السجل البدائي - الفصل 852

الفصل 852 سقوط الخالدين

لقد انتشرت موجة الصدمة التي حطمت المجرة أسرع من الضوء، ويمكن القول تقريبًا أنها حدثت في لحظة، لكن هذا كان بعيدًا عن الحقيقة، فباستخدام معيار الزمن البشري، تم تدمير المجرة في جزء من عشر ثانية.

عندما توقف الدمار الذي شمل المجرة بأكملها، خلّف كرةً دائريةً تمامًا من اللاواقع. فضاءً لا يمتلئ بشيء، إذ جُرِّد من جوهره. لو كانت الكون حية، لفاض دمها من هذا الجرح المؤلم، ولبدأ الواقع يلتئم ببطئ، لكن الآن، ستبقى هذه المنطقة على هذا النحو.

على الرغم من أن هذا الكون كان صغيراً، عمره بالكاد سبعة مليارات سنة، فقد واجه نصيبه من الحرب والدمار، ولكن لم يكن أي منها يضاهي هذا الحجم.

لقد تبين أن موجة الصدمة لم تكن نتيجة ثانوية للهجوم من القوة ضد الأمير الثالث، بل كانت متعمدة وخاضعة لسيطرة صارمة، وحقيقة أن تريون فقط نجا من الدمار كانت شهادة أخرى على أن كل ما هلك كان وفقًا لإرادة المنشئ، وكان هذا مجرد وسيلة لتحقيق غاية.

كانت المجرة المحطمة يبلغ محيطها مائة ألف سنة ضوئية، وكان من المستحيل على العقل البشري أن يحصر هذا النطاق من المسافة، وكانت كمية الموت والدمار التي اجتاحت مثل هذه المنطقة الواسعة في لحظة وجيزة مزعجة للغاية… على الأقل بالنسبة للفاني أو السامي.

بالنسبة لكائن مثل روان، كان يعلم أن هناك أكثر من ثلاثة تريليونات مجرة في هذا الكون وحده، وعلى الرغم من أن تدمير مجرة واحدة كان إنجازًا مستحيلًا بالنسبة لمعظم السامين والفانين، إلا أنه كان جزءًا صغيرًا فقط من معادلة الخلق الشاملة.

كما هو الحال مع أعدائه، لم تعد القطع التي سيطروا عليها صغيرة. فالكواكب بالنسبة لهم مجرد غبار، وكانت جيوشهم تنظر إلى الكون كأنه بحجم حقل كبير.

زأرت القوة، لم يكن من الممكن سماع الصوت في أي طيف سمعي، لكن يمكن الشعور به في الروح، كان شكلها غير مرئي، جانب آخر من جوانبها المرعبة، وبصرف النظر عن روان، منشئ موليك، فإن القوة التي دمرت هذه المجرة للتو يمكن أن تظل غير مرئية لأي شخص آخر، إلا إذا أراد أن تراه فريسته.

لقد أظهر للأمير الثالث مخالبه قبل أن يحطم جسده حتى لم يبق شيء، لأن المنشئ أراد أن يرى موته، على الرغم من أنه كان يخشى أن هذا الخصم لم يكن ميتًا، بل خاضعًا لفترة من الوقت.

في هذه الأثناء، التفت موليك حول كتلة صلبة من الجوهر، جعل الألماس أشبه بكرة قطن. كان تحطيم المجرة مجرد الجزء الأول من هجومه، وكان هدفه أن يجمع موليك كل جزء من الجوهر في دائرة قطرها مئة ألف سنة ضوئية. لم ينتهِ هجومه، بل شرع في ضغطه باستخدام القوة وحدها إلى كتلة من المعدن الرمادي طولها خمسون قدمًا.

قد يبدو الأمر سخيفًا، لكن القوة نجحت في ضغط مجرة بأكملها في كتلة صغيرة طولها خمسون قدمًا.

امتدت أجنحته المتعددة على نطاق واسع وسقطت أشعة صفراء من التعويذات السماوية على الجوهر المضغوط حتى أضائ بشكل ساطع مثل الشمس، ولكن لأن موليك لف جسده حوله، مثله، كان لا يزال غير مرئي للجميع.

بكل براعة، خدش النمط النهائي على الجوهر ونفخ عليه، مما جعله يختفي كما لو لم يكن موجودًا أبدًا.

*****

كانت إرادة الكون تقع على بعد ملايين السنين الضوئية من تريون، وعندما ضرب الأمير الثالث روان، لم يكلف نفسه عناء التحكم في المسار الذي تم إطلاق إرادة الكون منه.

في تلك اللحظة، أحاطت الكرة الخضراء بشخصيات قوية، من بينها سادة الأبراج وملوك الشياطين الصاعدين حديثًا. كما ظهرت شخصيات غامضة في المنطقة تقف أمام السامين، وحتى الملوك السامين اضطروا للبقاء خلفهم. يُفترض أن هذه الشخصيات هي الأباطرة السامين المراوغين الذين قيل إنهم أقرب إلى الأساطير منهم إلى الحقيقة.

