السجل البدائي - الفصل 793

الفصل 793 جذر كل الشرور

أضاءت عيون روان الخضراء في انتظار ونزل ببطء نحو الأرض، وتبعته مايف وبدأت قصتها بسعال خفيف.

“كان ضفدع أزرق يقفز على حافة نهر هائج، باحثًا عن منطقة ضحلة نسبيًا ليعبرها، عندما صادف عقربًا جائعًا على حافة الموت. كانت سمعة العقرب خطيرة، فتجاهله الضفدع بحكمة، ومضى في طريقه باحثًا عن المكان المناسب للعبور.”

“سرعان ما وجد الضفدع المكان الذي يريده وبمجرد أن بدأ في عبور النهر، نادى العقرب على الضفدع، متوسلاً لمساعدته لأنه كان على وشك الموت جوعًا بسبب عدم وجود طعام صالح للأكل على هذا الجانب من النهر.”

“لقد فوجئ الضفدع، أراد أن يرحل ولكن كانت لديه طبيعة لطيفة، لقد اعتقد أن العقرب بالتأكيد لن يؤذيه لأنه كان جائعًا ويحتاج إلى عبور النهر للبقاء على قيد الحياة، لكنه كان حذرًا وطالب العقرب بنذر أعطاه طواعية للضفدع.”[1]

“انحنى الضفدع للسماح للراكب بتسلقه مرة أخرى، وبدأ رحلته عبر النهر، وعندما وصلا إلى جزء غادر بشكل خاص من النهر، اهتز جسد الضفدع من الألم عندما تعرض لضربات متعددة من لسعة العقرب.”

“وعندما كان كلاهما على وشك الغرق، سأل الضفدع الحزين العقرب لماذا خان نذره وحكم عليهما بالموت، فأجاب العقرب أنه لم يتصرف بدافع الحقد أو جحود الجميل ولكن لأنه كان لديه رغبة لا يمكن مقاومتها في لدغ فريسة عاجزة.”

انتهت القصة عند هذا الحد، لكن مايف تابعت: “أتذكر أن والدتك قالت لك هذا الجزء التالي، لكنك كنت نائمًا بالفعل”، ثم أكملت :

[“كل شيء على ضفة النهر حيث التقط الضفدع الأزرق العقرب مات، ليس بسبب المرض أو الجفاف، بل بسبب لسعة العقرب، مع أنه لم يكن بحاجة لذلك. لم ينتظر الطبيعة لتجديد نفسها، بل قتل وقتل وقتل حتى لم يبق شيء وبدأ يموت جوعًا. لا تنسى أن طبيعة العقرب هي القتل فقط”.]

صمت روان، وكادوا أن ينهاروا على الأرض عندما قال: “صرخات الموت في هذا الكون جاءت من يدي والدي. يُدعى المخادع على تريون، وأنت تُسميه المُحتال، وقد وصفه آخرون بالكاذب والمُدنس، وغيرها الكثير من الألقاب، ومع ذلك ترسم قصتك صورة أخرى له، كعقرب لا يُؤذي بدافع الحقد أو الرغبة، بل بدافع طبيعته. ولعل هذا أسوأ”.

فأجابت مايف بسرعة: “في نهاية المطاف يا سيدي، إنها مجرد قصة، ولا ينبغي لها أن تبرر أيًا من أفعاله”.

أومأ روان برأسه مشتتًا، فقد كان يعلم أن جوهر والده هو انعكاس، إنه ببساطة الصورة في المرآة التي تكشف عن حقيقة الشخص الذي ينظر إليها. أيًا كانت اختياراته، لم تكن مكتسبة أو مبنية، بل كانت مجرد نتيجة للشخص الذي نشأ منه، أو في هذه الحالة، البدائي الذي استند إليه.

لا عجب أن تجتمع مجموعة من البدائيين لقتل الجسد الرئيسي لأبيه. إذا كان انعكاسه سامًا ومفسدًا لكل ما يلمسه، فلا بد أن البدائي الذي استند إليه أسوأ بكثير.

ما هو نوع الواقع الذي يمكن أن يوجد إذا ترك بدائي مثل والده ليتجول فيه بحرية؟

كانت الصورة التي رآها في جداريات بوابة مصفوفة الروح خارج الكون صعبة فك شفرتها، لكنه كان يعلم أن الجسد الرئيسي لوالده ظهر على شكل إنسان، مع مجسات على الأجزاء السفلية من وجهه، مثل اللحية المصنوعة من الثعابين.

العيون ذات الأربعة جوانب المزعجة، والأكواب والخرائط على الطاولة، وجثته مثبتة على تلك الطاولة، لكن انعكاساته لا تزال تتجول بحرية في الكون… صورة بسيطة ولكنها تحمل الكثير من المعنى.

