سلالة المملكة - الفصل 27
لاتنسو الدعاء لأخوتنا في غزة ❤️
الإعدادات
Size
A- A+Font
لون الخلفية
دعم سلالة المملكة لزيادة تنزيل الفصول :
الفصل 27: صديق قديم
“تركت هنا جثث السيوف الثمانية الذين كانوا يحرسون السيد تاليس عندما وقع الحادث. هذا ليس فقط من باب الاحترام ولكن أيضًا لأن الأمور كانت ملحة. لم نلمسهم البتة، وهم في نفس الحالة التي كانوا عليها حين وقوع الحادث.”
تحدث جيلبرت إلى جينس، من كان لها تعبيرٌ مهيب، في الممر في الطابق الثاني من قاعة مينديس، أمام الجثث الثمانية، وقف يودل بهدوء بجانبهم.
“ستة منهم هم من ذوي المهارات العالية بين السيافين العاديين، ويتمتعون بالكثير من الخبرة القتالية وفي وسعهم الوصول إلى الطبقة العليا. الاثنان الآخران كانا نخب حقيقية في الطبقة العليا. قُطعت شرايينهم السباتية جميعًا بسلاح حاد غير منتظم.”
مشى جيلبرت نحو إحدى الجثث وقرفص وهو يضغط على رقبة إحداها. رأي جرح مروع ومخيف. تغير لون الجرح وتصلب الدم.
“وفقًا لتقديرنا المبدئي، قد يكون القاتل من نخبة الطبقة الفائقة. لأن يقدر على ضرب هؤلاء الثمانية حتى الموت في جزء من الثانية، لا بد من أن له مهارات بارعة وقوة فائقة. حتى يودل عجزعن اللحاق به.
“والشخص لديه أيضًا قدرة مخيفة عندما يتعلق الأمر بالاختباء. شددنا الحراسة على كافة المداخل والمخارج حالما اُقتحمت القاعة، ومع هذا تمكن من التسلل، ولم يلاحظ يودل أي شخص هناك.”
تكهن جيلبرت بتعبير قاتم. أخرج ساعة ميكانيكية من صدره ونظر إليها، كانت السادسة والنصف مساء.
القمر كان يرتفع.
كانت حواجب جينس مجعدة بإحكام وشفتاها الساحرتان إلى حد كبير أيضًا، مما يبرز الشامة بجوار فمها. عقدت ذراعيها فيما تأملت بعمقٍ لمدة، ثم فجأة رفعت يديها وأصدرت صوت طقطقة بأصابعها.
“اخلعوا خوذهم.”
طلب جيلبرت من الحراس القيام بذلك بنظرة واحدة، وتقدم الحراس القلائل بجانبهم في نفس الوقت وخلعوا الخوذات من علي الجثث.
سارت جينس إلى الأمام بحذائها الرسمي الأنيق ذي الكعب العالي وركعت على ركبة واحدة. راقبت بعناية كل وجه من وجوههم.
كانت الشرايين السباتية تنزف بغزارة. ماتوا فورًا، ربما كافحوا قليلًا على الأرض عندما رأوا القاتل.
تحدثت جينس بعناية وهي تنحني كي تمعن النظر إليهم: “تعبيرات كل واحد منهم مختلفة قليلاً. هؤلاء الأربعة مستلقون على ظهورهم وتعابيرهم متطابقة – الغضب، والبغض، والاستياء. من المحتمل أن الفرصة لم تتح لهم للرد قبل أن يتعرضوا لضربة قوية أودت بهم. فقط أولئك الذين لم يعرفوا الحقيقة قبل موتهم سيشعرون بهذا النوع من السخط والاستياء.
“في المقابل، هذان الشخصان يرقدان على جانبيهما. تعابيرهم مذهولة؛ ربما كانوا يعرفون أن الضربة القاتلة كانت قادمة وحاولوا الرد ولكن دون جدوى، مما أسفر عن الصدمة والارتباك، وفيما هم يكافحون على الأرض، كان هذا التعبير مُركّزًا على وجوههم.”
