سلالة المملكة - الفصل 20: كوكبة حمراء (1)
لاتنسو الدعاء لأخوتنا في غزة ❤️
الإعدادات
Size
A- A+Font
لون الخلفية
دعم سلالة المملكة لزيادة تنزيل الفصول :
الفصل 20: كوكبة حمراء (1)
المؤامرات والحيل. الشر والقبح. يولد الكثير منهم في غرف سرية كامنة في الظلام.
ومع هذا فإن تزوير المؤامرات في وضح النهار جائزٌ أيضًا.
كما الآن.
باقتراب فصل الشتاء، في ظهر السادس عشر من نوفمبر، في مزرعة خيول فسيحة، وقف نبيل مسنٌّ ضخمٌ وبدينٌ تحت مظلة يرتدي رداء سميكًا من فرو المنك*. أطرق رأسه وأبدى سيماء عابسة.
*حيوان لاحم يتواجد في أمريكا وأروبا. معروف بجودة فروه وارتفاع ثمنه.
أجبر نفسه على الإنصات إلى كلام نبيل آخر على يساره فيما يشاهد مدربي خيولٍ يؤدون عملهم. ثم بعد مدةٍ طويلةٍ تنهد بتأنٍّ وهو يرى حصانًا عاصيًا من بعيد، جعد شفتيه.
“ما نوع الكنز الملكي الذي اختفى والذي يستدعي لملكنا الموقر إغلاق قاعة مينديس إلى أجلٍ غير مسمًّى؟ يا للأسف؛ ذاك أني اعتزمت زيارتها الأسبوع المقبل لإلقاء نظرة على عمل السيد كولفن بعد وفاته.”
كان النبيل بجانبه أصغر سنًّا وأبدن، وله سيماء مرتاحةٌ. رفع أنبوب الخشب في يده بسهولةٍ وبدون عناءٍ وترك جرُّهُ أثرًا عميقًا. تحدث بمرحٍ وهو ينفث حلقاتٍ من الدخان: “فضلًا عن أن جيلبرت هرع ليلًا إلى قاعة مينديس ليبلغ جلالة الملك عن حالة معركة العصابات في أحياء المدينة السفلى.”
“جديًّا؟ منذ متى يكترث ملك القبضة الحديدية الموقر بمصير المنبوذين في أحياء المدينة السفلى؟ لو أن جلالة الملك عامل شعبه بنصف كرم ولطف ملكنا الراحل أيدي…” لامس النبيل الضخم فخذيه بكراهية واستياء عميقين في حين سقط حصان هائج على مقدمته.
“…هل كان من الضروري أن نلتقي في مزرعة خيول؟”
“لا بد من أن فصيل الملك يخطط لشيءٍ ما، تيقن من أنه ليس بالأمر التافه… لعله شيءٌ من شأنه قلب النتيجة بضربة واحدة.” أشعت نظرة الشاب النبيل بالطاقة.
“إن قاعة مينديس مكان جيد. بعد أن فقدت كنزًا ملكيًا، والذي آمل ألا يكون عمل السيد كولفن الفني، قطعًا شُددت حراستها.” أثار النبيل المسن بغتة شيئًا لا معنى له.
ومع هذا أومأ الشاب النبيل برأسه في موافقةٍ، وأضاف: “لدي أيضًا أخبار تفيد بأن جيلبرت تلقى أمرًا بالتقصي عن الحقيقة وراء عملية السطو، وسيكرر بذلك زيارة قاعة مينديس. بوجوده فحتى النسر الأبيض عاجزٌ. لنا أن نحقق، لكن ينبغي ألا نتهور. علينا باللف والدوران لتعطيل خططهم.”
استنشق الشاب النبيل جرعة أخرى من تبغ فيزولا من الدرجة الأولى، التي لا يُنتج منها سنويًّا سوى ستمائة رطل. استمتع به للحظةٍ ثم نفث حلقة دخان مثالية.
