تحدي السقوط - الفصل 2
📏 حجم الخط
✍️ نوع الخط
🎨 الخلفية
🖥️ عرض النص
– الفصل 2 – عالمٌ جديد
استيقظ زاك ببطء، مثقلًا بالنعاس ومشوّشًا، ليجد نفسه منطرحًا ووجهه على الأرض. كان جسده ما يزال يؤلمه مما حدث له سابقًا. بصق بضع شفرات من العشب ونفض الغبار عن نفسه، ثم نهض على عجل وراح يتفقد ما حوله. بدت الفسحة كما كانت من قبل، بصخورها القليلة وأزهارها، محاطة بأشجارٍ قوية كثيفة الأوراق وشجيراتٍ متشابكة.
كان رد فعله الأول أن الحمد لله، لا بد أنه فقد وعيه من الحر أو الإرهاق ثم استفاق. لكن ثمة أشياء منحته شعورًا مشؤومًا بأن ما حدث كان أكثر من مجرد كابوس سببه الحرارة. وأهمها أنه كان يحدّق الآن في شمسين، إحداهما فقط هي الصفراء المألوفة.
ظنّ للحظة أنه يرى مزدوجًا، لكن هزّ نفسه لإيقاظها لم يغيّر شيئًا مما يراه. كانت الشمس مصحوبة بأختٍ صغرى. كما شعر أن هناك شيئًا غير طبيعي حتى في الشمس الأصلية؛ إذ بدت أكبر وأكثر توهجًا مما يتذكر. أما الشمس الأخرى فكانت نجمًا أصغر بكثير، يشع بلونٍ أزرق مائي نافذ. كانت تحوم قريبًا من الجرم السماوي الآخر، وتبدو كأنها تدور حوله كقمرٍ تابع.
المشهد الآخر المقلق كان دوّامة هائلة من الضوء والطاقة ترتفع نحو السماء في البعيد، كأنها مخلبٌ أحمر بشع يندفع من الأرض. كانت تنبض بتوهجٍ أحمر مخيف لا يمكن وصفه إلا بأنه شيطاني. بدا أنها على مسافةٍ لا يُستهان بها، لكن كان من الصعب تقدير ذلك. كان هذا العمود آخر ما رآه زاك قبل أن يفقد وعيه، وها هو يستقبله من جديد عند استيقاظه.
قطع زئيرٌ وحشي أفكاره، معيدًا تركيزه إلى الوضع الراهن.
“هانا…” تمتم، ولمع بريق العزم في عينيه وهو يدفع بكل هذه الأحداث غير القابلة للتفسير إلى مؤخرة ذهنه. إن كان كل هذا حقيقيًا—ويبدو كذلك بعد أن نظر حوله—فعليه العودة إلى المخيم فورًا.
كان الصوت الخالي من المشاعر في الظلام قد قال شيئًا عن جعل الحياة البرية أكثر خطورة من أجل “تحسين التحدي”. الزئير الذي سمعه للتو قد يكون لنمرٍ أو دبٍّ، على حدّ علمه، ما يعني أن الآخرين في خطر.
وللحظة، خشي حتى أن يقفز الآخرون إلى السيارة مذعورين ويغادروه عالقًا هنا مع أيًّا كان مصدر ذلك الزئير. رغم أنه لم يكن يعرف ما الذي يحدث، كان قلقٌ ملتهب يلتهمه ويدفعه إلى التحرك. انطلق راكضًا بأقصى سرعته نحو اتجاه المخيم، غير آبه بالأصوات الغريبة من حوله أو بالخضرة الشائكة التي تحاول إبطاءه.
تلاشت المعالم من حوله وهو يندفع عبر الغابة كقطارٍ منفلت. كان الأمر كما لو تلقّى عشر حقن من الأدرينالين، ساقاه تدفعانه إلى الأمام بسرعةٍ جنونية.
