السجل البدائي - الفصل 860

الفصل 860 تعالوا يا أبنائي

إذا لم يُنبِّه قتلُ الخالدين الصغار الذين دخلوا نطاقه أعدائه إلى المخاطر الكامنة في بُعده، فإن اختفاء ملك الشياطين سيفي بالغرض، لن يعرفوا ما ينتظرهم. هذا من شأنه أن يمنحه بعض الوقت لدفع الأحداث إلى الأمام.

توقع أن طرق القضاء على ملك الشياطين قليلة جدًا، وأن من هم على نفس القدر من القوة في الهاوية العظيمة سيشعرون باختفاء شخصية مرموقة كهذه. كان عدد هذه القوى الكبيرة في الهاوية العظيمة محدودًا، وموت واحد منها سيهزها.

كان يظن أن معظم الناس سيصدقون أن ملك الشياطين محاصر لأنه لم يكن ميتًا حقًا، بل مختومًا. لهذا السبب لم يُقدم على قتله في تلك اللحظة. فعلى عكس أي خالدين سبق أن قتلهم، كان قتل ملك شياطين سيُثير ضجة كبيرة، لدرجة أنه خشي أن يلفت انتباه أحد البدائيين.

لقد كان رقصًا دقيقًا لإيجاد التوازن الصحيح بين التسبب في القدر المناسب من الضرر ليكون فعالًا وعدم المبالغة لكي لا يظهر الكثير من يده.

مع نزول أعدائه الحتمي إلى بُعده، عليه أولًا أن يُجهّز دفاعه، ثمّ أن يُخطّط لكيفية التعامل مع الجوهر الفوضوي الذي يغمر بُعده. إن أراد الفوز في هذه الحرب، فلا يُمكن لمثل هذه العكازات أن تُعيقه.

في هذه اللحظة كان الكثير من قوة وعيه يركز على تصفية الكمية الهائلة من الأثير التي تغمر أبعاده وتفصلها عن البحار البدائية.

لم يستطع التركيز على الدفاع عن نفسه وإيجاد حلول لهذه المشكلة في آنٍ واحد. كان من حسن حظه، كونه بُعدًا، أن يكون لديه سكان، وكانوا جميعًا سيهبُّون للدفاع عن منازلهم عندما يستدعيهم.

“تعالوا يا أبنائي”

تردد صوته في بُعده. اتخذ وعي روان شكل عين ذهبية عملاقة بحجم نجمة. مع ولادة جسده المادي المتوقعة، كان يكره اتخاذ أي شكل بشري في هذا الوقت، فإذا كان سيظهر أمام أبنائه بجسده الحقيقي، فسيكون شكله ثابتًا لا يتغير.

في هذا الوقت، كان عليهم جميعا أن يروا إحدى عينيه.

اخترق ندائه بُعده، وغمر عشرات الآلاف من العوالم التي وُلدت بداخله. أدرك أن أبنائه كانوا يستعدون للحرب منذ آلاف السنين.

لقد منح إيفا حق الوصول إلى غرفه الثلاث، ولم تُخيّب ظنه. لقد استنسخت خصائص أقوى الأسلحة والدروع التي جمعها، وباستخدام “بئر المعرفة”، استخلصت أفضل أجزاء تلك الأسلحة الحربية، وباستخدام “الحدادة الجوفاء”، امتلأت ترسانته بأسلحة فريدة ستُزلزل العالم.

مع أن جميع عوالمه كانت في حالة سلام، إلا أن قوته العسكرية كانت تُحترم كأحد أسسها، وقد أنجب محاربين وأبطالًا أقوياء لا يُحصى عددهم. سمعوا صراخه عندما ارتطم عمود متوهج من الضوء الأبيض والأزرق بسطح جميع عوالمه.

كالنمل، انطلق أبناؤه نحو أعمدة النور، فدخلوها، وحملوا أمامه. ورغم عجلتهم، إلا أنهم كانوا منسجمين بعزيمة فريدة وتناغم، وانضباطهم نابع من وجود النورانيين كمعلمين.

في غمضة عين، تم ترتيب مئات الملايين من الكائنات أمامه، وأعدادهم تمتد عميقًا في بُعده، وأضاء ضوء إسطرلابه الساطع بينما استمرت ملايين الكائنات في الإضافة إلى عددهم حتى وصلوا إلى نصف مليار، وما زال أطفاله يصلون، مأخوذين من كل عالم يحتويه.

