رحلة ساحر - الفصل 1 : عالم السحرة
📏 حجم الخط
✍️ نوع الخط
🎨 الخلفية
🖥️ عرض النص
” بانغ ! بانغ ! بانغ ! ” تم الدق بقوة على باب خشبي عتيق داخل منزل صغير من القش .
بينما هو نائم تحت لحافه البالي ، استيقظ غلين فجأة من نومه مع بداية الطرق ، أثناء اقترابه شعر بالخدر من شدة البرد القارس ، بلا تأخير صرخ في الباب ” قادم ” ، سرعان ما ألقى بعض الملابس البالية ، ثم التقط معطفا بسيطا من على الجدار كان بمثابة لحافه الثاني و قام بفتح الباب المهترئ ، ارتجف في اللحظة التي فتح فيها الباب بعد استشعار رياح الشتاء القارصة المليئة بقطع الجليد و الثلج .
أمام الباب تم ركن عربة جرها حصان واحد هرم من الأمام ، جلس العجوز هام في مقدمة العربة لقيادتها ، قام بلف نفسه في شكل كرة بينما دخّن غليونًا قديما ، و بيده الأخرى أمسك سوطا لجلد حصانه ، من الخلف بالإمكان رؤية الأثار التي خلفتها عجلات العربة الأربع على الطريق المكسو بالثلج .
“هيا ، إنه طريق وعر ، سنعاقب على التأخير ” نفخ العجوز هام بعمق على غليونه وتذمر في وجه غلين الذي لا يزال يرتعش من البرد .
” ثانية فقط ! ” أقفل غلين الباب الخشبي بسرعة ثم قفز إلى العربة ، منذ أن تولى غلين هذا النوع من الأعمال المعتادة مع العجوز هام ، فإن شكواه لم تتغير قط ” هيا ، إنه طريق وعر ” ، لذا قد اعتاد على هذا بالفعل ، دون إضافة كلمة أخرى ، أخذ العجوز هام نفخة أخرى من غليونه ثم لوح بسوطه و حفز الحصان على الانطلاق ، استنشق الحصان و صهل بقوة كرد فعل .
بعدها شرع العجوز هام في رحلته مع غلين عبر حقل الثلج المليء بالحفر و المطبات .
أثناء نظره إلى السماء المظلمة والرمادية ، جلس غلين على سكة العربة على جانب واحد منها ثم أومأ برأسه ، بناءً على رحلاتهم السابقة ، علم أن رحلة اليوم ستستغرق أكثر من نصف ساعة من أجل الوصول إلى قصر زي جو في هذا الطقس المثلج ، وبحلول ذلك الوقت ، ستشرق شمس الفجر .
شعر غلين بإحساس مألوف من رائحة التبغ الذي يدخنه العجوز هام ، في الحقيقة لطالما كان ممتنًا لمساعدة هذا العجوز ، أقدم ذكرى لغلين كانت في مدينة بي سير خلال عاصفة ثلجية حيث وجد فاقدا للوعي بلا أي ذكريات ، لم يعرفه أحد في المدينة ، كان الأمر كما لو أنه جاء من عالم آخر .
منذ ذلك اليوم ، تسكع مع مجموعة من الأيتام في المدينة ، في حين أن التسول بالكاد أشبع بطنه و جوعه ، حتى إلتقى أخيرا بالعجوز هام الذي تبناه ، لاعتقاده أنه ذكي و مختلف عن باقي الأطفال .
ضحك العجوز هام ” عندما أموت ، ستحصل على المنزل و الحصان ” والحق يقال ، إن المنزل المكون من غرفتين من القش و هذا الحصان الرهم لن يستحقا حتى سنتًا واحدًا ، إلا أنه لا يزال يعزز امتنان غلين اتجاهه .
العمل الذي انخرط فيه العجوز هام هو تنظيف قصر زي جو من بقايا الطعام والنفايات الأخرى الناتجة عن شرب النبلاء واحتفالهم … طُلب منه إنهاء التنظيف بحلول الفجر ، والتخلص من القمامة خارج المدينة وشراء اللوازم من أجل كرنفال ( حفلة ) المساء الذي سيقام .
