سلالة المملكة - الفصل 547
📏 حجم الخط
✍️ نوع الخط
🎨 الخلفية
🖥️ عرض النص
دعم سلالة المملكة لزيادة تنزيل الفصول :
سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم
الفصل 547: فلنمت كأخلاء، خيرٌ من أن نهلك كأعداء (2)
“أأنت بخير؟”
نظر زين إليه في حيرة.
جاهد تاليس لتنظيم أنفاسه المضطربة كي لا يفشي سراً.
“أجل.” تكلف تاليس الابتسام وأزاح جانباً طبق الخس الذي استخدمه كستار. “لقد شبعت فحسب. لا أظن أنني أستطيع تناول المزيد.”
صمت زين لبرهة، وتحولت نظرته إلى الحدة.
“إذن في رأيك، نحن الأتباع ما زلنا المذنبين؟ وأن رغباتنا الأنانية هي مصدر الفوضى في البلاد؟”
لم يقر تاليس بذلك ولم ينكره.
نظر صوب الدوق، محاولاً بجهد نسيان المشهد العالق في ذهنه.
“ربما.
“لكنه ليس اتهاماً. لأنكم لا تملكون خياراً آخر أيضاً.”
(لا تملكون خياراً آخر).
تذوق زين هذه العبارة قليلاً.
رد بجمود: “إذن وفقاً لك، بما أن كل شيء حتمي، فلا مجال للتسوية بيننا؟”
نظر تاليس إلى الدوق ملياً.
تذكر فجأة لقاءهما الأول. حينها، كلاهما واجه المغتال الذي أرسله (أروند)—ووفقاً لـ(ستيك)، كانوا رجال (درع الظل).
لو ظهر المغتال الخفي الآن، ألن يتلقى زين ضربة عنه مرة أخرى؟
نفض تاليس هذه الفكرة العبثية، ولاذ بالصمت هنيهة قبل أن يهز رأسه. “من يدري.
“لكن الأزمة على الأبواب، وستكون هذه منبع مطالب جديدة.”
بدا تاليس شارد الذهن قليلاً.
“في رأيي، حين يكل التاريخ من تكرار نفسه، وحين يكل الناس من الصراع، وحين تكل الدولة من الاقتتال الداخلي… حين تحين الساعة، قد تُستدعى السلطة المطلقة والعليا للعاهل مرة أخرى، وقد يُحتاج إليها، وتُبجل كبطل للتاريخ.”
قطب زين.
“كما كان الحال سابقاً، كيف أنه بعد صعود وسقوط الملوك المستبدين.” أشار تاليس إلى زين وابتسم. “قام الأتباع بتقسيم وحكم وتوسيع الأراضي، وأصبحوا أبطال التاريخ.”
تدبر زين الأمر.
“إن صغتها بتلك الطريقة، فإن أبطال التاريخ كانوا في البدء ملوكاً، ثم أتباعاً، ثم في النهاية ملوكاً مرة أخرى؟”
نظر إلى الملك كيسيل من بعيد ثم عاود النظر إلى الأمير.
“هذان الاثنان فقط، ولا أحد غيرهما؟”
نخر تاليس.
“ملوك أو أتباع، واحد أو كثر، مجتمعون أو متفرقون، حصري أو عام، مركزي أو إقليمي، بيروقراطيون أو ملاك أراضي، حكم موحد أو مقسم، مركزي أو ذاتي، هرمي أو سلطة مطلقة، المصطلحات متنوعة كتجلياتها، سمها ما شئت.”
هز كتفيه. “لكن كما قلت: إنه ثنائي، متبادل، تآزري، كفتا ميزان، طرفا طريق.”
سخر زين. “يبدو الأمر وكأنه يدور في حلقات مفرغة وينتهي حيث بدأ.”
هز تاليس رأسه غير موافق. “إن بدا الأمر وكأنه يدور في حلقات مفرغة… فربما لأنك تقف في المكان الخطأ وتنظر إليه من المنظور الخطأ؟”
نظر زين إليه.