“ستبلغ مجموعةٌ دبلوماسيةٌ من إيكستيدت أراضي مملكتنا الشهر المقبل.” كشف وجه النبيل العجوز عن قلقٍ حقيقيٍّ حينئذٍ. أردف: “ها … لم يكن من اليسير على مملكة الكوكبة وإيكستيدت بلوغ حالة من التصالح.”
“هذا صحيح.” عجز النبيل الشاب، مقارنة بالمسن جواره، عن الاحتفاظ برباطة جأشه؛ إذ أظهر عدوانه وإرادته وروحه، فقال: “إذا وقع أي حادث للمجموعة الدبلوماسية داخل أراضي مملكتنا فمن الجائز أن يضطر جلالة ملكنا إلى التصرف تصرفًا سلبيًّا عندما يواجه ضغوطًا من داخل المملكة وخارجها.”
“إذا لم يعامل جلالته الأمر معاملةً مناسبةً…” شاهد النبيل العجوز الحصان وهو ينهض. تنفس الصعداء، وارتشف الشاي، وتحدث باستسلام: “ها… كما هو متوقع، مملكة وراثية مثل مملكتنا، إنها مملكة متخلفة.”
التزم الاثنان الصمت لبرهةٍ.
استدار النبيل المسن بجسده وسأل مشتتًا: “ما الذي يحدث في المنطقة الغربية؟”
“لا تسألني يا سيدي؛ ذاك أنك على درايةٍ بأني أمقت الصوفيين أكثر من سواهم.”
“لك ذلك. إذًا، هل سنتحدث عن عصابة أخوية الشارع الأسود؟”
فجأة استاء وجه النبيل الشاب، وقال: “ما زالوا يأبون الكشف عن أي شيء. رغم نشوئهم منذ عشر سنوات فقط، إلا أن غرورًا كبيرًا نما فيهم. ينبغي لثقتهم في مؤيدهم، أياً كان هذا المؤيد، أن تعلو على ثقتهم في “نجمنا الجديد”.”
“لا تزدر الشباب.” ابتسم المسن ردًّا. تألقت عيناه بالحكمة والحذاقة، فيما استرسل: “عندما يقترف الأطفال أشياء مرعبة، فهذا رعب حقيقي.”
…
مقارنة باللمحات الخاطفة التي أخذها في اليوم السابق في الليلة السابقة زُهاء الفجر، بدت قاعة مينديس الآن أكبر وأروع، وبالطبع أفرغ في فينة ما بعد الظهر في أعين تاليس.
يضم الطابق الأرضي ردهة كبيرة وقاعة حفلات كبيرة وحديقة في الهواء الطلق. جُهز المكان أيضًا بحجرة غسيل كبيرة ومخزن في الطابق السفلي، وحتى مستودع للمعدات العسكرية.
بغض الطرف عن الشرفة في الهواء الطلق، حيث يمكن رؤية منظر كامل للحديقة الخارجية (“نظرًا لاعتبارات تتعلق بسلامتك ، لا أوصي بأن تظهر على الشرفة أو في الهواء الطلق خلال الشهر الجاري.” – جيلبرت) ، كان الطابق الأول الضخم يحوي غرفًا ثلاثًا فسيحةً لها استخدامات مختلفة – قاعة الولائم النبيلة، وقاعة التجمع، وغرفة الألعاب. وأيضًا غرف ذات أحجام مختلفة.
كانت الممرات والمخارج ومداخل الطابق الأرضي والطابق الأول مليئة بالحراس المدرعين الموقرين، تمركز سائرهم وهم يتبعون بروتوكول حارس واحد كل عشر درجات. كانت وجوههم مخبأة خلف خوذات تغطي الوجه بأسره، وبدا كل واحد منهم مرعبًا مثل التماثيل الكبيرة (“على الرغم من أن سيافي الإبادة ينتمون إلى عائلة جاديستار خاصةً، إلا أني ما زلت لا أوصي بنكز بطونهم، سيدي الشاب تاليس”. -جيلبرت). ومع ذلك، من بعيد، ما تزال قاعة مينديس تبدو هادئة وفارغة بشكل مخيف.
