السجل البدائي - الفصل 839
لاتنسو الدعاء لأخوتنا في غزة ❤️
الإعدادات
Size
A- A+Font
لون الخلفية
الفصل 839 حبات خصر الشيطان
لم يكن الخوف غريبًا على ريكو. ففي الأشهر القليلة الماضية، منذ أن رأى سيرسي بورياس داخل معبد السلف، لم ينعم ولو بلحظة سلام.
كان يشعر بعيون تراقبه كل يوم، وبغض النظر عمّا إذا كان أي شخص آخر يعتقد أنه مجرد ارتياب لا داعي له، كان ريكو يعلم أنه مُراقَب ومُقيّد. لقد رأى نظرة سيرسي، أن الغضب والاشمئزاز كانا مألوفين لديه.
الأحداث التي وقعت بعد ذلك حوّلت تركيزه بعيدًا عن خوفه من سيرسي، إذ جنّ تريون. شاهد إخوته يذبحون ويأكلون بعضهم بعضًا ليزدادوا قوة، وقد ترك هذا الحدث ندوبًا عميقة في قلب ريكو طوال حياته.
كان عالم تريون مليئًا بالشياطين المتعطشين للدماء وكان يعلم أن البقاء على قيد الحياة يعني أن يصبح واحدًا مع المجموعة، لذلك انضم إلى أعياد الدم الضخمة واستهلك لحوم البشر جنبًا إلى جنب مع المخلوقات التي كانت ذات يوم إخوته وأخواته.
كان ريكو خائفًا من سيرسي ذات يوم، لكن السفر بجانب هؤلاء المهيمنين الذين لا يعرفون شيئًا سوى الذبح، عيونهم حمراء، مع أنياب تمزق شفاههم جعله يشعر أنه كان بجانب ذئاب جائعة أكثر من كونهم بشرا.
لم يكن دخول هذه الحرب خياره، فإن رفض سيُقتل ويُؤكل. كان عزاةه الوحيد في هذا الجنون وجود والده بجانبه. قد يكون الرجل عديم الفائدة في كثير من الأمور، لكن لا شك أنه أحب ابنه.
طوال أيام المعركة التي لا تنتهي لم يتركا بعضهما البعض، لكنه الآن أصبح وحيدًا.
منذ عودة سيرسي، كل ما عرفه هو الخوف، وقد ازداد هذا الخوف مع كل تغيير جديد. ظل هذا الخوف يتزايد حتى امتلأت كل لحظة من حياته بالخوف.
كان الصمت في الخارج بينما كان هناك في السابق هدير الشيطان هو القشة الأخيرة، كاد ريكو أن يصاب بسكتة قلبية، ولم يكن معروفًا كم من الوقت ظل على هذا الحال، لكن الدموع التي كان يذرفها قد جفت منذ فترة طويلة.
******
ارتجف ريكو وفتح عينيه، ولاحظ بلا مبالاة أن اليد التي كان يعضها كانت قد قطعت تقريبًا، لأن أسنانه كانت قد كسرت العظام ومزقت اللحم، وكان الشيء الآخر الجدير بالملاحظة هو الخاتم الموجود على اليد، لم يكن خاتمه بل خاتم والده.
تذكر أنه كان يمسك يدي والده منذ فترة قصيرة عندما هربا، ولكن في جنون ما تلا ذلك ورغبته في الهروب، نسي أنه كان يمسك بيد والده، لكنه لم يتذكر متى اختفى بقية الجسد الذي كان من المفترض أن يكون متصلاً بهذه اليد.
شهق ريكو وصافحه بعنف. كان ممسكًا بيده بشدة، ثم تركها، مبغضًا طعم لحم أبيه في فمه، لكن يده لم تفلت يده، مع أنه كاد يمضغها نصفين. صرخ مصدومًا عندما بدا أن اليد تضغط على يده أكثر، وردّ عليه ضحك عالي.
بدا الضحك كأنه صادر من اصطدام جبلين، ودفع الواقع إلى ذهنه. واقع كان ريكو يحاول الهروب منه عقليًا.
منذ أن علم أنه لا يستطيع الهروب جسديًا، سعى عقله إلى نسيان محنته وركز على يد والده المقطوعة التي تمسك بيده، لكن هذا الضحك أبعد المأوى الذي بناه عقله ونظر ريكو إلى الأعلى ورأى الجنون الذي رأى خوفه كغذاء.
انضغطت عين شيطان على الشق الذي اختبأ فيه وغطاه بالجثث. كانت العين مشقوقة أفقيًا كعين ماعز، وكانت ضخمة جدًا لدرجة أنها كانت أكبر من جسده بأكمله.
