سلالة المملكة - الفصل 542
📏 حجم الخط
✍️ نوع الخط
🎨 الخلفية
🖥️ عرض النص
دعم سلالة المملكة لزيادة تنزيل الفصول :
سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم
الفصل 542: بلا رحمة
على طاولات الدوقات الطويلة، تنهَّد رئيس الوزراء كولين، وما زال تحت وطأة الصدمة؛ سخر زين بخفَّة؛ كان التنين ذو العين الواحدة بلا تعابير؛ بينما كان الدوق فال لا يزال يشرب وحيداً وكأن لا أحد سواه موجود.
“خطاب وليمة، خطاب وليمة…” تمتم تاليس صامتاً لنفسه، لكن عقله كان خالياً.
تماماً مثلما يكون الموعد النهائي لتسليم واجبك المنزلي في منتصف الليل، ولكن حتى الساعة 11.50 مساءً، تظل الوثيقة في يديك فارغة.
‘انتظر دقيقة.
‘هناك مراجع لخطابات الولائم، أليس كذلك؟’
في اللحظة التالية.
“أيها السادة، مرحباً بكم. مرحباً بكم في قاعة مينديس“.
رفع تاليس كأس النبيذ بيد واحدة وابتعد ببطء عن مقعده حتى يتمكن الجميع من رؤيته.
من باب المجاملة، نهض جميع الضيوف من مقاعدهم.
مسح القاعة ببطء وهدوء (“بسرعة، بسرعة، بسرعة، ماذا يجب أن أقول بعد ذلك…”—حديث تاليس الداخلي)؛ كان صوته مسموعاً بوضوح وهو يتردد صداه: “إنها قاعة مليئة بالضيوف الكرام.
“لم أحضر مثل هذه الوليمة الكبيرة سوى مرة واحدة في حياتي،” خفض تاليس رأسه وكأنه يتذكر، وتوقف لبضع ثوان.
نظر إلى الأعلى وابتسم.
“كما تعلمون، في مدينة سحب التنين،”
“أراد الملك نوفين أن يشكرني على… إيه، ذبح ابنه”.
انفجر الجميع في القاعة ضاحكين.
باستثناء ضيوف الشمال، الذين كانت وجوههم شاحبة.
هزَّ تاليس كتفيه بعجز.
وليمة.
في تلك اللحظة، ظهر في ذهن الشاب حتماً الملك نوفين وهو يرفع كأس نبيذ إلى جانب مظهره الجريء والخشن.
بالإضافة إلى صوت الملك المولود الثابت والقسري في وليمة الترحيب ذات الخصائص الشمالية،
“تقدَّموا! كُلوا! اشربوا! قاتلوا! تزاوجوا! افعلوا ما يحلو لكم!”
“حتى يقع الجميع منكم، يتدحرج، يتمدد، يزحف، أو يُحمَل خارج قصري!”
“أيها اللقطاء!”
ابتسم تاليس بخفَّة وهو يلمح صامتاً الضيوف المتحضرين من الكوكبة.
طرد الملك نوفين الصارخ من رأسه بشكل حاسم.
“صدِّقوني، لن تودُّوا أن تكونوا هناك،”
تنهَّد تاليس. “الطعام في مدينة سحب التنين كان فظيعاً، حتى الكحول كان سيئاً. إنه تعذيب”.
ضحك بعض الضيوف بخفوت.
هزَّ تاليس كتفيه وأضاء وجهه.
“أعتقد أن هذا هو سبب رغبته في أن يشكرني—على ذبح ابنه”.
انفجرت موجات من الضحك مرة أخرى.
نظرت إيليس إلى تاليس بنظرة غريبة، قلقة بشأن جرأته.
هدَّأ مالوس من قلق جيلبرت بصوت خافت، مُخبِراً إياه أن هذه هي طريقة صاحب السمو الدوق في التنفيس خلال الأشهر القليلة الماضية، والأمر سيكون بخير بمجرد أن تعتاد عليه.
نفخ جورجي بضجر.
“نعم، كان هذا أيضاً هو السبب، عندما اعتلى أرشدوق الرمال السوداء العرش وشرب نبيذ مدينة سحب التنين المتخصص…”
هزَّ تاليس كأسه.
