سلالة المملكة - الفصل 551
📏 حجم الخط
✍️ نوع الخط
🎨 الخلفية
🖥️ عرض النص
دعم سلالة المملكة لزيادة تنزيل الفصول :
سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم
الفصل 551: افضل
“أنكر بايْريل!”
في خضمّ ذاك الاضطراب، دوّى صوت تاليس جليًّا ونافذًا في أرجاء القاعة.
لا شك أن خروج الدوق عن صمته قد ألقى بظله وثقله، فسكنت القاعة بأسرها.
سيف أنكر قد استقر على عُنق دويل الشيخ، تاركًا إياه يلهث جزعًا وقلقًا.
دفع تاليس مالوس – الذي اعترضه لا شعوريًا – وتقدم من الصف، يخاطب الجمع من المنصة التي تلي مقعد الملك منزلةً: “لقد سمعت القاعة بأسرها، ‘قاعة مينديس‘ بمَن فيها، حديثك وقصتك وتلك العُصارة المُرّة من تجربتك.”
وتابع بلهجة صارمة: “أوَليس في ذاك البلاغ كِفاية؟”
رفع أنكر نظره. ولأول مرة، التقت عيناه بوريث المملكة دون حاجِبٍ أو عائِق.
“إذن، يا صاحب السمو، هل تعتزم – كسائر الحاضرين – أن تُسَوِّرَ طريق العدالة المستحقة بوابلٍ من الأسباب العقلانية والحُجج الواهية؟”
“أبهذا يكون ماضيك، وصِيتُك، بما في ذلك ما تفوّهت به في مستهلّ خطابك، محضَ أكاذيبَ وزور؟”
تبادل مالوس وفوغل النظرات، ولم يتبادلا سوى القلق والوجل.
استشعر تاليس في تلك اللحظة أن الأبصار كلها مصوبة نحوه مباشرةً بلا تحفظ.
سواء كانت تلك الأبصار تعود إلى الدوقات الحُماة، كـ زين، وكوشدير، وفال.
أو إلى سدنة النجمات السبع، وأعيان الإقليم الأوسط، من أمثال الفيكونت أدريان والسيدة إيلاينور.
أو مَن كانوا من حاشية الملك ونُبلائه الجُدد، من أمثال الكونت غودوين والفيكونت كيني.
إلى جانب الضيوف الكرام من شتّى المراتب والحِرَف: من عساكر، وموظفي الإدارة، ومشرفين.
تلك النظرات أثقلت حباله الصوتية كصخرة ضخمة.
كأنها توشك أن تُبَدِّد ما حظي به من وقارٍ وتوقير في ذاك المأدب.
تبًّا له.
“لستُ بقاضٍ. ولا أملك الحق في تعريف العدالة.”
قطّب تاليس حاجبيه وهو ينظر في هاتيك الأعين التي فاضت عزمًا وإقدامًا حتى الموت: “لكنّ صنيعك اليوم قد جاوز حدّ البلاغة.”
“وإنْ لم يكن ذاك الصنيع سوى جَذّ الجسور من خلفك.”
تنفس أنكر تنهيدة مُشتتة.
“قد يُصغِي المرء لشيءٍ إنْ سالَتْ فيه دماء.”
أدار تاليس نظره حوله، محاولًا تثبيت صوته الذي ما زال يتغيّر بفعل غضاضة السنّ.
“لكنْ، إن كان ذاك المُصغي لا يبتغي سوى الجديد، فلن يجنيَ المرء من ذلك الصنيع نفعًا.”
ارتفعت همهمات خفيفة من الجمع.
“أما بخصوص إذلال المرء لنفسه!” واصل تاليس حديثه بجهارة: “فحتى لو أفلح في اجتناب الجرعة المُرّة مؤقتًا، فإن مآله سيكون وخيمًا ومملوءًا بالندم لا محالة.”
التفت أنكر ونظر إلى دويل الشيخ الذي كان يرتعد تحت سيفه.
فضحك ضحكة قاسية.
“يا صاحب السمو، وكما شاع عنك، حديثك لاذع، ويكاد يكون عصيًّا عليّ دحضه.
“لا عجب أنك تمكنت من صون كرامة ومصالح الكوكبة بينما كنت في أرض الشمال الغاشمة والوَعِرة.”
تصلّبَت نظرة أنكر.
“لكني ما جئت إلى هنا لأستمع إلى موعظة.
“إنما جئتُ من أجل – الثأر.”
“إذًا، ثق بي. ألقِ سلاحك، ودع الأمر للحُكم العادل.” بذل تاليس جهدًا ليحافظ على سلطته كـ دوق بحيرة النجوم: “لا فائدة من اللجوء إلى العقاب الشخصي والإضرار بالأنفس.”
واصل حديثه بتعبير جاد: “إن ثأرًا يَفْتقر إلى العدالة، لهو بمنزلة قتلٍ دنيء.”
بدا أن فوغل ومالوس يتشاوران خلفه، لكن تاليس لم يتمكن من فهم ما يقولانه.
نظر أنكر حوله لا شعوريًا. بدا ضائعًا وسط ثرثرة الجمع.
إلى أن وجدت عيناه – المليئتان بالسخط والاستفهام – الدوق مرة أخرى.
“قتل.”
حدّق أنكر في تاليس ودخل في غفوة سريعة دامت شطر ثانية.
“قتل؟ عدالة؟”
جزّ على أسنانه بينما ارتجف صوته: “كلا، أيها الدوق تاليس. كلا.”
