السجل البدائي - الفصل 925

الفصل 925: الوعي الفائق

بعد ألف عام من العزلة النسبية، شعر روان أن حياته في هذه الأرض شارفت على الانتهاء. كان هذا أطول وقت قضاه في مكان واحد، واكتشف أنه في النهاية يُقدّر وحدته.

بالطبع، مع طبيعة قواه لا يمكن لروان أن يكون وحيدًا حقًا أبدًا، فأعمدة وعيه الوفيرة تعني أنه يمكنه التركيز على مليون مهمة أخرى في نفس الوقت، لكنه اكتشف طريقة على مدى سنوات طويلة من الصمت لإنشاء وعي رئيسي.

كان لكل كائن روح واحدة، وبعد جمع أرواح العديد من الفانين والخالدين، اكتشف أن التحدي الأعظم الذي واجههم عند تسلق مسارات القوة هو قدرتهم على أداء مهام متعددة.

تتطلب التعاويذ والقدرات والتقنيات الأكبر روحًا قوية يمكنها حمل مكونات متعددة في نفس الوقت والتلاعب بها بشكل فعال من أجل العمل، وكانت التقنيات أو القدرات التي يمكنها تعزيز قوة الوعي واحدة من أكثر التقنيات المطلوبة في الخليقة، حيث كانت الحروب تدور حول تقنية واحدة يمكنها تعزيز قوة الوعي.

كانت مشاكله مختلفة، كان لديه ما يكفي من قوة الوعي، أعظم بكثير من أي شخص قابله، على الرغم من أن هذا كان مفيدًا له، مما مكن روان من أداء مآثر مستحيلة واستخدام قدرات مثل الصعود وغيرها من القدرات التي من شأنها أن تذهل عقل أي شخص يكتشف ذلك، بدأ روان يكتشف أنه يفقد نفسه.

لم يكن هذا انحلالًا لهويته أو أناه أو أناه العليا، بل كان شعورًا متزايدًا باللامبالاة تجاه الوجود بأكمله. لو شاء روان، لكان بإمكانه أن يختار النوم تريليون عام أو مشاهدة رقصة النجوم للأبد كما يشاء، ولن يشعر أبدًا بأي ملل، بل سيعيش ببساطة.

لن تتوقف قواه أبدًا عن التزايد، لكنها ستكون بطيئة نسبيًا، وربما بعد عصور لا حصر لها، سيجد نفسه بشكل طبيعي يصعد إلى بُعد أعلى حيث ستصل حالته الحالية إلى التسامي الكامل.

سيصعد تلقائيًا من حالة البعد الثالث إلى حالة البعد الرابع. كرر العملية خمس مرات أخرى، وسيصبح بدائيًا. بالطبع، سيستغرق هذا المسار وقتًا طويلًا، لدرجة أنه يكاد يكون من المستحيل تخيله.

قدر روان أنه ربما لكي يصبح بدائيًا، باستخدام وضعه الحالي كبعد، قد يستغرق الأمر ما لا يقل عن عشرة تريليونات عصر!

لم يكن يعلم كم كان عمر الوجود، لكنه كان يعلم أن عشرة تريليونات عصر لم تكن فترة زمنية صغيرة بأي حال من الأحوال وربما يجب أن تطابق أو حتى تتجاوز مقدار الوقت الذي كان فيه الواقع موجودًا، تسائل روان أيضًا عن هل لو إختار هذا المسار، فهل سيبقى الواقع موجودا في النهاية ؟ فكل عصر كان مئة ترليون سنة.

كان هناك شيءٌ جذابٌ للغاية في هذه الفكرة، أن ينام البدائي نومةً هنيئةً ويستيقظ في مستقبلٍ حيث يصبح كلي القدرة. استطاع روان الآن أن يفهم أسباب تخلي مخلوقاتٍ مثل البدائيين عن الواقع ظاهريًا وهم ينامون ويقضون العصور. كان الوجود ببساطة… عاديًا.

لماذا يهتمون بشؤون النمل سواء كان فانيا أو خالدا؟

سيكون البدائيون أقوياء إلى الأبد، لقد كانت هذه طبيعتهم وحقهم الطبيعي، ولم يكن هناك ما يتحدى حكمهم.

كما أنهم لم يتمكنوا من النمو بشكل أقوى، وبالتالي فإن الرغبة في التلاعب بالشؤون الصغيرة كانت بلا معنى.

