سلالة المملكة - الفصل 540
📏 حجم الخط
✍️ نوع الخط
🎨 الخلفية
🖥️ عرض النص
دعم سلالة المملكة لزيادة تنزيل الفصول :
سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم
الفصل 540: أَبداً لا تَجْثُو
عندما وَلَجَ الملكُ قاعة مينديس، جاهد تاليس في التقاط أنفاسه.
اعترى ركبتاه بَرْدٌ خفيف حينما استقرتا على سجَّادة قاعة مينديس.
جاء صوتُ خُطواتٍ عديدة من الأمام؛ كانت مجموعة تتقدَّم بخطى ثابتة، بينما تلتها الأخرى على فترات متقطِّعة.
سمع تاليس صوت تنفُّسه بوضوح، وأدرك لأول مرة أنه يبدو قاسياً مُجلجلاً.
“قُوموا جميعاً،” أمرَ صوتٌ مألوف، بوقارِه المعهود.
“هذه وليمة، وليست مؤتمر الإمبراطورية—فتلك الزُّمرة من الشيوخ المُعفَّرين مزعجة بما يكفي”.
لم يجرؤ أحد على الرد.
للحظة وجيزة، كان الأمر كما لو أن دوق بحيرة النجوم قد نُقِل بالزمن إلى ست سنوات مضت، حين وَلَجَ قاعة مينديس ببراءة وطفولة.
كانت تلك المرة الأولى التي يلتقي فيها بالملك كيْسِل. بدا الجو المهيب ثقيلاً لدرجة أنه كان قادراً على شقِّ بلاط الأرضية، ما جعل الشحَّاذ الصبي آنذاك يشعر بالضيق ويعجز عن النطق.
حدَّق تاليس بتركيز في نَقْش السجَّادة—لا ينبغي أن تكون هناك أي مسامير حديدية في الأسفل. أدرك الدوق بمرارة أنه بعد ست سنوات من الخبرة والمشقة، عندما عاد المشهد ذاته للظهور، فإن الثقل الذي شعر به لم يقتصر على عدم التضاؤل فحسب، بل غدا أكثر كثافة وجوهرية.
الملك نوفين، الملك تشابمان، من بين جميع أعدائه الذين كان يخشاهم، لم يمنحه أحد هذا الشعور.
لِماذا؟
لِمَ كان الأمر كذلك؟
أبقى تاليس رأسه مُطرَقاً.
من الضيوف إلى الحاشية، ومن الحُرَّاس إلى الخَدَم، ألقى الجميع تحيَّة بصوت خافت؛ كان صوت الناس وهم يُؤدُّون مراسم الاحترام يُسمع بلا انقطاع.
لكنَّ ذلك لم يُرِح تاليس ولو قليلاً.
أخيراً، توقفت تلك الأحذية الريفية باهظة الثمن أمامه.
استقرَّت قاعدة عصا الكوكبة على السجَّادة، وكأنها توشك أن تضرب بجذورها.
بعد ما بدا وكأنه قَرْنٌ من الزمان، ظهر كفٌّ أمام تاليس.
على اليد، كان الخاتم البرونزي الذي يرمز إلى السُّلطة الملكية يلمع قليلاً.
انزلق تاليس في غفلة وجيزة: رأى الملك ذو اليد الحديدية يدخل قاعة النجوم في المؤتمر الوطني قبل ست سنوات، وتابعي المملكة يجثون ويُقبِّلون خاتمه كرمز للولاء.
أخذ دوق بحيرة النجوم نفساً عميقاً. نزع قفَّازيه وتناول الكفَّ الممدودة بينما كان يستعد لتقبيل خاتم الملك وفقاً للآداب المرعيَّة.
ولكن لدهشة تاليس، أمسك الملكُ بيده بدلاً من ذلك وأوقفه.
رفع تاليس بصره مندهشاً. ما رآه كان زوجاً من العيون الزرقاء العميقة تنظر إليه ببرودة وهيبة.
“حينما كنتَ في أرض الشَّمال،” تكلَّم الملك كيْسِل ببطء، كانت نبرته مُنتظمة ولكن محتواه كان كالرَّصاص، “في مواجهة الملك نوفين، وفي مواجهة الملك الجديد، وفي مواجهة إكستيدت بأسرها…”
“هل جَثَوتَ؟”
صُدِم تاليس.