فجأةً، تجسّدت هذه الصورة في ذهن كشراً. بدأت عيناه الناظرتان تضحكان وتفهمان. في تلك العيون، بدأ يفهم أن ما يكمن هنا ليس الشرّ الأعمى الذي تُبديه معظم المخلوقات الواعية في الكون، النابع من الجشع أو الكراهية أو الخوف. لا، هذا شرّ حقيقي تشكّل قبل زمن طويل من وجود هذا المفهوم.

“هذه جذوري الحقيقية… الشر.” همس روان، وتردد صدى تلك الكلمات في داخله، وبدأ تطوره المتوقف بالاضطراب، كان هناك شيء ما يحدث بداخله، ولم يشك في أنه إذا نظر في سجله البدائي، وتحقق من الإرادة التي يتحكم بها والده الحقيقي، فستكون إرادة الزمن والشر.

بدا الكون وكأنه يئن من الألم عند إدراك هذا الأمر، وأراد روان أن يعتقد أن هذا مجرد صوت قادم من الفروع أثناء تحريكها بواسطة الرياح.

كان يعلم أنه مخطئ، فللعلم وزنٌ في هذا الكون، وربما أراد السجل البدائي حمايته من طبيعته الحقيقية. لكن روان كان يعلم أن هذا الزمن قد ولّى، وأن ثمار أبيه الحقيقي لا تزال تجوب الكون، وأنه سيبيدها.

****

جلس روان على جذع شجرة ضخمة، وقد غرست قدماه الصغيرتان في الأرض الباردة، واستند رأسه على لحائها القوي، يشعر بطاقة الطبيعة النقية تتدفق عبره. كان صوتًا أراحه، وسمع في أعماقه صراخ الكائن الذي صدر منه، وكان هذا الصراخ مريحًا له أيضًا.

كان روان مرتاحًا تمامًا بطبيعته. لم يكن طيبًا ولا شريرًا، بل كان كذلك فحسب.

قبل ست ساعات، وصل إلى الكوكب حيث التقى بسكانه، مع أنهم لم يتعرفوا عليه. بوعي واحد فقط، لم يستطع التحكم تمامًا في إدراك من رأوه، وكان الخطر عليهم كبيرًا جدًا.

كان روان معتادًا على التواجد بين نورانييه قبل تطوره، وكان ملوكه هم من يقفون أمام عرشه، لذا حتى النورانيون الأقل شأنًا لم يتمكنوا من رؤية مجده الحقيقي. إذا أراد التنقل، كان عليه أن يُكرّس وعيًا متعددًا ليُغيّر الواقع حوله ليحمي الآخرين.

في الوقت الحالي، لم يكن عليه سوى محو ذكريات الجميع. نظر إلى اليسار وابتسم عندما سمع ضحكات الأطفال. رأى روان شعبه وقد تحولوا إلى ما أسمته مايف “الخضر”، كما لمح السفينة الرونية “أبسوميت”.

كان فضوليًا بشأن شكلها، لكن كانت هناك أشياء أخرى تحتاج إلى اهتمامه العاجل، التطور إلى كائن من بعد أعلى، والحصول على اعتراف لاميا، التي أصبحت الآن بقايا نواة رجس، ثم إستعادة ذكرياته وميراثه الذي تركته والدته ورائها.

فتح كفه ليكشف عن بذرة خضراء زاهية تتوهج كنجمة. وُلدت هذه البذرة من شجرة القيقب العملاقة التي زُرعت في قلب هذا الكوكب الحي. بعد ولادتها، ذبلت وتحولت إلى رماد.

كانت البذرة مليئةً بمعلوماتٍ هائلةٍ تُضاهي الكتاب الذهبي الذي جمعه أندار من مكتبة السحرة القديمة. احتاج روان إلى وعيٍ متعددٍ لفكّ رموزه وفهمه، ولم يكن ليُخاطرَ بوعيٍ واحدٍ فقط، إذ سيُبقيه ذلك عاجزًا لمدة عامٍ على الأقل.

عرف روان أن إنشاء مصنعه كان الأولوية، وبينما بدأ العملية كان بإمكانه استجواب لاميا، كانت نواة الرجس على حافة الموت، لكن كان من العار أنها لا تزال متمسكة بخيط واحد من الحياة لأن روان لن يسمح لها بالموت حتى تتخلى عن كل ما تعرفه.

ابتلع البذرة ووقف على قدميه. انتهى وقت التأمل. استدعى مايف، فظهرت في ومضة برق أخضر وانحنت له.

كان روان يحقق سرًا في مايف، بدت قواها كقوى سامية، لكنها مختلفة. أي شخص آخر كان سينخدع، لكنه كان منشئا، يملك كل مصادر السلالات الموجودة، ورغم أنه رأى نظيرًا لقوة مايف داخل بُعده، إلا أن قواها كانت لا تزال غريبة.

“مثير للإهتمام”

الترجمة : كوكبة

——

[1] : النذر يعني القسم أو العهد أو الوعد