كان ثلاثة من هؤلاء الأساطير هنا، إلى جانب أربعة من سادة الأبراج وثلاثة ملوك شياطين، وكانوا جميعًا يستعدون للمعركة التي ستقرر سيد إرادة الكون، وخلفهم كان هناك آلاف من الشخصيات القوية، رؤساء السحرة، وأمراء الشياطين والملوك السامين، والذين حملوا جميعًا جيوشهم معهم، والأقل قوة هنا هم السامين الأعلى، وقادة الشياطين، ورؤساء السحرة من الرتبة الخامسة.

لقد شعروا جميعًا بموجة طاقة الروح تندلع من تريون، وأرسلوا ممثلهم للتأكد من الكنز الجديد الذي ولد في ذلك العالم الغريب عندما حدث ذلك.

حتى بالنسبة لكائناتٍ بقوتهم، حدث دمار المجرة بسرعةٍ كبيرة، وكانت طريقة حدوثه غريبةً للغاية، إذ لم يرصد أيٌّ منهم أيَّ حركةٍ للطاقة. كان الأمر كما لو أن المجرة قد اختارت أن تختفي من تلقاء نفسها، ولم ينجُ منها سوى بضعة ملوك ساميين عرجاء وأمير شيطان، مما أثبت أن المجرة قد سُحقت بالفعل.

لقد بدأوا للتو في التأكد من سبب دمار المجرة…

ثم حدث دمار واسع النطاق عندما غطت موجة خافتة إرادة الكون واختفت في مكانها كانت صخرة متوهجة ينبعث منها الكثير من الضغط الجاذبي لدرجة أنها كانت مشابهة للثقب الأسود.

لقد غطوا جميعًا إرادة الكون بهالاتهم، فلم يكن من الممكن أن يتم أخذ الكنز أمامهم، لكن يبدو أن خصمهم لم يكن يلعب وفقًا لأي قواعد معروفة.

مئات من كبار السحرة من الدرجة الخامسة، وجنرالات الشياطين، والسامين العليا الذين كانوا يتبعون رؤسائهم بعناية تم جرهم وهم يصرخون نحو الصخرة المتوهجة، وعلى الرغم من أنهم استخدموا تعويذات وتقنيات مختلفة للهروب من السحب منها، إلا أن أحدهم، وهو ساحر كبير، كان بطيئًا للغاية، ولمس جسده الصخرة الصفراء الأرضية.

اهتزت الصخرة وتحولت من الأصفر إلى الأبيض الناصع. تمتم سايلس بلاك، أحد سادة الأبراج الذين دخلوا الكون، في نفسه مصدومًا: “هبوط سماوي؟” حشر إصبعين من أصابعه معًا، ممسكًا بالواقع بينهما، وغطّى نفسه به كالعبائة، في الوقت المناسب تمامًا عندما تحولت الصخرة إلى اللون الأسود وانفجرت.

كان الانفجار مثل نزول العديد من الثقوب السوداء الهائلة، مما صنع قوة شفط شديدة لدرجة أنه كان من الممكن رؤيتها من كل ركن من أركان الكون، حيث تموج الفضاء الذي يزيد قطره عن خمسمائة ألف سنة ضوئية وانجذب نحو مركز الانفجار.

من بعيد بدا الأمر أشبه بعين كبيرة تومض.

لحسن الحظ كانت إرادة الكون في زاوية قاحلة من الكون، ومع ذلك تأثرت العديد من المجرات المحيطة بهذه القوة الشفطية، مما أدى إلى كسر مساراتها عبر الكون حيث تم سحبها نحو الانفجار الذي أودى بحياة كل الخالدين المحيطين بإرادة الكون الذين كانوا أقل من مستوى ملكٍ سامي.

لقد كان هناك عشرات الآلاف من الخالدين الذين أحاطوا بإرادة الكون على أمل الحصول على أي فوائد من خلال الحظ أو الفرص، وعندما انتهى الانفجار، تاركًا ندبة قاسية في الواقع، لم يتبق سوى خمسين خالدًا.

كان عدد القتلى لا يمكن إحصاؤه، ففي أقل من ثانية، مات هنا عدد من الخالدين أكبر من عدد من ماتوا في الثلاثة مليارات سنة الماضية.

أمسك موليك بإرادة الكون بين مخالبه، ونظر حوله لآخر مرة، ثم اختفى. اختفى أيضًا وجود روان على ترايون.

“لو أراد العظيم أن يتم ما يريد لما منعه شيء في الكون أو خارجه”.

لفترة من الوقت، كان الكون صامتًا، قبل أن تملأه صرخات الغضب.

الترجمة : كوكبة