الأقوى بينهم، كل استعداداتهم لليوم الذي تم استدعاؤهم فيه للدفاع عن سيدهم ووطنهم.

لم يكن روان كائنًا يتوق إلى معاناة الآخرين. كانت عوالمه قوية، لكنها كانت أيضًا إيدين لا يمكن العثور عليها في عالم مادي عادي. جاء أبناؤه للدفاع عنه وعن منزلهم.

في مقدمة هذا الجيش الملفوف بالظلام البارد والنار الأرجوانية كانت سيدة الظل إيفا، لم يكن وجودها مرتفعًا، لكنه كان في كل مكان، ينسج عبر الظلام ويكمل نوره.

شعرت روان على الفور بكمية كبيرة من الحمل الذي كان يحمله تتلاشى عندما تولت المسؤولية عن جزء كبير من بُعده، وساعدته في تصفية الكمية الكبيرة من الأثير التي تتدفق إلى بُعده، وكان بجانبها شخصية الضائع المبتسمة، الذي ظل طفلا بعد كل هذه السنوات.

كان لديه عقد مصنوع من خرزات كبيرة، كل خرزة منها كانت جوهر اللهب المفقود المضغوط. بسبب بعض التعقيدات في هذا الجانب كلي القدرة، لم يستطع الضائع أن يزداد قوة، فاكتفى بجمع جوهره وضغطه بالمعرفة التي اكتسبها من الحكماء العظام.

على الجانب الآخر من إيفا، كانت ديان، التي أصبحت بعد كل هذه السنوات نساجةً كاملةً للنسيج السابع، تتحكم بقوةٍ تُشبه قوة ملكٍ سامي. كانت النجمة اللامعة بين أبناء روان، تلحق بالأقوى وتتفوق عليهم وعلى الجميع.

من بين جميع نساجي التعويذات، كانت الأقوى، إذ بلغت ذروةً في أربعة آلاف عام فقط، أذهلت عوالما العديدة. وبصفتها خادمةً للمنشئ، ازداد نورها قوةً، وفي درعها الذهبي، كانت تتوهج كالشمس.

كانت تقف بجانب ديان مايف التي كانت أجنحتها الخضراء مفتوحة على مصراعيها وتتألق بصواعق الزمرد، وسيرسي في حالة صدمة، وكانت عيناها تفحصان خلفها حيث تمت إضافة ملايين الكائنات القوية إلى الجيش.

أكثر من أي وقت مضى تسائلت عن وجودها وسط هذا الجيش السامي، والقوة التي شعرت بها تندلع خلفها استمرت في النمو حتى توقف قلبها عن النبض من الخوف، ولم تستطع إلا أن تشاهد في حالة صدمة ورعب.

كانت تحتضن بين ذراعيها كيرين البرق النائمة، التي لم تعد سوداء اللون بل أصبحت الآن بيضاء كالثلج، مع رون البرق الكبير على جبهتها.

كانت هذه طليعة جيش روان، وكان وجود إيفا صخرة صلبة تدور حولها كل الأشياء، وخلفهم كان الحكماء الثلاثة العظماء من عالم الجبل والبحر، أجسادهم التي كانت تحتوي سابقًا على كميات هائلة من جوهر عالمهم الأصلي أصبحت الآن مختلفة، على مدى آلاف السنين بدأوا في تبادل جوهرهم مقابل قدرة الثوران لروان.

كان الحكماء الثلاثة العظماء، هان لي، وني تيان، وسبارو، يحيط بأجسادهم الآن توهج ذهبي، حيث نبض جوهر ثورانه داخلهم، مما خلق صورًا للتدمير والخلق.

اكتسبوا قامتهم الكاملة، واقفين بطول مئات الأميال، لكن وجودهم لم يحجب سيدة الظل التي ازداد ظلامها باستمرار حتى خلق رونًا ضخمًا يتسع مع وصول كل جندي. استقرت أقدامهم على الرون الأرجواني الضخم الذي ينبض بالقوة، ويمنح كل من يقف عليه القوة والصمود للوقوف أمام جبروت نظرة روان.

بفضل إرادة سيدة الظلال، سيتمكن جميع أطفال روان من الوقوف أمام والدهم.

الترجمة : كوكبة