السجل البدائي - الفصل 884

الفصل 884 الطبقة الفانية

“بقي خمس ثواني…”

كانت الذاكرة تنهار، وبلغ الدمار مداه العميق حتى أن مساحة شاسعة من المشهده بدأت تتلاشى، وحل محلها الظلام. كان الأمر كما لو أن روان يراقب الخلايا العصبية الصغيرة وشرر الضوء داخل الدماغ وهي تنطفئ.

اختفت المجرات في الأعلى تاركة بقعًا من العدم والمقاتلين في الذاكرة، اختفى غولعوث ولم يترك خلفه سوى ساقه اليسرى، لقد وقع في إحدى عمليات مسح الذاكرة واختفى جسده وجزء كبير من هذا العالم.

بدأت عيون إيروهيم الميتة على ما يبدو في إظهار المزيد من ضوء النشاط، حيث أصبحت حتمية وفاته أكثر تأكيدًا مع استمرار العد التنازلي لروان.

ومع ذلك، كان هناك أمرٌ ما يُقلق روان، إذ كان يشعر أن في أعماق إيروهيم ليس خوفًا أو انفصالًا، بل لذةً وتوقعًا، ونوعًا من الانبهار الكئيب به. شكّ روان في أن إيروهيم كان يُدرك أنه لاحظ أفكاره الداخلية، أو أن هذه الموهبة مُمكنةٌ حتى.

حتى هذه اللحظة، لم يفهم روان من أين اكتسب هذه المهارة المتمثلة في التمييز العميق الذي يمكنه اختراق ضباب أي زيف، حاليا لم تكن هذه هي المشكلة، يجب أن يعرف إيروهيم شيئًا لم يكن يعرفه من قبل والذي من شأنه أن يضمن بقائه على قيد الحياة، وهذا ما أزعجه.

ومع ذلك، فقد فعل روان كل ما في وسعه لإدارة الوضع، وسيتعامل مع أي شيء يطرأ.

هز إيروهيم رأسه، “لن أستمر في هذا المسار لو كنت مكانك يا روميون،”

“بقي ثلاث ثواني…”

“أنت بالفعل من عائلتي، روميون، هذا العداء الشرس منك، تُخبر ضحيتك بالعد التنازلي لزوالها…” ابتسم إيروهيم، “تسك، تسك، شيطاني تمامًا. في هذه الحالة، لا داعي للعب بحيل الأطفال بعد الآن، لقد قدمت لك صفقة رائعة يا روميون، شيء كان يجب أن تُقدّره وتتمسك به بأذرع مفتوحة، لكن يا الهـي ، لقد قُذف بعيدًا كالرماد، لقد بصقت على وجهي يا روميون، ولهذا السبب، لن تكون الصفقة التالية في صالحك.”

تهديداتٌ مُريعةٌ بلا شك، لكن روان لم يُنصت إلا لنصف كلام إيروهيم، لأن تركيزه إنصب على التغييرات الكبيرة التي طرأت على وعيه مع وصول تسلل بذرة العالم إلى مستوىً مُتقدم. كان قد طهر مُعظم الجمجمة، وما تبقى منها كان يُفتح ويندمج معه.

“رطم!..

كان هناك شيءٌ ما يتحرك في وعيه مرتبطًا ببذرة العالم، وكان مُشتتًا، كحكةٍ لا يستطيع حكّها. أيمكن أن يكون كذلك؟ لم يجرؤ روان على الأمل، لأنه كان مبكرًا جدًا، فقد توقع استيقاظهم عند اندماجه مع العالم الأعلى وليس قبل ذلك.

“رطم…”

يبدو أن أطفاله الأوائل كانوا على وشك الاستيقاظ. على الأرجح، تأثروا باقتراب اكتمال اندماجه مع العالم الأعلى.

*****

كانت كمية الطاقة التي استخدمها للوصول إلى هذه النقطة سخيفة، حيث تم تحويل كل طاقة من الكون الميت إلى هنا، على الرغم من أنه لا يزال مندهشًا من قدرته على التقدم بسرعة كبيرة عبر العالم الأعلى، فقد قدر الأسابيع وليس الأيام، وربط هذا التقدم بأنه نتيجة لتكوين هذا العالم الأعلى، وعلاقته به.

إذا كان صحيحًا أنه كان له اتصال مع إيروهيم، فإن استيعابه لجمجمته كان نتيجة ثانوية لهذا الاتصال.

كان إدراكه يتعمق في قلب هذه الجمجمة، ومعه ظهرت عقباتٌ في شكل اختبارات معرفة. استقرت أنفاس روان، بغض النظر عما خطط له إيروهيم، فقد وصل إلى نقطة التفتيش الأخيرة، وقدّر أنه على الرغم من أن ما سيحدث بعد ذلك سيبدو وكأنه سيستغرق وقتًا طويلاً، إلا أنه بإدراكه، بالكاد سيمر ثانية أو ثانيتان.