التقى بنظرة تلك العيون الزرقاء التي لا قرار لها لثانية وشعر بالعزيمة والوقار الكامنين تحتها. ابتلع ريقه وردَّ: “لا،”
أضاف الغلام اللقب بصعوبة بالغة: “يا صاحب الجلالة”.
في اللحظة التالية، شعر تاليس بوزن على ذراعيه، حيث رُفِعَ لا إرادياً من الأرض!
“إذاً، لا ترسخ هذه العادة السيئة،” قال كيْسِل ببرودة. بدت الهالة المهيبة باردة لدرجة أنها يمكن أن تتجمد وتتكثف على الجدران.
لم يكن لدى تاليس متسع من الوقت ليتفاعل أو يفكِّر.
“بصفتك من سُلالة الجاديستار…” نظر الملك إلى وريثه بلا تعابير، “حتى لو أصاب العَجْزُ ساقيك…”
“إياك أن تجثو أَبداً.”
تشكَّل همسٌ عابر بين الحشد، ثم تبدَّد على الفور إلى صمت.
“لا سيَّما…” أرخى الملك ذو اليد الحديدية قبضته. نظر إلى صور الملوك الثلاثة من سُلالة الكوكبة، وتوقف، ثم رفع بصره إلى الثريَّا في الأعلى والتجهيزات الداخلية للقاعة، وكانت عواطفه غير قابلة للقراءة، “هنا”.
شعر تاليس، الذي اعتاد على الهالة الثقيلة التي تحيط بالملك، ببعض الدهشة.
لم يُجبرني على الجثو، ولا على تقبيل يده.
الملك الأسمى في غابر الأيام الذي كان يتمتع بفتوة طاغية وخطوات ثابتة.
اليوم، هذا الـ…
استمرَّ الحشد الذي جثا لتحية الملك في إطراق رؤوسهم، وأفكارهم مجهولة.
حدَّق تاليس متسائلاً في والده، لكنه أجاب في طاعة: “حسناً،”
شعر بتغيُّر في الجو، وأضاف بعفوية: “يا أبي”.
حدَّق فيه الملك كيْسِل؛ لم يُعبِّر عن رأي بل اكتفى بالتشبُّث بعصاه مرة أخرى.
بدا التفاعل بين الملك والوريث كأنه أمرٌ مُلزم؛ فبدأ الحشد من حولهما ينهض تدريجياً ويُؤدِّي واجباته بعد وصول الملك.
قائد الحرس الملكي الذي رافق الملك كيْسِل، اللورد أدريان، حيَّا تاليس بابتسامة، ثم بدأ في محادثة مالوس بهمس.
ظلَّ تاليس غارقاً في أفكاره، بينما لم يتوقف الملك كيْسِل ولم يتبادل التحيَّات، بل تجاوز تاليس ومضى قدماً.
وكأن ما حدث سابقاً لم يكن سوى فاصل قصير من العائلة المالكة.
إلى أن توقف الملك فجأة، حيث واجه الشخص الوحيد في القاعة الذي رفض الجثو أو التحيَّة ولم يكترث بالتمثيل.
كان فال آروندي، كعمود قبيح راسخ بثبات في أرضية قاعة مينديس، يُحدِّق في صديقه القديم، دون أن ينبس ببنت شفة.
استطاع تاليس أن يَشُمَّ رائحة خفيفة من القلق.
لم يتكلَّم الملك كيْسِل أيضاً. حدَّق في الدوق بصمت، حوَّل بصره بين الفينة والأخرى ليلمح قيوده.
التقى بصرهما في الجو.
في تلك اللحظة، تجسَّد الكثير جداً في نظراتهما.
كان كلاهما صامتاً بالتراضي، ما جعل الحاضرين من حولهما يشعرون بالقلق والحَرَج.
إلى أن كسر صوت امرأة لطيف ومُبهِج حاجز الصمت. “لا يُصدَّق—أهذا هو تاليس الصغير؟”
استدار تاليس ببطء ليواجه سيدة دخلت مع الملك وكانت تُرافقها حاشية من النسوة.
شدَّ أعصابه.
كانت السيدة ترتدي ملابس باهظة. كانت هيئتُها أنيقة ولكنها مفعمة بالحياة. كانت هناك دهشة في عينيها وهي تُقلِّب تاليس بالنظر. “في لمح البصر، مرَّت السنوات. انظر إليك… هل تذكرني؟”
نظر تاليس خلف السيدة. جَينِس، مرتديةً الثوب الرسمي للمسؤولات، أومأت له برأسها ببراعة وتعبير جاد.