“ربما كان الأخيران هما الأكثر قدرة. أحدهما مستلقٍّ على ظهره والآخر جالس على الحائط. تعبيراتهم أدق مقارنة بالستة السابقين. المستلقي نادم ومتألم.أما الجالس فتعابيره كانت ارتياح واستسلام. لقد بذلوا قصارى جهدهم للرد أيضًا لكنهم أخفقوا، ومع هذا فمن المحتمل أن يكونوا آخر من مات وكانوا قادرين على رؤية القاتل، لهذا السبب قبل وفاتهم شعروا بالندم والذهول من هوية قاتلهم. بعبارة أخرى، كان بإمكانهما الرد ردًّا فعالًا إذا كانا يعرفان هوية الأعداء سلفًا.”
نهضت جينس بتعابير باردة وعقدت ذراعيها. تحدثت بثقةٍ وهي تنظر إلى جيلبرت الذي كان يبدو عاجزًا قليلاً بجانبها: “القاتل ليس من النخبة من الطبقة الفائقة! إذا كان القاتل شخصًا قويًا من الطبقة الفائقة، إلى درجة أنه لا يُهزم، فإن تعابير آخر شخصين كانت لتعبر عن اليأس والرعب. ربما استخدم القاتل مهارة أو قدرة ذهنية أو جهازًا خاصًا. هاجم هجومًا إستراتيجيًّا أقوى منهم أولاً قبل الانتقال إلى الستة الأضعف، ثم بعد سقوط أقوى اثنين، أتيحت لهم فرصة رؤية القاتل وطريقة قتله لهم.”
“على الرغم من أن القاتل لم يصل بعد إلى الطبقة الفائقة، إلا أنه سريع جدًا. ربما يكون بنفس سرعة أو حتى أسرع من نصف الطبقة الفائقة. ولكن، نظرًا لأنه لم يصل بعد إلى الطبقة الفائقة، فعندما يتعلق الأمر بقتل الناس، ما يزال يتعين عليه القيام بذلك تسلسليًّا.”
سار يودل إلى الأمام وقرفص أمام الجثث كما لو أنه يتحقق من كلمات جينس.
من ناحية أخرى، نظر جيلبرت إلى المرأة التي أمامه بذهول، كأنه ينظر إلى الفتاة الشابة المتحمسة في قاعة المحكمة منذ عشرين عامًا… والشاب المبتهج قليل الخبرة الذي كان دائمًا يقف خلفها.
تنهد من أعماق قلبه وسار أمامها.
“أعلم أنك يا سيدة جينس كنتِ ضابطة الشرطة الأبرع في العاصمة، وشاركتِ في التحقيق في مذبحة العائلة المالكة في “السنة الدموية”، وتعقبتِ صوفي الرياح، حتى دائرة المخابرات السرية في المملكة كثيرًا ما طلبت عونك. استنتاجاتك رائعة للغاية وحادة كما كانت منذ سنوات.” قال جيلبرت بهدوء ويديه خلف ظهره. أ: “مهمتنا العاجلة الراهنة هي استعادة هذا الطفل.”
فكرت جينس وألقت عليه نظرة سريعة.
’ضابطة الشرطة الأبرع؟‘ كانت تحكم وفاق قبضتيها دون أن تدري. ’ضابط شرطة؟ هراء.‘
ومع هذا، فإن السيدة الساحرة لم تظهر أي عاطفة، بل، ومن باب العادة، لمست الشامة على الجانب الأيمن من شفتيها بيدها اليسرى
و كان رأسها مسندةعلى يدها اليمنى. ضحكت بخفة: “الرجال هم في الواقع مثال للإهمال والتهور.”
ضيَّق جيلبرت عينيه وقلب قبعته قليلاً لإظهار حيرته.
“ألم أوضحها بما فيه الكفاية؟” خفضت جينس يديها وخطت خطوات كبيرة وجريئة إلى الأمام. أشارت إلى الجثة أمامها وتحدثت بثقة: “كان هذان الحارسان من الطبقة العليا الأقوى. وقفا معًا وكانا أول من تعرضا للهجوم، وكان هذان الشخصان التاليان، والأربعة الآخرون كانوا آخر من تعرض للهجوم. ومع هذا كان ترتيب وفاتهم عكس ذلك. قاتل أقوى اثنين حتى النهاية ورأوا القاتل. أريد فقط أن أعرف المواقع التي كانوا فيها قبل تعرضهم للاعتداء، بعدئذٍ يمكنني تتبع المسار وتحديد نقطة دخول القاتل.”
