السجل البدائي - الفصل 808

الفصل 808 ليمبو

أخيرًا، استطاع وعي روان أن ينظر إلى الأرض تحته ويفهم سبب كثافتها. لقد حُطم كل الواقع الذي وُجد يومًا، ودُمِرَ في مساحة صغيرة بحجم الكون.

بالطبع، هذا يعني أيضًا أن هذه الأرض الجديدة كانت لا نهائية، ولكنها لم تكن كذلك أيضًا، لأنها كانت موجودة فقط في البعد الثالث، وبغض النظر عن مدى لا نهائية الكون، فلن يكون مذلك إلا في البعد الثالث، في البعد الرابع، كان من الممكن ملاحظة الطول الكامل لهذا اللانهاية ثلاثية الأبعاد.

بالكاد استطاع روان استيعاب طبيعة هذه الأرض الجديدة بوعيه الضعيف. وكان هذا أيضًا سبب عدم قدرته على الوقوف، فقوة جاذبية الواقع كله، المنضغطة في هذه المساحة الصغيرة نسبيًا، ستجعل الثقب الأسود أشبه بنسيم لطيف.

لن يستطيع سامي أو ساحر كبير النجاة ولو من جزء من مليار من جاذبية هذه الأرض الجديدة. وحده جسد روان المتفوق، الناتج عن ثلاثة سلالات بدائية مكتملة، هو ما سمح له بالبقاء… عداه، مات الجميع، وأصبحوا جزءًا من الأرض الجديدة.

لا عجب أن البدائيين رفضوا هذا الطفل، فمولده سيمحو كل شيء، وستزول كل السيطرة التي بنوها على العصور. بحركة واحدة، أصبح أفظع مخلوق على الإطلاق.

بدا وكأن وعيه جعله يدرك ما يضغط عليه جسده، فبدأ يسمع صراخهم. من الناس، والسامين، والنباتات، والجبال، والأنهار، والنجوم، والثقوب السوداء… صرخاتٌ لا تنتهي، لأنه في هذه الأرض الجديدة التي صنعت، حتى الموت لم يعد موجودًا.

لقد وصل اسم هذا المكان إلى ذهنه بتأثير كبير، حتى أنه تسبب في تشقق جمجمته – كان اسمه ليمبو.

لقد حافظت على الصرخات الأخيرة لكل شيء كان موجودًا على الإطلاق، لأن الذاكرة والصمت ماتا أيضًا.

كل مخلوقاته، كل من عرفه أو أحبه أو كرهه سوف يختفون في غمضة عين، تاركين واقعًا لا يوجد فيه سوى البدائيين وروان، مع وجود ليمبو تحتهم يحمل الصرخات الأخيرة لكل شيء.

جنّ روان. لكن ذلك لم يكن إلا لحظةً وجيزة. حالته الراهنة جعلت من الجنون غطاءً دافئًا لا يستطيع الاختباء تحته طويلًا قبل أن ينهار عليه ثقل الموت مرةً أخرى.

فوق الليمبو، حيث كان هذا الرضيع، كان ما وصفه روان بالعدم. لم يكن له شكل أو معنى، وبدأ يُدرك أن هذا المكان كان موجودًا حتى قبل أن يولد الزمن.

لكن الحيوية اللانهائية المنبعثة من الرضيع كانت مرعبة للغاية، لدرجة أن واقعًا جديدًا بدأ يتشكل من هذا العدم. فهل كان هذا بمثابة إعادة ضبط؟

تلك الحيوية اللامتناهية، ممزوجةً بالعدم وصرخات ليمبو، كان شيءٌ جديدٌ يتشكّل. حدث هذا من قبل، لكن روان لم يلاحظه لانشغاله بأمورٍ أخرى.

أدرك روان أن إعادة الضبط هذه لم تكن شيئًا بسيطًا، فمهما كان الواقع الذي سيولد من ما سيأتي بعد ذلك، فإنه سيكون مختلفًا تمامًا عما جاء من قبل.

ربما لن يكون هناك المزيد من الأكوان، أو السامين، أو الفانين… لا مزيد من الكواكب أو الشموس، لا مزيد من الحياة كما تعرف عليها، فقط شيء مشوه في شكل جديد سيكون من غير الممكن التعرف عليه لدرجة أنه سيدفع الكائنات الحية الحالية في هذا الكون إلى الجنون إذا رأوه.

مهما كان هذا الواقع الجديد الذي سيولد، أدرك روان غريزيًا أنه لا ينبغي أن يكون موجودًا. كان ببساطة خطأً.