كانت غرفة المعيشة وغرفة النوم وغرفة الطعام وغرفة الدراسة -حيث تجري الدروس- في الطابق الثاني. يمكن الوصول إلى الطابق الثاني فقط من الطابق الأول، بسلالم هائلة الكم. فضلًا عن أن ثمانية سيافي إبادة مستعدون ويحرسون المكان بحرصٍ كبيرٍ، ويتناوبون كل ست ساعات. أما بالنسبة للمنطقة الواقعة خارج النوافذ والسقف، فقد قيل أن فيها أيضًا حراسًا تمركزوا في الهواء الطلق (“لا داعي للقلق حيال التهديدات من وراء النافذة ما دام يودل بجوارك”. -جيلبرت).
أُخذ كل طبق، من البروكلي والخبز إلى اللحم البقري والماء العادي، من غرفة الغسيل الخاضعة لحراسة مشددة ومخزن الطابق السفلي حيث أُعدَّا (“أستميحك، ليس عندي أي وسيلةٍ لضمان نضارتها.” -جيلبرت). كان على الأطباق منذ تُطهى إلى ميعاد تسليمها أن تُذاق لضمان خلوِّها من أي سم.
’إن إجراءات السلامة والأمن هذه تفوق الخيال البشري. يبدو أنني أهم بكثير مما أحسب. هل ينبغي أن أقول شيئًا مثل: “كما هو متوقع من الطبقة الحاكمة”؟‘
’أتساءل عما إذا كانت جالا قادرة على التسلل بمهاراتها. ماذا عن الصوفي؟ على سيرة هذا…‘
“لا، هذا غير وارد. أعتذر عن رفضي يا سيدي الشاب.”
رفع تاليس رأسه لينظر نظرة استنطاق إلى جيلبرت.
هز جيلبرت رأسه بقوة: “كل ما يتعلق بك هو طي الكتمان في الوقت الراهن. اعذرني على تحدثي بصراحة. لقد أغلقنا بالفعل قاعة مينديس. يقتصر تواصلنا بالعالم الخارجي على عدد قليل من حفظة القسم الموثوق بهم. في ظل هذا الوضع فإن إرسال العائلة المالكة فجأة بالقوات إلى عصابة في منطقة المدينة السفلى بحثًا عن ثلاثة أطفال متسولين مختبئين، سواء كان ذاك لرصدهم أو مساعدتهم، فإنه سيلحق بكلا الطرفين ضررًا بالغًا.”
قال بصوتٍ عميقٍ: “مع أن العصابة ليست بالشيء الجلل لنا، إلا أن الأفعال البارزة ستنبه أعداءنا الحقيقيين وتوفر لهم فرصة لاستغلال ضعفنا. لا تستهن بقدرات ذوي النوايا الخبيثة؛ إذ من شأن أدنى تلميحٍ فضحنا. لإعانة أصدقائك القدامى، أقله ينبغي لنا الانتظار… انتظار الفرصة المواتية.”
تنهد تاليس وبسر، وأكل آخر لقمة من الخبز بالزبدة – كان حلوًا ودهنيًا. أخذ كوبه على الفور وارتشف جرعة من الشاي الأحمر.
‘على الأقل الطعام أفضل بكثير.‘
“إذا كنت راضيًا عن شاي العصر…” أخذ جيلبرت بأدب لا تشوبه شائبة فنجان الشاي من جانب تاليس الفوضوي وانحنى قليلاً. وتابع: “…سنبدأ دروسنا بعد الظهر.”
الحقيقة أن جيلبرت تمتم في ذهنه وهو ما يزال مبتسمًا: ’ربما يجب أن نبدأ بآداب تناول الطعام؟‘
“ماذا عن يودل؟ أين هو؟”
“بصفته حاميًا كفؤًا، من الطبيعي أن يكون على أهبة الاستعداد في مكان قريب.”