“لقد ندم على ذلك”.
بدا الضحك في القاعة وكأنه أصبح أمراً طبيعياً.
“كان الملك تشابمان يكرهني. سجنني لمدة ست سنوات كاملة…”
نظر تاليس إلى الجميع، مُحيَّراً قليلاً. “لكن لم يكن بإمكاني مساعدته. أعني…”
هزَّ دوق بحيرة النجوم كتفيه براحتي يديه نحو الخارج، وتعبير وجهه عاجز. “لا يمكنني بالتأكيد قتل كل ملوك إكستيدت، أليس كذلك؟”
ارتفع الضحك في القاعة. وبشكل غير متوقع، كان الدوق فال من بين الضاحكين. حدَّق في كأسه، دون أي نية لإخفاء ضحكه.
ضيَّق الملك كيْسِل عينيه.
أخذ تاليس نفساً عميقاً، مدَّ يده وأشار إلى تهدئة الضحك في قاعة الولائم.
“حسناً، قد يعرفني الكثيرون منكم هنا”.
كان رد الفعل مختلطاً على طاولات الدوقات.
“هذا صحيح، لقد انتهيت للتو من رحلة استمرت ست سنوات،” واجه تاليس الضيوف مباشرةً وشعر بالرضا عندما وجدهم جالسين بشكل مستقيم وهادئ، وتابع: “لقد كانت حضارية وأنيقة، هادئة ومُسالِمة”.
حاول بعض الضيوف كبت ضحكهم لكنهم فشلوا.
لكن نبرة تاليس اتخذت منعطفاً سريعاً: “وكانت عودتي لا بد أنها مفاجئة للكثيرين، لأنني أرى في أعينكم: الشك، اليقظة، التباعد، العداء”.
الكلمة الأخيرة برَّدت الجو المُسترخي والمُبهِج في قاعة الولائم.
حدَّق التنين ذو العين الواحدة ودوق زهرة السَّوْسَن بتركيز في تاليس، وكأنهما غارقان في التفكير.
ابتعد تاليس قليلاً لتجنُّب النظر إلى تعبير الملك.
“ماذا حلَّ بهذا الأمير الذي ظهر فجأة قبل ست سنوات بعد عودته من مملكة معادية؟ ماذا سيجلب لكم؟ ماذا سيجلب للملك؟ هل هو سلام أم اضطراب، استقرار أم تغيير؟”
“هذا أمر مفهوم، لأنني لدي الشكوك ذاتها”.
كان تعبير تاليس جاداً. “البعض يفرح، والبعض يشعر بالارتباك، والبعض يراقب، والبعض يتردد، وبالطبع، قد يكون هناك من لا يريدون رؤيتي أظهر”.
جعلت هذه الكلمات القاعة تسودها صمت مُطلق.
“لكنني أتذكر قبل ست سنوات، عندما كنت على وشك المغادرة إلى الشمال، حذَّرني أحد السادة،” نظر تاليس إلى كأس النبيذ في يده، وكان تعبيره جاداً، “بأن أذهب إلى إكستيدت، وأذهب إلى أبناء رياح التنين والشمال، لأرى الكوكبة من منظور آخر، عالم آخر، وقد أكسب شيئاً منه”.
تغيَّرت طريقة نظر دوق نانشستر إليه.
“بالفعل لقد كسبت شيئاً منه”.
نظر تاليس إلى الأعلى ورفع حاجبيه. “الأهم من ذلك… لا تشرب نبيذ إكستيدت“.
انفجر الضيوف ضاحكين مرة أخرى.
لكن تاليس عاد سريعاً إلى المسار الصحيح. “لكنني ما زلت في حيرة”.
هذه المرة، لم يعد هناك مزاح في عيني دوق بحيرة النجوم. “بصرف النظر عن النكات، كان نوفين السابع بلا شك ملكاً عظيماً،”
“كان حاسماً، ذا رؤية، كريماً، شجاعاً، وذكياً بشكل لا يصدق. ومع ذلك، حتى ملك مولود مثله لم يستطع منع زواله، لم يستطع إنقاذ مدينة سحب التنين من الكارثة، لم يستطع إيقاف انحدار إكستيدت“.