ابتسم الغلام وتناول يد زوجة أبيه بمشاعر مختلطة ولكن دقيقة بينما انحنى. “يا صاحبة الجلالة، لا تزالين على حُسنك المعهود”.
كان هناك بريق في عيني الملكة كِيَّا. نظرت إلى تاليس ثم استدارت وقالت لواحدة من حاشيتها: “أرأيتِ يا إيليس، لقد تعرَّف عليَّ من أول نظرة. لقد كان مجرد كائن صغير آنذاك…”
كانت الملكة مُشرقة، وذات ابتسامة حلوة، تتحدَّث بطلاقة، وطبيعية وودودة، ما أعطى الجميع انطباعاً أولياً جيداً.
لو لم يكن تاليس قد رآها قبل ست سنوات.
“بالطبع،” نظرت سيدة أخرى بملامح رقيقة كانت تُرافق الملكة إلى تاليس، “الأمير تاليس معروف بذكائه دائماً”.
كانت السيدة التي ترتدي ثوباً داكناً وشالاً مخملياً أنيقة بنفس القدر، مع لمسة إضافية من السكينة.
“حتى في الشَّمال”.
حدَّق تاليس صامتاً في المخمل.
أمسكت كِيَّا بيدي تاليس وهي تُقلِّبه من رأسه إلى أخمص قدميه. أطلقت تنهيدة واستدارت نحو جَينِس، وقالت بنبرة انزعاج: “آه جَينِس، كان يجب أن تدعيني أُحضر الأطفال. ربما ليديا مشاكسة قليلاً، لكن كان يمكنني على الأقل أن أُحضر لوثر وأجعله يتعلَّم من أخيه، يتعلَّم كيف يكون أميراً صالحاً…”
*( مسكينة. فقط للتذكير، ليديا و لوثر تم اغتيالهم وكيا تعرضت لصدمة أدت لحالتها الحالية)*
عند ذكر تلك الأسماء، تجمدت ابتسامات الناس من حولهم.
بدت المسؤولة جَينِس وكأنها وُضعت في موقف حرج. تبادلت نظرة ذات مغزى مع السيدة ذات الرداء المخملي ثم قالت بنبرة حثِّ على عَجَل: “كِيَّا…”
كان للخَدَم الذين سافروا معها من قصر النهضة تفاهم ضمني بالفعل؛ فتقدَّمت خادمتان بهدوء.
لكن الملكة كانت لا تزال متمسكة بـ تاليس وتُقيِّمه، غير راغبة في تركه وهي تُعجَب بابن زوجها. “في نهاية المطاف، هم أبناء العائلة المالكة، ماذا سأفعل بهم عندما يكبرون…”
في تلك اللحظة.
“كِيَّا،”
نادى صوت عميق، كصوت إحكام مفاصل بوابة المدينة.
في اللحظة التالية، توقَّف خطاب الملكة كِيَّا الحماسي.
استدارت بتعبير خجول ونظرت إلى ظهر الملك.
مدَّ الملك كيْسِل ذراعاً بصمت.
قدَّمت الملكة اعتذاراً لـ تاليس قبل أن تتقدم بطاعة لتمسك بذراع زوجها.
“فال،” نظرت كِيَّا إلى الدوق فال، الذي كان يقف قبالة الملك، ببريق في عينيها، وكأنها تُحيِّي صديقاً قديماً، وكأنها لم تلاحظ القيود على يديه، “كيف حالك؟”
فوجئ دوق الإقليم الشمالي قليلاً، الذي كان يُحدِّق في الملك كيْسِل. نظر إلى الملكة، وتبدَّدت العبسة حالما تشكَّلت.
في النهاية، ردَّ فال بازدراء: “لا يمكن أن يكون أفضل”.
عند تلك الكلمات، استدار الدوق آروندي وسار نحو قاعة الولائم دون أن ينظر خلفه؛ لم يكن بحاجة إلى إرشاد، وكأن الأمر روتيني بالنسبة له.
بنظرة من مالوس، تبعه غراي باترسون وعدد قليل من الحُرَّاس الآخرين المسؤولين عن مرافقة السجين عن كثب وظلوا متيقظين.