“لقد شدّ أبي سلاحه إليه بقوة، واعتنق ندمه تجاه أسلافه وسُلالته وهو على فراش الموت، على هذه الأرض التي توارثناها جيلاً بعد جيل. وقبل أن أجد الوقت لدفنه، أُرغِمتُ على ارتحال آلاف الأميال والتنقل هنا وهناك، حتى اليوم، حيث أستطيع أخيرًا أن أقف أمامك.”
زأر: “هذا هو القتل!”
“فأين هي عدالته؟”
تحت سيفه، قاطع البارون دويل – وهو يرتجف – قائلاً: “أنا لم أفعل شيئًا. والدك مات بمرض…”
استدار أنكر بحدة، فأخاف البارون حتى ابتلع كلماته.
“بعد أن انتزعت منه كل شيء!
“بعد أن استخدمت أساليب دنيئة،” صار صوت أنكر أجشًّا من الصياح: “لِتَدفعه إلى حافة الهاوية!”
مدّ تاليس يده إلى الأسفل ليمنع مالوس من إرسال رجاله لجرّه مرة أخرى إلى تكوين الحماية.
واصل أنكر صُراخه الغاضب: “أيها الناس، افتحوا أعينكم وانظروا. فكيف يختلف هذا الفخّ وهذا الهوان عن القتل؟!”
عمّت الفوضى.
كان هناك تداخل أصوات، لكن محور نقاشهم قد تباين.
كان البارون دويل يرتعش. ولما رأى أن الوضع غير مواتٍ، جاهد للتفوه بكلمة: “لم يكن لوالدك مال، فأقرضته. لقد رهن الأرض، فقبلتُ الرهن…”
أما ديل، فكان متوترًا لدرجة أنه لم يستطع أن يرفع بصره. وتحت قيود غلوف، شاهد والده يدافع عن نفسه.
“لم يكن لدى قومك عمل ولا طعام. شغّلتُ الأيدي العاملة ومنحتهم أُجورًا. فأي خطب في ذلك؟”
حاول دويل الشيخ أن يُغمض عينيه متجاهلاً السيف المرعب.
“هذه هي سيرورة عمل الحُكّام الإقطاعيين الطبيعية. انظروا جيدًا. لقد كان هذا دأبنا منذ سنين…”
“المملكة بأسرها، من الإقليم الأوسط إلى تلّة حدّ النصل، سواء كانت بحر الشرق أو ساحل الجنوب…”
“أين لم يكن الحال كذلك؟”
بهذه الكلمات، اشتعلت القاعة بصخبٍ هائل.
حاول الكونت غودوين أن يحفظ النظام، لكن دون نجاح يُذكر.
قطّب تاليس حاجبيه بعمق.
أما أنكر، الذي كانت حياة البارون بين يديه، فازداد غضبًا.
“تبًّا لكم. ليس في الصحراء الغربية!”
هزّ زئيره أرجاء “قاعة مينديس” بأكملها: “وليس في مدينة نعيق الغراب حيث نشأتُ!”
بدأ الضيوف يثيرون المزيد من الضوضاء. اضطر الحرس إلى بذل جهد أكبر لإبعاد أولئك الذين كانوا يقفون قُربًا.
حتى، وعلى طاولة الدوقات في البعيد، فتح كوشدير نانشستر عينه الواحدة الثاقبة.
“ولا في أرض المنحدرات أيضًا.”
نظر نحو فال آروند، الذي كان مُكَبّلاً تحت الإشراف الصارم لحرس الملك، والذي واصل صبّ النبيذ لنفسه وبدا وكأنه في مزاج جيد.
“ولا في الإقليم الشمالي.”
أطلق التنين ذو العين الواحدة تنهيدة طويلة، وسمح لكلماته بأن تُسمَع في أنحاء القاعة: “في السالِف من الزمان، لم يكن الحال كذلك في المملكة بأسرها.”
كانت تعابير سدنة النجمات السبع مختلفة. وعلى النقيض منهم، رفع الدوق زين حاجبيه وبدا مستمتعًا.
قبض تاليس على قبضتيه وحدّق في حاكم “أرض المنحدرات” المُهيِّج للمشاعر.
لكن كوشدير نظر إليه عن بعد وهزّ رأسه فقط.
مما جعل تاليس يشعر بالارتياب.
هدأ الضيوف شيئًا فشيئًا، مخلفين وراءهم ثقلاً وهيبة لا توصف.
تشجعت نظرات أنكر وتجدد فيها الأمل.
“صحيح!”
قبض بايريل الفتى على كتف البارون ووجّه سيفه نحو أعلى رأسه.
“أنا على يقين أنكم جميعًا تتفهمون صنيعي هذا!”
ولما رأى البارون دويل أنه في ورطة، لم يجد بُدًّا من التزام الصمت طاعةً.
“تبًّا له. لقد جاء مستعدًا.”
شعر فوغل بالضيق وهو يرى تغيّر تعابير الضيوف. “لقد حوّل هذا إلى مواجهة بين جلالة الملك وصحراء الغرب، وبين الأوسط والإقليم.”
لكن مالوس هزّ رأسه.
علم تاليس أنه لا يمكنه السماح للوضع بالتفاقم أكثر. فدوّى توبيخه في أرجاء القاعة: “إذًا أثبِت ذلك!”
“يا أنكر بايريل، إن كنت تظن أنك تصنع الصواب، فأثبِت لي أنك جئت طالبًا العدالة لوالدك، لا مجرد التذاذٍ للنفس أو إرضاءٍ للذات.”
حوّل أنكر اهتمامه إلى دوق بحيرة النجوم مرة أخرى.
“لذة وإرضاء؟”
تنفس آخِذُ الرهينة نفسًا عميقًا. “إنما سبب مجيئي إلى هنا هو ثقتي بك، يا صاحب السمو.”