بدأ العديد من الضيوف يتهامسون.
بدا تاليس متفكراً.
“هذا جعلني أتساءل…
“كيف ينبغي لنا، كمملكة مجاورة لهم، أن نعيش، أن نحكم، أن نتقدَّم، لتجنُّب مثل هذا المصير، لكي لا يكون لدينا ندم؟”
توقف تاليس لبضع ثوان ليترك مناقشات الضيوف تستقر قبل أن يرفع رأسه عالياً ويقول بتعبير حازم: “بصراحة، لا أعرف،”
واصل تاليس بصوت عالٍ: “لكن عندما خطوت إلى هذه القاعة، أعتقد، على الأقل الآن أعرف أين تكمن الإجابة”.
رفع تاليس كأس النبيذ. “اليوم ليس فقط عني…”
“قبل ثلاثة آلاف عام، قاد الملوك القدامى جيوشهم شمالاً، وخاطروا، وحاربوا الأورك وسافروا آلاف الأميال من أجل المطاردة المقدسة“.
تذكَّر تاليس دروس التاريخ لـ إيرول. “ليس فقط الملك أَنزاك من المنحدرات، بل شعب رودول، القبيلة الشوفينية القديمة، أرض الشمال، سورينلان، جبل بعيد، كالونسيا، سبخات الملح… لقد نتجت معجزة وصُنِعَ التاريخ فقط من خلال الجهود الموحدة والتفاني الذي لا أنانية لعدد لا يُحصى من الشعوب، وعدد لا يُحصى من الممالك وعدد لا يُحصى من المدن الدول،”
صدح تاليس: “وقفوا على الجليديَّة، وداسوا على جماجم الأورك، وأعلنوا للعالم: طالما نعمل معاً، فإن البشر لا يُقهَرون!”
تحوَّل تعبير العديد من الضيوف إلى الجدية وهم يرفعون كؤوسهم لـ تاليس تحيَّة.
“في المقابل…”
وضع تاليس تعبيراً كئيباً وهو ينظر بعناية إلى كل ضيف: الدوق كولين بنظرة بريئة، زايين الذي بدا جاداً، كوشدير الذي بدا غارقاً في التفكير، فال الذي كان صامتاً في حالة ذهول…
“الانقسام والانحدار، الإقتتال الداخلي يُضعِف، الأنانيون محتقَرون، والمتقاتلون يهلكون”.
كانت هناك جِدِّية في صوت تاليس. نظر حوله وقال دون أدنى شك: “صدِّقوني، لقد شهدت كيف يعيش أحفاد رايكارو البطل: حكم الملك نوفين القمعي غذَّى الشك، ووحشية الملك تشابمان عادَت الكثيرين، والطموحات القاسية للأرشدوقات جلبت الاضطرابات الاجتماعية، والتعصب الأعمى والبر الذاتي للشماليين فاقم الوضع إلى حالة لا يمكن إصلاحها،”
واصل بصرامة: “لذا أدركت، سواء كانت حملة طرد القداسة أو مملكتنا اليوم، فقط عندما نتغلَّب على نقاط الضعف هذه، وفقط بالوحدة، يمكننا أن نقف شامخين ونتطلع إلى السماوات،”
قال تاليس بصوت عالٍ: “تماما مثل طموحاتكم وطموحاتي المخلصة التي لا تتزعزع اليوم، والأمس، وفي الأيام والليالي التي لا تُحصى في المستقبل!”
كان لدى جيلبرت وعدد قليل من الأصدقاء المقربين تعابير غريبة على وجوههم، وكأنهم مصدومون من الأداء المرتجل للأمير.
في الثانية التالية، رفع تاليس كأسه فوق رأسه وصرخ: “ للكوكبة!“
تابع تاليس: “لأنها سمحت لنا بالاستمتاع بإشعاعها على مدى الـ 700 عام الماضية، نشكرها على عظمتها؛ لأنها سمحت لنا بالاحتماء تحت جناحيها، نشاركها مجدها!”
صمتٌ لثانية.