“هيا بنا،” حدَّق الملك كيْسِل في صديق طفولته المغادر وقال بنبرة كئيبة، “لا بد أن أحدهم بات نافد الصبر”.
مشى الملك بخطوات واسعة. دون أي تعليمات من قائد الحرس أدريان، سار الحرس الملكي المُرافق لجلالته في صمت من جانب. كانت تعابيرهم لم تتغير وأوضاعهم طبيعية، على أهبة الاستعداد ولكن ليسوا ملفِتين للنظر.
على النقيض من ذلك، حتى لو كانوا من مصدر واحد، سواء كانت أناقة أو أسلوباً، حُرَّاس بحيرة النجوم التابعون له…
“هل هو أنا فقط،” خلف تاليس، راقب دويل مشهد تحيَّات العائلة المالكة بعناية وهمس لـ غلوف، “أم أن قاعة مينديس قد أصبحت أكثر برودة حقاً؟”
ألقى غلوف نظرة على العرق المتشكِّل على جبهة دويل وهمس رداً على ذلك: “ليس أنت فقط”.
تنهَّد تاليس.
في اللحظة التالية، شعر بقبضة على ذراعه اليسرى.
“هل تمانع في إعارَتي ذراعاً؟”
استدار تاليس فزعاً. كانت السيدة ذات الشال المخملي تمسك بذراعه بابتسامة.
“العمة… إيليس“.
نظر تاليس إلى ابنة الملك السابق بالتبني التي التقاها مرة واحدة قبل ست سنوات بمشاعر مُعقَّدة. وقعت نظراته على كتفها؛ شعر بألم شبحي من ندبة في صدره.
قال بغير صدق: “الشال جميل،”
ردَّت إيليس بابتسامة أنيقة وجذابة: “شكراً لك. وأنتَ أيضاً كبرت—أصبحتَ رجلاً حقيقياً الآن”.
تاليس، وذراعه ممسوكة من قبل عمته، واصل السير تلقائياً بخطى الملك والملكة. تبعه حاشيته وحُرَّاسه.
“لا تقلق،” على النقيض من تيبُّس تاليس، كانت خُطى إيليس هادئة وابتسامتها مناسبة، “ستعتاد على ذلك”.
ستعتاد على ذلك.
تعتاد على ماذا؟
تنهَّد تاليس في داخله. هل كان عليه أن يعتاد على شخصية والده المُحبِطة بالفطرة، أم يعتاد على دائرة النبلاء المُعقَّدة في العاصمة؟
كانتحوَّلَت نبرة إيليس إلى البرودة فجأة: “ابتسِمْ”.
ذُهِلَ تاليس.
“إذا خُضتَ غِمار الوَغى، فستحتاج إلى دِرعٍ كامل،” واصلت إيليس إظهار ابتسامة حانية تجاه من حولها، لكن نبرتها ارتفعت قليلاً: “وفي ساحة القتال، الابتسامة هي خيرُ دِرعٍ”.
قطَّب تاليس حاجبيه.
هذا القول يبدو مألوفاً.
ولكن قبل أن يتمكن من استجلاء الأمر، استدارت إيليس ونظرت نحو أولئك الذين كانوا يرافقونهما بتكتُّم.
“لم أُهنئك بعد يا تورموند.” نظرت إيليس إلى مالوس بودّ. “أنا سعيدة لأنك أصبحت حارس ساهر في الحرس الملكي، وقائداً للحرس الشخصي لـ تاليس“.
أومأ اللورد مالوس برفق، وعلى محياه وفي نبرته سكون وهدوء: “يا سيدتي إيليس“.
بيد أن إيليس هي التي غمرتها العواطف بعد تقليبها الحارس الساهر بالنظر. “والدك سيكون فخوراً،” تنهَّدت سموُّها. “كانت أمنيته الكبرى أن يرى عائلتك تعود إلى جاديستار السبعة…”
رفع مالوس صوته فجأة وقاطع إيليس: “تفضَّل بالدخول مع جلالة الملك، يا صاحب السمو. هذه هي وليمة ترحيبك، ولا تودّ أن تفوِّتها”.
أومأ مالوس لـ تاليس وأسرع اللحاق بـ أدريان.
واصل تاليس السير بخطى ثابتة مع الأميرة وقال بتفكير: “هل بينك وبين قائد حَرَسِي صداقة قديمة؟”
نظرت إيليس إلى ظهر مالوس وأومأت برأسها ببطء.