“إذا كنت تقف في طريق التاريخ، أو تتخلف عنه، إذن نعم، سيبدو الأمر وكأنه يدور في حلقات مفرغة،” نسي تاليس المشهد في رأسه، وتابع بعفوية، “إنه يرتفع وينخفض، يذهب ويعود، من الأسفل إلى الأعلى، ثم يسقط مرة أخرى.
“ولكن إذا نظرت إليه بأبعاد ثلاثية—ما أعنيه هو، حرك مؤخرتك النبيلة تلك، وارتقِ إلى مكان أعلى في التاريخ، وانظر إلى الأسفل…”
تابع تاليس ببطء: “ربما ستجد: من هذا المنظور، وتحت متغيرات لا تحصى، وفي خضم تفاصيل مجهولة…”
“التاريخ كان دوماً يمضي قدماً، متخذاً خيارات جديدة.
“ولم يكن قط يدور في حلقات مفرغة.”
عقد زين حاجبيه وأعمل فكره طويلاً في الأمر.
وحين تنهد تاليس وكاد أن يكمل، قال زين: “مثل أمواج المحيط؟”
“أمواج، إذا نُظر إليها من الأمام، تبدو وكأنها في مد وجزر، وإذا نُظر إليها من بعيد، تبدو متموجة، لكنها في الواقع تمضي قدماً بلا هوادة؟”
أمواج.
أخذ تاليس على حين غرة، لكنه ابتسم بعدها.
“ليس سيئاً.”
كان مستعداً لشرح الأمر بـ(الصعود اللولبي)، لكن بما أن زين كان نبيهاً جداً…
اتكأ تاليس على مقعده، ناظراً بصمت إلى الملك والدوق في الطبقة العليا، وإلى الضيوف في الأسفل.
“سواء كانوا ملوكاً أو أتباعاً، وبعيداً عن الصعود والهبوط، والذهاب والإياب، في التاريخ، كل صراع بينهم، كل مرة يتبادلون فيها الأدوار، كل صدام بينهم، قد يقدح شرارات جديدة.”
أصبحت كلمات تاليس أكثر وضوحاً: “من نهوض المملكة الشوفينية القديمة إلى الحكم المنقسم لملوك متعددين، ومن عصر دويلات المدن إلى غزو الإمبراطورية، ومن صعود أمراء الحرب إلى الإمبراطورية الأخيرة، ومن معركة الاستئصال إلى تأسيس (كوكبة)، ومن إقطاعيات (ملك النهضة) إلى إصلاحات (الملك الفاضل)—تحت الشمس، كل حادثة من هذه الحوادث كانت جديدة.”
فكر في (الغراب العجوز) وتملكه بعض التأثر.
تأمل زين كلمات تاليس بعناية. “التاريخ يتقدم كالأمواج، ونحن قوارب صغيرة في المحيط، نساير التيار معظم الوقت، لكننا أحياناً نتمكن من ركوب الأمواج وكسرها؟”
توقف تاليس.
“قوارب صغيرة في المحيط، يالها من صياغة مثيرة للاهتمام.
“لكن للأسف، أظن أن هذا التشبيه يحمل في طياته الغرور والتحقير في آن واحد.”
وإزاء هذا الرد المتناقض، رماه زين بنظرة حائرة.
استدار تاليس عائداً وابتسم.
“أظن أننا نحن الماء، بل وحتى الأمواج.”
كانت تعابير تاليس في غاية الجدية وهو يقول: “نحن التاريخ نفسه.”
تغيرت ملامح زين قليلاً.
هذه المرة، استدار عائداً ولاذ بالصمت لفترة طويلة.
على مقربة، التقى مالوس، الذي كان مشغولاً طوال الليل، بـجلوف العائد من الخارج.
“ألا يزال لا شيء؟”
فرك جلوف يديه المحمرتين من الصقيع وارتدى قفازيه وهو يهز رأسه رداً. “لا شيء.”
“لقد فتش الضيوف بعناية قبل الدخول، ولم يعثر على شيء في مخزن الهدايا يمكن استخدامه كسلاح أو سم.