فوجئ تاليس وردّ بحذر: “أنا؟”
بدا أنكر محترمًا وهو يركع على ركبة واحدة، لكن يده اليسرى لم تفارق كتف البارون دويل. “على الصعيد الشخصي، يا صاحب السموّ…”
“إن والدك بالتبني، اللورد ماهن، وُلِد في صحراء الغرب، وخدم جلالة الملك بأمانة لسنوات عديدة.
“لقد خدم والدي معه، وتقاتلا جنبًا إلى جنب في حرب الصحراء. وكانت صداقتهما عميقة.”
تَقَطَّعَتْ أنفاس تاليس.
“وعائلة بايريل قد خاضت أهوالًا ومصاعب جمة تمهيدًا لعودتك.
“لقد أخمدت القتال في مُخيَّم أنياب النصل. وانتشر صيتك في أنحاء صحراء الغرب ونلت الثناء.”
توهّجَت نظرات أنكر: “كان الجناح الأسطوري بجانبك، والجمجمة ذات الأعين الأربع أهدتك سيفًا ثمينًا، ورافقتك عائلة كروما بآلاف الجنود. حتى الأسد الأسود البارز في حصن الأرواح الباسلة تكبّد عناء السفر لمسافات طويلة ليقود لك الطريق.”
أمكن سماع الهمهمات مرة أخرى من الجمع. بالنسبة للكثيرين، كانت هذه هي المرة الأولى التي يسمعون فيها بمثل هذه المعلومات ‘الأولية’.
ظل تاليس هادئًا لكنه تنهد في أعماقه.
أدرك أن دلالة إهداء فيكنهايز السيف الثمين له كانت عظيمة حقًا.
“رسميًا، يا صاحب السمو…”
“لقد اتجهت شمالًا لتكون رهينة، مُضحّيًا بنفسك من أجل الشعب.
“عندما دافعت عن كرامة المملكة، لم يجرؤ أي من غُشُّم الشمال على مهاجمتك.”
أثناء الاستماع إلى هذا، استطاع تاليس أن يستشعر أنظارًا لا حصر لها تتنقل بين أنكر ونفسه، مما جعله يشعر بالضيق.
“لقد خضت بنفسك الأخطار وشهدت أهم تحول أسطوري في إكستيدت.
“إن غُشُّم الشمال يرونك عدوًا مبغوضًا، لكن الكوكبيين يُوقِّرونك بوصفك بطلهم.”
تأجّجَت مشاعر أنكر. أصبح صوته أجشًّا في الختام: “يا صاحب السمو، إن إنجازاتك المجيدة في الشمال لتُثبِت أنك نَسْمَةٌ نادرة وجديدة في الكوكبة – أنت آخر دمٍ دافئٍ لهذه المملكة المُتَوارَثة، ولهذه الإمبراطورية العظيمة.”
“لقد كان الجميع ينتظر عودتك.
“بمن فيهم أنا.
“ووالدي.”
عند هذه الكلمات، انتعشت الثرثرة.
لكن ذوي الحكمة لَزِموا ألسنتهم وصمتوا.
الشيء الوحيد المشترك بينهم: الجميع نظر نحو دوق بحيرة النجوم.
بعيدًا عن الأنظار، قبض تاليس على قبضتيه.
في عيشه المُعتمِد على الغير في إكستيدت، ومدينة غيوم التنين، كان الشماليون ينظرون إليه إما بكراهية وعداء، أو بيقظة وازدراء مُقنَّعَيْن بالكياسة. كان نيكولاس الوجه الميت ممثلاً للنمط الأول، بينما كان الوصي ليسبان تجسيدًا للنمط الثاني. أما مسؤولو مدينة غيوم التنين فكانوا أقل تقيّدًا بالخجل.
كان الأمر مُنغِّصًا.
على مدى السنوات الست الماضية، فضّل تاليس أن يكون وحيدًا في المكتبة، أو في زاوية عشوائية في قصر الأرواح الباسلة، يقرأ، أو ينام، أو يكون غارقًا في التفكير وحسب. حتى أنه طلب من ويا أن يحافظ على مسافة عشرين مترًا منه.
كان يعتقد أن هذا كان سيئًا بما فيه الكفاية.
ولكن.
هنا والآن، وهو يقف في “قاعة مينديس“، يقف في إقليمه الخاص، يواجه مواطنيه، ويستشعر مزيجًا من النظرات المتفائلة، والمُعجَبة، والحذِرة، وحتى الاستقصائية…
“كلا،” استشعر فوغل خِفيةً مدى جسامة المشكلة، وهمس: “سموّه هو وريث العرش، وعضو في عائلة النجم المزدوج، ومُمثل قصر النهضة.
“لكنه ليس جلالة الملك، وليس الحاكم الرسمي للمملكة.”
أومأ مالوس برأسه، ثم هزّه: “لكن لسوء الحظ هو سيد قاعة مينديس، ودوق بحيرة النجوم الذي له الحق في المعاونة في إدارة شؤون البلاد.
“بما أنه قد عاد للتو، ويتمتع بسمعة ممتازة، وليس لديه أسس راسخة بعد، فيمكن التلاعب به بسهولة.”
تضاعفت اليقظة في عيني المراقب. “ولهذا السبب تحولوا إليه.”
استدار نائب القائد: “مَن هُم؟”
لم يردّ مالوس.
عند الاستماع إلى محادثتهما الخاصة، أصبح تاليس أكثر جدية.
“أيها الدوق تاليس!”