“قبل انحسار نفوذهم، كانت عائلة مالوس ‘الشفرة’ ذات تأثير نافذ في حاشية *نجم الجاديت السبعة في الإقليم المركزي، وحازت على سُلطة ساحقة على جميع طبقات المجتمع. هناك ما لا يقل عن ثلاثة ألقاب بارون ممنوحة من العائلة المالكة في سجل أنسابهم، ويُقال إنهم على قدم المساواة مع عائلة بارني ‘الحصان البري’“.
*( جاديستار)*
بدت إيليس وكأنها تتنهَّد. “عندما كان الملك السابق لا يزال على قيد الحياة، حتى أن الفيكونت مالوس الأكبر تقدَّم لخطبة الأميرة كونستانس نيابة عن ابنه الأكبر”.
مالوس ‘الشفرة’.
حاشية نجم الجاديت السبعة ذات النفوذ تحت لواء العائلة المالكة.
أدرك تاليس لأول مرة معنى اسم عائلة قائده الشخصي. لم يستطع إلا أن يعقد حاجبيه.
“من البكاء إلى التهديد بشنق نفسها إلى الهرب من المنزل، أثارت كونستانس جلبةً عظيمة. خلاصة القول، كان الأمر قبيحاً وفوضوياً… بعد فشل مراسم الزفاف، شعر الملك السابق بالأسف، ففكَّر في تقديم البديل الأفضل وسألني عمَّا إذا كنت راغبةً في الزواج من عائلة مالوس“.
اهتزَّ تاليس قليلاً.
“أتقصدين…” نظر تاليس إلى عمته، ثم إلى ظهر مالوس، وصرخ بذهول: “أنتِ و… هو؟”
ابتسمت إيليس بوضوح. وغرابةً، في تلك اللحظة، بدت شاحبة ومصفرَّة.
بعد بعض المشقة، تمكَّن تاليس من سحب دهشته.
إذاً، تورموند مالوس، قائده الشخصي المفضَّل، كاد أن يكون عمه؟
سجَّل تاليس ملاحظة لنفسه لإجبار دويل على البوح بكل الأقاويل والنمائم حول رئيسه.
“ماذا حدث بعد ذلك؟” سأل تاليس.
“بعد ذلك، وافقتُ،” ردَّت الأميرة بهدوء.
“لكن ربما بسبب السخط، أو لأن أميرة بلا دماء ملكية لم تكن تُلبي تطلعاتهم، رفض الفيكونت مالوس الأكبر الملك السابق، وتحوَّل بدلاً من ذلك إلى دوق آروندي من الإقليم الشمالي ليخطب منه”.
رمش تاليس.
حسناً، حسناً.
الابنة المتبناة أذعنت وتنازلت طائعة ووافقت على الزواج بدلاً من الابنة البيولوجية المتمردة، ولكنها رُفضت بشكل حاسم من طرف العريس.
بغض النظر عن هذا التاريخ العتيق…
ما مدى قوة عائلة مالوس آنذاك؟
ألقى تاليس نظرة حذرة على عمته، لكنه وجد أن ابتسامتها لا تزال ودودة وهي تُومئ أحياناً لتحيَّة الضيوف على كلا الجانبين، غير مُحبطة إطلاقاً بسبب الإذلال والحزن الماضي.
تذكَّر تاليس فجأة، أن زوج إيليس مات في سوق الشارع الأحمر قبل ست سنوات، والجاني كان…
نظر تاليس إلى عمته وأدرك أن زواجها اللاحق لم يكن مثالياً أيضاً.
عند هذا التفكير، شعر تاليس بموجة من التعاطف.
“لكن مالوس لم يعد جزءاً من حاشية نجم الجاديت السبعة، فكيف حدث لهم… هذا الانحدار؟” نظَّف تاليس حلقه وهو يفكِّر في تغيير الموضوع إلى شيء قد يُبهِج عمته.
لكن إيليس هزَّت رأسها وردَّت دون أي أثر للبهجة: “العام الدموي“.
تجمد تاليس قليلاً.
كانت إيليس مترددة في قول المزيد، لذا غيَّرت الموضوع: “بالمناسبة يا تاليس، هل لاحظت أيَّ فتيات شابات جميلات خلال السنوات التي قضيتها في الشَّمال؟”
توقَّف تاليس.