“اختلطت كمية النزيف الغزيرة بكل بقع الدم، مما وعَّر العثور على الطريق حيث كافح الحراس قبل موتهم. ولكن استنادًا إلى الوقت الذي بدأت فيه الشرايين تنزف، والوقت الذي استغرقه سقوطهم وكفاحهم على الأرض، يمكن رسم دائرتين مركز كل منهما هو أقوى حارسين. ستكونان عبارة عن نطاق حركة جميع الحراس قبل تعرضهم للكمين، وحتى وفاتهم.”
“لا تنسوا أن أقوى اثنين من الحراس تعرضا للاعتداء بنفس النوع من الأسلحة في نفس الوقت تقريبًا. مما يعني أنهما كانا يقفان معًا قبل مهاجمتهم.”
“وبالتالي ، فإن نقطة التقاطع بين هاتين الدائرتين ستكون الموقع الذي نصبت فيه الكمين. ولكن هناك دائرتان ، وبالتالي ، نقطتا تقاطع. واحدة فقط من نقاط التقاطع هي الإجابة – الموقف الحقيقي الذي تعرض فيه هذان الاثنان للاعتداء ، والموقف الذي تدخل منه القاتل “. بنظرة مركزة ، تتبعت جينز الأشكال بخطواتها أثناء سيرها. ما قالته جعل جيلبرت ويودل يراقبانها بجدية.
“بناءً على نظرة اثنين من أقوى الحراس قبل وفاتهم، بعد قتل الجميع، ذهب القاتل إلى هذا الموقع. أظن أن هذا كان أيضًا حيث وقف الطفل.”
“استنادًا إلى النقطة الأخيرة للقاتل حيث كشف عن نفسه…” مشت جينس نحو الموقع وبدأت في اتخاذ خطوات إلى الوراء قبل المتابعة: “…وبناءً على ما تعرضوا له في الكمين، يمكننا أن نعثر على المسار الذي سلكه القاتل.” تحركت جينس ببطء خلال تلك الجثث قبل أن تعود إلى الجثتين اللتين كانتا في السابق الأقوى في مجموعتهما. “نهاية المسار تربط الموقع بين هاتين الدائرتين. أقرب نقطة بينهم هي نقطة التقاطع هذه!”
تحركت جينس خلال هذه الجثث المنتشرة في كل مكان ووقفت في النهاية على بقعة واحدة من مشهد القتل بنظرة شرسة في عينيها. “هذا هو المكان الذي هوجم فيه أقوى شخصين بالبداية. بعبارة أخرى: كان المكان الذي تسلل إليه القاتل، وأيضًا المكان الذي هاجم منه أولاً!”
خطى جيلبرت بضع خطوات سريعة إلى الأمام قبل أن ينظر حوله.
تحدث ببطء: “هل تقولين أن القاتل ظهر هنا فجأة؟ هاجم المرتزقة بالفعل حتى هذه النقطة، لكن هذا مستحيل؛ هذا المكان ما يزال بعيدًا كل البعد عن السلالم. لم يكن للقاتل مكان يختبئ فيه عندما كنا ننظف الفوضى.”
ضحكت جينس ضحكة خافتة أخرى مليئة بالازدراء. فقط يودل سار للأمام بهدوء وأشار إلى إناء صغير مزخرف على الجانب.
كان هذا النوع من المزهريات شائع الاستخدام في الممرات، ولكن وحدها هذه المزهرية هي الأقرب إلى جينس.
تحت نظرة جيلبرت الحائرة، تحركت جينس بسرعة للأمام واستولت على المزهرية ثم حطمتها دون تردد!
*قعقعة!*
جثت بهدوء والتقطت كسرة من المزهرية. بمجرد أن دققت في الأمر، مررت بإصبعها عبر الجانب الداخلي للقطعة المحطمة برفق، ثم أظهرتها إلى “الرجلين عديمي النفع”.