تصلبت نظرة أنكر وهو يرفع صوته ويقول: “هذا الرجل تحت سيفي، وشركاؤه…”
مدّ سيفه القصير وضغط به على البارون الشيخ – الذي كان قد انتهز الفرصة في وقت سابق لاستعادة أنفاسه – وتابع بغضب: “بسبب التآمر على قتل نبيل وراثي يحمل لقب بارون، فقد انتهكوا الدستور السامي للكوكبة الذي وقّعه جون الثاني الملقب بـ “العين السوداء” في العام الخمسين من تقويم الإبادة!”
تشنج حاجب تاليس!
“وبسبب خدمتهم لسيد آخر غير السيّد الإقطاعي المُؤسَّس لعائلة بايريل، وحصولهم على مكاسب خاصة، فقد خرقوا قانون الولاء الذي تأسس في العام 340 على يد سومر الثالث الملقب بـ “ابن آوى!”
وبمواجهة المئات، صاح أنكر بغضب: “وبسبب التلاعب بالتقارير عن الإنتاج والتحايل على أنظمة الضرائب خلف ظهر الملك والسيّد الإقطاعي، فقد تحدّوا قانون ضريبة الملك الذي أعلنه آلان الثالث الملقب بـ “المُقرِض” في العام 414!”
الدستور السامي لـ الكوكبة، قانون الولاء، قانون ضريبة الملك…
قبض تاليس على قبضتيه.
تبًّا. هذه القوانين، بعضها لا يعرفه إلا بالاسم، وبعضها لم يُعلِّمه إياه جيلبرت بعد.
وسط همهمة الجمع، بدا فوغل غير مرتاح. “الوضع واضح. لقد جاء مستعدًا.”
تقدم خطوة وهمس خلف تاليس: “يا صاحب السمو، مهما قال، عليك أن تظل راسخًا، وتتماشى مع جلالة الملك وقصر النهضة…”
لكن مالوس كان بلا تعابير وهو يقاطعه: “كلا.”
استدار فوغل في دهشة.
في القاعة، استمر صوت أنكر يتردد: “وبسبب عدم احترام الأعراف المحلية، والتدخل في استقلال المدن والبلدات، والانخراط في الرشوة مع خَدَمِ الملك، فقد خالفوا نظام المسؤولين المُنْتَخَبين الذي سُنّ في العام 512 على يد الملك مينديس الثالث الملقب بـ “الملك الفاضل!”
حدّق بثبات في دوق بحيرة النجوم الهادئ.
“وبسبب تأجير أراضيهم ونقلها بشكل خاص، فقد دنّسوا الأرض الإقطاعية المُقَدَّسة وانتهكوا أمر تقييم الأراضي الذي أصدره جدك، آيدي الثاني الملقب بـ “الملك ذي العهد الطويل، في العام 655!”
“وبسبب التصدير غير القانوني لاحتياطيات الحبوب في زمن الحرب من صحراء الغرب إلى إقليم الصحراء وإكستيدت، فقد تحدوا علانيةً أمر التحكم في حالة الطوارئ الذي أصدره والدك قبل 11 عامًا بسبب حرب الصحراء، ولا يزال ساري المفعول على الحدود!”
تحوّل تعبير البارون دويل إلى العبوس من عدم التصديق.
نظام المسؤولين المُنتَخَبين، أمر تقييم الأراضي، أمر التحكم في حالة الطوارئ…
في مواجهة الجمع المُتزايد صخبه، أدرك تاليس أن الأمور لم تسر على ما يرام.
لقد تجاوز هذا بكثير المعرفة التي كان يدرسها بجهد في الأشهر القليلة الماضية.
خلف الأمير، قال مالوس بهدوء: “دويل هو أحد سدنة النجمات السبع تحت قصر النهضة، وبايريل هو تابع إقليمي تحت فيكنهايز.”
“عائلة دويل هي عائلة نبيلة قديمة راسخة ذات تاريخ طويل،” كان تعبير المراقب هادئًا لكن كلماته كانت صارمة: “عائلة بايريل هي عائلة نبيلة جديدة نشأت من الحرب، وعمرها يزيد قليلاً على قرن من الزمان.”
ارتعشت نظرة فوغل.
“يستخدم دويل أساليب جديدة مثل التكتل مع التجار واللجوء إلى عقود السوق لضم الأراضي وتغيير حقوق ملكيتها…”
واصل مالوس: “بينما استشهد بايريل بـ أمر تقييم الأراضي وقوانين أخرى دفاعًا عن النفس، فقط للحفاظ على أراضيهم الإقطاعية القديمة ودعم التقاليد الدستورية القديمة.”
رد فوغل ونظر إلى مالوس بعدم تصديق.
نظر إليه مالوس وأومأ: “كان دويل بعيدًا عن المركز السياسي وحاول فقط الانتماء إلى العائلة المالكة بعد عودة سموّه.
“في حين أن بايريل تجاوز دوق صحراء الغرب بوقاحة وتوجه مباشرة إلى مدينة النجم الأبدي، مطالبًا بأن تُحسَم مسألة إقليمية في المركز.”
تفكّر حراس الملك في هذا الأمر وصُدِموا جماعيًا. تنهد مالوس: “هل يمكنك أن تتخيل كم من الأشخاص والأمور والمصالح متورطة في كل هذا؟”
“في نهاية المطاف، من يمثل المركز، ومن يمثل الإقليم؟ من هو النظام الجديد، ومن هو الفقه القديم؟ من هو الداعم لسيادة الملك، ومن هو المُخَرِّب للمملكة؟”
“هل يمكن لأحد أن يصل إلى جوهر الأمر؟”
نظر مالوس نحو أنكر، الذي كان يقف في وسط القاعة ويسرد بصوت عالٍ جرائم عدوه.