بعد حوالي نصف ساعة ، ترددت أصوات ضجيج عند اصطدام حوافر الحصان بأرضية المدينة الملساء ، استيقظ غلين الشبه نائم على وقعه ، مما أعفى العجوز من إيقاظه ، مع العلم أنهم وصلوا أخيرا إلى مدينة بي سير وسرعان ما اقتربوا من قصر زي جو .
قام غلين بإزالة الثلج من معطفه ، في محاولة لجعل نفسه يبدو أقل قذارة ، إلا أن ذلك لم يحدث أي فرق حقا .
كان معظم النبلاء في الاحتفال قد ناموا بالفعل بحلول الوقت الذي وصل فيه ” غلين ” و ” العجوز هام ” إلى مقر سكن النبلاء ، بالنسبة للباقي و من لم ينم ، فلن يخفضوا رؤوسهم طبعا ويهتموا بالنظر لمجرد خادمين رديئين .
أيضا كان كبير الخدم شخصًا ماكرا و مخادعا ، لقد قام بسرقة و ابتزاز العجوز هام و غلين وباقي الخدم الآخرين بانتظام ، عذره الأعرج الوحيد هو إهمال الخدم و التهديد بالطرد ! عند المدخل الأمامي للقصر ، وقف حارسان ، من شدة الإرهاق غفا كلاهما من دون وعي منهما ، لكن عند سماعهما لصهيل الخيل استيقظا فورا ، ثم نظرا إلى ” العجوز هام ” و ” غلين ” على متن العربة ، بعد الفحص ابتسم العجوز هام باحترام للحارسين ثم قفز من العربة ، و من وراءه غلين ، أبقى كلاهما رأسيهما منخفضًا عند عبور البوابة بينما اتجها إلى قاعة الإحتفال الفاخرة حيث سيقومان بتنظيفها كالمعتاد .
شعر العجوز هام وغلين بجو مختلف على غير العادة بعد اقترابهما من القاعة ، رأوا كبير الخدم الذي وقف في قلق عند المدخل .
ألقى هذا الأخير نظرة على العجوز هام و غلين بعيون مثلثة و حادة عند رؤيتهما ، ثم هرول إليهما وصرخ بنبرة خافتة ” ابقيا هنا ! لا تتنصتا ! و لا تنطقا بكلمة ! ” .
أجابا بسرعة ” حسنًا ، حسنًا ” ثم ترددت فجأة أصوات شجار غامضة قادمة من القاعة الفخمة ، استطاع العجوز هام وغلين إدراك أن سبب هذا الاضطراب هو فتاة صغيرة ، تكهنا فورا أنها فتاة نبيلة غالبا !
لقد مر ما يقرب من نصف ساعة بينما أشرقت الشمس بالفعل ! إلا أن الطقس لم يتغير قط ! لذا من شدة البرودة ارتجف العجوز هام و غلين خارج القاعة ، داسا من حين لآخر على الأرض التي تم تغطيتها بالثلوج في محاولة منهما لمنعها من التجمد .
اقترب منهما كبير الخدم الشرير أمام مدخل القاعة ” إن لم تستطيعا تحمل الطقس ، إذن لا حاجة لأن تأتيا غدًا ” .
أظلم وجه العجوز هام و غلين فورا ، قام العجوز هام فورا بإخراج عملة معدنية من معطفه البالي ووضعها برفق في يد كبير الخدم ” لا داعي للقلق نستطيع تحمل الطقس ”
“همف” قام كبير الخدم بإدخال العملة المعدنية في جيبه بمهارة ، ثم عاد إلى مدخل القاعة بينما نظر بقلق من حين لآخر إلى الداخل .
من بعيد تذمر غلين ، “لقد ابتزنا منذ أيام فقط و ها هو يفعل ذلك مرة أخرى اللعنة ! ”
” تحمل فقط غلين ، يتوق الكثير من أمثالنا إلى هذه الوظيفة ” تنهد العجوز هام الصعداء .
مع تقدم الناس في السن أو اقتراب البعض منهم من نهاية حياته ، سيرون الأمور بوضوح شديد و ستختفي تلك النزعة الغالبة عند الشباب ، نزعة الدم الحار .