إلى أن قام دوق الإقليم الشمالي المقيَّد بالأغلال، فال آروندي، بشكل غير متوقع برفع كأسه وردَّ بحسم: “ للكوكبة!“
ابتسم دوق أرض المنحدرات ذو العين الواحدة، كوشدير نانشستر ورفع كأسه: “ للكوكبة!“
مباشرة بعد ذلك، رفعت الملكة كِيَّا كأسها بترقُّب وتعاون، ما دفع عدداً كبيراً من الضيوف غير المعتادين لرفع كؤوسهم.
سرعان ما رفع الملك، تحت نظرة الملكة الملحة، كأسه بغير مبالاة وزفر بهدوء.
مع السابقة، اهتز مزاج الضيوف وهم يرفعون كؤوسهم معاً ويردُّون: “ للكوكبة!“
انفجرت القاعة على الفور بصوت تردد صداه في جميع أنحاء القاعة.
استنشق تاليس بعمق وهو يطرد قلق “رعي القطط” من عقله. “ للملك!“
استدار تاليس نحو الملك كيْسِل، ورفع كأسه عالياً وحاول جاهداً عدم قراءة الفروق الدقيقة المعقدة بشكل لا نهائي في عيون الأخير. “لشجاعته في مواجهة الخطر التي أبعدتنا عن الأزمة، ولبذله الدماء والعرق والدموع ليحرس المملكة بإصرار ودون تهاون على مدى العقود الماضية!”
أصبح الضيوف في القاعة يعتادون تدريجياً ويردُّون في انسجام: “ للملك!“
أصبح خطاب تاليس أكثر طلاقة. استدار ليواجه القاعة بأكملها ولوَّح بكأسه: “ لنا!“
“لجميع الحاضرين وأسلافنا، لمشروعنا العظيم الدائم الذي يحمل التاريخ الأكثر مجداً للبشرية والذي تحقق من خلال الجهود المتضافرة في التقدم بالرغم من تحمُّل مسؤولية كبيرة! ولِخُلُودِنا الأبدي!”
رفع الضيوف كؤوسهم وردُّوا، مثل المياه المنكسرة من سد: “ لنا!“
*(في تلك اللحظة، صفا ذهنُ المترجم تماماً؛ فانتصبَ واقفا بدا كأنه سهمٌ وتّرته الأقدار، ثم هوت قبضتُه اليمنى على صدره بضربةٍ مكتومة دوى صداها في سكون المكان، وكأنما يُقسم بقلبه قبل لسانه. وفي جزءٍ من الثانية، انطلقت ذراعهُ من فوق صدره لتشقَّ الهواءَ باستقامةٍ حادة، وكفهُ مبسوطةٌ بجمود، وعيناهُ تقدحانِ عزماً، راسماً بجسدهِ خطاً لا يقبل الانحناء، ثم أطلق صرخةً اهتزت لها أوتاره بعنف، وكأن حنجرته البشرية لم تُصغ أصلاً لتتحتمل ثقل هذا الهتاف المهيب ٌقائلا:” للمترجم!!”.”)*
شعر تاليس بالارتياح. ابتسم ونظر نحو الشمال. “و—”
صدح تاليس بصدق: “!FUCK YOU تشابمان لامبارد!“
*( تركتها لانها معبرة أكثر)*
بعد صراخه بهذا، ذُهل الكثيرون قبل أن يستفيقوا ويهدروا بالضحك.
هذه المرة، كان الضيوف من مختلف طبقات المقاعد والخلفيات في انسجام نادر، بما في ذلك الشماليون مثل جورجي وليفي، الذين صاحوا من صميم قلوبهم وبصراحة.
لكن في هذه اللحظة، اخترق صوت مختلف الحشد وصرخ: “تحيَّة للدوق تاليس!“
صُدِمَ تاليس قليلاً.
كان شاباً نبيلاً متواضع الملبس، عادي المظهر. وقف عند مقاعد الضيوف الأجانب، ورفع كأسه بعزيمة وصرخ: “لِرحابة صدره، وحكمته، وقلبه الكبير، وشجاعته—وشبابه!”