“لم يعد هذا الأمر مجرد خيار بسيط بين اثنين.
“الجديد والقديم، الحاكم والتابع، الأب والابن، المركز والإقليم، القوانين المالية والأرضية والضريبية، طُرق الحكم – عوامل لا حصر لها تلعب دورًا وتتشابك بلا نهاية. لا يمكن حلها بمجرد اختيار طرف واحد.”
عند سماع كلمات قائد حرسه الشخصي، شعر تاليس بأن جسده يتصلب.
“كل خيار وطريقة معالجته ستكون لهما عواقب خاصة بهما؛ لا يوجد حل مثالي. تمامًا مثل الدقيق والرمل الممزوجين معًا، سيكون من المستحيل فرز أحدهما عن الآخر.
“هذه هي السياسة في أشد صورها نموذجية.”
عمّت الجدية وجه الناظر مرة أخرى ولم يعد يبدو هادئًا.
“أولئك الذين نصبوا هذا الفخّ، أيًا كانوا،” قال مالوس بهدوء: “ليسوا شخصيات يُستهان بها.”
في وسط القاعة، ووسط الفوضى، نهض أنكر ببطء ووقف شامخًا ومستقيمًا.
كأنما في تلك اللحظة، كان هو سيّد القاعة بأسرها.
“أيها الناس، إن نواياهم الخسيسة لن تغفرها السَّامِيّن . ولن تتسامح مع جرائمهم السماوات. إن أفعالهم تُقوِّض حُكم العرش وأساس المملكة!”
صمت آخِذُ الرهينة والتفت ليحدق في تاليس.
“لكنك على صواب، يا صاحب السمو.”
أخفى أنكر اليأس والهزيمة في عينيه، واستبدلهما بالمثابرة والعزم.
“لا تقلق. لن أرتكب القتل في مأدبتك.” سحب أنكر السيف بعيدًا عن كتفي البارون الشيخ، مما سمح للأخير بأن يتنفس الصعداء.
“فهذا يخالف مبادئ عائلة بايريل.”
سأل تاليس بوقار: “إذًا ماذا تفعل؟”
“ماذا تريد؟”
“أخبرتك، يا صاحب السمو،” كشف أنكر عن ابتسامة مشرقة وكريمة، كمسافر ضائع وجد طريقه للخروج من الصحراء: “الثأر.”
“أو بكلماتك، العدالة.”
تَسارَعَت نبضات قلب تاليس.
خلفه، استدار مالوس على عجل: “أولئك الذين أُرسِلوا لإبلاغ قصر النهضة، هل ردّوا؟ ماذا عن رئيس الوزراء كالين؟ الكونت كاسو؟ أو اللورد كيركيرك مان؟ أي من اللوردات في المؤتمر الإمبراطوري؟ الوضع الآن لا يمكن اعتماده والبتّ فيه إلا من قِبَلهم…”
تبادل الحراس النظرات. هزّ فوغل رأسه فقط بعبوس.
“غادر الكونت كاسو مبكرًا بعد أن شرب كثيرًا. تبعه وزير المالية. كان رئيس الوزراء من أوائل المغادرين.
“علاوة على ذلك…
‘حتى لو كان جلالة الملك هنا…’
أغلق فوغل فمه واحتفظ بالجملة الأخيرة لنفسه.
“لا يمكنني إصدار حكم مُتسرِّع هنا بناءً على قصتك وحدها.”
تحدث تاليس بجهد. فمن ناحية، كان عليه أن يحافظ على كرامة العائلة المالكة واتزان الدوق. ومن ناحية أخرى، كان عليه أن يأخذ في الحسبان مشاعر الشاب، على أمل ألا يقطع حلق البارون في نوبة من الغضب.
“لا يمكنني أن أرى سوى ما قمت به أنت…”
رفع أنكر بصره فجأة وقاطعه.
“لا داعي، يا صاحب السمو. لا داعي.”
أصبحت ابتسامته مشرقة وسمحة، مثل مسافر تائه وجد طريقه للخروج من الصحراء. “أنا أعرف. أنا أتفهم. أنت تجلس في منصب رفيع، ولديك العديد من الهواجس، وتحمل أمل المملكة بأسرها. لا أستطيع ولن أُجبرك على الوقوف بجانبي، أو أضعك في مأزق فتُعادي أطرافًا متعددة.”
خفض أنكر رأسه ونظر نحو البارون الشيخ الذي لم يجرؤ حتى على التنفس. كان على وجهه كراهية: “لكني أدرك أيضًا، أن هذا الرجل لديه صلات بعيدة المدى وماهر في التزلُّف لتحقيق مكاسب شخصية. بينما أنا رائد وحيد؛ سيكون من الصعب عليّ تحقيق أي شيء دون دعم.”
“بمجرد أن أغادر هذه القاعة، ستتحطم آمالي،” قال بابتسامة ساخرة. كانت كلماته مليئة بـ الإذعان والحكمة: “فيما يتعلق بالتعمق في اللوائح، ووزن المصالح، ولعب اللعبة السياسية، فأنا لست ندًا لهؤلاء الأوغاد الماكرين، أليس كذلك؟”
وسط الثرثرة والنظرات من الجمع، جزّ تاليس على أسنانه.
“لذا لا داعي لإزعاج الآخرين، ولا إشراك أطراف متعددة، ناهيك عن أن تكون في مأزق، يا صاحب السموّ،”
حدّق أنكر في السيف القصير في يده ودخل في غفوة. “عليك فقط أن تنهي مظلمتنا بكل بساطة ووضوح ومباشرة.”
نظر إلى تاليس بعيون متلهفة. “تمامًا كما فعلت من قبل.”
