السجل البدائي - الفصل 874

الفصل 874 الإبنة الحقيقية للنور القديم.

كان جيش روان ضخمًا لدرجة أن أي فاني قد يقضي حياته كلها يمرّ بصفوفهم التي تبدو لا نهاية لها، ولن يتمكن من رؤية أكثر من عشرة بالمائة من المجمل، خاصةً بالنسبة للأرواح والوحوش مثل فرايغار، الذين كانوا ضخامًا لدرجة أنهم بحجم كوكب. لا يمكن لهذا الجيش أن يستوعب إلا في ساحة معركة تمتد لسنوات ضوئية.

عندما أرسلت إيفا تينما لمهاجمة الشياطين، بدأت في نشر الجميع في مناصب مختلفة، وكان لدى كل عضو في الجيش نقاط قوته وضعفه، وفي بعض الأحيان كانت أفضل طريقة لاستخدامها بشكل فعال هي في أماكن ولحظات محددة، وكانت ستضمن أن الجميع هنا يؤدون أفضل ما لديهم من قدرات.

ومع النزول المفاجئ لأعدائهم، كان لا بد من إلغاء كل تلك الخطط، إن الجبهة الموحدة أفضل من الجبهة المتفرقة، خاصة عندما ملأ أعداؤهم بالفعل جزءًا أكبر من ساحة المعركة، وبإشارة منها سحبت الجميع من حيث أرسلتهم لتطويق مدينة شيول المتنامية.

لقد وقفوا مثل جدار لا يمكن اختراقه حول مدينته، كانت وجوههم قاسية وكانت عيونهم حادة، لم يشعر أي منهم باليأس، فقط الإرادة المجنونة للقتال حتى لا يتبقى أي من أعدائهم، ولم يمنحهم الجيش الغازي سوى الدافع الذي لا نهاية له.

ورغم أن الجيش الغازي لم يهاجم، إلا أنهم بدأوا بمحاصرتهم، والآن أصبح من الواضح أن غالبية أعدادهم لم يكونوا شياطين أو سحرة أو سامين، بل كانوا وحوشًا.

أدرك روان أوجه التشابه بين هذه الوحوش وتلك القادمة من عين بدائي الشر، لكن على عكس الوحوش الحية هناك، كانت هذه الوحوش ميتة. جروحٌ جسيمةٌ مزقت اللحم والعظام زينت أجسادها، لكنها اندمجت معًا بشكلٍ صارخٍ جعل الوحوش تشعر بالألم حتى في الموت.

كان بإمكانه رؤية ثمار الرجاسات في جسد هذه الوحوش، كانت التجارب مع لاميا قد أثمرت للأمير الثالث، ولا بد أنه استخدم نواة الرجس لإنشاء جيش يمكنه إغراق أكوان متعددة، ومع ضراوة الطاعون الذي لا يمكن إيقافه، فإن كل شخص يسقط في قبضة هذه الوحوش سوف يرتفع كواحد منهم، جيش لا ينتهي من الموتى.

لا بد أن الأمير الثالث أدرك قدرة روان على حصد أرواح أعدائه، فحرص على ألا يمتلك معظم المهاجمين أي أرواح ليقدموها له. وقد صنع السلاح الأمثل لمواجهة روان، جيش من الموتى يزداد قوةً خلال المعركة.

بقي السحرة والشياطين والسامين في الخلف، مما سمح لكمية هائلة من اللحم بالهبوط على موقع روان. أما الأمير الثالث، وأمراء الشياطين، وكبار السحرة، والملوك السامين، فلا بد أن الاتفاق الذي عُقد بينهم كان قويًا بما يكفي ليختاروا العمل معًا كوحدة واحدة.

لقد كانوا على يقين من انتصارهم، كل ما عليهم فعله هو الانتظار ومراقبة المد والجزر الذي لا نهاية له من الوحوش وهو يجرف المعارضة، وسوف يمسح ما تبقى.

كانت ثروات هذا البعد المجهول ملكًا لهم.

****

لم تسترجع إيفا ذاكرتها بالكامل، لكنها شعرت أنها وقفت هنا من قبل، مرات لا تُحصى في الماضي، بينما كان سيلٌ لا ينضب من الأعداء ينهال على حصنها. خصوصًا في أواخر حياتها، حيث لم يبقَ سوى معارك خاسرة لا تنتهي، وهي تُكافح من أجل البقاء، ليس فقط لليوم التالي، وهو احتمالٌ بدا شبه مستحيل أحيانًا، بل للدقيقة التي تليها.

