سلالة المملكة - الفصل 533
📏 حجم الخط
✍️ نوع الخط
🎨 الخلفية
🖥️ عرض النص
دعم سلالة المملكة لزيادة تنزيل الفصول :
سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم
الفصل 533:الشَّوكة الحديديّة – سكينة العاصفة
في اللحظة التي كان فيها تاليس لا يزال متعجبًا من مبالغة الفيسكونت باترسون في حركاته، عاجزًا عن استيعاب ما وراء تلك الكلمات من مغزى، جاءه صوت غيلبرت من خلفه، يقطع عليه خيط التأمل.
“يا صاحب السعادة، فيسكونت باترسون!”
“لقد أُعِدَّ لك مقعدٌ مَحجوز في قاعة الوليمة، إنْ رغبتَ…”
كان غيلبرت منشغلاً باستقبال علية القوم من الجانب الآخر، من أرباب الصناعة وكبراء المسؤولين الوافدين من العاصمة، لكنه ما إن أدرك ما جرى هنا حتى أسرع نحوهما.
لكن باترسون لم يُعِر كلماته انتباهًا، بل ألقى نحوه نظرةً باردة وقال:
“لا حاجة، يا فتى كاسو، فقد جئت لأجله.”
وأشار برأسه نحو تاليس.
ثم انحنى الفيسكونت ثانيةً أمام الأمير، بانحناءةٍ واسعةٍ أثارت دهشة الحاضرين حتى كأنّ الأنفاس احتبست في الصدور، قبل أن يُعينه الخدم إلى داخل القاعة.
تنفّس تاليس ورفاقه دوايل وغلوف الصعداء، بينما ظل غيلبرت يحدّق في ظهر الرجل المنصرف، وقال بلهجةٍ تلوح فيها الحسرة:
“إنّ باترسون أحدُ أكثر أفراد نجوم السبع تفرّدًا، نادرًا ما يحضر المجالس والمناسبات، فلقد تقدّم به العمر، ولم يعد يأبه لما يُقال.”
“لكن يبدو أنّه اليوم بدأ يُفكّر في خَلَفه.”
ألقى تاليس عليه نظرةً متسائلة، فاستطرد غيلبرت:
“أحد أبنائه في حرسك، يا صاحب السمو، إنه نائب رئيس الحرّاس الثاني، غراي باترسون.”
حينها أدرك تاليس المعنى، وهزّ رأسه بتفهم.
ومع توالي وصول الضيوف تباعًا، من أصحاب الرتب المتوسطة من النبلاء والموظفين، غدت قاعة ميندِس تضج بالحركة والحياة.
أما ماريوس وغيلبرت، فقد أرهقتهما كثرة الاستقبال، حتى إنّ الفيكونت كوني والايرل غودوين الذين دُعيا لمساعدتهما، كانا بالكاد يجدان وقتًا لالتقاط الأنفاس.
غير أنّ المفاجأة لم تكن في حضور باترسون المبكّر وحده.
“ليبارك يومك المقدّس يا صاحب السمو!”
فبمجرد أن غادر الأول، ظهر ضيف آخر بوجهٍ باسم وصوتٍ جهوري: فيكونت أدريان وزوجته الكريمة.
أجبر هذا الظهور تاليس على أن يطوي صفحة الراحة التي كان ينويها، وأن يستعيد بشاشته الرسمية من جديد.
قال أدريان بابتسامةٍ واثقة وهو يرمق الأمير بنظرةٍ فيها تقدير:
“لقد شببتَ عن الطوق، تبدو قويّ العزيمة، وسيم الطلعة، تُذكّرني بجلالة الملك كايسِل في عنفوانه.”
كان الفيسكونت شابًّا في مطلع الثلاثين، مفعمًا بالحيوية والطموح.
وقد علم تاليس من مطالعاته الأخيرة أن أسرته تحكم إقليم سوان الخصيب، ذي المناظر البهيّة في وسط المملكة، ما يجعلهم من أرفع بيوت النجوم السبعة شأنًا.
لذلك لم يُبدِ الأمير أي تهاونٍ في استقباله، وردّ التحايا بلباقةٍ ملوكيةٍ تليق بالمقام.
قال أدريان وهو يثبّت نظره في عيني تاليس بينما زوجته تبتسم في هدوءٍ وجمالٍ وقور:
“مهما اشتدت رياح الشمال، أو تساقطت ثلوجه الكثيفة، أو هاجت رمال الغرب، أو لَفَحَت حرارةُ الجنوب، فلن تحجب تلك العواصفُ نورَ النجوم في السماء.”