بعد مدة من الانتظار خرجت فتاة ترتدي ملابس فاخرة من القاعة تبكي بحرقة ، توقفت فجأة بجانب العجوز هام ثم استدارت و صرخت ” من المستحيل أن أغادر ! لا أريد الالتحاق بمدرسة للسحرة ! لن أكون ساحرة مطلقا ! ” ألقت كتابا على الأرض من شدة غضبها ثم خرجت بسرعة من قصر زي جو مهرولة .
” أيتها المتمردة الصغيرة ! ” لحق بها رجل نبيل ببطن منتفخ ” ما الذي تنظر إليه ؟ إذهب خلفها ! و أعدها ! ” تحول وجهه للون الأحمر بسبب غضبه و صرخ على حراس القصر بجانبه ، ما فاجأ العجوز هام هو مدى احترام اللورد زي جو له ، وقف بجانبه من دون قول كلمة .
” تبا ؟ ما الذي تعرفه هذه الفتاة ؟ يحكم السحرة هذا العالم ! و بحق السَّامِيّ ماذا عن اختبار السحرة بعد ستة أشهر من الآن ؟ ” تمتم السمين ثم خرج من القصر من أجل مطاردة الفتاة بينما رافقه اللورد زي جو و كبير الخدم .
في غمضة عين أضحت ساحة القصر فارغة باستثناء العجوز هام ، و أيضا غلين الذي نظر ذهابا و إيابا ثم حاول التقاط الكتاب الذي ألقته الفتاة الصغيرة على الأرض و لكن ! قام العجوز هام بإيقافه عن طريق صفع يده ” هل تريد قتل نفسك ؟ و قتلي ؟ ”
رد غريم ” لا تقلق ، إذا سأل كبير الخدم يوما عن الكتاب ، لنحتج فقط برميه في القمامة ، تلك الفتاة من تخلصت منه و ليس نحن ؟ أليس كلامي صحيحا ؟ ”
عبس هذا الأخير بسبب الألم في يده بينما فكر العجوز هام لبرهة ثم أومأ برأسه و سمح لغلين بالتقاط الكتاب من الأرض ، قام بوضعه في معطفه ثم ساعد العجوز هام على تنظيف القاعة و رمي القمامة كالعادة في العربة .
بجانب العربة التي تم ربطها مع الحصان ، وقف غلين في انتظار العجوز هام ، لحسن الحظ لم يسأل أحد عن الكتاب ، شعر هذا الأخير بالإرتياح ، غالبا ما رمى النبلاء بعض الأشياء مع القمامة و لم ينتبهوا لها حتى ، في نظرهم لم تكن ذا قيمة ! لكن في نظر أمثال غلين كانت أشياء لا تعوض !
بعد التنظيف و التحميل ، ركب العجوز هام و غلين العربة التي تم ملؤها بالقمامة ثم قادا الحصان بروية على طول الطريق .
بعد أن تلاشى نعاس غلين هرع و أخرج الكتاب من معطفه و ألقى نظرة ، إلا أنه عبس فجأة ، عادة الفقراء كغلين لا يستطيعون القراءة أو الكتابة لكن لحسن الحظ استطاع العجوز هام أن يتعلم القراءة و الكتابة أثناء عمله في متجر قديم و استخدام الدفاتر لأعوام .
فيما بعد قام العجوز بتعليم غلين أيضا ، لكن السبب وراء عبوسه هو عنوان الكتاب نفسه !
” تحسين حاسة الشم ؟ و رسم خرائط الروائح ؟ ما هذا ؟ ” بعد التقاط الكتاب اعتقد أنه سيرة ذاتية عن نوع من التروبادور ! ( هو نوع من الكتب الشائعة بين أطفال النبلاء عادة ) .
لكن فجأة شعر بالصدمة بينما اتسعت عيناه من شدة الإثارة ” هل من الممكن أنه نوع من كتب السحر ! من القيل و القال اتصف السحرة بالغموض و الشر ، قاموا بذبح الناس بلا مبالاة و ابتلعوا عيون الأطفال و قاموا بعدة تجارب على الأحياء ! لطالما شعر البشر بالذعر من السحرة ! لم يحظى أي رجل أو امرأة من العامة بامتياز رؤية ساحر حقيقي ! فقط النبلاء من لهم صلة غير مباشرة بعالم السحر ! ”
( التروبادور : هو شاعر أو موسيقي عاش في القرون الوسطى )
فكر غلين كيف حصل هؤلاء السحرة على قواهم و كيف تم اختيار البعض منهم لتعلم السحر في المقام الأول ” إذا أصبحت ساحرا و اكتسبت القوة فلن أكون تحت رحمة النبلاء أو أي أحد ! ” من شدة حماسه قام غلين فورا بفتح الكتاب و قراءة محتواه ، للأسف لم يفهم جميع الحروف لذا اضطر لتخطي بضعة فقرات ، إلا أن حماسه لم ينخفض بل ازداد لأنه اكتشف عالما جديدا .
