الساحر اللانهائي - الفصل 408
لاتنسو الدعاء لأخوتنا في غزة ❤️
الإعدادات
Size
A- A+Font
لون الخلفية
ادعم رواية الساحر اللانهائي لزيادة التنزيل اليومي
الفصل 408 : القرار النهائي -8-
كان يوماً غائماً.
قام شيرون بلف الملابس ووضعها في الحقيبة العسكرية، إلى جانب مؤن غذائية جافة وأدوات إسعاف احتياطية. وعندما أمسك بالحقيبة المليئة بيده اليمنى، أدخلها إلى فتحة في مكعب التخزين (كيوبريك).
ثم وضع سيفه (أرمان) داخل جرابه وأيضاً داخل الفتحة الثانية من المكعب. بلغ الوزن الإجمالي 38.7 كيلوجرام، وكان ممتلئاً بشكل مثالي مع بقاء بعض المساحة الاحتياطية.
فحص شيرون الغرفة بعناية ليتأكد من عدم نسيان شيء، ثم نظر إلى الوقت.
بعد التأكد من اقتراب منتصف الليل، أخرج رسالة مايا من درج مكتبه وقرأها مرة أخرى.
كان إعجاب مايا بشيرون قد بدأ منذ يوم عرض “أبحاث العلوم الروحية الخارقة”. شعرت وكأنهما مقدران لبعضهما حين وقفا وجهاً لوجه في حفل استقبال طلاب السنة النهائية.
كانت مايا قد كتبت في رسالتها المؤلفة من أربع صفحات أنها كانت تمزح جزئياً عندما سألته “من الفتاة التي تود تقبيلها؟”، لكنها كانت تأمل سراً أن يختارها. كانت رسالتها تعبر عن مشاعرها بصدق، دون تزيين أو تحريف.
‘إذا قبلت مشاعري، فانتظرني في الحديقة بعد يومين عند منتصف الليل. حتى وإن لم تأتِ، لن ألومك أو أكرهك. أريد منك فقط أن تُظهر لي حقيقة مشاعرك هذه المرة. أحبك.’
أعاد شيرون طي الرسالة ووضعها بعناية في جيبه الداخلي، ثم ضغط عليها بلطف براحة يده.
‘مايا…’
غادر شيروني مكان إقامته مبكراً ليحضر في الموعد. لم يكن يريد أن يجعلها تنتظره في مثل هذا اليوم.
وصل إلى الحديقة قبل الموعد بعشر دقائق، ووقف تحت الضوء الوحيد منتظراً مايا.
رنت أجراس منتصف الليل.
بدأت الرياح العاصفة والمطر البارد بالتساقط مع غيوم كثيفة تغطي السماء.
صوت المطر كان يشوش سمع شيرون، وكان الماء يتساقط من شعره وملابسه المتشبعة بالماء تزداد ثقلاً.
كان شيرون ينظر إلى الطريق الذي ستأتي منه مايا.
رنت أجراس الساعة الواحدة.
لكن مايا لم تأتِ بعد.
في تلك اللحظة، سمع خطوات من خلفه، ومع حجب المطر فوق رأسه، استدار ليرى من القادم.
كانت إيمي تقف هناك ممسكة بمظلة.
ظل الاثنان يتبادلان النظرات بصمت. كانت إيمي تنتظر أن يبدأ شيرون بالحديث، بينما لم يكن لديه شيء ليقوله لها.
انفجرت مشاعر إيمي المكبوتة أخيراً. كانت مشاعرها خليطاً من اللوم والغضب والارتباك وخيبة الأمل وربما رغبة أشد.
قالت بصوت يرتجف وهي تمسك نفسها بشدة.
“لماذا جئت؟”
لم يُجب شيرون.
“أجبني، لماذا أنت هنا؟ هل حقاً… مع مايا…”
“هذا لا يعنيك.”
/سانجي : يا أبن اللذين…. كذا نكون بدينا نغلط/
شعرت إيمي بصدمة في قلبها.
كانت تعرف أن مايا ستعترف له بمشاعرها، وكانت قد قبلت بذلك لأنها كانت واثقة من مشاعر شيرون تجاهها.