ذُهل الجميع مرة أخرى، ولكن سرعان ما ردَّ الكثيرون.
“لِدوق بحيرة النجوم!”
“للأمير تاليس!”
“لِعائلة نجم الجاديت!”
كان يمكن سماع صوت الحشد يردد في موجات مثل جوقة عظيمة، لكن الكثيرين كانوا يندمون: لماذا لم يتحدثوا أولاً؟
استوعب تاليس كل هذا، وعجز عن مراعاة تعبير الملك خلفه، استنشق بعمق.
“أيها الجميع!”
كانت نظرة تاليس حازمة وثابتة وهو يرفع كأسه ويصرخ بنخب أخير وطويل: “ستدوم الإمبراطورية—“
دون الحاجة إلى أي تذكير، تفاعل الحشد بأكمله المُتَحمِّس في انسجام وصرخ بالبقية من الجملة التي عرفوها عن ظهر قلب: “—طالما بقيت النجوم!“
ضرب تاليس الحديد وهو ساخن، ورفع رأسه وتجرَّع رشفة من كأسه. لتحقيق التأثير الدرامي لتصريف كل شيء في رشفة واحدة، حتى أنه أسقط بعض النبيذ في هذه العملية.
لحسن الحظ لم يكن روح الجاودار المُقطَّر في الشمال، بل نبيذ عنب الكوكبة المحلي.
خفض تاليس رأسه. عندما رأى أن الضيوف قد انتهوا تقريباً من مشروبهم، ضحك. “جيد جداً، فلتبدأ الوليمة—”
في الثانية التالية، ألقى تاليس كأسه للأسفل غريزياً، “—الآن!“
لكن هذه المرة، لم يسمع تاليس صوت الارتطام الصاخب والمُنعِش لِكأس نبيذ شمالي متين ضد الطاولة أو البلاط الحجري الذي اعتاد عليه في السنوات القليلة الماضية.
بدلاً من ذلك…
تحطُّم—
ارتجف تاليس!
هذا الصوت…
نقي، رخيم، نظيف…
يُثير…
الحسرة.
تجمد الجميع.
خيم الصمت على قاعة الولائم.
خفض دوق بحيرة النجوم رأسه بصعوبة ونظر إلى قدميه، إلى كأس النبيذ القيِّم الذي تحطَّم إلى قطع.
تبَّاً.
أدرك تاليس على الفور أنه في ورطة كبيرة.
حرَّك قدميه بلا تعابير في محاولة لإبعاد نفسه عن مسرح الجريمة، لكن حذاءه داس على قطعة من الزجاج ما أحدث صوتاً مثيراً للقلق.
جذب هذا المزيد من النظرات، تركز جميعها على الأمير.
تبادل الضيوف في الوليمة الملكية النظرات.
كان الكثيرون لا يزالون يمسكون بكؤوس النبيذ الفارغة، وقد شربوا النبيذ للتو.
نظروا إلى الجاني الذي ارتكب جناية قتل كأس نبيذ أمام المملكة بأكملها، دوق بحيرة النجوم، ولم يعرفوا ما يمكن أن يفعلوه حيال ذلك.
إلى أن، في مقعد بعيد، أنهى المسؤول خورخي من مدينة إيلافور نبيذه وأسقط كأسه بحماس نحو الأسفل في حركة سريعة!
تحطُّم—
*( رجل والله ليس مثل باعوص معين)*
جعل صوت تحطُّم الزجاج الجميع يرتجفون مرة أخرى.
لكن في اللحظة التالية، كان جيلبرت الأسرع في التفاعل. سكب ما تبقَّى من النبيذ دون تردد وبالمثل رفع يده وألقى بكأس النبيذ نحو الأرض!
تحطُّم!
بجانبه، ظل قائد الحرس الشخصي لـ تاليس، اللورد مالوس بلا تعابير، لكنه حطَّم كأس النبيذ الخاص به بنفس الطريقة!
تحطُّم!
في حضور هذه الهيبة، استجمع العديد من ضيوف الكوكبة الفطنين أنفسهم، وواحد تلو الآخر، بغض النظر عما إذا كانوا معتادين على ذلك، أو كانوا بارعين فيه أو وافقوا عليه، رفعوا أيديهم وحطَّموا كؤوسهم بقوة!
