السجل البدائي - الفصل 815

الفصل 815 رشفتين وصنبور

سعت سيرسي إلى جمع كل حقيقة أمامها من شأنها أن تساعدها في اتخاذ الخطوات التالية.

لم يكن الأمر لغزًا عندما فكرت في كيفية وصولهما إلى داخل مخزنها المكاني، واسترجاع المواد من داخله، وكل ذلك وهي لا تعلم.

مسحت خاتمها المكاني بروحها، ومن بين كل الكنوز والأسلحة المخبأة بداخله، لم ينقصه سوى التقرير الذي في يد الصبي. أثار هذا ريبتها، ومن هذا الخيط الواحد، بدأت بالبحث أعمق.

كان هذا التقرير مخفيًا عميقًا داخل خاتمها المكاني خوفًا من أنه إذا تم القبض عليها فسوف يستغرق الأمر بعض الوقت حتى يصل إلى ضوء النهار، وهو ما يكفي لتنبيه روان إذا كان هناك أي شيء يمكن أن يدينه، ومع ذلك، فقد تم استرجاعه دون علمها، وهو شيء اعتبرته سيرسي دائمًا مستحيلًا، ولكن بعد ذلك جاءت سلسلة من الأدلة التي جعلتها تقريبًا تبكي وتضحك في نفس الوقت.

صلت سيرسي أنها على حق وأنها لن تتلقى رمحًا يخترق رقبتها، وتراجعت خطوة إلى الوراء، وضغطت نفسها على رف الكتب، صفت حلقها، وهمست.

“رشفتين وصنبور.”

رمشت المرأة التي كانت تحمل الرمح على حلقها، وشعرت سيرسي فجأة بالحرج يتدفق أسفل عمودها الفقري، لكنها تمسكت بموقفها وكررت نفسها بصوت أعلى.

“رشفتين وصنبور!”

رفع الصبي نظره عن تقريره وتنهد، “مايف، يمكنكِ إيقاف هذه الخدعة، لقد اكتشفت بالفعل من أنا.”

“حقًا؟ نقرتان ورشفة؟” أنزلت المرأة الرمح، واضعةً طرفه على الأرض وممسكةً به برشاقةٍ كسولة؛ التفتت إلى الصبي بنظرةٍ من الانزعاج الطفيف قبل أن تنظر إلى سيرسي بنظرةٍ ناقدة.

“استغرقت وقتًا طويلًا لتدركِ الأمر. يا الهـي ، هل نحتاج حقًا إلى طفلة سابقة لتريون؟ كل ما رأيته لم يُعجبني، بما في ذلك عبارات غريبة.”

شعرت سيرسي بالحرج أمام نظراتها الحكمية، وانحنت نحو الصبي والتفتت إلى المرأة، التي أشار إليها الصبي، بلا شك، باسم مايف، “إنها رشفتان وصنبور، وإذا كنتِ تريدين أن تعرف، فهذه هي الطريقة التي يشرب بها نبيذه، لذلك فهي ليست مجرد عبارة غريبة” قامت بإشارة هوائية بأصابعها، “ولكنها بيان حقيقة”.

“لقد تعافيتِ بسرعة كبيرة بعد أن كنت خائفًا على حافة الموت قبل لحظة،” طوت مايف يديها، “كيف تعرف كيف يشرب نبيذه؟ مثل هذا النشاط البشري نادرًا ما يقوم به سيدي.”

شعرت سيرسي فجأةً بالنشاط بعد أن غادرت ظلال الموت، فأشارت قائلةً: “لا أحتاج إلى اعترافكِ بسرعة تعافي من حافة الموت. لقد حرص سيدي العزيز على موتي مراتٍ عديدة من قبل. أنت تخلط بين خوفي وشيء آخر، وهو ليس الموت. كما أنك مخطئ بشأن ما يشتهيه سيدنا، فقد عرفت سيدنا عندما كان فانيًا، وهنا أقول: أنا من منحته طعم النبيذ الفاخر. يبدو أنك لا تعرفينه جيدًا كما تظنين.”

أصبح صوت مايف باردًا، “لذا يجب أن أفترض أن جزءًا من افتتانه بالموت جاء من يديكِ؟”

قالت سيرسي بصوت متقطع، “أممم، نعم… لا أعتقد ذلك، أشعر أنكِ لا تفهمين سبب…” شعرت وكأنها فأر أمام نظرة قطة، التفتت نحو الصبي، وحولت نظرها عن المرأة لتجنب هذا الموقف غير المريح، وسعدت عندما دفع روان التقارير جانبًا وابتسم لها.

