السجل البدائي - الفصل 785

الفصل 785: تريون بحاجة إلى الاحتراق

كانت سيرسي جالسة داخل قاعة فخمة تضم ألف منصة مُجهزة بعناية. رتبتها على شكل دائري وهي في المنتصف. على مدار الأشهر الثمانية الماضية، كانت في دوامة لا تنتهي من النشاط وهي تُعدّ المرشحين المختارين للمرحلة الأخيرة من الصعود.

كانت المرحلة الأولى هي مرحلة الاختيار حيث كان على سيرسي أن تجد الأشخاص المناسبين الذين لم يكونوا متعطشين للسلطة فحسب، بل كانوا يحملون ضغينة كبيرة ضد العائلات الملكية السبع في تريون.

لم يكن من المستغرب أن يكون من السهل بشكل لا يصدق بالنسبة لسيرسي العثور على أشخاص مثلهم، من المتمردين ومقاتلي الحرية إلى الخادمات والبستانيين … أجيال بأكملها على مدى المليون سنة الماضية لم يكونوا سوى عبيد، وكانت حياتهم أقل قيمة من الغبار.

خلال عملية الاختيار، تمكنت سيرسي من التعرف على الجانب القبيح من الإمبراطورية، وكادت أن تبكي من الغضب والحزن بسبب المعاناة التي تحملها مليارات لا حصر لها على مدى آلاف السنين.

خلال فترة خدمتها لعائلتها، لم تبق سيرسي في مركز السلطة، أروث، بل أُرسلت إلى كوكب بعيد يُدعى جاركار، لذا لم تُدرك قط مدى فساد العائلات الملكية داخل تريون. سمعت شائعات بالطبع، لكنها بدت دائمًا خيالية لدرجة يصعب معها اعتبارها حقيقة.

أكل لحوم البشر، طقوس الدم، الإبادة الجماعية، التجارب المثيرة للاشمئزاز والعديد من الأفعال الفاسدة الأخرى التي يبدو أنها جاءت من حلم محموم لشيطان مجنون، ولكن كل ذلك كان يحدث.

كان هناك تعفن ينمو داخل تريون والذي كان يتفاقم ويتجلى بطرق تجعل العقل مريضًا ولبرهة تساءلت سيرسي عن سبب طلبها من روان إنقاذ هؤلاء الناس.

لقد كانت ساميهم مجنونة واعتبرتهم مجرد طعام، فما نوع الخير الذي يمكن أن يأتي من مجتمع مثل هذا؟

كان هناك مليارات من الأفراد الأقوياء الذين كانوا يدركون أنهم لن يصبحوا خالدين طوال حياتهم، بغض النظر عن مدى عبقريتهم أو مدى قوتهم.

في حالة سكر من جرعة متساوية من القوة واللامبالاة، بدأوا في البحث عن طرق أخرى لإيجاد الراحة في معضلتهم المميتة، لنسيان قيود سلالتهم لفترة وجيزة.

كان روان على حق في افتراضاته، لدفع تريون حقًا إلى مكان من الفوضى، كان أفضل سلاح هو لمس هذه النقطة المؤلمة التي كانت تقلق شعبهم لفترة طويلة، ومع ذلك كانت سيرسي متأكدة من أن حتى روان لم يكن على دراية بمدى عمق هذا الجرح المفروض بواسطة القيود على سلالات المهيمنين.

كان هناك مرضٌ هنا لم يستطع روان، في مكانته الرفيعة، أن يراه. انبهرت سيرسي بمدينة أروث عندما وصلت قبل ثمانية أشهر، لكن تلك الفرحة تلاشت، ورأت رعبًا حقيقيًا.

لقد كان الأمر مختلفًا لو لم يتمكن المهيمنين من الشعور بذلك الحاجز في دمائهم.

ومع ذلك، سواء عن طريق الصدفة أو التصميم، فإن كل واحد من المهيمنين الذين وصلوا إلى ذروة سلالتهم كسامي الأرض يمكن أن يشعر بالقيود التي تمنعهم جميعًا من أن يصبحوا سامين.

كاد هذا أن يدفعهم جميعًا إلى الجنون، ولم يكن الأمر كما لو أنهم لا يستطيعون أن يصبحوا سامين، فقد كان سلالة دمائهم قوية بما يكفي ليصبح ذلك ممكنًا، ولكن تم وضع سلسلة فوقها.

ما هو نوع العالم الذي سيصبح عليه تريون إذا كان كل سلالة ملكية حرة في أن تصبح سامين؟

ارتجفت سيرسي من هذه الفكرة. على مدى المليون سنة الماضية، أصبحت العائلات الملكية السبع مرتعًا لأخطر الأفاعي، ولو استطاعوا جميعًا أن يصبحوا سامين، بقوة سلالات المهيمنين، لغسلوا الكون بأكمله بالدماء.

تخيل مليارات من بورياس، كورانيس، أو تيبيريوس يجوبون الكون؟ هل يستطيع أي شيء الصمود في وجههم؟ آمنت سيرس بروان، ولم ترَ حدود قوته الحقيقية، ومع ذلك كانت قلقة من أن هذه الخطوة منهم قد لا تُنشر الفوضى فحسب، بل قد تُفضي أخيرًا إلى تحرير سامين تريون من قيود سلالات المهيمنين ؟

هذا، وغيره من الاعتبارات، وضع سيرسي في حالة توتر دائم. فلجأت إلى وسيلة لتخفيف هذا التوتر بنقل بعض أنواع التعذيب التي تعرض لها هؤلاء الأشخاص إلى ريكو، ومهما كانت بشاعة التعذيب الذي اختارته، بدا لها كل يوم أن نوعًا جديدًا منه سيظهر، أسوأ بعشر مرات.