كان الشيطان يضغط على الشق وينظر إليه طوال هذا الوقت، ويبدو أنه وجد الجنون الذي يجتاح ريكو مسليًا.
امتلأت الشقوق برائحة الطعام، بينما كان سامي الأرض المجيد يبول على نفسه ويتأوه من أجل والده.
بدت العين التي تراقبه وكأنها ترتجف من المتعة وملأ ضوء لا يوصف منها الحفرة، بدأ ريكو بالصراخ، متمنياً أن ينقذه أحد، حتى سيرسي.
دفع الشيطان الجثث بعيدًا ببطء، مستمتعًا بكل لحظة من اليأس والجنون التي نشأت داخل ريكو الذي كان عليه أن يشاهد فمًا ضخمًا مليئًا بأسنان حادة كالإبرة ينزل ببطء نحوه، ولسانًا أسود طويلًا يتذوق خوفه باستمتاع.
صرخ وغطى وجهه بيديه، لم يستطع النظر إلى الموت يقترب، لم يعد عقله يحتمل. شعر ريكو فجأة بألم حاد في كتفيه وخصره. في جنونه وخوفه، لم يفهم ما كان يحدث حتى أُجبر على فتح عينيه وقُطعت جفونه.
لم يعد ريكو قادرًا على إغلاق عينيه وبالتالي أصبح قادرًا على رؤية كل شيء… والصراخ.
لقد بُترت أوصاله بالكامل. بُترت جميع أطرافه، ولم يكن يتعافى. قطع الشيطان جفنيه، ومن الألم الذي كان يشعر به في وجهه، أنفه وشفتيه أيضًا.
تنهد بصدمة عندما تم ضربه بخطاف معدني في ظهره، وخرج من صدره وتم رفعه وربطه حول خصر الشيطان، الذي كان طوله أكثر من ألف قدم.
إلى جانبه كان هناك مئات من المهيمنين الصارخين بلا أطراف، وعلى الرغم من أن الوجه بجانبه لم يكن له جفون أو أنف أو شفاه، فقد تعرف على والده.
وبالنظر إلى حقيقة أنه كان يضحك بصوت عالٍ ويصلي إلى كيانات شيطانية مجهولة، فقد أصبح الرجل مجنونًا.
قبل ساعة تقريبًا، كان ريكو بين مليون سامي أرضي، ثملًا بدماء السحرة والشياطين. كان المهيمن على مستوى سامي الأرض خصمًا شرسًا، فذبحت الشياطين والسحرة في ساحة المعركة بمئات الملايين.
لم يستطع أحدٌ الصمود أمام جبروت أمواج المهيمنين اللامتناهية وهي تتدفق على قارتي المعركة، مُحدثةً دمارًا هائلًا، في أسبوعٍ واحد، اجتاحوا قارةً بأكملها، مُحطمين كل تحصيناتهم، ومُحطمين أي تقدمٍ أحرزه أعداؤهم على مدار المليون سنة الماضية في غضون أيام.
لو لم يكن هناك عدد لا نهائي من الشياطين المفاجئ الذي أخر موجة المذبحة، لكانت الحرب بأكملها قد إنتهت في أسبوع واحد.
كانت هناك خلايا ضخمة يبلغ عددها بالملايين وكل منها تحتوي على عشرات الملايين من النسل الشيطاني مخبأة داخل القارة الثانية، وعندما اندفع المهيمنون إلى أسفل في غضبهم المجنون بالدماء، انفتحت الخلايا وتفجرت مليارات النسل الشيطاني من تلك الأرحام القذرة.
ومع ذلك، لم يفعل ذلك شيئا سوى إبطاء غزوهم، كما كان بمثابة وقود لجنون المهيمنين.
كان ريكو جزءًا من مجموعة متقدمة توغلت في أعماق القارة. على عكس المهيمنين الفاسدين الذين كانوا بجانبه، والذين اكتسبوا قواهم بأكل لحوم عائلاتهم، فعل الشيء نفسه، لكنه سرق قلبًا فقط، ونمت قواه تدريجيًا إلى مستوى سامي الأرض.
وعلى الرغم من انخراطه في جنون المذبحة، إلا أنه كان يتمتع بعقل صافٍ بما يكفي ليعرف متى بدأت الاحتمالات تتحول ضده.
لقد جاءت الإشارة الأولى عندما توغلوا أكثر من ألف ميل في القارة الثانية ولم يروا عدوًا واحدًا.
الترجمة : كوكبة