لكن ثمة شيء لم يكن على ما يرام. شعر أنه يركض أسرع حتى من رياضي أولمبي، وفوق تضاريس غابية معقدة في الوقت ذاته. كما أن الفأس التي كانت في يده—وكانت سابقًا ذات وزنٍ ملحوظ—بدت عديمة الوزن، تشق أي غصنٍ يحاول إعاقته بدقةٍ متناهية.
لم يشعر زاك في حياته بقوةٍ أو سرعةٍ كما يشعر الآن. كان الصوت قد قال إنه رقّى الحياة البرية. فهل تعني سرعته وقوته أنه عُدّ جزءًا من ذلك؟ لم يكن يعلم هل يفرح ببنيته المحسّنة أم يغضب لأن الصوت الغامض اعتبره حيوانًا.
وأخيرًا، بعد دقائق من اندفاعه المحموم، تعرّف على صخرةٍ كبيرة كانت شجرة قد شقّتها ونمت عبرها بطريقةٍ ما. كان المخيم على بعد بضع مئات من الأمتار فقط.
عدّل قبضته على الفأس وغيّر مساره ليركض مباشرة نحو المخيم، حين دوّى زئيرٌ آخر من تلك الزئيرات غير الدنيوية عبر الغابة—هذه المرة أقرب بكثير من سابقاتها التي تجاهلها في طريقه.
منحه الذعر سرعةً أكبر، فاندفع إلى المخيم وملامح الجنون والخوف على وجهه. استقبلته مشاهد مألوفة: سيارة رينج روفر الرمادية، والعربة المتنقلة، وبعض الكراسي القابلة للطي المبعثرة.
لكن ما جذب انتباهه فورًا لم يكن ذلك، بل الوحش الذي كان يعبث بأحد المبرّدات. كان بحجم كلبٍ ضخم من فصيلة الدانواه العظيم، لكن هنا تنتهي أوجه الشبه، إذ كان خليطًا مدنّسًا من اللحم والعظم. بدا الوحش كما لو أنه سُلخ جلده ثم أُطلق مجددًا في الغابة—مزيجًا من الأحمر والأبيض. كان يمتلك جذعًا سميكًا تتدفق عليه عضلات متموجة تمتد إلى ست قوائم قصيرة، تنتهي كل واحدة منها بكفٍّ ذكّر زاك بمخالب طائرٍ جارح أكثر من كونه مخلوقًا غابيًا.
اصطف زوجان من القوائم عند مقدمة الجذع، مع الزوج الأخير في الخلف. كل كفٍّ كانت مزدانة بأربعة مخالب مرعبة؛ ثلاثة في الأمام وواحد في الخلف، وكانت المخالب الأمامية تبدو أكبر قليلًا من الزوجين الآخرين. بدا رأسه أكبر من اللازم مقارنة بجسده، بقاعدةٍ عريضة وخطمٍ طويل، ما أتاح فمًا هائلًا على نحوٍ غير معقول. ذكّره الفم بفم تمساح—لو كان للتمساح ثلاثة صفوف من الأسنان.
كانت عيناه صغيرتين خرزيتين، تلمعان باللون نفسه الذي كان لعمود الضوء الذي رآه سابقًا.
كانت قوة فكي الوحش واضحة، إذ كان يقضم علبة فاصولياء كما لو كانت لا شيء، مبتلعًا المعدن والمحتوى معًا. جعل المشهد الغريب زاك يتوقف في مكانه، عاجزًا عن استيعاب هذه التحولات. وفجأة، تمنى لو كان الزئير البعيد في وقتٍ سابق لنمرٍ حقًا، إذ بدا ذلك أهون من المسخ الذي أمامه.
انتبه الوحش إلى زاك قبل أن يفعل أي شيء، فرصده واقفًا صامتًا على الجانب الآخر من المخيم. وبعد زئيرٍ غاضب، اندفع نحوه مباشرة بسرعةٍ تناقض مظهره المكتنز. بالكاد وجد زاك وقتًا ليردّ الفعل قبل أن يصبح الوحش فوقه.