خلال السنوات في الشَّمال…
“فتيات شابات جميلات؟”
“أجل.” أومأت إيليس بابتسامة. “حتى بعد عودتك من أرض الشَّمال، لم تتوقف العاصمة عن الحديث عن هذا الأمر”.
تذكَّر تاليس فجأة تلك الفتاة الصغيرة الحمقاء التي اختبأت في المكتبة، مُغطَّاة بالوحل من رأسها حتى أخمص قدميها.
*( قالت: “فتيات شابات جميلات” لكي تأتي انت وتفكر بفتاة متسخة؟)*
والدوقة الكبرى بعد سنوات التي رفعت خاتم الملك نوفين في قاعة الأبطال وزمجرت كاللبؤة لقيادة القوات.
لكن عند التفكير في حملتها العسكرية الفاشلة حالياً، وعدم اليقين مما إذا كانت لا تزال على قيد الحياة، وصل مزاج تاليس إلى الحضيض.
تلك الفتاة… هل ستنجو؟
استجمع قواه على الفور.
“بالطبع،” رفع تاليس بصره، وتعبيره لم يتغير، “الآنسة جيني جميلة، مفعمة بالحياة، مبتهجة ومُسلِّية. نحن مقرَّبان جداً وأنا أستمتع بالسفر معها أكثر من أي شيء آخر”.
توقفت خطوات الأميرة إيليس عن السير.
ساد الصمت كل من حولهم.
“جيني؟” عبست إيليس وهي تكرر الاسم.
مقرَّبان جداً…
السفر معها…
وفتاة شمالية…
ألقى دويل نظرة ماكرة على غلوف، نظرة بدأت بالدهشة وتحوَّلت إلى فهم.
وكما هو متوقع، تجاهل الأخير ذلك.
ألقت الأميرة إيليس نظرة تحذيرية على المتلصصين حولها.
“ما كان ينبغي لك أن تجيب مباشرة، فهذا سيجلب عواقب وخيمة”.
كان يمكن سماع همس خافت بين الخَدَم والحُرَّاس والضيوف، كطنين النحل، وانتشر مع صوت الخطوات الذهابة والآيبة.
كانت فداحة هذا الخبر لا شك فيها.
شدَّت عمة تاليس قبضتها على ذراعه، ولم تستطع إلا أن تميل بحذر أكثر وتقول همساً: “إذاً، من أي عائلة شمالية… جيني؟”
في الوقت نفسه، على الرغم من الفصل القوي، أدار المتلصصون المحيطون آذانهم نحوهما، متجاهلين نبرات أوامر الحرس الملكي المستاءة.
لكن تاليس رفع صوته، غير مكترث، ولم تكن لديه نية لإخفاء تاريخه الغرامي خلال الفترة التي قضاها في الشَّمال. “لا أعرف،”
واصل حديثه عرضاً، ما أثار جولة أخرى من الهمس: “لكن انطلاقاً من هيئتها، ولون معطفها، ووتيرة سيرها، وشهيتها، وتبرُّزها، وكذلك تَنَقُّدها على علفها، وإسطبلاتها، وسائسيها،” تذكَّر تاليس النقاط الرئيسية في تقييم الخيول من دروس نيكولاس لركوب الخيل، وأجاب بصدق: “من المرجَّح جداً أنها نبيلة”.
ذُهِلَت عمته للحظات.
“لون معطفها، إسطبلاتها…” ضيَّقت إيليس عينيها وتفاعلت ببطء، “جيني… هي فرس؟”
استدار تاليس وضحك. “فرسٌ جيدة”.
في اللحظة التالية، أطلق أولئك الذين استمعوا عن قصد تنهيدة خيبة أمل بالإجماع وتفرَّقوا تدريجياً.
نظر تاليس بارتياح إلى نظرة إيليس الغريبة وتعابير الهزيمة على وجوه من حولهم.
صحيح، جيني فرس جيدة…
ليست كذلك.