لكن بعد أن قبلت، بدأت تشعر بالقلق حيال شجاعة مايا، فلم تستطع كبح نفسها وجاءت مسرعة إلى الحديقة.
كان شيرون ينتظر مايا، والآن ينظر إليها ببرود.
“هذا ليس صحيحاً، لا يمكن أن يكون…”
كان صوت إيمي يرتجف بالدموع.
“أخبرني، ماذا يحدث؟ أنت تتصرف بغرابة مؤخراً. حتى الآن، تتصرف بغرابة. أخبرني! إذا لم تخبرني، فلن أراك مجدداً.”
“حسناً، لا بأس.”
لم تستطع إيمي تصديق ما يحدث.
لماذا يجب أن يُعامِلها بهذا البرود؟
/سانجي : كان ودي تصير جدي وأكثر برود بس مو مع ايمي يا نذل/
لم يكن ذلك الشخص الذي تعرفه عادةً. كانت خائفة.
لأول مرة، كانت إيمي تشعر بأنها مكشوفة تماماً أمامه.
“لماذا؟ لماذا تتصرف هكذا؟ لماذا لا تقول أي شيء؟ هل لأنني لا أتصرف مثل مايا؟ أيها الأحمق، حتى أنا… أنا أيضاً… أحبك…”
/سانجي : اخخخخخ زيد يشعر بالسعادة/
جذبها شيرون إلى حضنه فجأة، كان ذلك الوسيلة الوحيدة لإخفاء تعابير وجهه المتألمة.
امتزجت دموعه الحارة مع قطرات المطر الباردة وانحدرت على خده.
“إيمي، شكرًا لكِ على كل شيء.”
فانفجرت إيمي بالبكاء، وشعور الحزن يغمرها.
حاولت الإمساك بياقته لكن يديها كانت تنزلق.
“لا أريد… لا تعانقني… أخبرني لماذا تفعل هذا! أيها الوغد!”
لم تستطع يداها أن تمسكا به بقوة.
كانت تشعر وكأن الزمن يدفعها للأمام بينما كانت تنتظرها هاوية في المقدمة. لأول مرة، تمنت أن تعود بالزمن إلى الوراء.
ابتسم شيرون ابتسامة حزينة وألقى كلماته الأخيرة.
“وداعًا، إيمي…”
وسقطت المظلة من يد إيمي. كانت أصوات قطرات المطر القاسية تتعالى.
ظلّت تنظر إلى شيرون وهو يبتعد عنها، ولم تكن قادرة على الحركة، فقط صُدِمت.
امتلأت عينيها بالدموع حتى أنها لم تعد ترى شيئًا.
“أوه… أوه…”
وفي اللحظة التي خرجت فيها شهقة الحزن من حلقها، بكت السماء من أجلها.
_________
طرق! طرق! طرق!
استيقظ المدرس كولي، المشرف على صف التخرج، من النوم على صوت الطرقات المتلاحقة على باب الكوخ.
ارتدى رداءه بسرعة، وبفرك عينيه النعستين فتح الباب ليجد مايا مبللة بالمطر.
“مايا؟ ماذا تفعلين هنا في هذا الوقت؟”
“سيدي…”
لم تتمالك مايا نفسها، وانهارت في حضنه باكية.
“آآآآآه!”
رغم دهشته، تحقّق كولي من حالة مايا. كان من الأفضل أن يبدأ بتهدئة جسدها المرتعش.
أشعل كولي الخشب في المدفأة واجلسها وأعطاها منشفة.
حتى بعد أن وضع كوبًا من الكاكاو الساخن أمامها، ظلت تنظر إلى لهيب المدفأة بشرود.
‘لقد عادَتْ، أليس كذلك؟’
كولي شعر بأن ذلك اليوم الذي أخبرته عنه مايا قد وصل أخيرًا.
كان يحبها كطالبة مميزة رغم أنها لم تُظهر شيئًا من هذا خلال فترة الدراسة. كان قد اعتنى بها، وتابع تقدمها منذ دخولها للمدرسة السحرية.