“كل ضيف اقترب من جلالته والدوقات—وهم قرابة المائة شخص—تم التحقق منهم. كلهم معروفو الهوية. لم يكن هناك منتحلون، ولا شيء مريب، على الأقل لا شيء مريب بشكل خاص.”
ازداد توتر مالوس.
“خارج القاعة، أقام ضباط الشرطة حواجز طوال الليل، دون جدوى.
“وداخل القاعة، أبقى الحراس الملكيون—سواء من (قصر النهضة) أو رجالنا—عيونهم مفتوحة لساعات دون اكتشاف أي مغتالين.”
“أيضاً،” تردد جلوف، “أنا… سمعت من أحد المعارف في (فرقة الطليعة) أن أعضاء من (دائرة الاستخبارات السرية للمملكة) قد انتشروا، للكشف عن التهديد بطرق غير مشروعة.”
دائرة الاستخبارات السرية للمملكة.
لمع بريق في عيني مالوس.
تابع جلوف: “لكن في قاعة (مينديس) بأكملها، لم يتم رصد قطرات كريستال عالية الطاقة ولا زيت أبدي مكرر عالي التركيز.”
“على الأقل، لا توجد كرات خيمياء أو بنادق صوفية مخبأة بين الضيوف.”
لكن مالوس مد يده فجأة وأمسك بكتفيه!
صعق جلوف. خفض مالوس صوته وكانت تعابيره جادة: “ماذا عن المؤشرات الأخرى؟”
“تداخل المصفوفات؟ تقلبات التعاويذ؟ شذوذ القوانين؟ تنافر الأصل؟ الارتداد للتوازن؟ آثار مواد دخيلة؟ وكل مؤشرات السحر الأخرى؟ ماذا قالت دائرة الاستخبارات السرية؟”
أخرس جلوف أمام هذا السيل من المصطلحات الغريبة.
“سحر؟”
“صديقي… صديقي لم يقل كل ذلك…”
قطب مالوس.
بشكل غير متوقع، أجاب صوت من خلفه: “لا شيء.”
وتحت نظراتهم اليقظة، مشى نائب القائد فوغل تالون ببرود نحوهم من الخلف.
“لا وسائل سحرية مفقودة منذ زمن…
“على الأقل ليس اغتيالاً بالسحر.”
نظر جلوف بقلق إلى رؤسائه.
لكن مالوس كان لا يزال غارقاً في التفكير ولم ينبس ببنت شفة.
“هاه، أمسك باترسون ببضعة عشاق شعث في خلوة غرامية بالغرف الفارغة في القاعة الجانبية…”
تثاءب دويل. وبدا منهكاً وهو يقترب من الجانب الآخر ليقدم تقريره: “أمسك ستون بالعديد من الرجال والنساء العراة (يتجاذبون أطراف الحديث) في العربات. وضبط باستيا بضعة رجال تركوا مواقعهم للتسكع في ممر الخدم، والبعض يسرق الطعام من المطبخ… لكن لا شيء خطير، ولم يكن هناك أحد في القبو والمدفأة.”
“أيضاً، ضُبط رجلان في الحمام، في مقصورة واحدة، يلعبان (لعبة الوحش ذي الأربعة أرجل). أنتم تعرفون ما أعنيه، هيهي… أراد (بروك) العجوز الإبلاغ عنهم، لكنني أوقفته… هيهي، على أية حال، لدينا بعض الأموال الإضافية هذا الشهر. وجباتنا قد تتحسن قليلاً…”
*( احا)*
ابتسم دويل بخبث وهز رأسه مطلقاً صوتاً بلسانه.
إلى أن رأى فوغل. بصدمة، وكأنه صعق بالكهرباء، تشنج جسده.
“آه! نائب… نائب القائد تالون!”
رمقه فوغل بنظرة خاطفة، مخفياً الازدراء في عينيه.
سعل دويل بصوت عالٍ وعاد للجدية.