صُدم جيلبرت لمَّا رأى أثر دماء حمراء على إصبع جينس! جثم يودل أيضًا والتقط بعض القطع المحطمة – على الجانب الداخلي لقطع المزهرية الأخرى بقع دماء صغيرة أيضًا.
“لم يكن لديه مكان يختبئ فيه؟” أطلقت جينس ضحكة ساخرة، مما تسبب في إحراج جيلبرت.
“إذًا…” تلقى جيلبرت القطعة المحطمة من الإناء ، وتغير تعبيره. “هذا هو…”
نهضت جينس وبصوت الخبرة قالت: “عدد الضحايا: ثمانية. سبب الوفاة: نزيف الشريان السباتي. الجاني: أحد أعضاء عشيرة الدم من الطبقة العليا، والمعروف أيضًا باسم مصاص الدماء. سلاح القتل: مخالب أحد أعضاء عشيرة الدم…”
تمامًا كما كانت جينس تتحدث بحماس، أصيبت بالذهول فجأة عندما أصبحت على دراية بوضعها الحالي. فشدت على أسنانها وابتلعت ما تبقى من كلامها.
’بعد كل شيء، أنا لم أعد ضابطة شرطة.‘
هزت جينس رأسها وتخلصت من كل المشاعر التي لا علاقة لها بالموقف. “لذلك تسلل إلى القصر واختبأ بقدرته الفطرية على التحول إلى دماء، ثم بفضل موهبته بالوصول إلى أقصى سرعة في لحظة، قتل هؤلاء الأشخاص واختطف الطفل – بالطبع لم يفعل ذلك بقدراته الخاصة.” رفعت جينس رأسها وأدارت عينيها باتجاه جيلبرت. “هذه هي النخبة العليا التي تحدثت عنها؟”
كان جيلبرت يشعر بالحرج الشديد، لكنه كان يعلم أن هذا لم يكن الوقت المناسب لمحاولة الدفاع عن نفسه، ولهذا قرر أن يسأل بأدب وودية: “عجبًا، لقد نوَّرتني. إذن، أين الطفل؟ “
’أهذا هو تنوير؟‘ فكرت جينس بازدراء.
“عرفت ذلك، أنت أحد هؤلاء النبلاء رفيعي المستوى مع نظرة ضيقة حقًا للحياة. إذا شاهدت “قسم الاستخبارات السرية” الخاص بـ الكوكبة، وشاهدت “الغرفة المظلمة” لـ مملكة إيكستيدت، وشاهدت حراس رداء الغراب في سلالة ماني ونوكس، وكذلك “أسلوب الكاتانا” لـ الهانبوك، وأساليبهم، ستعرف عدد الأشخاص المرعبين الموجودين في الزوايا المظلمة تحت المنصة التي تقف عليها. مجرد هزة طفيفة من أصابعهم وسيعرفون كافة أسرارك.”
ثم بنظرة حادة قالت بثقة: “الجريمة عندما وقعت ، لم تكن الشمس قد غابت بعد! كان بإمكانه فقط استخدام قناع الدم للاختباء بين المرتزقة!”
“إنه عضو في عشيرة الدم ولم يصل بعد إلى الطبقة الفائقةا. هذا هو السبب في أنه لا يمكن أن يتحول إلى سائل إلا أثناء استخدام قناع الدم الخاص به، ولا يمكنه الاستمرار أكثر من نصف ساعة في هذه الحالة، ما يعني أن المرتزقة هرعوا إلى هنا في غضون نصف ساعة!”
“مجموعة من المرتزقة تندفع إلى الأمام بأقصى سرعة. فقط حي المدينة الشرقية حيث توجد قصور النبلاء، ومبنى البلدية، وتجمع التجار، والمنطقة الوسطى حيث يقع قصر النهضة على بعد نصف ساعة من منطقة الشفق!”
تنهدت جينس . أنهت هذه المرأة الناضجة استنتاجاتها وحركت يدًا خلف خصرها بدافع العادة ، لكنها لم تجد شيئًا هناك.
