السجل البدائي - الفصل 868

الفصل 868 أعمال جريئة

أول ما انبثق من بذرة العالم هذه كان نور روان. هذا النور يُمثل إرادته، وكان وسيلةً لنشر إدراكه، لأن الظلام في هذا المكان كان عميقًا لدرجة أن شيئًا كهذا وحده كفيلٌ بكشف ما يختبئ بداخله.

كانت قدرة روان على زرع العوالم مقتصرة على العوالم الصغرى حتى ازدادت قوته، عندما كان لا يزال من سلالة الفوضى. وبعد أن كسر إرادة الفوضى في دمه، أصبح بإمكانه الآن الوصول إلى جميع القدرات المتاحة لسلالة أوروبوروس المُحسّنة دون قيود.

لم تعد قدرته على زرع العوالم محصورة خلف مستواه، بل كانت تتطلب فقط أن يكون لديه القوة والمعرفة لإطلاقها إلى أقصى حد لها.

كان روان قد افترض نظريًا مقدار القوة اللازمة لإنشاء عالم أعلى في حال صادف عالمًا مثله أثناء رحلاته، وكانت التوقعات قاتمة بشكل مذهل.

سيتطلب ذلك قدرًا هائلاً من القوة، أكثر مما كان بحراه البدائيان قادران على إعطائه، ولكن بما أنه كان لديه الكثير من جبال الروح من الخالدين الذين قتلهم، فإن القوة لم تكن المشكلة، المعيار الآخر هو إرادة العالم الأعلى، وهذا من شأنه أن يختبر معرفته.

في وقت نظريته، كان روان يتوقع أنه سيصبح قويًا بما يكفي ليكون قادرًا على التغلب على إرادة العالم الأعلى إذا وصل إلى نقطة حيث أصبح زرع مثل هذا العالم خيارًا، وكان الكشف عن كون القمر الأحمر عالمًا أعلى إغراءً لا يستطيع مقاومته.

كان روان يبحث دائمًا عن خيارات لتطوير سلالة أوروبوروس الخاصة به إلى ما بعد حدها الأقصى حتى تتمكن من معادلة سلالة شيول الخاصة به وبذر عالم أعلى من شأنه أن يرفع سلالة أوروبوروس الخاصة به من أضعف سلالاته إلى أقوى سلالاته، اختار المضي قدمًا في الخطة للاستيلاء على هذا العالم الأعلى لأنه اكتشف أنه فارغ.

لم تكن لديه إرادة للقتال، وكان يحتاج فقط إلى القوة للسيطرة عليه. مع ذلك، لم يكن هذا يعني أنه سينجح، ففي النهاية، كان العالم الأعلى قوة لم يُدركها تمامًا.

كان صنع بذرة عالم داخل جمجمة هذا الكيان المجهول أشبه بميلاد نجم. توسعت وعيات روان الثلاثة وتحولت إلى كرة ذهبية كبيرة تشبه الهندباء ذات فروع متوهجة عديدة، وانطلق نوره عبر الفضاء المظلم.

كشف هذا النور الساطع عن الجزء الداخلي من الجمجمة، وما ظهر بداخلها كان خراب حضارة مدمرة. عرف روان أن هذه الجمجمة ليست بناءً، بل بقايا كائن قوي سابق، ووجود مدينة داخل الجمجمة يدل على أن هذا الكائن كان، عندما كان حيًا، يضم عددًا هائلًا من الكائنات الحية.

استطاع روان فورًا ربط هذه الآثار بالآثار التي تُزيّن عين يدائي الشر، واستنتج أن الآثار التي رآها قد سقطت من هذه الجمجمة. لم يكن هذا مجرد تكهن، إذ أدرك أن الاضطراب الذي أحدثه بإطلاقه بذرة العالم قد أزاح مكان استراحة العديد من الآثار، وأنها بدأت تتجه نحو الهاوية الهائلة لعيني الجمجمة الفارغتين.

سيستغرق الأمر بعض الوقت قبل أن يسقطوا، لذلك لم يكن منزعجًا.

إن وقته هنا في الظلام سوف ينتهي قريبًا عندما تبدأ المباني المحطمة في التساقط من الجمجمة، لكنه توقع أن ضجة زرع هذا العالم سوف تنبه الانعكاسات قريبًا بما فيه الكفاية، لكنهم سيكونون قد فات الأوان لإيقافه.