تتلوَّى وتتحرَّر من قيودها في منتصف الليل، وتتسلَّل لأكل علف الليل في مَعالِف أخرى، ما جعل الجميع في قصر الأرواح الباسلة قلقين ومتيقظين بشأن لص. لم تُكشف الحقيقة إلا عندما اكتشفها آيدا التي كانت تسرق قطعة من فخذ دجاج في غسق الليل…
عنيفة ومتسلِّطة أمام ويا رالف، طائعة وبريئة أمام تاليس ونيكولاس، سريعة الغضب عند رؤية السائس ومعه سوط ورسن، ودودة عند رؤية السائس ومعه قش وفرش…
أيُّ جزء من الآنسة جيني العظيمة يمكن ربطه بكلمة “جيدة”؟
(في إسطبل في أرض الشَّمال، عطست فَرَس أنيقة. رفعت رأسها بيقظة من المِعْلَف، وبتسديدة رِجل خلفية رشيقة، دفعت حصان حرب ساخط إلى زاوية، ثم واصلت سرقة علفه الليلي).
بعد ثوانٍ قليلة، ابتسمت إيليس بارتياح. “أحسنت صنعاً. على الرغم من أنك ضُرِبت في موضع أليم، فقد تعاملت مع الأمر بهدوء وروح دعابة”.
حدَّقت في ابن أخيها غير البيولوجي. “الآن… أنتَ مُدرَّع بالكامل”.
ضُرِبت في موضع أليم…
شعر تاليس بضيق في قلبه.
ابتسمت إيليس بخفَّة، ودون أن تُشير إلى الأمر الجلي والمحرج، اكتفت بالتمسك بذراعه وواصلت التقدم.
“آه كم أفتقد ذلك،” سحبت إيليس نظرتها عن صور ملوك الكوكبة الثلاثة بعاطفة، “في الماضي، غالباً ما كانت عمتك الصغرى تجرُّني إلى هنا للَّعب”.
“العمة الصغرى؟” تحرَّك تاليس قليلاً. “كونستانس، أي نوع من الفتيات كانت؟”
صمتا كلاهما للحظة.
وجَّهت إيليس نظرتها الباهتة نحو ماضٍ لا يمكنها العودة إليه.
“كونستانس، لم تكن ممن يجلسون بهدوء ويسكنون. في كل مرة كانت هنا، كانت إما تقفز أو تُهدِّم شيئاً. لم يكن بوسعي سوى التظاهر بالمرض للتهرُّب من حماسها—لدرجة أن ولي العهد الرؤوف ميدير أعدَّ لي ‘جناحاً خاصاً للمرضى’“.
كونستانس، تقفز، تُهدِّم شيئاً…
فكَّر تاليس في الرماد والجِرار في مقبرة عائلة جاديستار وعقد حاجبيه.
“عندما رفضت الخطوبة،” أطلقت إيليس ضحكة، “هربت من المنزل أربع مرات، بل وأرادت أن تأخذني معها. مرتين أعادها اللورد زاكريل، ومرة أعادتها جَينِس، وفي المرة الأخيرة اضطر ولي العهد ميدير للقيام بذلك بنفسه… لم يتحمَّل جلالة الملك السابق أن يضربها ولا السيدة آيدا التي ساعدتها سراً، لذا اكتفى بالسماح لـ كيْسِل، الذي تواطأ معها، بأن يُجلد على يد اللورد زاكريل…”
توقفت إيليس عند هذه النقطة. أومأت نحو الملك في الأمام، ثم تنهَّدت وتابعت: “الآن وقد فكَّرت في الأمر، الأيام التي هربنا فيها من المنزل معاً، وتضوَّرنا جوعاً في الشوارع معاً، آه، لم تكن سيئة على الإطلاق”.
استغرق تاليس في القصة.
“تبدو كونستانس وكأنها،” قال تاليس بفتور، “فتاة مفعمة بالحياة ومحبوبة”.
“مفعمة بالحياة ومحبوبة؟” ضحكت إيليس، “أنتَ فقط لم تقع في مرمى مقالبها قط…”
“في إحدى المرات رسمت قطة لطيفة على درع هوراس. رآها المعسكر بأكمله لكن لم يجرؤ أحد على التحدُّث. وانتهى الأمر بأسير أخبره…”
“لأنها كانت قلقة من أن الأخ الثالث لن يجد زوجة، كتبت رسائل غرامية إلى زوجات المستقبل اللواتي وافقت عليهن باسم بانكروفت ورتبت له مواعيد معهن…”
“لأنها اعتقدت أن هيرمان مغرور جداً، استبدلت عطره ببول كلب عندما كان مصاباً بالزكام ولم يتمكن من شم أي شيء…”
“ولأنها كانت مهتمة بما يفعله الكبار في الفراش، تبعت كيْسِل إلى سوق الشارع الأحمر، واختبأت تحت سريره وقفزت في منتصف الطريق لتسأله عن أفكاره…”
*(…احا؟)*
ضحك تاليس على هذه الحكايات.