انبثق الواقع الأولى من العدم، وُلد من البدائيين، لكن هذا الواقع سيولد من موت الواقع السابق، وصرخات ليمبو، وحيوية الرضيع الفظيعة. هذا المزيج سيصنع واقعا لا شيء فيه سوى الشر والرعب المتجسدين.

لو كان روان يعلم هذا، لربما كان البدائيون سيفهمونه بوضوح أكبر. لم يكن من الممكن أن يسمحوا بحدوث شيء كهذا.

بدأت المعركة من جديد، ومات الطفل. كان قويًا، لكنه كان صغيرًا جدًا، وفي معارك بهذا المستوى، لم تكن القوة تعني شيئًا. ربما كان العامل الحاسم في هذا الصراع هو الأعداد.

إذا كان الطفل أبديا، فإن الخمسة البدائيين ضده، هم خمسة أبديين يمكنهم أن يسحقوا أبديا واحدا.

انتهى هذا الواقع، وبدأ واقع آخر مع صرخة الطفل. وأعاد السجل البدائي رسم المستقبل ليراه روان.

وحدث نفس الشيء، بم تكن للطفل فرصة للشفاء أو النمو، فتم قتله… في كل مرة.

مع أن روان حاول ألا يركز على المعركة، إلا أن قول ذلك كان أسهل من فعله. كانت القوى والمفاهيم التي استخدمها البدائيون متقدمة جدًا، مما أزعجه مرارًا وتكرارًا…

ولم يتوقف السجل البدائي عن تكرار هذا المستقبل الفاشل حيث ولد هذا الطفل وذُبح، وعانى روان من العواقب.

لقد هاجمه الجنون بعد الجنون، ورغم أنه كان بإمكانه الهروب إذا سمح لنفسه بالموت تمامًا مثل أي شخص آخر، وسوف يكون حرًا، لكن روان رفض هذا المسار، مدركًا أن السماح لجسده بالموت كان بمثابة استسلام لرغبات السجل البدائي.

كان هذا جسده هو الطريقة الوحيدة التي يمكنه استخدامها لمحاربة المستقبل الذي أراده السجل البدائي.

لقد تمسك… حارب روان من أجل الحياة حتى نسي سبب قتاله… كان ينبغي أن ينتهي وعيه منذ زمن طويل، لكنه تمسك…

كان روان ممتنًا لتلك الفترات من النسيان، على الرغم من أنها لم تستمر طويلاً.

في المرة 102,411,234 التي أظهر فيها السجل البدائي له المستقبل المحتمل، كان مختلفًا، لم يقاتل الطفل من أجل البقاء، انتقم على الفور عندما رأى ظهور البدائيين، وقتل واحدًا منهم قبل أن يتمزق إلى أشلاء.

تمنى روان لو لم يسمع صرخات موت بدائي. فقد ظلت معه طويلاً، مسببةً له انزعاجًا لا يوصف.

في المرة 504,768,990 عندما كرر السجل البدائي المستقبل، رأى انحرافًا آخر في هذا، اتخذ الطفل نفس إجراء الهجوم، لكن هذه المرة انتهى به الأمر إلى عدم قتل أي من البدائيين قبل أن يتم ذبحه.

1,003,456,789— قتل اثنين من البدائيين

1,998,774,331— قتل بدائيًا واحدًا

5,339,000,221— قتل ثلاثة من البدائيين

حتى مع صبر روان الذي يبدو لا نهائيًا، فقد بدأ يشعر بالتعب، بغض النظر عن عدد المرات التي أعيد فيها ضبط الواقع، فقد كان لا يزال خاسرًا، وجاء أعظم انتصار له مع وفاة ثلاثة من البدائيين، لكنه انتهى به الأمر ميتًا في كل سيناريو.

لم تكن نجاة روان من كل هذه الوقائع عبثًا. فقد تطورت قوته العقلية إلى مستوىً لا يُوصف.

لو كان وعيه ضبابا من قبل، فهو الآن ألماس. لقد نضج من معاناته أكثر من مما يفعل أي شخص آخر، ولم يعد الخوف سوى ذكرى تتلاشى بسرعة.

جمع روان قوته ونادى على السجل البدائي.

“لماذا تُريني مستقبلاً سأخسره لا محالة؟ لا أرى طريقاً سوى الموت في أيٍّ من الطريقين اللذين أريتني إياهما.”

الترجمة : كوكبة