كان الارتباط بجوهر الجمجمة مثل السماح لوعيه بالذوبان داخل بحيرة هادئة حتى أصبح واحدًا معها، ثم سأله العالم.

[تحليل الطبقة الفانية/تركيب المواد – الطبقة الأولى]

[ما هي نقطة التعويض للبرق الأثيري في الفراغ الذي يسافر بأقل من 0.6 أوم، مع الأخذ في الاعتبار الترتيب المكاني والجوانب…]

[التقارب بين سلالات القردة الرمادية ذات الميل التطوري إلى عزل نفسها عند الحمل، يحدد الموارد الضرورية اللازمة لإكمال التطور القياسي، والتطور الأساسي، …..]

[سرعة الرياح على فوهة بركان يبلغ طولها مليون ميل نتيجة لتأثير تقنية العواصف الناجمة عن تقنية مقطعية للأرض-]

[مستوى التأثير…]

[بصمة ألف ميل على سطح القمر الثالث الذي يدور حول…]

[حركة السحب مع نبض…]

[حركة قشرة الأرض في بركان هائل….]

في البداية، كان روان مرتبكًا بعض الشيء أمام الهجوم الهائل من الأسئلة التي لا تنتهي والتي ضربت وعيه، ولكن عندما بدأت إرادته العالمية في الإجابة على هذه الأسئلة دون عناء، فهم أنه كان يرى الأعمال الداخلية لبذرة العالم وهي تسيطر على كوكب.

لم يسبق له أن اندمج مع بذرة عالم، ولم يكن يُدرك الخطوات اللازمة لإتمام العملية. عندما كان لفوضى يسيطر على هذه القدرة، لم تكن لديه القدرة على فهم كيفية الاندماج مع الواقع على هذا المستوى، لكن الآن اختلف الأمر، فلم يعد يملك معرفة وقوة البدائي الذي يدعم هذه القدرة، وكان عليه أن يُنجزها باستخدام قوته وحكمته.

شعر روان بقليل من الشك في قدرته على النجاح، لكن هذا الشعور كان عابرًا، إذا كان هناك أي شخص قادر على القيام بشيء كهذا، فسيكون هو.

مع التركيز على المهمة العملاقة التي تنتظره، تابع أنشطة بذرة العالم عن كثب.

ما كان يحدث الآن هو أن الجمجمة تسأل بذرة العالم عن قدرتها على إدارة وظائف طبقتها الفانية، من سرعة الرياح إلى ضوء الشمس، إلى ولادة وتطور الكائنات التي وُلدت على الكوكب. جميع تريليونات الأنشطة التي ستحدث لضمان الحياة والتقدم الطبيعي للعالم كانت تُشارك مع بذرة العالم، وكان عليها التأكد من الإجابة الصحيحة.

إذا كانت بذرة العالم غير قادرة على فهم وحل هذه المشكلة، فإن الاندماج مع العالم من المرجح أن يفشل، وحتى لو لم يحدث ذلك، فإن النتيجة ستكون عالمًا خربا على حافة الدمار.

في البداية، كانت الأسئلة سهلة، ولم يكن حلها تحديًا يُذكر، لكن هذا لم يدم طويلًا. بدأت الأسئلة تزداد تعقيدًا لدرجة أن بذرة العالم تلعثمت في حيرة، ووصلت إلى مستويات من الاستحالة يصعب استنتاجها من أي تجربة سابقة. ففي النهاية، لم يكن لدى روان أي معرفة مسبقة بعالم أعلى، أم أنه كان كذلك؟

لقد ظهرت فوائد امتلاك وعي متعدد عندما بدأ في التنقيب في جذور بُعده، إلى الجزء الذي اندمج فيه مع جزء من عالم أعلى – خراب الجبل والبحر.

لم يهتم روان أبدًا بفهم كل التفاصيل الصغيرة في مملكته، على الرغم من أن القيام بشيء كهذا كان على جدول أعماله في وقت لاحق في المستقبل، في هذا الوقت كان كل وعيه مخصصًا للمعركة، بالإضافة إلى أنه لم يكن لديه إمكانية الوصول إلى هذا المستوى من المعلومات من قبل ولم يدرك مقدار ما يمكنه الوصول إليه الآن.

لم يكن الحفر عميقًا في جذور بُعده مهمة سهلة، حيث أن كمية المعلومات الموجودة في شريط صغير بحجم رأس دبوس من شأنها أن تملأ مكتبة بحجم القمر.

كان التحدي هنا هو العثور على المعلومات الصحيحة، وقضى روان بضع لحظات في فرز عدد غير معقول من البيانات غير الضرورية حتى وجد ضالته.

الترجمة : كوكبة