الناس الذين سيتضررون ويفقدون وظائفهم في صناعتك؟”
أنّ ‘داغوري’ وهو يكاد يبكي.
“ماذا بيدي أن أفعل؟ أنا في يأس أيضاً!”
كان محبطاً تماماً: “لكن مَن هو الشخص الذي جعل تجار الخمر يفقدون الثقة، وحطم آفاق صناعة الخمر، وجعل جميع عمالي يفقدون سبل عيشهم؟ إن كنت تجري تحقيقاً، فلا تبحث عني. اذهب وابحث عن أميرنا المحبوب ‘تاليس’ الذي أعلن للعالم أنه يكره الشرب!”
انطرح ‘موس’ في كرسيه وتمتم للمرة الثانية: “سحقاً للنبلاء. سحقاً للأمير”.
عادت غرفة الاستجواب للصمت مجدداً.
تنهد ‘رافاييل’: “حسناً جداً. شكراً لك على رأيك. سأحرص على أن يعلم بذلك”.
“سأحرص على أن يعلم بذلك..”
على الفور، أدرك ‘موس’ —الذي كان غارقاً في إحباطه— شيئاً ما.
“كلا، كلا، لا.. أنا #&%¥&…”
تغيرت تعابير تاجر الخمر فور إدراكه الجديد: “أرجوك لا تسجل تلك الجملة.. يعلم السامي أن عائلتي بأكملها وفية وتدعم عائلة ‘جاديستار’ الملكية بكل جوارحها!”
لوّح بيديه بحماس وهو يحاول تبرير نفسه لـ ‘رافاييل’.
لكن ‘رافاييل’ اكتفى بالنظر إلى الزجاج قبل أن يشير بأخذ ‘موس’ بعيداً.
“هذا صحيح. والدتي يمكنها الشهادة! لقد كنت مؤيداً مخلصاً لسموّه منذ ولادتي.. ألسنا في خندق واحد؟ لا يمكنك الإيقاع بي هكذا!”
بدأت كلمات تاجر الخمر تخفت تدريجياً، لكن كان لا يزال من الممكن سماعه وهو يقول: “ماذا كنت أقول، آه، أتمنى لدوق ‘بحيرة النجوم’ دوام الصحة وأن يُتوج ملكاً في أقرب وقت ممكن..”
“أوه لا، لا تفهمني خطأ، أنا أدعم جلالة الملك ‘كيسل’ أيضاً! أتمنى مخلصاً لـ ‘ملك القبضة الحديدية’ طول العمر والحكم الأبدي لـ ‘الكوكبة’..”
أُغلق باب غرفة الاستجواب. واختفى صوت ‘داغوري’ تماماً. زفر ‘رافاييل’ ونظر باتجاه الزجاج.
على هذا الجانب من الزجاج، نظر ‘العراف الأسود’ إلى الأمير باهتمام مبطن.
ولعدة دقائق طويلة، غرق ‘تاليس’ في ذهول صامت.
ولم يجد ما ينطق به.
إن أعجبتكم الترجمة، أتمنى منكم دعمي بالدعاء لأهلنا وإخواننا في فلسطين والسودان، جزاكم الله خيرًا.
تمت ترجمته بواسطة عقل الستائر RK
✨ عضوية مميزة في فضاء الروايات ✨
🚫📢 تخلّص من الإعلانات المزعجة
💖 استمتع بتجربة قراءة سلسة ومميزات حصرية مقابل مبلغ رمزي
📌 ملاحظة: أرسل اسمك في الموقع عند الدفع ليتم تفعيل العضوية ✅
جميع ما يتم ترجمته في الفصول منسوب إلى المؤلفين، ونحن بريئون من أي معانٍ تخالف العقيدة أو معانٍ كفرية وشركية.
هذا مجرد محتوى ترفيهي فلا تدعه يؤثر عليك أو يلهيك عن دينك.
استغفر اللـه وأتوب إليه.