قاوم تاليس الرغبة الغريزية في الإجالة بناظريه. اطمأن حالما علم أن يودل كان قريبًا.
وهكذا شد تاليس ربطة العنق على رقبته مما جعله يشعر بعدم الارتياح، وسار في إثر جيلبرت العابس قليلاً إلى غرفة الدراسة.
“بادئ ذي بدء يا تاليس، تحدثت إلى يودل أمس.”
شاهد جيلبرت تاليس وهو يجلس على كرسي جلدي يحدق بفضول في زخارف المكتب، خاصة الأرفف الثلاثة الزاخرة بالكتب.
“أنت طفل فريد، يسعني رؤية هذا – بناءً على تقييم يودل، والساعات القليلة التي أمضيتها معك منذ التقينا ببعضنا البعض.”
‘ها هو.’ حافظ تاليس على تعبير فضولي، لكنه شدد حذره.
“ومع ذلك، هذا بديهي – وريث الكوكبة هو بطبيعة الحال فريد.” وضع جيلبرت يديه خلف ظهره وسار ببطء نحو طاولة الدراسة المنحوتة برمز النجمة ذات التسع نقاط.
حينذاك جعلته سوالفه ذات اللون الأبيض الرمادي يبدو مهيبًا مهابة خاصة.
“أعتقد أنه نظرًا لأن القدر أعادك إلى المملكة، فينبغي أن يكون له ترتيباته الخاصة.”
نظر تاليس إلى النبيل في منتصف العمر ولم يقل شيئًا.
“أعرف عن ماضيك معرفةً سطحيةً. لا بد أن الأيام في الشوارع كانت صعبة، لكن من فضلك انسها.”
التقط جيلبرت الكتاب الذي تم وضعه منذ فترة طويلة على طاولة الدراسة السوداء. استدار وقال بجدية: “سيكون لديك هوية جديدة، وحياة جديدة، وحتى اسم جديد. ومع هذا، فإن أهم شيء هو المستقبل الذي عليك مواجهته والعبء الذي سيتعين عليك تحمله من هذا المستقبل.”
صوَّبت نظرة جيلبرت الثاقبة إلى قزحية تاليس الرمادية.
‘أنسى الماضي.’ تأمل تاليس في نفسه. نظر إلى عيون جيلبرت الحادة وأومأ بتعبير رسمي.
‘كيف يعقل هذا…؟’ سخر تاليس في خلده.
وزن تاليس كلماته وتحدث ببطء: “أفهم، ومن ثَم فما الذي يحتاج “أنا” الراهن إلى معرفته عن نفسه وعن ماضيه؟”
لم يتغير تعبير جيلبرت، لكنه أومأ قليلًا في خلده. القلق، الخوف، اليأس، كافة المشاعر التي ينبغي أن يشعر بها طفل يبلغ من العمر سبع سنوات في ظل هذا النوع من المواقف لم تبد بتاتًا.
فقط الهدوء والحذر، حتى حماسه ضئيل. إنه حقًا فريد.
’هل يعزو ذلك إلى المحن العسيرة التي واجهها في الأخوية؟ أبى يودل الشرح بالتفصيل، لكن القاتل كان مليئًا بالثناء على هذا الطفل. ومع هذا هل يمنحك الانتماء إلى عصابة في منطقة المدينة السفلى هذا النوع من الخبرة حقًا؟ أم ينبغي القول أن السلالة الملكية التي انحدرت من الإمبراطوريات القديمة، والتي يعود تاريخها إلى ما يقرب من ثلاثة آلاف عام، هي بالفعل غير عادية؟‘
’أو لعله نصفه الآخر…‘
قطب جيلبرت حواجبه قليلًا بعد التفكير، لكن النبيل المعني ما زال ينحني قليلاً.