مدّ تاليس يده نحو ذراع مقعده، لكنه في حالة صدمته أمسك حفنة من الهواء بدلاً من ذلك.
كلا.
لكن الأوان قد فات.
“يا صاحب السمو، أطلب منك. أنا، أنكر بايريل من مدينة نعيق الغراب، أطلب إذنك.”
بدا أنكر صارمًا وواصل بفظاظة: “اسمَحْ لي أن أسير على خطاك، وأُكرِّر إنجازاتك الماضية، وأُعيد خلق مجدك!”
خطواته، إنجازاته الماضية، مجده…
نظر تاليس بعدم تصديق إلى أنكر الذي كان يبدو متعصبًا.
كلا.
“اسمح لي أن أوقظ التقاليد الدستورية القديمة لعصر الإمبراطورية، وأن أُحاكي الرُّودوليين العظام والأبطال، وأن أُحيي رحلتك الملحمية في إكستيدت…
“دويل من نهر المرآة، هذا الرجل الدنيء الذي قتل والدي ودمّر عائلتي، هذه حُثالة بين النبلاء…”
شعر تاليس ببرد في كفّيه.
نبذ أنكر معطفه المُتعَب، وأشار بسيفه إلى السقف، فأطلق زئيرًا هزّت منه العوارض وتمايلَ الزُّجاجُ السِّرْمَدِيُّ، قائلاً: “فلتأذنوا لي بمُبارزته.”
فخَيَّمَ على القاعة سكونٌ مُطبِق لبرهة.
كانت نظرة أنكر حادَّةً، وتجلى فيه بأسٌ غير مسبوق.
“فلتأذنوا لنا، في مستهلّ افتتاح ‘قاعة مينديس‘ بعد ثمانية عشر عامًا، أن نخوض، بين نبيلين، وبين عائلتين، مُنازلةً عظيمةً ومجيدةً، عادلةً ومنصفةً… مُبارزةً حتى الموت.”
فغدا عقل تاليس وعلاماتُ وجهه كـ صَحيفةٍ بيضاء مُزلَقة.
“ما هذا الهراء–” قبل أن يتمكن فوغل من التعبير عن عدم تصديقه، اندلع ضجيج أصمّ من الجمع!
في غضون ثوانٍ معدودة، بلغت المناقشات ذروتها.
تداخلت الصدمة والاستياء وصارت لا تُميَّز.
“هذا يجاوز الحدّ…”
“أهو عُرفٌ من عادات غُشُّم الشمال الغاشمة؟ هل هذه مَزحة؟”
“ولكني سمعتُ أن هذا عُرفٌ أصيلٌ نشأ في عصر الإمبراطورية…”
“إذًا الشائعات حقيقية؟ هل بارز سموّه الملك نوفين؟”
“شهد سموّه الملك نوفين وهو يأخذ بثأره من أرشيدوق. لا بد أن هذا صحيح…”
“وماذا عن الملك نوفين ذاته؟ هل أُرْدِيَ قتيلاً على يد الملك تشابمان في مُبارزة؟ هل شهد سموّه هذا أيضًا؟”
في الجمع، استخدم خورخي من مدينة إيلافور رصيدَه من القوَّة ليدفع ضيفين اعترضا طريقه. ورفع ذراعيه مُزمجرًا ليُؤجِّج المشاعر: “يا لروعة المُبارزة! فليذهب إلى الجحيم! طال عمر الإمبراطورية!”
متجاهلاً تمامًا نظرات الاستياء من الكوكبيين.
لكن ضجيج الجمع لم يخمد.
“أحسب أن الأمر منطقي… تأخذ بثأرك وتكسب صيتًا، لَو كنتُ مكانه لفعلتها…”
“لا تكن مضحكًا! فهل معنى هذا أنك إذا أغويت ابنتي، يمكنني أن أُعلِنَ التحدّي وأنتقم لنفسي بقتلك أيضًا؟”
“كيف ما زلت مُتعَلِّقًا بهذا الأمر؟ ألسنا أصدقاء؟ أليست عائلاتنا قديمة العهد؟ ما الذي لا يمكن حلّه عبر الحديث…”
“أصدقاء؟ من هو صديقك؟ كما كنتَ صديقًا لابنتي؟ أُفّ!”
“يا هذا، هل تظن أني لا أعلم؟ عندما مات والدي، كنتَ في غرفة الدراسة مع والدتي…”
*( هممم؟ والدة؟؟ ابداع )*
“اخرس! أيها الحُثالة! هيّا، فلنتَبارز!”
“آه لا، هذا وُحشيٌّ جدًا! أنا لستُ سوى ليدي لطيفة، لا أطيق النظر. يا أبي، سأغادر. وأيضًا يا عمّي، و يا إخوتي، تذكروا أن تُخبروني بنتيجة المُبارزة…”
“يا ابنة الأخ الطيبة. عليك أن تعتني بنفسك أكثر في سِنِّك هذه. سأزورك في يوم آخر…”
“أيها الآثِم! أمنعك من التفوه بكلمة أخرى لابنتي!”
على الرغم من أن نُبلاء الكوكبة معروفون بضبط النفس والكياسة، إلا أن “قاعة مينديس” كانت في حالة من الفوضى في تلك اللحظة.
لم يجد الحرس بُدًّا من تقسيم اهتمامهم، فظلوا مُتيَقِّظين تجاه آخِذِ الرهينة بينما ألحّوا بقوة في إقناع وقمع الجمع الصاخب الذي أصرّ على البقاء.
“يا صاحب السمو، كن لي شاهدًا، ولتكن المملكة قاطبة شاهدة معي.”