لقد صُدمت للحظات قبل أن تبدأ بالضحك بمرارة في نفسها: ’هذا صحيح، أنا لم أعد ضابط شرطة. لقد توقفت عن التدخين منذ مدة طويلة.‘
المتدرب الذي كان يتبعها دائمًا لتزويدها بالولاعة قد تغير أيضًا منذ فترة طويلة إلى شخص آخر.
تنهدت.
أوقفت السيدة الحكيمة سيل ذكرياتها ونظرت إلى جيلبرت.
“اتخذ قرارك أيها الكونت.”
استنشق جيلبرت بعمق وقال: “أولئك الذين سيرسلون شخصًا للتحقيق سيكونون بالتأكيد نبلاء. المنطقة في حي المدينة الشرقية ليست صغيرة، والقصور هي أنسب الأماكن لإخفاء أعضاء عشيرة الدم! على الرغم من وجود عدد كبير من القصور هناك…”
بحركة واحدة، اختفى يودل.
تراجع جيلبرت عن كلماته عند رؤية تصرف زميله الوقح. كان بإمكانه فقط أن يتنهد. “حسنًا، على الأقل تقلصت منطقة البحث.”
نظر جيلبرت نحو جينس وأومأ بهدوء إليها. سخرت جينس منه فقط.
لم يأخذ جيلبرت ذاك بعين الاعتبار، وبدأ يأمر رجاله مرة أخرى: “افتح مستودع الأسلحة وأعد تنظيم القوات. جهزهم بسيوف طرد الأرواح الشريرة الفضية! اختر ثلاثين من أفضل المقاتلين ليتبعوني. وجهتنا منطقة المدينة الشرقية !”
“اجلب المصباح معك!”
…
*فرقعة! فرقعة! فرقعة!*
استمر الدوي المكتوم في السقف، وازدادت حدته.
مسح كريس رأسه، واعتراه تعبير قلق قليلاً لأول مرة. نظر إلى تاليس بنظرة عدائية وقال لـ إيسترون: “أرسله إلى الزنزانة وأغلقهاجيدًا!”
ثم، وبدون انتظار رد فعل إيسترون وتاليس، اختفى المسن ورولانا معًا!
اعترى تعبير الدهشة إيسترون أيضًا. رفع تاليس وتجاهل نضاله وصراخه. (“مرحبًا، ما الذي يحدث! ألسنا على وشك تبادل المعلومات يا إيسترون المحترم؟” – تاليس.) ودفعه نحو السلالم الحجرية.
في الثانية التالية، سقط تاليس برأسه أولاً على الأرضية الحجرية الرطبة وهو ما يزال يشعر بالدوار.
*قعقعة!*
تجهم من الألم.
“طفل شقي! ابق هنا بسكون! سنكون قادرين على سماع كل ما تفعله!” بعد جلجلة مجموعة من المفاتيح، خيَّم السكون على المكان.
نهض تاليس وشعر بالاضطراب ولكنه مرتاح. اختفى ايسترون.
فمد يده بهدوء إلى حضنه، وفيما يتظاهر بالحك،امسكت يده على خنجر ج.ش الذي كان مقيدًا هناك.
تلا ذلك موجة من الألم. سال دمه على الأرض.
‘إنه هنا.’
استنشق تاليس بعمق، ورحب بالإحساس بالحرق في جميع أنحاء جسده.
’بهذه الطريقة، أظن أن جيلبرت ويودل سيقدران على تحديد موقعي؟‘
زفر بخفة وأرخى جسمه تمامًا، لكن فجأة أصابه إحساس بالتعب.
ارتجف الصبي وهو يزحف إلى الحائط ويسند جسمه عليه.
’تجربة اليوم قطعًا تضاهي رحلة أمس إلى سوق الشارع الأحمر!‘
لم يكن لدى تاليس الوقت الكافي لمراقبة الظروف المحيطة به إلا الآن. كان الضوء خافتًا، انبعث من شعلتين صغيرتين. كانت الأرضية الحجرية رطبة، وباردة، وقاسية. كانت الجدران المرقطة زاخرة بالخدوش والعلامات، بحواجز معدنية ضيقة ذات أقفال ضخمة بسماكة الذراع.