“سيدي! العديد من الضيوف المسنين والمهمين غادروا تدريجياً: الكونت كاسو أنهى ليلته بعد إفراطه في الشراب، والبارون جاليس وعشيقته الأرملة عادوا للمنزل مبكراً، والدوق (أروند) سيعاد إلى زنزانته قريباً، ورئيس الوزراء كولين سأل رئيس إدارة القصر عما إذا كان بإمكانه المغادرة…”
استدار لينظر صوب الضيوف الذين ازداد صخبهم.
“لم يتبق سوى هؤلاء الصغار…”
قطب مالوس وهو يراقب ضيفاً يخطف عود منشد ليغني أغنية حب، معترفاً بحبه لسيدة شابة بدت محرجة من الموقف.
“بعد كل ذلك الأكل والشرب والغناء والرقص، ألم يتعبوا؟”
ضيق دويل عينيه وراقب الضيف وهو يوقفه شاب غاضب. تبادلا كلمات قاسية قبل أن ينخرطا في شجار بالأيدي، مستعرضين مشهد غيرة بين أخوة (“توقفا عن القتال!”—صاحت السيدة الشابة وقد ضاقت ذرعاً)، حتى لوحت محط أنظارهم بمنديلها ونجحت في فض الاشتباك بينهما (“الشخص الذي أحبه، هو في الواقع والدكما!”—قالت السيدة الشابة بنظرة حانية).
*( احااااااااااا هو في ايه)*
“يعتمد الأمر على من ترقص معه.”
نخر فوغل.
“إذا كان الأمر كذلك، فعلينا أن نستعد للبقاء هنا طوال الليل؟ في انتظار ظهور مغتالك؟”
نظر جلوف ودويل إلى مالوس، لكن الأخير لم يبدِ رد فعل.
قال فوغل باستياء: “يجب أن تكون ممتناً لعدم وجود الكثير في جدول أعمال جلالته الليلة، وأن كل شيء قد انتهى.”
“القائد أدريان ينصح جلالته بتأجيل الأحداث الثانوية والمغادرة مبكراً.”
“أيمكننا إنهاء هذه المهزلة الآن؟”
تدبر مالوس الأمر بصمت لبرهة. لمع بريق في عينيه. “ربما، ربما لا يزال المغتال ينتظر الفرصة.”
“لا يزال ينتظر؟” قال فوغل بازدراء، “بعد مغادرة جلالته والدوقات…”
رفع مالوس رأسه. “عندها سيأخذون معهم عدداً كبيراً من أفراد الأمن، تاركين البقية في حالة استرخاء.”
رفع الرقيب نظره صوب مقعد الأمير. هناك، بدا دوق زهور السوسن والأمير تاليس منخرطين في حديث ودي، يتبادلان أطراف الحديث بحماسة وكأنه لا يوجد أحد غيرهما.
عقد حاجبيه.
“مما يجعل الهدف أقرب.”
بجانب تاليس، رفع زين كأس نبيذه مرة أخرى وحول اهتمامه إلى مشادة جذبت عدداً لا بأس به من المتفرجين.
بارون عجوز غاضب كان يجادل صديقه القديم، متهماً إياه بإغواء ابنته، ضارباً بالعمر والحياء عرض الحائط، ومتجاهلاً العلاقة بين عائلتيهما—حيث كان قد خطط لتزويجها لابن الأخير.
سحب زين نظراته.
“ملك، أتباع، ثم ملك مرة أخرى.
“لقد أخبرني الكونت كاسو بفخر في وقت سابق أن معلمك في الشمال هو (ميريل هيكس).
“أهذا ما علمك إياه؟”
عند سماع الاسم المألوف، غرق تاليس في الشرود.
قال بحنين: “نصفه، ربما.”
“لقد زودني (الغراب العجوز) بالكثير من المواد التاريخية والتفاصيل، لكن علي أيضاً أن أشكره على تساؤلاته الملحة، التي أجبرتني على التفكير في كل إجابة ممكنة أو مستحيلة.”
وكأن ما مر به في حياته السابقة لم يكن كافياً.
رفع زين كأسه نحو تاليس.