نعم، لقد وقفت هنا من قبل وصمدت أمام نظرات ألف عدو أقوى منها وهم يطالبون بدمها ودماء كل من تحب.

لم تكن سيدة الظلال بحاجة إلى النوم، ولكن في بعض الأحيان عندما كانت تغلق عينيها في تأمل، كانت تسمع صوتًا، صوتًا كان يزعجها منذ اللحظة التي ولدت فيها إرادتها، كان هذا الصوت دائمًا داخل رأسها لكنها لم تستطع سماعه بوضوح، ولكن عندما عادت إلى ارتفاعات قوتها السابقة، جاء الصوت بشكل أكثر وضوحًا، ليس كل شيء، ولكن بما يكفي لتتمكن من الشعور بإرادة المتحدث.

[إيف! أنت الابنة الحقيقية للنور القديم!

الذي يغير كل شيء بعينيك الثاقبة.

لماذا تستغلين قلب الشاعر هكذا؟

النسر، الذي أجنحته هي حقائق باهتة؟]

كان ذلك الصوت آخر ما سمعته قبل وفاتها، يُهزّ طموحاتها ويُحطّم أحلامها. بدا الصوت وكأنه يمتزج بأصوات الأمير الثالث. كان صوته المُهين تذكيرًا بموتها.

لا بد أنها أعطت إشارة خارجية للاضطراب في قلبها لأن سيرسي نظرت إليها بقلق، أومأت إيفا برأسها ثم ابتسمت لأنها كانت سعيدة بشكل غير متوقع عندما أدركت شيئًا ما.

لقد حصلت إيفا على إرادتها منذ عقدين من الزمن، ومنذ ذلك الحين كانت تعاني من التعذيب بسبب هذا الصوت، ولكن الآن، أعطاها الأمير الثالث مكانًا لتوجيه كل الغضب والإحباط الذي كان يتراكم بداخلها طوال هذا الوقت.

كان من الصعب أحيانًا أن تتذكر أنها لم تعد وحيدة، وأن الكيان الذي تخدمه لم يكن يُنظر إليه بازدراء. كان روان شديد الخطورة عندما كان مجرد بشر، وكان يمتلك مواهب قوية لم يستطع إطلاقها بسبب ضعف جسده، والأكثر من ذلك، الآن وقد أصبح خالدًا، أن مواهبه قد نمت إلى آفاق لم تشهدها البشرية منذ بدء الخليقة.

استطاعت أن تشعر بإرادة روان، كانت قوية وثابتة، ولم يكن خائفًا أو مذعورًا، كان وجودًا باردًا وحسابيًا ملأ قلبها بالقوة، استطاعت أن تشعر أنه فوق كل شيء آخر أراد قتل هذا المخلوق الذي كان وجهه ساخرًا منه، وفي لحظة، اصطف كل شيء في وعيها، وأعطت سيدة الظلال رد روان لتسمعه ساحة المعركة بأكملها.

“حاصد!”

رد صوت بارد، “أمرك سيدتي.”

“امنعهم قدر استطاعتك.”

انفجر الصوت القديم بالضحك الذي كان من الممكن سماعه في جميع أنحاء البعد.

“كل من دخل مملكتك سوف يموت، سيدتي.”

لاحظت إيفا أنه على الرغم من دخول الأمير الثالث إلى بُعدهم بحفاوة بالغة، إلا أن ذلك لم يكن بلا ثمن. من جميع المظاهر الخارجية، كان يملؤه البهجة، كما لو أن انتصاره مضمون. ولكن هل كان من السهل الانتقال إلى بُعد روان دون أي عواقب؟

من المؤكد أن الثقوب التي أحدثتها الدوامات في بعده لابد وأن تكون قد ساهمت بشكل كبير في تخفيف الضغط المذهل الذي لابد وأن حدث عندما انتقلوا إلى الداخل، ولكن لابد أن التأثيرات لا تزال تؤثر عليهم.

لقد اختار الأمير الثالث الجيش المناسب لمواجهة روان، كان الضغط الناتج عن النقل الآني إلى هذا البعد عديم الفائدة ضد الموتى، لكن إيفا رأت الفرصة هنا ولن تفوتها.

أطلقت غيلان الأكاشيك عواءً مُرعبًا، وإن لم يُسمع، إلا أنه كان مُمكنًا الشعور به، ورغم قلة أعدادهم، ظلوا بالمليارات. ظهروا حول جيش روان، وحتى في الضوء كان من الصعب رؤية أشكالهم الحقيقية، وبصرخة مكتومة، اندفعوا نحو جيش الموتى الهابط.

الترجمة : كوكبة