فأجابه تاليس كما علّمه غيلبرت، بصوتٍ متوازنٍ لا خضوع فيه ولا تكبّر، كأميرٍ خُلق ليتقن فنّ التوازن بين المهابة واللطف.
وحين انحنى أدريان أخيرًا وأخذ يد الأمير برفق، ثم طبع على ظاهرها قبلةً خفيفة، انتهى اللقاء بتلك اللمسة المملوءة بالمغزى.
*( احيه حتى دا مهلوس؟)*
تراجع تاليس قليلًا وهو يفرك يده بتعجّبٍ خفيف وسأل:
“لكنني لست سيّدهم، أليس كذلك؟ أعني… ليس بعد؟”
ردّ عليه دويل بشرودٍ:
“لا، ليس بعد يا سموّ الأمير.”
غير أن نظرات الحرس المريبة جعلت تاليس يتنبه.
كان دويل يبالغ في الانحناء والابتسام وهو يشيّع أدريان حتى الباب، وحتى غلوف بدا أكثر احترامًا من المعتاد.
فاستغرب تاليس وسأل:
“ما الأمر؟ أهو ذو شأنٍ خاص؟”
أجاب دوايل بعد أن حكّ رأسه بخجل:
“أوه، عذرًا يا سموّ الأمير… أتذكر اللورد أدريان؟ القائد الأعلى، رئيس الحرس الملكي؟”
فانفرجت ملامح تاليس إذ تذكّر ذاك الرجل الذي سلّمه مرسوم التكريم يوم لقائه الأول بـ السَّامِيّ كيسيل في قصر النهضة.
ثم قال متفكرًا:
“إذن، هذا الفيسكونت أدريان الذي كان معنا هو أحد النجوم السبعة، وهو أيضًا…”
أكمل دوايل بنبرةٍ مرتاحة وقد تبع نظراته إلى الخارج:
“ابنُ أخِ قائدنا الأعلى.”
عندها تنبّه تاليس لما وراء هذا التبجيل المفرط.
لكنه لم يطل التفكير في دهاليز المصالح، بل ظل ذهنه مشغولًا بأمرٍ آخر — بوادر قدومٍ غير متوقَّع، وشعورٍ غامض بأن شيئًا ما يلوح في الأفق.
ما إن همَّ تاليس بالعودة إلى قاعة الاستراحة، ليستعدَّ لاستقبال دفعة أخرى من الضيوف، حتى توقّف أمام مدخل القاعة زوجان نزلا من العربة بخطًى متباينة، يقودُهما أحد الخدم إلى حيث يقف.
رآهما الحرس من بعيد، فتغيّرَت ملامح غلوف ودويل على الفور، كأنّما ظهرت لهما نذورُ خطرٍ خفيّ.
قال دويل بقلقٍ ظاهر:
“يا صاحب السمو… أرى أنّ من الأفضل أن نعود أدراجنا، وندع الكونت *كاسِل يتولّى هذا اللقاء…”
*( كاسِل هو نفسه الكونت جيلبريت كاسو )*
تساءل تاليس وقد ارتسم الاستفهام في عينيه:
“لكنّي أعرف شعارهم… إنهم من بين السبعة السامِين… ما الأمر؟ أهناك ما يُريب فيهم؟”
قطّب غلوف حاجبيه، بينما عضَّ دويل على شفته بتردّدٍ وقال بين أسنانه:
“لم أتوقّع أن يأتي بنفسه…”
لكنّ الضيفَين لم يُمهلاهما مزيدًا من الوقت؛ ففي لحظاتٍ كانا أمام الأمير.
وبإلحاحٍ من المرأة الرفيعة الجمال التي بجانبه، قال الشاب بتردّدٍ خجول، وقد خنق الحياء صوته:
“صاحِبُ السموّ… أنا… أنا لوثر… لوثر… يسعدني جدًا… جدًا أن… أن أراك.”
أمعن تاليس النظر فيه؛
شابٌّ لم يتجاوز الثامنةَ عشرة، ملامحه دقيقة، لكن حركاته مرتبكة، وصوته متكسّرٌ في صدره، وعيناه لا تجرؤان على رفع النظر.
كان ينظر إلى أرض القاعة كما لو أن بلاطها المرصّع أكثر جاذبية من كلّ الوجوه حوله.
