السجل البدائي - الفصل 810
لاتنسو الدعاء لأخوتنا في غزة ❤️
الإعدادات
Size
A- A+Font
لون الخلفية
الفصل 810 نسيت أن أغمد سيفي
لاحظت مايف أن المصنع الذي صنعه سيدها، والذي كان يشبه نقطة مضيئة، ينطفئ فجأة. اتسع وعيها في المكان، ثم استقر أنفاسها عندما ارتجف المكان أمامها، وبرز شكل صبي صغير كأنه مُشكّل من ظلمة الفراغ.
كان وجه روان شاحبًا، حتى شفتيه، كما لو أنه جُرِّد من دمه تمامًا. اختفت الحيوية وقوة الحياة التي كانت تلازمه عادةً، وما ظهر أمامها أشبه بجثة تمشي.
هل فشل في صعوده أو تطوره كما سماه؟ في ذلك الوقت، سيطر تدريبها عليه، واضطرت لمواساته أثناء بحثها عن طرق بديلة قد يحتاجها لشفائه وربما إعادة بناء مصنعه. لكن مشكلتها كانت أنها لم تكن تعلم بقدرات روان الحالية أو كيف يمكنها مساعدته.
تمنت مايف ألا يكون الفشل قد شلَّ عزيمته، فقد شهدته مراتٍ لا تُحصى. لكلٍّ منا نقطة انهيار، وليس من العيب أن تجد نقطة انهيارك الخاصة. إنها مجرد إشارة إلى ضرورة بذل المزيد من الجهد.
إذا لم تحطم مليون سنة من التعذيب على يد الوحش روحه وعاد أقوى، اعتقدت مايف أن روان سوف يتغلب على كل ما سيأتي.
‘لا يهم ما سيأتي بعد ذلك’، فكرت، ‘أفضل شيء يمكنني فعله هو الوقوف إلى جانبه”‘
ابتسمت مايف، محاولةً إظهار حبها وإيمانها به، “يا سيدي، أنا…”
كانت عيون روان مغلقة وفتحها ونظرت إليها وتوقفت عن الكلام.
كان الأمر كما لو أن الزمن قد توقف في مكانه، وفمها مفتوح، وبعد فترة وجيزة بدأت عيناها تنزف، تبعها كل مسام في جسدها وتحولت إلى تمثال مصنوع من الدم.
مثل الزجاج تشققت عيناها، بدأ هذا الكسر من هناك وانتشر في جميع أنحاء جسدها حتى كانت على وشك التفتت إلى قطع مثل دمية من الخزف.
دخل هذا الضرر إلى مملكتها السامية، وبدأ رعيتها يموتون. على عكس مايف، لم يستطيعوا تحمل ما رأته في عينيها. تجسد روان داخل مملكتها السامية لمع بريقًا قبل أن ينفجر.
أدى هذا الانفجار إلى تحطيم مملكتها السامية إلى قطع، وكاد شرارة إلهها أن تنكسر.
خرج من حلقها أزيز طويل كأنها تحاول الصراخ، لكنها لم تستطع. في لحظة، ملأ دمها المنطقة المحيطة بالكوكب. حتى السحب، وتحول الكوكب الذي كان أخضر يومًا إلى أحمر.
لقد فزع وعي العالم، وبما أنه كان قد ولد حديثًا، دون أي خبرة من غير مايف، فقد بدأ في البكاء في حالة من الذعر والخراب… كانت مايف تحتضر.
أمال الصبي رأسه جانبًا، كأن موت مايف لم يكن مؤثرًا عليه، ثم انهار فجأة. كان جسده كورقة سقطت من غصنها، وسقط نحو الكوكب في الأسفل.
سقطت مايف على ركبتيها، تئن من الألم، وكان رأسها يطن، وشعرت بضعف لم تشعر به من قبل. ثانية أو ثانيتان فقط وكانت ستموت.
خالية من الفراغ الذي رأته داخل عيني سيدها، لكن اهتمامها لم يكن بحالتها الحالية، فقد لاحظت أن هناك خطأ ما مع روان، فقد سقط دون أي قوة في جسده.