“وماذا عن النصف الآخر؟”
هز تاليس رأسه.
“تلك… سيرورة تفكير لشخص آخر.”
*( عمو اسدا)*
احتار زين.
“ثلاث مراحل،” كان تاليس شارد الذهن قليلاً، “الإثبات، النفي، ونفي النفي.”
عند رؤية تعابير زين الحائرة، ابتسم تاليس.
“أو فكر في الأمر بهذه الطريقة فحسب: ملك، أتباع، ثم ملك جديد.”
فهم زين على الفور، لكنه ظل مقطباً حاجبيه.
“سيرورة تفكير؟ لمن؟”
تنهد تاليس. “هيجل.”
“لا علم لي به. من ذا يكون؟”
هز تاليس رأسه. “لن يتسنى لك معرفته. وتوخياً للدقة، ففي غابر الأزمان وسالف العصر، كان هو…”
أعمل الأمير فكره للحظة ثم قهقه بخفة. “ساحراً.”
بُهت زين.
ساحر؟
نظر إلى تاليس بنظرة أكثر جدية وصرامة.
“فهمت”، نطق دوق زهور السوسن بهدوء، “أمر ملهم بحق.”
جمدت نظرات زين، وباتت أفكاره عصية على القراءة.
راقب تاليس زين وقد بدا وكأنه أدرك شيئاً بعد طول تأمل، فضحك. “تعلم، استناداً إلى هذا المنطق…”
بدا تاليس عميقاً في طرحه. “لو كان بحوزتك تفاحة، وبحوزتي تفاحة، وتبادلناهما، فسيظل بحوزة كل منا تفاحة واحدة.”
بدا زين متحيراً.
رفع تاليس إصبعيه. “أما لو كانت لديك فكرة، ولدي فكرة، وتبادلناهما…”
أدرك زاين المقصد وأكمل جملة تاليس: “يصبح لدى كل منا فكرتان؟”
لكن تاليس هز رأسه نفياً.
“كلا، بل أكثر من ذلك،”
تابع بشرود: “بهذه الطريقة…”
“سنحظى بثالثة غير مسبوقة…”
“فكرة وليدة جديدة.”
لاذ زين بالصمت لزمن طويل.
في هذه اللحظة، لمح تاليس فجأة الملك كيسيل ينهض من مقعده، والضابط ستانلي يضع العباءة على كتفيه.
تأهب حاشية الملك للمغادرة.
انتبه بعض الضيوف لتحركات الملك ودنوا لوداعه، لكن الملك كيسيل بدا راغباً في تجنب الأضواء. اكتفى بالتلويح بيده بلا اكتراث وتوارى عبر الباب الجانبي محاطاً بالحرس الملكي.
وبدون الملكة كيا وجينيس إلى جانبه، بدت هيئة كيسيل أكثر وحشة وانعزالاً.
وبدا الحرس الملكي المحيطون به على أهبة الاستعداد والتوتر.
ساور القلق تاليس: إن كان المغتال سيتحرك، فهذه فرصته الأخيرة.
تجاهل نظرات زين المصوبة نحوه ومسح محيطه بحذر.
بيد أن دقيقة مرت، وغادرت حاشية الملك الغفيرة قاعة المأدبة، دون أن ينبري أحد شاهرًا سلاحاً، أو هاتفاً بحياة الملك.
تنفس تاليس الصعداء حين اختفى آخر شخص في حاشية الملك.
حسناً، لم يتوقع قط أن يأتي الملك إليه ويقول “يا بني، أنا مغادر”، على أية حال.
تخلى الأمير لا شعورياً عن جلسته المثالية وتمطى، لكنه سارع بالاعتدال في جلسته قبل أن يتسنى لأحد تقويمه.
ولسبب ما، وبغياب الملك، شعر تاليس باسترخاء أكبر بكثير، وكأن جبلاً قد انزاح عن كاهله.
ويبدو أن تاليس لم يكن الوحيد الذي ساوره هذا الشعور—وأكبر دليل على ذلك، أنه بعد رحيل الملك، صدحت الموسيقى في قاعة المأدبة بصوت أعلى وازداد صخب الحشود.