“أحسنتِ يا سيرسي، لقد كان أداؤكِ أفضل بكثير مما توقعت. مع أن وعيكِ بالموقف ضعيف ويفتقر إلى الكثير، إلا أن حدسكِ كالعادة رائع. أحسنتِ ملاحظة النمط الذي وضعته أمامكِ، مايف لم تكن لطيفة، وكنتِ بحاجة إلى الأفضلية.”

انحنت سيرسي مرة أخرى، ونظرت إلى روان، “سيدي، الخاص بك …”

أشارت إلى الجثة التي كان يرتديها، من بين كل صور روان التي كانت في ذهنها، لم تكن أي منها صورة طفل. وجدت المنظر جذابًا ومخيفًا للغاية في آن واحد.

للحظة، خطرت لها فكرة غريبة وهي أن تُحضِر روان إلى صدرها ليرضع منه، ففعل ذلك بلهفة، لكنه رفض التوقف، ولم تُرِدْه أن يتوقف. توفيت بعد ساعات قليلة بابتسامة على وجهها بعد أن انهار جسدها، وقد جُرِّد من كل سائل.

هزت سيرسي رأسها، ونفت هذا الفكر إلى الظلام الذي جاء منه، ونسبت مثل هذه التأملات الغريبة إلى الجو الحالي في تريون.

رفع روان يديه الصغيرتين ونظر إليها بنظرة غريبة في عينيه، “أوه، هذا مجرد مظهر روح يحمل جسدي، لا يزال ضعيفًا جدًا لحملي، لذا عليّ استبداله كل ثلاث دقائق بآخر جديد. هذا الحجم هو ما أحصل عليه بعد تفكيك التسعمائة ألف مظهر روحي المتبقية لزيادة عددها سبعة أضعاف، لتحقيق أقصى فائدة.”

ما لم يُخبرها به هو أن هذا الجسد كان الذكرى الواضحة الوحيدة لروان قبل أن يصبح شخصًا آخر. سيصعد إلى البعد الثالث قريبًا، وستكون هذه آخر تحية يُمكنه تقديمها لذاته السابقة.

روميون، الملك الخير الذي لم يكن موجودًا أبدًا.

“لقد قرأت تقاريركِ، لكن حان الوقت لأرى الحالة الحالية لتريون بنفسي قبل أن أحولها إلى رماد.”

نهض روان، وشعرت سيرسي فورًا بشحنة كهربائية تسري في الهواء. كطوفانٍ مفاجئٍ انبثق من العدم، تحوّلت الطاقة التي منحها روان في لحظة، من استرخاءٍ إلى تركيزٍ تام.

“لم تريني أقاتل من قبل سيرسي، فاتبعي خطى مايف، فهي تُعتبر إحدى أيادي. ستشهد قريبًا يديَّ القويتين الأخرتين وهما تلعبان دورًا، إلى جانب أبنائي. شدِّد عزيمتكِ وقوِّ قلبكِ، وإن فاق الأمر طاقتكِ، فسأسمح لكِ بالفرار من تريون حتى تنتهي الحرب وأسحقهم جميعًا.”

انقسم جسد روان فجأةً إلى سبعة أجزاء، اختفى ستة منها مع مايف. أما الجزء الوحيد المتبقي، فقد بدأ يتحرك نحو قاعة الصعود.

أرادت سيرسي أن تعترض على أنها لن تهرب أبدًا من هذه المعركة القادمة، لكن أفكار ما رأته والتي كان على عقلها أن ينساها بسرعة سرقتها من لسانها.

مهما كان ما سيحدث، فهو ليس لسَّامِيّن صغيرة مثلها، بل سيكون رعبًا حقيقيًا، وينبغي لها أن تكون ممتنة لأنها جاءت لتلعب دورًا في هذا الأمر.

انحنت سيرسي بعمق أمام روان، وكَتَمَت دموعها. لم تشعر قط بمثل هذه الضآلة. صرّت على أسنانها وطاردت شخصية روان التي تختفي بسرعة. ستُثبت له خطأه.

دون علمها، انحنت شفتا روان في ابتسامة.

الترجمة : كوكبة