“فقط ولي العهد ميدير كان بإمكانه السيطرة عليها،” هزَّت إيليس رأسها، “حتى مع ذلك، تمكَّنت كونستانس من التفوق عليه. نجحت في وضع رذاذ الفلفل مؤخر التفعيل على كرسيه المتحرك. في النهاية كان شبحاً لنفسه وشارك في المؤتمر الإمبراطوري ليوم كامل دون أي تغيير في تعبيره…”
كان تاليس لا يزال يضحك، لكنه أدرك شيئاً وتجمَّد.
“عمتي إيليس، لقد ذكرتِ…” عبس تاليس وقال بهدوء: “ميدير… كرسيه المتحرك؟”
غرق الجو بينهما.
بعد ثوانٍ قليلة، عبست إيليس. “ألم تعلم؟”
ضيَّق تاليس عينيه.
“صحيح،” أطلقت إيليس تنهيدة طويلة، “إنه تاريخ عتيق على أي حال، ويتعلق بأولئك الذين رحلوا، من الطبيعي أنك لم تعلم”.
نظر دوق بحيرة النجوم حوله دون وعي. أدرك متأخراً أن منحدرات واسعة قد بُنيت على جميع السلالم في قصر مينديس.
يبدو أن… تلك لم تكن مجرد زينة؟
“وأيضاً…” تكلَّمت إيليس بهدوء وهي تحدق في الفضاء. في تلك اللحظة بدا وكأنها قطعت ضوضاء العالم الخارجي وانغمست في الماضي.
“على الرغم من أن ابتسامته كانت دائماً الأكثر دفئاً، والأكثر رعاية، والأكثر غفراناً، والأكثر شفقة تجاه الجميع، على الرغم من أن كتفيه كانا دائماً الأكثر متانة، يدعمان، يرفعان ويحمييان الجميع،”
“على الرغم من أنه كان متعاطفاً ولطيفاً جداً، لم يستطع أحد حقاً… فهم ألمه،”
استدار تاليس ونظر إليها في صدمة.
“هذا صحيح،”
“تعرَّض ولي العهد ميدير لحادث في رحلة عندما كان صغيراً،” واصلت إيليس بفتور، “منذ ذلك الحين، كان لديه مشاكل في ساقيه ولم يستطع المشي جيداً،”
“واضطر لاستخدام كرسي متحرك لبقية حياته”.
ماذا؟
ذُهِلَ تاليس.
ميدير جاديستار.
المالك السابق لـ قاعة مينديس.
وريث العرش الأسمى سابقاً، الأمير الحكيم الذي نال إشادة واسعة.
كان…
ولي عهد على كرسي متحرك؟
تذكَّر تاليس ما حدث في وقت سابق، كيف رفعه كيْسِل من الأرض.
إلى جانب كلماته الباردة.
بصفتك من سُلالة الجاديستار، حتى لو أصاب العَجْزُ ساقيك…
إياك أن تجثو أَبداً.
لا سيَّما…
هنا.
في الثانية التالية، دون توقف، تبعوا الملك والملكة وخطوا إلى قاعة الولائم.
لينضموا إلى طوفان من الناس في بحر من الفوضى العارمة.
ومتأخرين عن الملك بعدة خطوات بينما كانوا يتَّجهون نحو قاعة الولائم تحت حراسة مشددة.
إن أعجبتكم الترجمة، أتمنى منكم دعمي بالدعاء لأهلنا وإخواننا في فلسطين والسودان، جزاكم الله خيرًا.
تمت ترجمته بواسطة RK الـ卐
✨ عضوية مميزة في فضاء الروايات ✨
🚫📢 تخلّص من الإعلانات المزعجة
💖 استمتع بتجربة قراءة سلسة ومميزات حصرية مقابل مبلغ رمزي
📌 ملاحظة: أرسل اسمك في الموقع عند الدفع ليتم تفعيل العضوية ✅
جميع ما يتم ترجمته في الفصول منسوب إلى المؤلفين، ونحن بريئون من أي معانٍ تخالف العقيدة أو معانٍ كفرية وشركية.
هذا مجرد محتوى ترفيهي فلا تدعه يؤثر عليك أو يلهيك عن دينك.
استغفر اللـه وأتوب إليه.