لقد استغرق الأمر اندماج روان والسجل البدائي الذي أدى إلى نهاية كل الواقع قبل أن يتمكن البدائيون من الإيقاظ، والآن فهم روان هذا المفهوم وجزء منه كان يخشى تلك الحالة.

على عكس الخالد العادي، كان لدى روان المزيد من سمات البدائي، مجرد لقب واحد منه من شأنه أن يرفع أي خالد إلى السماء، وكان لديه العديد من الألقاب، وبإمكانه اكتساب المزيد منها في المستقبل.

لذلك كان من السهل بطبيعة الحال بالنسبة له أن يصبح تمامًا مثل البدائيين ويفقد نفسه للوقت، ولكن على عكس البدائيين، كان ضعيفًا جدًا ليكون هادئًا إلى هذا الحد.

قد يختبئ لفترة، لكن سيُكشف أمره مع مرور الوقت، وسيستغرق وقتًا طويلًا ليصبح كلي القدرة، ولديه أعداء. ربما هزم روان التهديد الحالي، لكنه في طريقه أصبح محط أنظار الآخرين، وبعد نهاية الكون، أصبح فريسة سهلة.

لحل مشكلة لامبالاته المتزايدة بالوجود، اختار روان صنع وعي فائق. كان هذا الوعي مزيجًا من خمسين بالمائة من كل عمود من أعمدة وعيه، ومنحه أخيرًا وعيًا منفردًا يُشرف على جميع أعمدة وعيه الأصغر.

قلّل هذا من قوة أعمدة وعيه، وجعلها مُديرةً فعّالة للغاية، لكنه أوقف انحداره إلى اللامبالاة، ولو شاء، لعكس العملية بسهولة وسيطر على كامل قوة وعيه. مع أن روان توقع أنه مع ازدياد قوته، سيعود إلى حالة إطلاق العنان لكامل قوة وعيه للتعامل مع مهام أكبر.

هذا ما جعل روان يستمتع، على ما يبدو، بألف عام من العزلة والتأمل. في عقله الباطن، كان يشعر بأنشطة أطفاله، لكنها لم تعد تشغل تفكيره. لم يعد موجودًا في مليار مكان في آنٍ واحد، وأصبح قادرًا على التركيز أكثر على الحاضر، لأن التحديات التي سيواجهها في المستقبل ستكون أشد وطأة بألف مرة من علاقاته مع الانعكاسات.

كانت هذه البقعة المتجمدة المكان الأمثل له لقضاء وقته، فقد حمته من أعدائه، على الأقل حتى مغادرته. لو بقي روان داخل الظلام العظيم، لكان بإمكانه الاختباء لبعض الوقت، لكن ارتباطه بكل قوة عليا في الوجود يعني أنه سيتم العثور عليه عاجلاً.

لن يختار أحد البقاء طويلاً في تلك البقعة المتجمدة، فهي خالية من الأثير أو أي جوهر، وسرعان ما ستُضعف صرخات حوريات البحر دفاعات معظم الخالدين. كان هذا المكان الأمثل لروان ليستجمع قواه، لكنه لم يكن الأكثر أمانًا أيضًا، إذ لم يكن بإمكانه البقاء هنا طويلًا قبل أن يُكتشف وجوده.

تنهد روان واستلقى على ظهره وهو يتأمل السماء. لم يجلس هنا مع العشب الأزرق لألف عام دون سبب وجيه، مع أنه كان يُذكره بإيفا التي كانت جذورها أيضًا من عشبة بلوغراس قبل أن تكتسب الحكمة، إلا أن السبب الحقيقي هو أن نشأة هذا العشب مرتبطة بسلالته الثالثة. نعمته التي امتدت لألف عام.

شجرة الرغبات: [تتحكم في تدفق الحظ. تجمع الكنوز والأحلام الضائعة مرة كل عام، وتجمع الأمنيات والأقدار الضائعة مرة كل قرن، وتحقق كل ألفية أمنية، وتمنح كل عصر أمنية مستحيلة.]

عندما صادف روان هذا العشب الأزرق بعد لحظات قليلة من دخوله هذه النفايات المتجمدة، رأى أنه بكل قواه لن يكون قادرًا على منع هذا العشب من التلاشي في غمضة عين، وكان ذلك في إدراكه الذي سيجعل ثانية واحدة تبدو وكأنها شهر أو حتى عقد من الزمان إذا طبق المزيد من قوة وعيه.

ربما لم يكن الفانين أو حتى السامين ليشاهدوا هذا الحدث، فقد مر بسرعة كبيرة، ويبدو الأمر كما لو أنه لم يحدث أبدًا.

الترجمة : كوكبة