ركلت قدماه بعض الأغلال الصدئة القريبة وأصدرت صوت رنين. تنفس تاليس الصعداء واستلقى على الأرض الباردة.
‘بلا شك، هذه زنزانة سجن. إنه رطب و موحل ويفوح برائحة كريهة دموية.‘
’رائحة دموية؟‘
كان بإمكان تاليس أن يشم الرائحة الكريهة والمالحة في الهواء.
كان مشابهًا لما شمه في سوق الشارع الأحمر يوم أمس، لكن هذه أقوى.
خفق قلبه مع صرخات وأنين مخيف يتردد صداها من خارج زنزانته في السجن.
’آه!‘
كان تاليس خائفًا جدًا لدرجة أنه وقف!
مما يتذكره، لم يكن هو وأفلام الرعب على وفاق. شخص ما (لا يتذكر اسمه) كان مصابًا بمتلازمة توهم المراهق الدائمة وهو كان من يجبره على مشاهدتها معه.
سماها بـ “تدريب على الشجاعة”.
من التحفيز المرعب، بدأ عقل تاليس في العمل بسرعة جنونية مرة أخرى.
‘زنزانة، رائحة دموية، عشيرة الدم، صرخات وأنين.‘
عرف تاليس فجأة ما كان هذا المكان: كان “خزانة الطعام” لعشيرة الدم.
أصابته موجة من الغثيان. تنهد تاليس مرة أخرى. ربما كان عدد التنهدات التي قام بها في الأيام القليلة الماضية أكثر من الماء الذي شربه.
عندما كان على وشك الجلوس، ظهرت أصوات تلهث خافتة وخشنة فجأة من جانبه.
“هاه! هاه! آه!”
كان خائفًا جدًا لدرجة أنه زحف بضع خطوات في الاتجاه المعاكس.
’من فضلك توقف عن تخويفي.‘
ربت تاليس على صدره بتوتر وقلق، ثم أدرك أن زنزانته في السجن لم تكن غرفة فاخرة منفردة.
تحرك تاليس ببطء نحو مصدر صوت اللهث. تحت الضوء الخافت، كان يرى شكلاً بشريًا، ملقى على الأرض يرتدي أغلالًا ثقيلة، ويلهث بألم.
“قرف…”
في الظلام ، بدا الأمر كما لو أن السجين لا يستطيع الكلام. كان يلهث باستمرار، صوته مليء بالألم والمعاناة.
ثبتت الأغلال معصميه بإحكام، وبدا أن أنبوبًا يمتد من داخل معصمه إلى خارج الزنزانة.
عرف تاليس ما كان ذلك.
قال إيسترون ذات مرة: “في رأيي، يجب علينا فقط ربط جهاز سحب الدم وقناة المغذيات على الفور، ثم نضعه في التابوت.”
عند رؤية هذا، تيقن من أنه جهاز سحب الدم.
“ها…” أنزل تاليس رأسه وتنهد مرة أخرى بلا حول ولا قوة.
من المحتمل أن عشيرة الدم اختطفت روحًا فقيرة إلى هنا وأصبحت مصدر طعامهم.
“آه… آخ…” وكأن السجين شعر بوجود شخص ما، كافح وتأوه.
شعر تاليس بموجة أخرى من الغثيان. بسبب الغثيان، قرر أن يفعل شيئًا ما.
“أنا آسف، هذا قد يؤلم قليلاً، يرجى تحمله لبعض الوقت.” قال بهدوء للسجين المسكين.
مد الصبي يده وأمسك بخصر السجين. تمسك بجهاز سحب الدم السميك، وسحب إبرة بكل قوته، مما دفع الإبرة التي كانت مدفونة بعمق بضع بوصات داخل وعاء دم السجين.
“آه! آخ …”اشتد نضال السجين وأنينه. استمر في إصدار أصوات يتعذر فهمها، مثل الدمدمة.
ضغط تاليس على الجرح في معصم السجين. لحسن الحظ، لم ينزف كثيرًا.
فكر تاليس باكتئاب: “بالطبع، من المحتمل أنه لم يتبق لديه الكثير من الدم أصلًا.”