تحطُّم! صَدْع! دَويّ! تهشيم…
فجأة، بدا الأمر وكأن الجليد يتكسَّر والزجاجات الفضية تنفجر في جميع أنحاء قاعة الولائم؛ كان يمكن سماع أصوات تكسير واضحة وحادة في موجات، تتردد كـ *كونشرتو.
*(الكونسيرتو (Concerto) هو أحد أهم القوالب في الموسيقى الكلاسيكية وبإختصار هوعمل موسيقي يستعرض مهارة عازف منفرد بمصاحبة الأوركسترا)*
حتى الملكة الوقورة كِيَّا ألقت بكأسها الخاص ببهجة، طار في قوس وهبط على الأرض…
تحطَّم.
لم يكن هذا كل شيء. ظل جيلبرت يشير إلى رئيس إدارة القصر بنظرة.
أدرك الأخير أخيراً ولوَّح بيده بسرعة.
تقدَّم الموسيقيون والمهرِّجون والمُنشدون وبدأوا في عزف الموسيقى وأداء رقصة.
كان الخَدَم يصرخون على بعضهم البعض في ارتباك. كانت نعالهم السميكة تدوس على الزجاج المكسور الذي كان في جميع أنحاء الأرض، مُصدرة أصوات طحن أثناء اقترابهم لتقديم الطعام.
بدأت الوليمة.
الموسيقى والعروض، الطعام والنبيذ، أُعيد إحياء الجو في قاعة الولائم أخيراً.
تدفقت المحادثات والمناقشات والضحك بحرية بين الضيوف.
تجاوزت هذه المشاعر الصخب والدهشة، والانقطاع والإحراج الذي سبَّبته إيماءة تاليس “العارضة”.
تنفَّس جيلبرت الصعداء.
شعر وزير الخارجية بجبهته؛ كانت غارقة في العرق البارد.
صاحب السمو…
المُذنب، المحرِّض، دوق بحيرة النجوم الموقَّر، تاليس، سار محبطاً على أرضية مليئة بالزجاج المكسور وعاد إلى مقعده ميكانيكياً مصحوباً بسيمفونية الأصوات في أذنيه ومن قدميه.
“تاليس”.
سحبت إيليس قدمها بهدوء لتكنس كأس النبيذ الذي لم ينكسر سوى نصفه بسبب افتقارها للمهارة وسألت بتردُّد: “بخصوص ما حدث سابقاً…”
“أعلم، أعلم. أعتذر. أنا آسف، إنه خطأي،” ردَّ تاليس بابتسامة قسرية. واضعاً في اعتباره نصيحة عمته، بدا هادئاً على الرغم من أنه كان مُحرَجاً حتى النخاع، وكأنه ولد بهذه الطريقة.
“كنتُ فقط…”
“قد اعتدتُ على الأمر”.
في أعلى طبقة من المقاعد، كان الملك كيْسِل بلا تعابير وهو يُخفض برفق كأس النبيذ السليم في يده.
في القاعة بأكملها، بالإضافة إلى نخب بداية الوليمة، كان العديد من الضيوف يناقشون بضراوة ما حدث سابقاً، على سبيل المثال أولئك الموجودون على طاولة حاشية نجم الجاديت السبعة.
“هل هذا حفل في الكوكبة، أم في إكستيد؟” تساءل البارون ستون بعبوس.
استهزأ الفيكونت باترسون ونظر نحو الأمير تاليس الهادئ، وهو يبتسم نصف ابتسامة: “هل هذا مهم؟”
“هاها، الحيوية رائعة،” أضاف البارون دويل الأكبر بضحكة، “الناس يعشقون أولئك المفعمين بالحياة!”
صمت الآخرون.
لكن البعض لم يفكر بهذه الطريقة.
كرئيس لإدارة القصر جاء إلى قاعة مينديس للمساعدة في تنظيم الوليمة، كان البارون كوينتين مذهولاً. ارتجف وهو يُصدر تعليماته للخدم: “نظِّف… نظِّفوه…”
“أيضاً، مرِّروا التعليمات، أرسلوا في طلب دفعة جديدة من كؤوس النبيذ الرسمية…”
لكنه استعاد وعيه على الفور تقريباً وأوقف الخادم: “انتظر!”