‘فتاة رقيقة… تضع مشاعر الآخرين فوق مشاعرها الخاصة.’
تذكر كولي المرة الأولى التي رآها فيها. كانت في عرض غنائي للمغنية كاناريا، حيث سُمح للعامة من خارج أسوار المكان بحضور العرض.
كانت الأرستقراطية تشجع هذه الطريقة، لذا اختار منظمو العرض فتاة من عامة الشعب لتقديم افتتاحية العرض كنوع من التسويق لجودة أداء كاناريا.
وكانت هذه الفتاة هي مايا، التي كانت في الرابعة عشرة من عمرها.
لكن خطة المنظمين جاءت بعكس المتوقع؛ كان صوت مايا مؤثراً ومذهلاً لدرجة أن الغناء الشعبي الذي قدمته أدهش الجميع بجماله.
أثار ذلك استياء الطبقة الأرستقراطية، وفي نهاية الغناء، بدأوا في توجيه صيحات الاستهجان والنقد.
بل إن البعض من النبلاء دفعوا أموالاً طائلة لطلبها بشكل مهين. وقيل إن كبير قبيلتها تعرض للضرب بسبب رفضه، وطُرد.
في تلك الليلة، انتهى حلم مايا بالغناء.
أقنعها كولي بالسير في طريق السحر.
كانت ضعيفة في طبعها، لكنها تمتلك موهبة قوية، وبعد عامين، تمكنت من دخول “منطقة الروح”.
لم يكن يريدها أن تصبح ساحرة عظيمة.
كان يأمل أن تصبح ساحرة قادرة على النهوض بقبيلتها، وربما يوماً ما تستطيع الغناء مرة أخرى من قلبها.
“هل اتى شيرون في النهاية؟”
ابتسمت مايا بابتسامة خفيفة، السعادة الوحيدة التي تمكنت من إيجادها في وسط ألمها.
“نعم، أتى من أجلي… رغم أنني أخبرته ألا يفعل. كان من الممكن أن يقطع علاقتي، لكنه انتظرني لأكثر من ساعة.”
وضعت مايا يديها على وجهها.
“لذلك أشعر بالألم… أحبه كثيراً وأتمنى أن أكون له.”
“لماذا لم تحاولي التحدث إليه؟ قد يكون خرج لأنه يحبكِ حقاً.”
مايا هزّت رأسها.
“كنت أعلم منذ البداية أنه لا يمكنني الفوز بقلب شيرون. رغم معرفتي بذلك، اعترفت بمشاعري. أحببته كثيرًا لدرجة أنني لم أستطع التحمل دون أن أخبره. ولهذا دخلت إلى الجحيم رغم معرفتي بما ينتظرني.”
مايا، بملامح تملؤها الخوف، نظرت إلى كولي.
“لكن، ماذا أفعل الآن؟ الألم شديد لدرجة أنني أشعر وكأنني سأموت. هل يمكنني نسيان شيرون؟ هل سأستطيع العيش كما كنت قبل لقائه؟”
كولي أجابها بصراحة:
“مايا، لا يمكنكِ محو الذكريات. هذا شيء عليكِ أن تحمليه معكِ طوال حياتك.”
“لا أعتقد أنني أستطيع ذلك. مع كل هذا الألم… كيف لي أن أتحمل؟”
وفي النهاية، انفجرت مايا بالبكاء.
اقترب كولي واحتضنها، وربّت على ظهرها.
“لا داعي للخوف. صحيح أن الجروح لا تختفي، لكن بمرور الوقت، ستظهر جروح جديدة كثيرة لدرجة أنكِ لن تتذكري أيها تركه شيرون. وهكذا، سيصبح كل شيء على ما يرام. الحياة ستسير بهذه الطريقة.”
مايا وضعت وجهها على صدر كولي.
“لكن هذه ليست حياة… كيف يمكنني العيش دون أي أمل؟”
“مايا، نحن لا نعيش من أجل الأمل؛ بل نصنع الأمل من أجل العيش. قد لا تنسين، لكن ستصبحين بخير. ستتمكنين من إيجاد أمل جديد.”