ومع ذلك، فقد بدا في غاية الأناقة، ثيابه فاخرة متقنة، تدل على أن يدًا أنثويّة اعتنت بكلّ تفصيل فيها.
وفيما كانت عرباتٌ أخرى تتقاطرُ على الدهليز، وصوتُ عجلاتها على الحجارة يعلو، تحوّل خجله فجأةً إلى اضطرابٍ غريب؛ إذ شدَّ على ذراع والدته، وصاح بصوتٍ متهدّجٍ كصوت طفلٍ مريض:
“أمّاه! أريد العودة! لا أريد البقاء هنا… أريد رقعة الشطرنج خاصتي…!”
تغيّر وجه المرأة على الفور، وبدت كأنّها تبتلع ريقها لتخفي اضطرابها.
كانت سيّدة في أوائل الثلاثين، بهيّة القسمات، متّزنة القامة، ذات وجهٍ ناعمٍ أرهقه القلق وثوبٍ قاتمٍ محتشمٍ يشي بوقارٍ نبيلٍ حزين.
ابتسمت لــتاليس ابتسامة اعتذارٍ لطيفة، ثمَّ انحنت على ابنها هامسة:
“ولدي، لقد أحسنت، تذكّر ما قلته لك… أنت قويّ، ولا بأس…”
لكنّ نبرتها ما لبثت أن اشتدّت، بينما ازدادت حركة لوثر اضطرابًا، وارتفع صوته بالبكاء:
“لا! أريد العودة! أريد القطع! أريد الرقعة!”
وجلس على الأرض فجأةً، لا يبالي بالحاضرين، يكرّر كلماته بعنادٍ طفوليٍّ مؤلم:
“أعود! أعود! أعود! أعود…!”
تبادل غلوف ودويل النظرات، وتقدّما فورًا ليقيما حائلًا بين الأمير وذلك الفتى المتمرد خشية أن يندفع نحوه.
حينها فقط أدرك تاليس سبب حرجهما من البداية، وفهم تلك النظرات التي سبقت وصول الضيفين.
حاولت الأم عبثًا تهدئته، تسحبه من ذراعه وتهمس له، لكنه كان كمن انفلت من قيود العقل.
وبينما كاد الموقف يتفاقم، انبثق صوتٌ هادئٌ من فوق رؤوسهم:
“لا بأس يا لوثر…”
توقّفت الأنفاس للحظة، ورفع الجميع أبصارهم نحو تاليس الذي تقدّم بخطى هادئة، مبتسمًا برفق، ودفع غلوف ودويل جانبًا على الرغم من تحذيراتهما.
جثا الأمير على ركبتيه أمام الفتى، وقال بصوتٍ وادعٍ كأنه يخاطب صديقًا صغيرًا:
“أنا أيضًا أحبّ الشطرنج… لعبة ‘صعود الممالك وسقوطها’، أليس كذلك؟”
تجمّد الفتى في مكانه، وكفَّ عن الحركة، يحدّق في الفراغ بأنفاسٍ متقطعة.
تابع تاليس بمرحٍ خفيف:
“لكني لست بارعًا باستخدام فئة السيافين، دائمًا أخسرهم قبل أن أصل إلى ترقية الفارس.”
ثم زفر متصنّعًا الضيق:
“ولا أملك أيّ قطعةٍ معي الآن… لكن، لحسن الحظ، عندي ما هو أمتع… قطعٌ جديدة.”
مدّ الأمير يده إلى صدره.
شهق غلوف وهمس بخوف:
“مولاي، تمهّل—”
لكن تاليس أخرج شارة النجمة التساعيّة المعلّقة على ردائه، رفعها أمام لوثر وقال مبتسمًا:
“أنظر، إنها مرصّعة بالكريستال، تتلألأ إذا لامسها الضوء. فيها قرصٌ دوّار يعكس الألوان باختلاف الزاوية. عدّها، كم لونًا تراها؟”
رفع لوثر رأسه بتثاقل، مأخوذًا ببريقها، يحدّق إليها كما لو كان يراها للمرة الأولى.
وأمّه، وقد فاجأها المشهد، اكتفت بالنظر صامتةً، مزيج من الدهشة والامتنان في عينيها.
قال تاليس بخفة:
“ثمّ هنا، آلية صغيرة، يمكنك أن تخبّئ بداخلها رسالة أو شيئًا… ضعها على رقعة الشطرنج، وستصلح لأن تكون فارسًا جديدًا.”