كان ريكو عضوًا فخورًا في مثل هذه الأحزاب الفاسدة، وكان من المعجزة أنه تمكن من إبقاء شهيته تحت السيطرة أثناء وجوده في جاركار.

السبب الوحيد الذي جعله يكبح جماح نفسه هو عدم وجود فرصة لإطلاق العنان لنفسه، ليس كما هو الحال هنا… هذا المكان ملعون. كان روان محقًا، إنه فاسد حتى النخاع.

غيّرت سيرسي وضعيتها، واتخذت وضعية أكثر راحةً وهي متربعة الساقين، بينما عادت ذكريات ما رأته للتو إلى ذهنها. ارتجفت وحوّلت ذلك إلى ذكرى ريكو وهو يعاني الأمر نفسه، لكن ذلك لم يكن كافيًا.

خذ على سبيل المثال التعذيب الذي أوكلته لريكو، حيث كان يلعق مسكن المتسولين بأكمله ومجاريه بلسانه. كان هذا النوع من التعذيب شائعًا بين بعض شباب العائلات السبع.

ومما زاد الطين بلة أن من عانوا هذا المصير عادةً كانوا أطفالًا. وكانت ألاعيب النخبة المريضة لا تُحصى.

أدركت أن مصير المهزومين قاتم، وأن العدالة في هذا العالم مفهومٌ لا يُمنح إلا للأقوياء، ومع ذلك فإن معاناة تريون كانت كبيرة. كانت على يقين من أن أي حضارة أخرى في الكون لن تعامل عبيدها بهذه الطريقة.

لم تكن قد حصلت على رقم دقيق، لكنها كانت متأكدة من أن ما لا يقل عن ثمانمائة ألف شخص يُذبحون يوميًا في أروث وحدها من أجل تسلية البيوت النبيلة.

لتشتيت نفسها عن أفكارها الكئيبة، ركزت على مهامها، فأعادت النظر في الأحرف الرونية على منصات الصعود. لم تستطع سيرسي أن تتخيل مشهد ولادة الف سامي في آن واحد، لكن ذلك المستقبل لم يكن بعيدًا.

لقد أرسل روان رسالة قصيرة لها منذ ساعتين، مفادها أن اليوم سيكون اليوم الذي سيبدأ فيه صنع السامين.

ظهرت قائمة على يدها وعقدت حاجبيها قليلاً وهي تمر على كل اسم مدرج، متذكرة العملية المروعة التي مرت بها فقط لاختيار أفضل احتمال لهذه الفائدة المذهلة.

من بين هذا الكمّ الهائل من المرشحين، بدأت باختيار الأذكى والأخطر. استغرق الأمر بعض الوقت، لكنها تمكّنت من تضييق نطاق البحث إلى حوالي 5345 سلالة. ومن هنا، واصلت العمل بنفس الصيغة تقريبًا.

لم يكن هناك سوى ألف منصة وكانت بحاجة إلى ألف شخص على وجه التحديد.

لقد استمرت في العملية من خلال فحص ومعالجة المرشحين من خلال وضع تجارب ومكافآت مختلفة في حياتهم لمعرفة من سيستجيب بشكل أفضل للهدية الثمينة التي كانوا على وشك تلقيها.

باعتبارها سامية كبيرة، كانت المهمة سهلة بالنسبة لها، لكن الإعدام كان له تأثير سلبي على نفسيتها.

أدركت سيرسي أن روان لم يكن يريد فقط صنع سامين أنانية أو لديها أجندات ملحة أخرى عليها السعي لتحقيقها. بل أراد الفوضى، وكان على سيرسي اختيار من يكون هدف وجودهم الوحيد إلحاق الأذى بالإمبراطورية.

إن أن تصبح خالداً من شأنه أن يغير أولويات أي شخص، ومع ذلك لا ينبغي لهؤلاء المرشحين أن يهتموا بحياتهم، بل أن يروا هذه القوة فقط كفرصة لتمزيق تريون.

لقد كانوا موهوبين وأذكياء، وعلى الرغم من كل الصعوبات التي واجهوها فقد أصبحوا سامين الأرض، ويواجهون تجارب من شأنها أن تحطم مليون رجل قوي، لكنهم انتصروا بسبب شيء واحد فقط.

الكره.

انتهت عملية الاختيار. توقفت سيرسي وهي تفكر، إذا أرسلت هذه القائمة إلى روان للحصول على موافقته النهائية، فإن الكرة ستكون في ملعبها.

ترددت تقريبًا في هذه المرحلة، هؤلاء السامين الألف الجدد سوف يجلبون فوضى عارمة على تريون، موطنها، ولكن بعد ذلك مع ذكريات كل ما شهدته خلال الأشهر القليلة الماضية دخلت عقلها مرة أخرى، اختفى هذا الشك، وحل محله العزم.

كان من الضروري أن يحترق تريون حتى ينشأ شيء جديد.

الترجمة : كوكبة