ولكن…
ماذا لو لم يكن هدف المغتال هو الملك؟
تحسس تاليس سكين المائدة أمامه. وحور نظره ليتأكد من مالوس.
ولحسن الحظ، كان حرس بحيرة النجوم يطوقونه بحماية محكمة من كل الجهات.
“أغادر جلالته هكذا فحسب؟” سأل زين عاقداً حاجبيه.
“أجل.”
استدار تاليس عائداً، وتلك الفكرة العبثية بأن زين سيتلقى الضربة عنه راودته مجدداً. “الضيوف الآخرون ما زالوا هنا، أظن أن الوقت قد حان لكي…”
لكن زين قاطعه: “خطابك الافتتاحي كان جيداً جداً.”
“معظم الناس يشربون نخب السامين، أو أوطانهم، أو الملك، أو شخص آخر، أو معتقدهم،” ركزت نظرات زين على تاليس، ولم يبدِ أي نية للمغادرة، “لكن قلة هم من يشربون نخب أنفسهم.”
كرر زين بهدوء: “أنفسهم.”
قطب تاليس.
شعر بتغير في مزاج زين.
منذ مغادرة الملك، تزايد عدد الضيوف الراغبين في الاقتراب من دوق بحيرة النجوم، لكن حرس بحيرة النجوم صدوهم جميعاً. كان العذر جاهزاً وواضحاً: سموه يتحدث مع الدوق زين ولا يود أن يزعجه أحد.
“أخبرني يا تاليس،” نادى زين الأمير باسمه مجدداً. أدار كأس النبيذ في يده وسأل بخفوت: “هل فكرت يوماً…”
رفع دوق زهور السوسن بصره من مقعده نحو الأعمدة الضخمة في القاعة، ونظرته تفيض بالوقار.
“لو لم تباغتك الليدي سيرينا آنذاك وتقتادك إلى (ضيعة الكرمة)، جاعلة منا أعداءً منذ البدء…”
“لو أنها، بعد ذلك، لم تندسل إلى قافلتك، مثيرة سخط ملكة الليل…”
“أكانت الأمور بيننا ستختلف اليوم؟”
حدق تاليس في زين، واكتست ملامحه بالوجوم.
“ما الذي تعنيه؟”
لكن دوق زهور السوسن ابتسم.
“*نجم اليشم و كوفندير، النجمة التساعية وزهور السوسن، لا يتحتم علينا أن نكون أعداء.
*( نجم اليشم = جاديستار)*
“أنت وأنا، بوسعنا أن نلقي بالماضي خلف ظهورنا ونقف صفاً واحداً…”
أبقى زين تركيزه منصباً على تاليس، وعيناه تعتلجان بالمشاعر.
“وفي المستقبل، في هذا العالم المتداعي…”
“نحقق العظمة.”
تحولت نظرات تاليس.
دنا زين ببطء. رفع كأس نبيذه للمرة الثالثة وكشف عن ابتسامته المنعشة المعهودة.
“طالما أنك راغب في قبول السلام—وألا تكون عدوي بعد الآن.”
ذهل تاليس.
رفع زين حاجبيه وحرك معصمه، مشيراً إلى كأس نبيذ تاليس على الطاولة.
حدق كل منهما في الآخر لثوانٍ طوال.
في تلك اللحظة، انتقل تاليس بذاكرته إلى بضع سنوات خلت.
حينها، في خيمة عسكرية لشمالي، دفع رجل آخر أكثر خشونة كأسه بالمثل نحو الأمير آنذاك، داعياً إياه للشرب سوياً.
أفاق تاليس سريعاً من ذكرياته. رأى تعابير زين فابتسم.
“نلقي بالماضي خلف ظهورنا، ونقف صفاً واحداً…”
قال الأمير متأملاً: “تبدو هذه الكلمات مألوفة.”
“قبل ست سنوات، إبان بعثتي الدبلوماسية إلى (إيكستيد)، ألم تقل شيئاً مماثلاً؟”
اكفهر وجه زين.