“يا سيدي الشاب المحترم تاليس، اسمح لي أن أعتبرك على هذا النحو في الوقت الراهن. أنت في السابعة. في الخامس والعشرين من تموز (يوليو) عام 665، ولدت في ماهن مانور، التي تقع في ضواحي عاصمة الكوكبة، مدينة النجم الأبدي.”
“والدتك البيولوجية هي سيدة نبيلة، ولن يُكشف عن اسمها لأنه ليس من المناسب لنا القيام بذلك. توفيت إثر نزيف حاد أثناء الولادة. سمَّتك تاليس قبل أن تلاقي أجلها مباشرةً، أسوةً بألمع نجم في السماء.”
قطب تاليس حواجبه تقطيبًا طفيفًا.
“نشأت في كنف عائلة جاديستار السرية في ماهن مانور. كنت أنا ومسؤولة أخرى نزورك من فينة لأخرى. نشأت آنذاك باعتبارك طفلًا تبناه اللورد ماهن وهو يصطاد في الخارج، ولم تكن على درايةٍ بهويتك الحقيقية.”
“مات اللورد ماهن في العام الماضي في ديسمبر في معركة على حدود الصحاري الغربية. استعاد الملك أصوله ومناطقه بسبب افتقاره إلى وريث. في الوقت ذاته أعدتك إلى قاعة مينديس في منطقة الشفق.”
التزم تاليس الصمت واستمع إلى الرواية بأكملها.
حمل جيلبرت الكتاب في يده بإحكام: “وفي الشهر القادم، بصفتك الملك، كيسيل الخامس، الطفل غير الشرعي، عضو في العائلة المالكة للكوكبة، والقريب الوحيد الباقي على قيد الحياة من عائلة جاديستار، سوف تعلن حق المولد الخاص بك. ثم ستتعرف عليك العائلة المالكة، ومعبد الغروب، ومجلس النواب في كونستليشن معًا على أنك…”
كان لجيلبرت تعبيرٌ مهيبٌ وساهمٌ، وأمارات طفيفةٌ على القلق والحزن. استطرد: “…وريث الملك الأعلى لمملكة الكوكبة.”
زفر تاليس بخفة بعد مدة طويلة، وحدَّث نفسه: ’يبدو أن الأمر أعقد مما تخيلته.‘
“فهمت. لستُ على اطلاعٍ ببعض الأجزاء، لكنني سأحرص على تذكرها. أنا تاليس الذي نشأ في ماهن مانور، طفل اللورد ماهن بالتبني.” تلألأت عينيّ تاليس، وضم يديه قبل وضع ذقنه عليها.
تسارعت أفكاره. جمع المعلومات المشتتة مما لديه ومما قال جيلبرت، وحولها إلى معلومات ذات منفعة.
أومأ جيلبرت برأسه وجلس على كرسي جلدي مقابل تاليس. قال: “بالنسبة للأجزاء المتبقية، سأقدم لك التفاصيل لحفظها والتعرف عليها.”
“في الوقت الراهن، هذه هي مهمتك الوحيدة، وكذلك كل ما تحتاج إلى معرفته.”
’كما هو متوقع، على الرغم من أنه يحترمني كثيرًا… في أعماقه، يشعر أن لا داعي لإخبار طفل يبلغ من العمر سبع سنوات بالكثير.‘ تلألأت عيون تاليس.
“بعدئذٍ أحتاج إلى معرفة الأساسيات الخاصة بك عندما يتعلق الأمر بـ…”
فيما كان جيلبرت يفكر في الدرس الذي ينبغي أن يقدمه لتاليس بعدئذٍ، أي عما إذا كان ينبغي أن يبدأ بآداب السلوك الأساسية أو اللغات، فتح وريث الكوكبة فمه فجأة وقاطعه.