قد لا يعني له السقوط من هذا الارتفاع شيئًا، لكن هل تستطيع المخاطرة؟ دون أن تفحص إصاباتها أو تحاول شفاء نفسها، اندفعت خلفه.
“روان من فضلك…” ترك هبوطها آثارًا من الدماء خلفها حيث زادت سرعتها بعنف بعد الشكل المتقلص لروان الذي لم يتعاف، كانت يداها ممدودتان أمامها كما لو كانت تشير إليه بين ذراعيها.
مع دوي قوي يمكن سماعه في جميع أنحاء الكوكب، وصلت مايف إلى الأرض، مما أدى إلى إنشاء حفرة ضخمة، وتحطمت الجبال وأثارت عاصفة من الغبار على مدى أميال.
استغرق الأمر سبع ساعات حتى استقرت الأرض أخيرًا وتبددت سحب الغبار لتكشف عن مايف وفي ذراعيها كان جسد روان.
هزّته برفق كأنها تحاول تهدئته، وصدرت من شفتيها أصواتٌ خافتة، وهي تُغني له. كانت عيناه مغمضتين، وكان يحترق من حمى أشبه بعشرات الشموس في جسده. كان جسده يرتجف كما لو كان شبحًا قبل أن يهدأ.
كانت مايف على دراية بهذا التأثير بعد أن شاهدته يحدث آلاف المرات خلال هذه الساعات السبع. كان يدل على أن القوقعة التي كان يسكنها روان تحتضر.
هل كان لديه ما يكفي ليصمد في هذه العاصفة؟ كان عقلها مشتتًا، ومملكتها السامية قد دُمرت، وهي تتعافى ببطء، فلم يكن لديها ما تُعينه. لم يكن أمامها سوى أن تُهزّه ببطء وتغني له.
فتحت عيون الصبي بين ذراعيها ببطء بعد ثمانية أيام، ورأى جسدها مغطى بالدماء والإصابات المروعة التي عانت منها، وامتلأت عيناه بالعار والألم، “لماذا تخدميني؟ …” همس روان.
بطريقة ما، أدركت مايف أن هذا السؤال أعمق بكثير مما تتخيل. لم يكن روان يسألها فحسب، بل يسأل نفسه أيضًا. كل تدريب تلقته كان يحثها على التمهل وطمأنته بشأن أمور أخرى، وإبعاد ذهنه عما يقلقه، لكنها لم تفعل شيئًا من ذلك. لم تنتظر مايف لحظة واحدة قبل أن تجيب:
“في البداية، كان هذا واجبي يا سيدي. واجب أؤمن به من كل قلبي، وبعد كل هذا الوقت، أصبح هذا إيماني، لأني يا سيدي رأيتُ عظمةً. من غيري يدّعي أنه رأى عظمةً حقيقيةً في حياته كلها؟ كل ما مررتَ به منذ ولادتك حتى هذه اللحظة لم يُحطمك، بل جعلك استثنائيًا. إلى أن يموت كل نجم في الخليقة، سأخدمك يا سيدي، ولن أكون في أي مكانٍ آخر.”
هدأت عينا الصبي، اللتان امتلأتا بالحيرة، ببطئ كما لو كان في ظلام يكافح للخروج منه. رفع يده ببطء ومسح الدم عن وجهها، وقال: “لن أخذلكِ. أعتذر عن الألم الذي سببته لكِ، فقد اضطررت للقتال لفترة طويلة، ونسيت أن أغمد سيفي حتى بعد انتهاء المعركة.”
شعرت مايف بدموع تتجمع على حافة عينيها، لكنها رمشت بعنف لتدفعها بعيدًا، كان هناك عبئ تراه في عيني روان يطاردها. كان هناك شيء مخيف في تلك النظرة، عرفت أنه حتى مجرد تذكرها قد يقتلها.
لم يكن بحاجة للاعتذار أبدًا، وشعرت بالخجل لأنها لم تستطع تحمّل أيٍّ من أعبائه. مهما كان ما يواجهه، كان في عالمٍ بعيدٍ جدًا عن عالمها، يستحيل عليها حتى استيعابه.
الترجمة : كوكبة