حتى مع الضوء الساطع القادم من العالم، كان إدراكه لا يزال يكافح للوصول إلى جميع زوايا هذه المدينة الضخمة، لكن ضوءه كان ينمو ببطء ولكن بثبات ويتوسع إدراكه معه، ويكشف له المزيد والمزيد من هذا المكان.

بفضل خبرته من تغير شكل شيول الدائم، تمكن روان من رؤية آلاف المدن الكبرى ذات الطبيعة المختلفة، من الغامضة والمخيفة إلى الخيال العلمي وما قبل التاريخ، لكنه لم ير مدينة مثل هذه من قبل.

بدت المدينة وكأنها مغطاة بسحابة غبارية خارقة للطبيعة، حتى نوره كافح لاختراقها، ومن مبانيها المتنوعة، إلى حجمها الهائل، لا بد أنها ضمت تريليونات. ويجب أن يكون سكانها قد فضلوا السماء على كل مبنى فيها، مهما كان ضخمًا، فقد بُني على ركائز طويلة للغاية، بعضها يصل طوله إلى ألف ميل، جاعلًا كل مبنى من بعيد أشبه بسرب طيور نحيلة الأرجل.

لا بد أن هناك مسطحًا مائيًا من نوع ما عند قاعدة هذه الركائز، ولكن مهما كان، فقد تبخر منذ زمن طويل. وجد روان الأمر غريبًا بعض الشيء أن بعض أجزاء هذا الكائن تشبه أجزاءه تقريبًا، فهل هناك اتصال هنا؟

مهما كان سبب زوال هذه الحضارة، فلم يكن سريعًا، فكل شبرٍ من نوره كان يحمل آثار معركة. وسرعان ما أدرك أن هذه ليست مجرد مدينة، بل حصنٌ منيع، وقد لاحظ ذلك عندما كشف عن أجزاءٍ كثيرةٍ من المدينة، إذ كانت تصاميمها بارعةً للغاية.

كل هذه العلامات تحكي قصةً مُفككة، لكن من السهل ربطها عند النظر إليها من بعيد، فكلها تُشير إلى اتجاه واحد. دخل شخص واحد هذا المكان وقاتل الجميع.

ربما كانت كلمة “معركة” غير مناسبة، كانت هناك مقاومة، بالتأكيد، لكنهم جميعًا اندثروا كما ينسحق القمح أمام منجل المزارع. من آثار المعركة، رأى روان أن هذا الشخص لم يتراجع ولو مرة، بل أنهى هذه الحضارة واستمر في التوغل في عمق هذا الحصن المنهار حتى…

رأى روان الجثث.

من آثار المعركة، كانوا آخر من سقط، ولم يكن يعلم إن كان ذلك صدفة أم عمدًا. كانوا سبعة أجساد ضخمة بلا رؤوس. لم يكونوا أضخم المخلوقات التي رآها، بشرية، وكان طول أجسادهم حوالي عشرة آلاف قدم.

ارتجفت حواس روان وتفجرت كراهية مألوفة من أعماقه عندما أدرك الجوهر المنبعث من هذه الأجساد وأدرك أن هؤلاء كانوا حراسًا بدائيين.

لم تختفِ المشاكل التي واجهها مع الحراس البدائيين، لكن هذا الكون كان يحميه طوال هذا الوقت من أيديهم، وكان روان يتوقع أنهم سيصبحون مشكلة في المستقبل، لكنه لم يتوقع أبدًا العثور على جثث هذه الشخصيات المراوغة في هذا المكان.

لقد كان تهديد الحراس البدائيين دائمًا في ذهنه، ولكن مع نموه وتطوره إلى ما هو أبعد من سلالات جذوره، اختفى تأثيرهم في حياته واتخاذ القرارات تقريبًا.

قطعة أخرى من اللغز ظهرت في مكانها، فذهل عندما أدرك أن جذور هذا المكان جائت من شخص يصطاد هؤلاء الحراس البدائيين، كان سبب هذا العمل المجنون واضحًا، وهو الحصول على أصل الروح.

كان بإمكان روان أن يجد طرقًا للحصول على أصل الروح، لكن كان لديه سلالة شيول التي جعلت كل ذلك ممكنًا، أراد شخص ما إنشاء هذا المكان لحصاد طاقة الروح وقد ذهب إلى المصدر.

مع أن هذا الفعل صدر عن عدوه، إلا أن روان وجد نفسه مبتسمًا. ما عساه أن يقول، لطالما قُدّر روان هذه الأفعال الغريبة التي قد تُصدم الجميع.

الترجمة : كوكبة