السجل البدائي - الفصل 789

الفصل 789 فهم أعمق للروح

اختفت العين في الأعلى بصمت وكأنها لم تكن سوى سراب يكشف عن سماء بدت واسعة للغاية ومليئة بعوالم متعددة بألوان زاهية مختلفة، بعضها ضخم لدرجة أنها كادت أن تشغل قسمًا كاملاً من الأفق، لكنه لم ينظر إلى هذه المناظر الرائعة، ركز نظره على ما ينتظره ومرة أخرى سقط على ركبتيه في حالة صدمة.

سمع كورنيليوس صوتًا خافتًا بجانبه، فأدرك أن المرأة قد انهارت هي الأخرى. كان حجمهما هائلًا لدرجة أن كل حركة منهما كانت تهز الأرض.

“ما هي تلك؟” همس.

سمع في رأسه كلمة واحدة وهي “القوة!”

سمع المرأة بجانبه تتمتم بصوت عالٍ: “هل علينا أن نختار؟”

استغرق الأمر بعض الوقت قبل أن يهز رأسه، “أعتقد أن هذه هي الفكرة. هناك الكثير هنا، كيف نتخذ الاختيار الصحيح؟”

“أليس من البديهي أن تذهب إلى المكان الذي يجذبك إليه قلبك؟ أعتقد أنني سأذهب إليه،” أشارت إلى البعيد وتلاشى جسدها. في البعيد، رأى كورنيليوس وميضًا ساطعًا من الضوء من المكان الذي اختارته المرأة. تماسك عندما انبعثت موجة من القوة من ذلك المكان ودفعته بضع مئات من الأقدام إلى الوراء.

ابتسم كورنيليوس، “لذا، هذا هو ما يعنيه أن تصبح ساميا.”

وباتباع غرائزه، أشار إلى اختياره، فتلاشى كل شيء إلى اللون الأسود عندما احتضن السلطة.

*****

راقب روان الناجيَين من تجربته وهما يسيران نحو منطقة صعودهما. كانت عملية صنع السامين سهلة ومعقدة للغاية، لكن روان كان قادرًا على تهيئة الظروف المناسبة لجعل كل ذلك ممكنًا.

كانت لديه أساليب متنوعة، لكنه اختار عملية جديدة وتجريبية ستعود عليه بأكبر قدر من الثمار. سيؤدي فشل هذه التجربة إلى إهدار هائل للموارد.

ومع ذلك، فقد نجحت تجاربه واستفاد منها كثيرًا، على الرغم من أن الخسائر كانت أكبر بكثير مما توقعه من حيث عدد الناجين الذين نجحوا في اجتياز العملية، ومن الواضح أنه بالغ في تقدير عناد الفانين.

وبعد تفكير ثانٍ، أدرك أنه حتى مع كل قواه، فإن صنع سامس كان إنجازًا صعبًا للغاية ويتعارض مع النظام الطبيعي، حيث كان الحصول على ساميين من ألف فانٍ أكثر كفاءة بتريليون مرة مما كان الكون قادرًا عليه.

كانت هذه التجربة في جوهرها تحاكي إلى حد ما فرضية روان بأن الكون صنع الخالدين. أدرك روان أنه بما أنه أصبح الآن بُعدًا، فعليه أن يعتبر نفسه كونًا.

كما أخبر سيرسي، بالنسبة لأي خالد – سواء كان ساميا أو ساحرا أو شيطانا، فإن ما أعطاه القدرة على العيش إلى الأبد، كانت روحه الخالدة.

بفضل تجاربه التي لا تعد ولا تحصى على السامين والفانين والتهامه مليارات لا حصر لها من الأرواح حتى هذه النقطة، اكتشف بعض الاختلافات الأساسية بين أرواح الفانين والخالدين.

إذا أراد أن يصنع سامين بسهولة متجاهلًا قيود السلالة، فعليه أن يفهم عملية تحول الروح الفانية إلى روح خالدة. كان عليه أن يفهم جميع الفروقات بينهما.

عندما يفهمها، فإنه يستطيع تغييرها.

لقد حقق تقدمًا كبيرًا في دراسة الروح، لكن الاختراق الحقيقي في فهمه لهذا الاختلاف كان عندما اكتسب أصل الروح.

لم يكن روان يدرك كل تعقيدات أصل الروح، لكن سلالة دمه البدائية الناشئة كانت تسيطر على الروح. هذا منحه فهمًا غريزيًا للروح وهناك حيث تنتهي معرفته، وسدّت الثغرات ببصيرته.

من أصول أرواح الفانين التي جمعها، بدءًا من طفل عمره يوم واحد إلى سامي أرض الذي يبلغ من العمر تسعة آلاف عام، اكتشف أنهم كانوا متشابهين تقريبًا باستثناء اختلاف صغير واحد.

في حالة الطفل الذي وُلد ليوم واحد، كان أصل روحه ثقيلًا، كما لو كان مليئًا بإمكانات لا نهاية لها، كان هذا وزنًا ميتافيزيقيًا لا يمكن اكتشافه على أي مقياس، لكن روان كان قادرًا على معرفة ذلك، وبالنسبة لسامي الأرض الذي يبلغ من العمر تسعة آلاف عام، كان أصل روحه أخف قليلاً، وغير قابل للاكتشاف تقريبًا.