“لقد اختلقنا ذريعةً للجمهور.” رفع تاليس، الذي كان يلتف على الكرسي الجلدي، ذقنه من يديه. أشرق بصره بالضوء الساطع. أردف: “ينبغي أن يكون الوقت قد حان لتخبرني بالحقيقة، إلى جانب المأزق الذي يعيشه الملك، وأعداؤنا وحلفاؤنا المشتركون، سواء أكانوا من الجمهور أم أولئك الذين يرقدون في الظلام.”
ذُهل جيلبرت قليلاً.
“على سبيل المثال، هوية والدتي ولماذا… ينبغي عدم الكشف عنها، والحالة الراهنة الصعبة لكوكبة النجوم، لا سيما سلسلة المشاكل التي أحدثتها الخلافة الملكية.”
“ربما ينبغي أن تخبرني بكل ما سبق بالتفصيل حتى لا تنتابني أي شكوك عندما يتعلق الأمر بدروس المستقبل. سأكون قادرًا أيضًا على اختيار وتحديد أولويات المعرفة التي أحتاج إلى تعلمها. أعتقد أنه من أجل الكوكبة، وملكك أيضًا، هذا هو الخيار الأمثل.”
حالما انتهى من الكلام، انخفض فك النبيل في منتصف العمر قليلاً. نظر إلى تاليس بدهشة.
’هل تحدث معه يودل عن كل هذا؟ لا، محال.’
أرجع تاليس يديه، وانتظر بتعبيرٍ هادئٍ وبرودٍ، ولكن بعزمٍ، إجابة جيلبرت. حينئذٍ شعر جيلبرت أنه كان ينظر إلى الشاب كيسيل أيدي جاديستار.
آنذاك كانت عيون الأمير كيسيل تتلألأ مثل النجوم. لم تكن أشعة الضوء الدافئة في عينيه قد أصبحت بعد الرياح الشمالية تقشعر لها الأبدان.
ظل جيلبرت مذهولًا للحظة فقط قبل أن يخرج على الفور من ذهوله تنهيدة صغيرة: ’طفل فريد، أليس كذلك؟‘
ابتداءً منذئذٍ، أجاب النبيل في منتصف العمر على سيده الشاب بإجلال واحترام حقيقيين.
“سأشرحها لك فورًا. لتوفير الوقت اطرح أي استفسارٍ آخر لديك الآن.”
عبس تاليس قليلا: “ممتاز.” استند على الكرسي الجلدي المريح الذي لم يكن معتادًا عليه، وأضاف: “إذًا، سأكون مباشرًا.”
نشط تاليس القدرة المعرفية غير العادية لعقله، وسحب كل المعلومات ذات الصلة. بالضبط مثلما اعتاد أن يفعل عند تنظيم الأدبيات ذات الصلة لبحثه، لخص كافة النقاط الرئيسية.
“ذكرت من قبل أن مصباح السلالة كان ينعم بالفن السَّامِيّ منذ اثني عشر عامًا، لكنني أبلغ من العمر سبع سنوات فقط. لماذا أعد قومك أدوات البحث عن أقارب الدم منذ اثني عشر عامًا؟ أعتقد أن هذا يتعلق بوالدتي التي لا يمكن الكشف عن هويتها. من هي؟ لماذا تركتني مع العصابة بعد أن أنجبتني قبل سبع سنوات؟ يمكن تصنيف هذه الأسئلة تحت عنوان “من أين أنا؟”.”
“وكيسيل، والدي، ما يزال في مقتبل حياته. ما سبب انعدام وريثٍ لـ للملكة منذ اثني عشر عامًا؟ لماذا وضع كل أمل في وريث على طفل غير شرعي مجهول الأصل؟ في موقف والدي تجاهي شيءٌ خاطئٌ، ومن ثَم فإني أسأل: ما علاقته بأمي؟ لمَ هويتي سرية؟ يمكن تصنيف هذه الأسئلة تحت عنوان “من أنا؟”.”