عندما كان يتعامل مع رجال عشيرة الدم الثلاثة الآن، على الرغم من أن القلق والخوف انتابا تاليس، إلا أنه لم يشعر بتاتًا بالحزن.
وبدلاً منه، فإن رؤية “مصدر الدم” هذا مقيدًا بالسلاسل جعلت قلبه، لسبب ما، يثقل.
فكر باستنكار الذات: ’ربما ذلك من باب الشفقة.‘
لمس تاليس الأغلال، وعندها فقط لاحظ أن القيد كان ميكانيكيًا مصنوعًا من الحجر الأسود الباهت. كانت مغطًّى بنقوش من أنماط وكلمات معقدة، صعبة ومعقدة. ثُبتت ذراعي السجين علي صدره بحيث أجبر على عقد ذراعيه. امتد قفلان من المشابك إلى خدي السجين، مما سلبه القدرة على الالتفات. دفعه بكل قوته، أدرك تاليس أن هذا القيد الميكانيكي الثقيل ثُبت على الأرض أو أنه ثقيل إلى درجة أنه لا يتزحزح.
بدا الأمر وكأنه قيد ثقيل مُعد خصيصًا للنخبة.
اخذ يلمس تاليس بحثًا عن القفل. كان مصنوعًا من نوع من المعدن الخاص.
حينذاك، ارتفعت درجة حرارة المعدن فجأة. دخلت موجة من الحرارة الحارقة عبر القفل.
“آه!” صرخ تاليس لا إراديًّا من الألم وأفلت القفل.
عبس الولد وحاول لمس القفل مرة أخرى… حينئذٍ، ارتفعت درجة حرارة القفل. بدا الأمر كما لو أنه ليس لديه طريقة لفك الأغلال. كافح السجين ببطء.
بالنظر إلى كفاحه المؤلم ومعاناته، شعر تاليس بعدم الارتياح الشديد. ومع هذا لم يسعه سوى التراجع بهدوء إلى الجانب والجلوس على الحائط.
عندما تحرك تاليس، لم يعد ضوء الشعلة خارج زنزانة السجن بعيداوكان يضيء مباشرة على وجه السجين. رأى تاليس الشخص المثير للشفقة بوضوح. كان جسده مغطى بالجروح. كانت الملابس الرمادية على جسده ممزقة وقذرة.
كان معاقًا أيضًا ساقيه من الركبتين الي اسفل لم تكن موجودة. كانت رقبته أكثر ترويعًا، فقد تشابك اللحم والدم هناك وكان لونه أسود أرجواني مرعب. كان الأمر كما لو أن حلقه أصيب بجروح خطيرة. ربما كان هذا هو سبب عدم قدرته على الكلام.
لمس تاليس رقبته، متذكراً كيف خنق مرتين والألم الذي صاحبه، لم يستطع إلا أن يرتجف.
نظر إلى السجين، فكر بهدوء: ’يا له من شخص يرثى له. أن يقدر على العيش حتى الآن رغم كل هذه الإصابات، إنها معجزة.‘
كان تعبير السجين مبالغا فيه. التوت تعابير وجهه وهو يلهث، كما لو كان يعاني من ألم شديد، لكن لم يكن بإمكانه إلا أن يشتكي بشدة.
غطى شعره الأخضر القصير نصف وجهه.
غطى وشم غريب النصف الآخر من وجهه.
“اه…” واستمر في الشكوى من الألم.
‘انتظر.’
تذكر تاليس على حين غرة. تعرف على الوشم على وجه الشخص.
أدرك تاليس فجأة أن هذا الشخص الذي كان يشاركه زنزانته، وهو يلهث ولا يستطيع التحدث، كان “صديقًا قديمًا” له.
إنه “صديق قديم” اصطدم به هو وجالا سلفًا في سوق الشارع الأحمر منذ وقت ليس ببعيد…
ميديرا رالف.
واحد من أفضل اثني عشر مقاتل في عصابة زجاجة الدم. المحارب الروحي الذي كان خبيرًا في التلاعب بالريح.
أحد أهم المقاتلين النخبة…
“تابع الرياح الوهمية” – رالف.
تدقيق:Dark_reader