وفقا للكتاب يستطيع الإنسان عادة تمييز أو شم 300 إلى 400 نوعا مختلفا من الروائح ، البعض يستطيع شم ما يقرب 600 رائحة ، إلا أن هذه الأرقام ضئيلة مقارنة بقدرة بعض الكائنات الأخرى على الشم ! كطائر العويل ! كان عبارة عن دجاجة بصراخ أشبه ببكاء الأطفال ، بناءا على نتائج التجربة يستطيع هذا الطائر أن يميز ما لا يقل عن 6500 رائحة ، فراشة الظل ، كائن آخر يتغذى على الروائح و قادر على تحديد أكثر من 8200 نوع من مختلف الروائح .
لكن رغم ذلك امتلك سيربيروس كلب الجحيم ! أقوى حاسة شم برؤوسه الثلاثة إذ أنه قادر على شم حوالي 17.852 من الروائح المختلفة .
شرح الكتاب أيضا كيفية التواصل مع الوحوش التي لديها حاسة شم قوية و كيفية تحسينها ، مع ذلك لاحظ غلين كلمة متكررة في الكتاب ” خلية ” للأسف لم يكن لديه أي فكرة عن معناها .
” غلين … غلين ! ” صرخ العجوز هام مرتين ، عاد هذا الأخير لرشده ، قام بتخزين الكتاب ثم قفز من العربة لمساعدة العجوز على التخلص من النفاية .
بعد إفراغ العربة ، قام العجوز بشراء المؤن من أجل حفلة النبلاء مساءا ، بحلول الغسق عادوا إلى قصر زي جو ، بعد تلقي العملات البرونزية غادروا مدينة بي سير أخيرا .
جلس غلين على العربة بينما انغمس في قراءة كتاب السحر ، ” ” تحسين حاسة الشم ؟ و رسم خرائط الرائحة ؟ ” أيها الصغير ، لما أنت مهتم بهذا الكتاب ؟ لا يبدو مثيرا للإهتمام لا ؟ ” سأل العجوز هام بينما قاد العربة بابتسامة .
رد غلين دون صرف انتبهاه عن الكتاب ” هل يمكن للجبل أن يمشي ؟ هل تتدفق الأنهار من السماء ؟ و ما هي العوالم الغامضة ؟ ”
” و لما السحر قوي ؟ ” للأسف بالنسبة له هذه الأسئلة كانت بلا إجابة .
” لقد بلغت 17 من العمر ، قم بتجديد الكوخ ، وجد لنفسك زوجة من القرية ، ربما قد أتمكن من رؤية حفيد لي قبل موتي ! ” ضحك العجوز هام .
” ما الذي تتحدث عنه ؟ لا تقلق ستعيش حتى المائة عام ” رد غلين عرضيا .
” ها ها ها ” قام العجوز هام بجلد الحصان ضاحكا بينما قاد العربة عبر الطريق الجبلي الوعر .
ترجمة و تدقيق : Younes39
✨ عضوية مميزة في فضاء الروايات ✨
🚫📢 تخلّص من الإعلانات المزعجة
💖 استمتع بتجربة قراءة سلسة ومميزات حصرية مقابل مبلغ رمزي
📌 ملاحظة: أرسل اسمك في الموقع عند الدفع ليتم تفعيل العضوية ✅
جميع ما يتم ترجمته في الفصول منسوب إلى المؤلفين، ونحن بريئون من أي معانٍ تخالف العقيدة أو معانٍ كفرية وشركية.
هذا مجرد محتوى ترفيهي فلا تدعه يؤثر عليك أو يلهيك عن دينك.
استغفر اللـه وأتوب إليه.