عند هذا المنظر، استرجع تاليس كلمات الدوق (فاكنهايز) في (برج الأمير الشبح):
“لكن عليك أن تكون أكثر حذراً ويقظة.”
“الأسياد النبلاء الأقوياء وأصحاب النفوذ سيتسابقون للمثول أمامك. سيرغبون في استمالة الأمير الذي عاد لتوه إلى الوطن، وسيبذلون قصارى جهدهم لضمك إلى صفهم، وجعلك رأس حربة في قتالهم ضد (قصر النهضة).”
حدق تاليس في تعابير زين وقهقه: “عذراً، لكن ربما كان يجدر بك القول: نجم اليشم وكوفندير، لنتحد بالمصاهرة فحسب، ولتتضافر دماؤنا، ولنمضِ قدماً ونتراجع كجسد واحد، ونتقاسم عرش (كوكبة)؟”
في تلك اللحظة، رأى الأمير بوضوح ملامح زين تكتسي بالبرودة وأنفاسه تتسارع.
مثل نسيم ربيع عليل اصطدم فجأة بكتلة هوائية باردة.
في المحيط، تثاءب دويل، الذي عاد لاستلام نوبته، ونكز الحامي الصريح، فيري.
“فيم يتحدث سموه و(كوفندير)؟ هل هما مقربان؟ لقد أمضيا وقتاً طويلاً في الحديث…”
“قل لي يا فيري، ألا تعتقد أنه، برغم محاولة العديد من السيدات التقرب من سموه، يبدو وأنه يستمتع بصحبة الرجال أكثر؟”
*( تعبت أريد أبكي )*
ولعله لم يتوقع أن يحادثه دويل، فتجمد فيري، الذي كان يراقب الضيوف باهتمام، لثانية.
“إمم، يبدو الأمر كذلك؟”
بدا الارتياب على دويل.
“لِمَ تظن ذلك؟”
أجاب فيري بلا تردد: “لأن سموه رجل أيضاً.”
*( رجل ابن رجل يا فيري )*
أوه؟
صُعق دويل. وإذ استشعر أن ثمة خطباً ما، تدبر تلك الكلمات لكنه لم يجد فيها أي شائبة.
أمام تاليس، خفض دوق الساحل الجنوبي كأسه.
“صراعاتنا الماضية تسببت بها حوادث عرضية أو أملتها الظروف، لكنها لم تكن قط متعمدة ولا شخصية.”
أخذ زين نفسين عميقين ليتماسك.
“لكن هذه المرة، أنا جاد.
“هذه المرة، الأمر يقتصر عليك وعلي. لا علاقة لعائلتينا بالأمر، ولا داعي لإقحامهم.”
كانت نبرة دوق زهور السوسن متصلبة، وكأنه يكبح جماح نفسه.
(عليك وعلي فقط، لا علاقة لعائلتينا بالأمر…)
(هذه المرة، أنا جاد…)
انفجر تاليس ضاحكاً في سريرته.
(هذا السيناريو المبتذل نابض بالحياة جداً، ما الذي يجري بحق؟)
إن أعجبتكم الترجمة، أتمنى منكم دعمي بالدعاء لأهلنا وإخواننا في فلسطين والسودان، جزاكم الله خيرًا.
تمت ترجمته من قبل RK الفودعي
✨ عضوية مميزة في فضاء الروايات ✨
🚫📢 تخلّص من الإعلانات المزعجة
💖 استمتع بتجربة قراءة سلسة ومميزات حصرية مقابل مبلغ رمزي
📌 ملاحظة: أرسل اسمك في الموقع عند الدفع ليتم تفعيل العضوية ✅
جميع ما يتم ترجمته في الفصول منسوب إلى المؤلفين، ونحن بريئون من أي معانٍ تخالف العقيدة أو معانٍ كفرية وشركية.
هذا مجرد محتوى ترفيهي فلا تدعه يؤثر عليك أو يلهيك عن دينك.
استغفر اللـه وأتوب إليه.