زفر أنكر ببطء. بدا مرتاحًا، وكأنه قد أنجز أخيرًا مهمة شاقة. “فمشاهدة الشجاعة واللوعة ليست امتيازًا مقتصرًا على الشماليين.
“شاهدًا على أن العدل يكمن في قلوب الجميع، وأن الأخذ بالثأر حق لا يتغير.”
على منصته، جاهد تاليس لتنظيم أنفاسه. كان رأسه ينبض بالألم.
شعر بالإعياء والاستنزاف.
تمكّن الدوق، بعد جهد جهيد، من القول أخيرًا: “إن طلبك لا يتماشى مع تقاليد الكوكبة…”
“لكنك أنت كنت السابقة!
“إذًا يا صاحب السمو، هذا ليس قتلًا – طالما أنك تمنح الإذن والموافقة، بل وتقف شاهدًا، فلن يكون كذلك.”
بدا صوت أنكر كأنه مُنْبَعِثٌ من عَلْياء السماوات؛ إذ فاض أملًا وتطلعًا.
“إنه ما شهدته في إكستيدت، إنه المثال الذي ضربته عندما واجهت الملك المَوْلود، إنها الشجاعة والأهلية التي عُرِفت بها، إنها الطريقة التي استخدمتها لدعم كرامة الكوكبة وضمان أمن المملكة، إنه أمر متوارث من القِدَم ومُبرَّر تمامًا–”
واصل أنكر قوله وهو يجزّ على أسنانه: “ثأر الدمّ!
“كما تفضلت، لو كان هناك سبيل آخر، لما أردتُ ارتكاب القتل. يا صاحب السمو، لا تجعلني ألجأ إلى هذا.”
حوّل تاليس رأسه بآلية ونظر نحو البارون الشيخ الذي غدا عاجزًا عن الكلام.
“كلا، يا صاحب السمو!”
خلفه، تحرّر ديل من قبضة غلوف، وسقط جاثيًا بجوار تاليس وقال في ذعر: “أبي، إنه طاعنٌ في السن، لا يستطيع…”
“إن كنت تظن أن الأمر غير منصف،” قال أنكر من بعيد ونظر إلى ديل بحرص، يستثيره: “إذًا فلتأذنوا لـ دويل الآخر – نجل هذا الأفّاك الشيخ – أن يواجهني ويُقاتل دفاعًا عن عائلته واسمه. إنه ماهر. وستكون هذه مُبارزة عادلة ومُشَوِّقة.”
كانت نظرة أنكر باردة وهو يجزّ على أسنانه ويقول: “حتى يهلك أحدنا.”
تنفس أنكر بعمق ورفع سيفه القصير: “وبعد ذلك، إن كنتُ ما زلتُ واقفًا، فسأستسلم وأقبل أي عقاب مستحق. راضِيًا مُحتسِبًا.”
كان ديل مصدومًا بقدر ما كان غاضبًا. حدّق في هذا الخصم الذي دفع بوالده وعائلته إلى طريق مسدود.
“يا صاحب السمو، يمكنني…”
مدّ ديل يده لا شعوريًا نحو سلاحه، لكن مالوس قيّده بقوة ودفعه عائدًا نحو زملائه.
“لقد أخطأنا التقدير مجددًا. هذا الاغتيال،” كان تعبير الناظر مُنغِّصًا: “كان يستهدف سموّه بالفعل. بطريقة مختلفة.”
بدا فوغل عابسًا. حدّق في مُثير الشغب في المأدبة وتأمل صامتًا.
ازدادت أصوات الجمع ارتفاعًا.
وقف تاليس مُفردًا وَمَوْهُونًا في مكانه، مُتجرِّعًا أبصارهم:
كانت هناك نظرات متيقظة من بضعة دوقات، بعضهم ينتظر المشهد، أو يُفكِّر مليًا، أو غير مُبالٍ؛
كانت هناك نظرات من سدنة النجمات السبع، الذين كانوا في الغالب ينتظرون بردّة فعل الأمير بجدية ونفاد صبر. كان هناك ترقُّبٌ وحذرٌ معًا؛
وكانت هناك نظرات من جميع الآخرين.
لكن تاليس لم يكن في مزاج يسمح له بالتمييز بينها.
في تلك اللحظة، تذكّر الكلمات التي قالتها له جينيس قبل فترة وجيزة.
“ما الذي يمكنهم فعله، هل سيلتهمونني؟”
“كلا.
“لكنهم سيمزقونك إربًا.”
“ولكن… أنا ابن الملك، ووريث عرش السامي، أليس كذلك؟”
فرك تاليس جبهته.
“صحيحٌ ذلك.”
“إذًا فسيتصرفون برِفْقٍ، وأناقة، ولياقة وهم… يُمزِّقونك إربًا.”
‘يمزقونني إربًا…’
وسط الضجة، أخذ الأمير تنهيدة مشتتة، وأغلق عينيه وتنهد.
“لذلك، أرجو أن تشهد مُبارزتنا، يا صاحب السمو.”
استقبل أنكر الموت لكنه كان مُنتشِيًا. قال بارتياح ورضا: “تمامًا كما شهدت في إكستيدت بصفتك أمير الكوكبة، مهما كانت النتيجة، لن يساورني أي ندم.”
أنكر بايريل، هذا الشخص الذي أثار مأدبة عودة تاليس بجهد فردي، أخذ نفسًا عميقًا وتحدث، واخترق صوته الجمع: “لأني أعتقد، أنك أنت رجاءُ هذه المملكة.