لقد أدرم روان أن هناك تكلفة للحياة، بغض النظر عن مدى صغرها، فقد تم استنزاف أصل الروح، وكان السؤال هو ما إذا كان هذا الاستنزاف يمكن عكسه أو إذا كان دائمًا.

قرر ووضع هذا السؤال جانبًا في الوقت الحالي، لأنه لم يكن له أي علاقة بمشروعه الحالي، وكان يعتقد أنه إذا كان بحاجة إلى معرفة الحقيقة حول هذا الأمر، فمن المحتمل أن يستغرق الأمر تريليونات السنين لإجراء تجارب على أصل الروح.

ومع ذلك، من هذا الدليل الوحيد حول وزن أصل الروح، أنشأ روان الأساس للجزء الأول من عملية الصعود الخاصة به.

قسّم هذه العملية إلى ثلاثة أجزاء. الجزء الأول كان تكلفة الحياة، وهذا بطبيعة الحال أدى إلى الجزء الثاني.

أما الجزء الثاني من هذه العملية فكان يتعلق بنقاء الروح وكتلتها.

روح إنسان فانٍ عادي، بلا قوى، عاش حتى سن الشيخوخة، كانت مليئة بكل نكهات الحياة التي عاشها. سواءً كانت مشاعر، أو ذكريات، أو صدمات، أو غيرها الكثير. هذا ما جعل كل فانٍ فريدًا، وهي عملية أكثر تميزًا من بصمة الإصبع أو الحمض النووي.

لقد اكتشف أنه عندما يعيش الفانون معًا لفترة، سواءً عبر مجتمع أو منزل، تتشابك نكهات أرواحهم. فالزوجان السعيدان اللذان عاشا معًا معظم حياتهما سيتشاركان معظم روحيهما مع بعضهما البعض.

كانت هذه العملية رائعة للمشاهدة، فمع قدرته على رؤية الروح كان الأمر أشبه بالنظر إلى عدد لا يحصى من أقواس قزح الجميلة المتشابكة في وئام.

لقد لاحظ روان أن أجساد الفانين مليئة بما اعتقد أنه ثقوب، وفي الحقيقة عندما فهم لأول مرة الفسيولوجيا الكاملة للفانين، اندهش من قدرة هذه المخلوقات الهشة على حمل قوة هائلة مثل الروح داخل قشورها الهشة.

لقد كان هذا التنوير هو الذي أثار تطوره الأول وفتح هذا الطريق الجديد للتلاعب بالأرواح وفهمها.

حسنًا، اتضح أن هذه القشور الهشة للبشر كانت السبب في أن أرواح الفانين يمكن أن تتشابك بسهولة عندما يجتمعون معًا، وبينما بدأ الفانون في تسلق مسارات القوة وعيش حياة أطول، أصبحت قشورهم الهشة أكثر انغلاقًا، وعندما وصلوا إلى حالة سامي الأرض التي كانت ذروة الفناء، لم يتبق أي ثقوب في أجسادهم.

توصل روان إلى أن السبب الذي جعل المخلوقات الفانية قادرة على ولادة مواليد من نوعها بسهولة هو بسبب سهولة الوصول التي أنشأتها أصدافها المسامية والتي سمحت لأرواحها بالتشابك بسهولة مما أدى إلى إنشاء شيء جديد أو شيء قديم بشكل لا يصدق.

تساءل روان إن كان كل مولود جديد يُمنح أصلًا روحيًا جديدًا، أم أن الجميع تناسخ؟ من الواضح أن اندماج طاقات الروح بين فانيين لا يمكن أن يُنتج أصلًا روحيًا، أم أنه ممكن؟ كانت هذه أسئلةً يجب الإجابة عليها في المستقبل، فركز روان على الحاضر.

بالنسبة للفانين، كانت سهولة إنجاب الأطفال هي الميزة الوحيدة التي منحتها لهم تلك الأجسام المسامية.

هذا الاختلاط لطاقة الروح يُفقِد الروحَ نقائها. على سبيل المثال، رجلٌ عجوزٌ في الثمانين من عمره، عاش حياةً رغيدةً وغنيةً، ستمتلئ روحه بنورٍ مُتنوع الألوان، يُبهر البصر.

نظرًا لأن طاقة روح الفاني لا يمكن تجديدها، فإنه في كل مرة يفرك جزء منه على روح شخص آخر، يفقد ذلك الجزء من روحه إلى الأبد.

إن طاقة روح الرجل العجوز يمكن أن تمتلئ بالعديد من الألوان، لكنها كانت مثل شعاع من لهب شمعة يمكن إطفاؤها بسهولة.

لقد عاش حياة طويلة، واستنفدت طاقة روحه، مما أدى بطبيعة الحال إلى وفاته، أي حتى طرد أصل روحه مرة أخرى شعاعًا آخر من طاقة الروح وسوف يتجسد مرة أخرى، ربما في الدقائق القادمة أو بعد عصور عديدة من الآن.

الترجمة : كوكبة