“لا، لا أريد ذلك. أريد أن يأتي شيرون إليَّ. أريد أن يحبني.”
عندما يُصاب المرء، لا يشعر بالألم لحظتها؛ الألم الحقيقي يبدأ عندما يُدرك جرحه.
ولذلك، فإن ما تشعر به مايا الآن ليس الألم، بل الخوف. خوف من الألم الذي سيأتي في المستقبل.
‘بما أن قلبها ضعيف، سيكون ذلك صعبًا عليها. لكن، مايا، الفنان هو من يروي قصص البشر. عندما تنظرين من مكان مرتفع، لن تتمكني من رؤية الناس. لذا تذكري ألم اليوم. غنّي من أعمق نقطة، وحينها، سيأتي الجميع ليمسحوا جراحك.’
كولي استمر في تربيت ظهرها.
أكتافها كانت ترتعش بأسى، مثل عصفور صغير جُرحت أجنحته في عاصفة.
_________
الساعة الثالثة صباحًا.
شيرون لم يخطط للنوم أصلاً؛ لذا، بعد عودته إلى السكن، استحم وارتدى ملابس جديدة.
جلس على مكتبه، وحينما حاول تصفية ذهنه للحظة، تنهد تنهيدة غلبها أثر البكاء.
‘هل انتهى كل شيء الآن؟’
انسحب من جمعية الأبحاث الروحية الخارقة. ورغم أن ناد كان غاضبًا جدًا، إلا أنه احتضنه في النهاية وقال له أن يعود متى شاء.
واليوم أيضًا، ألقى وداعه الأخير على مايا وإيمي بطريقته الخاصة.
كان يريد قطع جميع الروابط قبل الذهاب إلى الجنة.
بل كان عليه أن يفعل ذلك.
لو بقي هناك شيء يربطه بهذا المكان، فقد يتردد في اللحظة الحاسمة. قد يتردد عن الموت حتى لو كان الأمر محتومًا.
خلال هذا الوقت القصير، أنهى شيرون تقريبًا جميع علاقاته الممكنة.
ومع ذلك، لم يستطع إيقاف الصور التي كانت تتوارد في ذهنه لأشخاصٍ أعزاء عليه.
ريان، تيس، و… والديه، الذين يتمنون دائمًا سعادته.
كم كان محظوظًا أن قال لهم إنه يحبهم قبل أن يغادر.
تلك كانت بحق أعظم لحظة في حياته.
فتح الدرج وأخرج ورقة نظيفة. لم يعد بإمكانه إيصال ما لم يقله إلا بالكتابة.
أخذ شيرون القلم وبدأ يكتب على الورقة.
وصيتي
/سانجي : احااا /
“آه، آه…”
انهمرت دموعه من شدة الحزن.
كان يريد التخرج من مدرسة السحر. كان يريد أن يجوب العالم مع أصدقائه. كان يريد أن يشعر مرة أخرى بذلك الخفقان عندما أمسك يد إيمي.
“أمي…”
والدا شيرون هما فينسنت وأولينا فقط، وهذه الحقيقة لن تتغير أبدًا.
كان عليه أن يعرف قبل أن يتخذ قرار الذهاب إلى الجنة.
بل كان يجب عليه ألا يقابل إيكائيل من البداية.
لكن في النهاية، وجد الجواب على التساؤل الذي كان يحمله في قلبه طوال حياته، رغم أنه لم يفصح به لأحد.
“آسف، آسف.”
جفف شيرون دموعه بكمّ قميصه، واستمر في كتابة وصيته.
شكر كل من ساعده، وعبّر عن امتنانه لحبه الذي ملأ قلبه بالسعادة، وأبدى احترامه العميق لوالديه.
بهذا، كان يفرغ كل ما حمله طوال تسعة عشر عامًا.
___________
ياله من فصل… أحب أن اسميه بالفصل المبكي… من افضل الفصول الدرامية الي قرأتها.
اعتذر عن التاخير لكن لم احصل على فرصة لانزل الفصول…
ترجمة وتدقيق سانجي