“إن لم يكن بوسعنا تغيير الحاضر والماضي، فعلى الأقل، في المستقبل، بالمقارنة بوالدك، ستكون…”
كانت عينا أنكر مُتقدَّتَيْن. كان صوته فريدًا؛ نقيًا للغاية حتى وسط ثرثرة الجمع التي لا تنتهي.
“أفضل.”
في تلك اللحظة، بدا الأمر وكأن “قاعة مينديس” أوركسترا مُنسَّقة تمامًا، وكأن قائدًا قد أشار للضوضاء في القاعة بأكملها بالاختفاء.
أغلق مالوس عينيه بإحكام. ‘هذا سوء.’
“أعتقد، كما يعتقد الكثيرون غيري، أنك ستكون أفضل منه…”
أنكر تقدم خطوة، ونظر نحو الجميع وصاح: “بصفتك ملكًا للكوكبة.”
تصلَّب جسد تاليس بأكمله!
لبضع ثوانٍ، من الدوقات إلى الكونتات، ومن الضيوف إلى الحراس.
لم يجرؤ أحد على الكلام. لم يجرؤ أحد حتى على أن يتنفس بصوت عالٍ.
غرقت القاعة في صمت مطبق.
في اللحظة التالية، استؤنفت الثرثرة.
لكن الهالة المتغطرسة وموقف المُشاهِد المُتبلّد من قبل قد تبدّد تمامًا.
أصبحت التبادلات محتفظة ومتوترة، كأنها همسات قلقة.
مما جعل الجميع على أهبة الاستعداد.
وكل النظرات التي كادت أن تسحق تاليس في وقت سابق كانت تُسحب كلها. نظروا نحو أماكن أخرى في القاعة، كأنما إطالة التحديق في تاليس خطيئة.
أخذ تاليس نفسًا عميقًا وجلس ببطء على مقعده.
لم يُكَلِّف نفسه عناء النظر إلى حرس الملك خلفه – إذ لم يكن بحاجة إلى التخمين ليعرف ردود أفعالهم.
ملأت الثرثرة والنظرات والمشاعر “قاعة مينديس” حتى الحافة، ولم تترك أي فجوات.
لكنها تركت شبرًا مربعًا من موطئ قدم لسيد القاعة.
كـ فَرَاغٍ.
لكن تاليس لم يشعر بالارتياح على الإطلاق.
على العكس من ذلك، في هذا الشبر من الفراغ، شعر بأن سلاسل لا تُحصى قد ظهرت من العدم، ومن رأسه حتى أخمص قدميه، من اليسار إلى اليمين، ومن الأمام إلى الخلف، أحكَمَت إغلاقها عليه بإحكام دون ترك أي ثغرات.
تزداد ثقلاً.
تتشبث أشد.
تُغلق بقوة.
تبًّا له.
كان تاليس بلا تعابير. حافظ على وضعية جلوس أنيقة بينما كانت أظافره تغور في كفّه.
“يا صاحب السمو؟”
رفع أنكر البارون الشيخ المُعذَّب وسأل بلهفة: “فالمُبارزة؟”
لـ شطر ثانية، حنّ تاليس إلى أيامه كرهينة في الشمال.
مبارزة؟
أيّ مُبارزة مُخزية هذه.
بالنظر إلى الأمر الآن، كل شيء في تلك السنوات الست…
سواء كان يومًا صاخبًا لجلسة استماع لشؤون الدولة، أو غُشُّم الشمال محتشدين في قاعة الأبطال، أو دوقات مدينة غيوم التنين الإقطاعيين يُجزّون على أسنانهم ويتحرقون شوقًا لتمزيق تاليس إربًا، أو نوفين السابع يُضْمِر نوايا خبيثة، أو تشابمان لامبارد المُتسلط…
كل هذا بدا لطيفًا ومُحبَّبًا.
“يا صاحب السمو،” بجانب تاليس، نظر ديل الذعِر إلى سيده وتوسل: “الأمير تاليس؟ يا صاحب النبالة؟ إذا… أنا مستعد… يمكنني أن أفوز… هذا الوغد…”
أطلق تاليس تنهيدة أخرى.
‘نعم.
‘يمكنك أن تفوز.
‘وماذا بعد ذلك؟’
كانت أفكار الأمير في حالة اضطراب. خلفه، وسط الأجواء المتوترة، ظهرت علامات نشاط على حرس الملك.
“تورموند؟” فوغل، الذي أفاق من تأمله، نادى فجأة مالوس باسمه الأول عوضًا عن اسم عائلته أو لقبه، وهو أمر لم يكن من عادته.
استدار المراقب بجدية.
“فرقتك الصغيرة من الرُّماة المُحترفين…”
كان وجه نائب القائد شاحبًا كالرماد. حدّق في أنكر بايريل المُتلهِّف، وصاغ سؤاله بحذر وعُسر شديدين: “هل ما زالوا هناك؟”
إن أعجبتكم الترجمة، أتمنى منكم دعمي بالدعاء لأهلنا وإخواننا في فلسطين والسودان، جزاكم الله خيرًا.
تمت ترجمته بواسطة RK الديموقراطي
✨ عضوية مميزة في فضاء الروايات ✨
🚫📢 تخلّص من الإعلانات المزعجة
💖 استمتع بتجربة قراءة سلسة ومميزات حصرية مقابل مبلغ رمزي
📌 ملاحظة: أرسل اسمك في الموقع عند الدفع ليتم تفعيل العضوية ✅
جميع ما يتم ترجمته في الفصول منسوب إلى المؤلفين، ونحن بريئون من أي معانٍ تخالف العقيدة أو معانٍ كفرية وشركية.
هذا مجرد محتوى ترفيهي فلا تدعه يؤثر عليك أو يلهيك عن دينك.
استغفر اللـه وأتوب إليه.