“أخيرًا، ماذا يعني وجودي بالنسبة للكوكبة؟ بدون وريث، ما نوع المشاكل التي ستواجهها الكوكبة؟ من أعداؤنا ومن حلفاؤنا؟ بناءً على ما قلته، لمعبد الغروب دورٌ مهمٌّ في الأمور المتعلقة بي. كيف يرتبط هذا بهم؟ إذا نلت اعترافًا، أو حتى إذا ظهرت ظهورًا علنيًّا في المملكة، فما الوضع الذي سيتعين علينا مواجهته؟ ما حقوقي بصفتي ابنًا غير شرعي؟ وماذا سأرث بصفتي وريثاً؟ يمكن تصنيف هذه الأسئلة تحت عنوان “إلى أين أتجه في مستقبلي”.”
“من أين أنا، من أنا، وإلى أين أتجه في مستقبلي. أجب يا سيدي جيلبرت عن هذه الاستفسارات الثلاثة من أجلي.”
كان الأمر كما لو أن الوقت توقف حينذاك. حدق جيلبرت بشدة في الصبي إزاءه.
من العدم انبثق خليط من الدهشة والخوف في قلبه.
’الملوك المتأخرون من العصور القديمة، الملوك المتأخرون من الأبراج.‘ تنهد من أعماق قلبه. ’هل هذا الولد من ذريتك؟ أي نوع من القوة تنطوي عليها سلالتك؟!‘
بعد مدة طويلة، نطق النبيل في منتصف العمر جملةً بعسرٍ طفيفٍ: “السيد تاليس، (زفر ونظم كلماته) أنت بالتأكيد لا تشبه طفلًا يبلغ من العمر سبع سنوات.”
أدرك تاليس على الفور أن ما قاله للتو غير مناسب، لكن لا طريقة للتراجع.
’أيًّا يكن، أن تكون طفلًا معجزة وعلى دراية بأساليب العالم هو بالتأكيد أفضل من أن تكون دمية جاهلة.‘
“قال أشخاص عدة: إذا شئت التعمق بكتبي الجيدة، فسيتعين عليك صياغتها بطريقة أكثر إبداعًا يا سيد جيلبرت.” لتحسين مزاج جيلبرت، رد تاليس بعرض نادر من الفكاهة وابتسم.
لم يجب جيلبرت. نظر لمدة طويلةٍ بنظرة عميقة في تاليس.
حالما تساءل تاليس عما إذا كان الوقت متوقفًا، فتح النبيل في منتصف العمر، الذي كان لا يزال كتمثال، فمه فجأة وبدأ في الرد على استفساراته: “سيدي المحترم تاليس، أولاً، من أين أنت… بدأ كل شيء قبل اثني عشر عامًا.”
“في مارس من عام 660، على الرغم من أن الملك الراحل أيدي الثاني كان بالفعل في سن الشيخوخة، إلا أنه كان لايزال ملكًا. كان عهده طويل الأمد وثابتًا، وعرفه الناس باسم “ملك الحكم الأبدي”.”
“ومع ذلك، بسبب تمرد شرس على نحو متزايد، غرقت الكوكبة بأكملها في اضطراب غير مسبوق. حتى أنها أثرت على شبه الجزيرة الغربية بأكملها.”
“الحرب، الكارثة، المجاعة – تلك كانت قضايا ذاك العام. أشار الكثير من الناس إلى تلك السنة باسم “العام الدموي”. في خضم الفوضى وسفك الدماء، قُتل الملك ايدي. ذُبح كافة أفراد عائلة جاديستار المالكة تقريبًا.”
“من بين الأعضاء الشرعيين في العائلة المالكة، نجا ابنه الخامس فقط، الأمير كيسيل جاديستار. آنذاك كان عمره خمسة وثلاثين عامًا. في النهاية توج ملكًا. إنه والدك، كيسيل الخامس، المعروف بين الناس بـ “ملك اليد الحديدية” او “ملك القبضة الحديدية “
المترجم: الفتى الذهبي