وقف ببطء، والنجمة تدور بين أصابعه، وانتصب الفتى أمامه دون وعي.
ابتسم تاليس وقال:
“أتعجبك؟ خذها.”
مدَّ لوثر يده الصغيرة مرتبكة، فتردّد الأمير قليلًا قبل أن يضيف برفقٍ حازم:
“لكن عليك أن تسمع كلام أمّك اليوم، وإلّا سأسترجعها منك.”
لم يقل الفتى شيئًا، إنما ظلّ يحدّق في الشارة بعينين واسعتين لا ترمش.
تنفّس تاليس الصعداء، ووضع النجمة التساعيّة في يده أخيرًا.
تلقّاها لوثر بوجلٍ، وانشغل يتفحّص الضوء الذي يتكسّر في بلّوراتها، ناسِيًا جموع الناظرين.
تنفست والدته بعمقٍ، كأنّ عبئًا ثقيلًا أزيح عن صدرها، ثم التفتت إلى الأمير، وانحنت بخفّةٍ مفعمةٍ بالوقار:
“سموك تاليس، لقد سمعتُ عنك الكثير، غير أنّ لطفك وحكمتك أشدّ أثرًا في النفس مما تُروى عنك من قصص.”
ثمَّ تابعت بابتسامةٍ خفيفةٍ أنيقة:
“يليق بك أن تكون صاحب هذا القصر وراعي هذه الليلة.”
ردَّ الأمير باحترامٍ مماثل:
“شاكرٌ لكِ يا سيّدة إيلينور.”
ابتسمت وهي تميل برأسها في رشاقةٍ آسرة:
“إيلينور بارني ترفع إليك تحيّتها، ولتكن أيامك مباركة، وأقدارك متصاعدة.”
تبادلا انحناءةً بسيطة، لكنّ عين تاليس سرعان ما عادت إلى الفتى المنهمك بقطعة الشارة.
ثم قال في نفسه:
“بارني… اسمٌ مألوف…”
لمحَت إيلينور نظره، فأطرقت قليلًا وقالت بصوتٍ متماسكٍ تخنقه عبرةٌ دفينة:
“لوثر لم يكتمل بعد… لكنه رغم صِغره قادرٌ على صنع المعجزات. أظنّك تفهم هذا جيدًا يا صاحب السمو.”
ابتسم تاليس، فبادَلته ابتسامةً ممزوجةً بالعزم والحزن، ثم مدت يدها اليمنى برشاقةٍ ملكية.
أمسكها الأمير ليؤدي التحية المألوفة، لكن ما حدث بعدها لم يكن مألوفًا قط.
إذ شدّت إيلينور على يده فجأة، وانحنت على ركبةٍ واحدة، بابتسامةٍ هادئةٍ لا تخلو من التحدّي:
“رجاءً، لا تأخذ الأمر على محملٍ شخصي، فحقُّ التقبيل واجبٌ على التابع لسيده.”
نزعت قفازه برفقٍ، وطَبعت قبلةً خفيفةً على ظهر يده، لينةً دافئةً لم تشبه أيّاً من القبلتين السابقتين، أقرب إلى لمسةٍ سرّيّةٍ من التحدّي الأنثوي.
ثم قالت بصوتٍ واثقٍ مائلٍ إلى الاعتذار:
“ولدي لا يستطيع أداء واجبه، فلتقم الأمُّ مقامه. إنّ آل بارني سيظلون رهن إشارتك دومًا.”
تراجع تاليس مدهوشًا، بينما نهضت هي برشاقة، تمسك يد ابنها، وتغادر بخطًى ثابتةٍ نحو القاعة الكبرى.
ظلّ يراقبها مذهولًا، لا يسمع سوى وقع خطواتها الرزين وهي تبتعد وسط النظرات المتباينة للحضور.
بعد لحظةٍ من الصمت، قال دويل بتنهيدةٍ خافتة:
“أظنّك قد شاهدت بنفسك شوكة الحديد الصغيرة…”
ثم حكّ رأسه محرجًا وأضاف متلعثمًا:
“أعلم أنّ النساء الناضجات لهنّ سحرٌ خاصّ، لكن يا سموّ الأمير، احذر فتنتهنّ…”
ضحك تاليس بخفةٍ ليمتصّ الحرج، لكنه سرعان ما تساءل بجديةٍ مفاجئة:
“شوكة الحديد الصغيرة؟ أتعني السيّدة إيلينور؟”
هزّ رأسه ثم قال وقد تذكّر ما درسه حديثًا من تاريخ السامين:
“لا بدّ أن وراء هذا اللقب قصّة.”