تراجع خطوةً غير ثابتة، ولوّح بالفأس أفقيًا بكل القوة التي استطاع حشدها. ومع وضعه المتزعزع، لم يكن للضربة ثقلٌ حقيقي، لكنها أصابت عنق الوحش، مخلّفة شقًا قبيحًا ودافعةً العفريت جانبًا.
تذكّر زاك مجددًا كيف أصبح، على نحوٍ ما، فوق بشري؛ فحتى ضربة رديئة كهذه احتوت على قوةٍ كافية لإزاحة وحشٍ كبير. غير أن القوائم الأمامية للمسخ كانت قد تشبثت به، ومع زخم ضربته وزخم الوحش معًا، شقّت المخالب جرحًا عميقًا في بطنه وساقه اليسرى. انفتحت جروحٌ كبيرة، وبدأ الدم يتدفق فورًا.
انفجر ألمٌ لم يختبره زاك من قبل في عقله، معتمًا رؤيته ومهددًا بعجزه التام. تطايرت أي أفكار عن مواجهة الوحش وجهًا لوجه بقوته الجديدة، وحلّ محلها اندفاعٌ شديد للهروب.
هزّ رأسه محاولًا تصفية ذهنه. لم ينجح.
ما الذي أفعل بحق؟ هل أهرب؟ راحت عيناه تبحثان بجنون عن مخرجٍ من هذا المأزق. اشتغلت غرائز البقاء البدائية التي لم يكن يعلم بوجودها. كان الوحش قد سقط أرضًا بفعل القوة المفاجئة للضربة، لكنه كان بالفعل ينهض متسلقًا عائدًا إلى قدميه.
“يا جماعة! هل أنتم هنا؟ ساعدوني!” صرخ باتجاه العربة المتنقلة، آملًا في مؤازرة. لكن لم يجبه سوى الصمت. هل فرّ الآخرون إلى الغابة هربًا من هذا الوحش؟
وقد نفدت أفكاره، تعرّج زاك بضع خطوات نحو الغابة، بينما كانت ساقه اليسرى تحترق ولم تعد تطيعه على نحوٍ سليم.
لكن قبل أن تتشكل أي خطة، كان الوحش يندفع نحوه، فمه مفتوح في زئيرٍ مكشوف، غير مكترث بخيط الدم الصغير الذي يسيل على جذعه إلى قوائمه القصيرة.
هذه المرة كان زاك أكثر استعدادًا قليلًا، فحمّل وزنه على ساقه اليمنى وقفز جانبًا. سمع زمجرةً وشعر باندفاع هواء يمرّ بقربه، قبل أن يسقط بلا مراسم على كومةٍ تبعد ثلاثة أمتار.
نهض سريعًا، فرأى الوحش قد انزلق متجاوزًا موضعه الأصلي في محاولةٍ للتوقف، مواصلًا اندفاعه لعشرين مترًا أخرى.
أدرك زاك أن الوحش يمتلك سرعةً عالية لكن قدرةً ضعيفة على المناورة، وبدأ يائسًا يحاول إيجاد طريقةٍ لاستغلال ذلك لصالحه. وبعزمٍ لم يكن يعلم أنه يملكه، تخلّى عن كل أفكار الفرار وعاد يركض نحو الجهة التي أتى منها عبر الغابة.
“ليت هذا ينجح…” تمتم وهو يتحرك بأقصى سرعةٍ يسمح بها جسده المنهك بالألم.
✨ عضوية مميزة في فضاء الروايات ✨
🚫📢 تخلّص من الإعلانات المزعجة
💖 استمتع بتجربة قراءة سلسة ومميزات حصرية مقابل مبلغ رمزي
📌 ملاحظة: أرسل اسمك في الموقع عند الدفع ليتم تفعيل العضوية ✅
جميع ما يتم ترجمته في الفصول منسوب إلى المؤلفين، ونحن بريئون من أي معانٍ تخالف العقيدة أو معانٍ كفرية وشركية.
هذا مجرد محتوى ترفيهي فلا تدعه يؤثر عليك أو يلهيك عن دينك.
استغفر اللـه وأتوب إليه.