“تذكَّر أن تُحضر ضعف العدد”.
صرَّ البارون كوينتين على أسنانه بغضب. استوعب القاعة بأكملها المليئة بالزجاج المكسور وأخبر الخادم المرتبك: “كقطع غيار”.
بينما احتدَّ جو الوليمة وانغمس الجميع في الطعام والنبيذ والثرثرة دون أي اكتراث في العالم، كان ضيف ذو مظهر صارم يطعن إوزة مشوية على طبقه بشوكة في زاوية نائية لم يلاحظها أحد، وكانت نظراته مشتتة.
في الثانية التالية، شعر بشيء على ضلعه.
شحب الضيف قليلاً. أراد أن يستدير، لكنه سمع صوتاً مألوفاً وناضجاً، فتجمَّد.
“لا تستدر”.
تمتم الصوت الناضج: “يجب أن تعلم كم هو صعب إدخال هذا الشيء إلى هنا”.
كان الضيف متصلباً كاللَّوح الخشبي، لكنه خفض يده اليمنى ليتلقى “الشيء” من تحت الطاولة.
“لماذا؟” سأل الضيف، حائراً.
ردَّ الصوت الناضج بفتور وعرضية: “أعلم ما تُخطط للقيام به. لكن من الواضح أن هذا سيكون أكثر فعالية.
“إذا كنتَ قد عزمتَ أمرك حقاً”.
شعر الضيف بأن عواطفه تتوتَّر.
نظر إلى الشوكة على الطاولة وسأل بألم: “لماذا؟”
لم يرد الصوت الناضج مباشرة ولكنه قال فقط: “تذكَّر، هدِّف بدقة.
“لن تحصل إلا على فرصة واحدة”.
صرَّ الضيف على أسنانه. “أنا لا أفهم، لقد رفضني بوضوح، لماذا…”
*( ليستغلك بأفضل طريقة)*
لكن الصوت الناضج لم يرد أكثر من ذلك.
وكأنه لم يكن موجوداً أبداً.
أخذ الضيف نفساً عميقاً، وأغمض عينيه وحشر الشيء تحت أضلاعه داخل ملابسه.
هدِّف بدقة؟
نظر الضيف ببطء نحو الطبقات العليا من قاعة الولائم، إلى مقعد أسفل مقعد الملك.
كان يجلس هناك شاب هادئ ولكنه غير عادي…
شاب.
واصل الضيف التنفس في حالة ذهول؛ تحوَّلت نظراته من الألم إلى العذاب، إلى السخط، إلى الغيرة، إلى التردُّد، وتدريجياً إلى تصميم ثابت وقسوة لا ترحم.
حدَّق بتركيز في الدوق الشاب المفعم بالحيوية وشعر بهدية الغريب تحت ملابسه.
انتشر إحساس تقشعر له الأبدان عبر جلد يده.
كان يعلم، أن ذلك سيف قصير.
ذو جودة عالية.
شفرته الحادة باردة.
وبلا رحمة.
إن أعجبتكم الترجمة، أتمنى منكم دعمي بالدعاء لأهلنا وإخواننا في فلسطين والسودان، جزاكم الله خيرًا.
تمت ترجمتها بواسطة الكَمِد RK
✨ عضوية مميزة في فضاء الروايات ✨
🚫📢 تخلّص من الإعلانات المزعجة
💖 استمتع بتجربة قراءة سلسة ومميزات حصرية مقابل مبلغ رمزي
📌 ملاحظة: أرسل اسمك في الموقع عند الدفع ليتم تفعيل العضوية ✅
جميع ما يتم ترجمته في الفصول منسوب إلى المؤلفين، ونحن بريئون من أي معانٍ تخالف العقيدة أو معانٍ كفرية وشركية.
هذا مجرد محتوى ترفيهي فلا تدعه يؤثر عليك أو يلهيك عن دينك.
استغفر اللـه وأتوب إليه.