فأجاب دويل وقد استبشر بالسؤال:
“نعم يا مولاي، فاللقب ينحدر من سلفتها العظيمة، الملكة إيلينور ذات الشوكة الحديديّة، التي اعتلت العرش قبل أربعة قرون، في زمن العواصف والحروب.”
ثمّ انطلق يحكي بحماسٍ:
“قادت اثنتي عشرة حربًا، ونجت من أربع انقلابات، وعاصرت ثمانية ملوكٍ سامين، وخرجت من كلّ ذلك ثابتةً كالسيف، لا يلين لها عزم. كانت شوكتها الحديدية شعارًا للقوة، لا أداةً للألم.”
أطرق تاليس مفكّرًا ثم قال:
“إذن، لِمَ لُقِّبت حفيدتها بـ‘الصغيرة’؟”
ضحك دويل بخفة:
“لأنّها حفيدة حفيدتها يا مولاي، ولأنّ العجوز الكبرى، شوكة الحديد الأصلية، ما زالت حيّة! رأيتها مرّة في قصر بارني، والسامية. ظننتني رأيت روح شجرةٍ شريرة!”
قهقه غلوف وهو يسعل لتغطية الموقف، فتابع دويل متداركًا:
“على كلّ حال، السيّدة إيلينور تزوّجت في مطلع شبابها من الفيكونت بارني، في الليلة التي سبقت السنة الدموية. كان زواجًا سياسيًّا محضًا، فالشيخ مريضٌ عليلٌ يكبرها بعشرين عامًا. مات بعد بضع سنين، تاركًا إيّاها أرملةً شابّة وولدًا غير سويّ العقل.”
تنهد وقال بأسف:
“مسكينةٌ هي، شبّت على الحُسن والفقد معًا، لا زواج يعوَّل عليه ولا عزاء إلا صبرها.”
ثم أردف ساخرًا بنبرةٍ حزينة:
“لكن من ذا الذي يجرؤ على تزويجها ثانيةً ما دامت العجوز شوكة الحديد تراقب من عليائها؟”
مال نحو الأمير وهمس كمن يبوح بسرٍّ خطير:
“وفي البلاط من يتهامسون خفيةً بأنّ ذاك الولد الذي رأيته ليس ابن الفيكونت حقًا…”
لكن تاليس كان قد انصرف بنظره عن النميمة، يتأمّل الأمَّ الراحلة نحو القاعة الكبرى، تمسك بيد ولدها وتواجه نظرات الحاضرين المليئة بالشفقة أو الريبة دون أن يطأطئ رأسها.
كانت مرفوعة الهامة، ثابتة الخطى، كأنّ بين ضلعَيها شوكةً من حديدٍ لا تنكسر.
وحين بلغَت عتبة القاعة، لمح الأمير خطوطًا رقيقةً حول عينيها أخفتها الأصباغ عبثًا، ورقبتها الناصعة المشدودة التي لم تعرف الانحناء قط.
تذكّر تاليس كلمات ذلك الشاعر المجهول الذي خَلّد ذكر الملكة الأولى:
“ما عدت أذكر إن كانت إيلينور فاتنة أم لا، ولا كم كان طولها أو لون شعرها.
كلُّ ما أعلمه أنّها، وإن غُرِزت آلافُ الشوكات الحديد في البساط من تحت قدميها، كانت تمشي فوقها في سكينةٍ ورفق.”
إن أعجبتكم الترجمة، أتمنى منكم دعمي بالدعاء لأهلنا وإخواننا في فلسطين والسودان، جزاكم الله خيرًا.
تمت ترجمتها بواسطة اللطيف RK
✨ عضوية مميزة في فضاء الروايات ✨
🚫📢 تخلّص من الإعلانات المزعجة
💖 استمتع بتجربة قراءة سلسة ومميزات حصرية مقابل مبلغ رمزي
📌 ملاحظة: أرسل اسمك في الموقع عند الدفع ليتم تفعيل العضوية ✅
جميع ما يتم ترجمته في الفصول منسوب إلى المؤلفين، ونحن بريئون من أي معانٍ تخالف العقيدة أو معانٍ كفرية وشركية.
هذا مجرد محتوى ترفيهي فلا تدعه يؤثر عليك أو يلهيك عن دينك.
استغفر اللـه وأتوب إليه.