السجل البدائي - الفصل 781

الفصل 781 حريش صغير

كانت القبوات متناثرة في أقسام مختلفة من بحر الدمار وكانت المسافة بينها واسعة بشكل مدهش؛ لو كان ليقيسها، لقال إنه كان هناك عرض ألف سنة ضوئية بينه وبين أقرب قبو، وكان أبعدها على بعد ملايين السنين الضوئية، مما جعل روان يتسائل أين يقع بحر الدمار هذا حقًا.

سيكون نقل المظاهر الروحية عبر بحر الظلام أمرًا صعبًا، إذ لم يكن بإمكانه إرسالها إلا واحدًا تلو الآخر نظرًا لضعف وعيه. كان عليه نقل المظاهر الروحية جسديًا عبر بحر الدمار لضمان سلامتها.

لفترة من الوقت، فكر في استخدام ملك واحد لنقل مظاهر الروح إلى وجهتها، لكن هذا من شأنه أن يهزم غرض أفعاله الخفية ويكشف عن نفسه للمك السامي.

من الموت المفاجئ للكون، وما يسمى بالدودة العظيمة، والقبوات، والتكوينات المجهولة والإرادات المكسورة المخفية داخل الدم المتحلل للكون، عرف روان أن تريون كان بطريقة ما في مركز كل ذلك.

انحنى روان رأسه في تفكير لبرهة قبل أن يتوصل إلى استنتاج مفاده أنه مع هذه التغييرات الجديدة، سيكون من الأكثر كفائة بالنسبة له أن يتطور ويحرر المزيد من قوى الوعي أولاً، قبل إرسال مظاهر الروح إلى وجهتها.

لقد حقق تقدمًا هائلاً في جمع المعلومات والمواد التي يحتاجها لإنشاء مصنعه، وكانت هذه هي الطريقة الأفضل التي يمكنه استخدامها حتى حدث شيء غير متوقع.

كان تقليد بورياس بشكل مثالي وتصميم مصنعه يأخذ الكثير من قوة وعيه، إذا مضى قدمًا في خططه لقتل فولجيم وتولي واجباته، فإنه سيجهد نفسه إلى الحد الذي قد يرتكب فيه خطأ أثناء إبطاء إنشاء مصنعه.

كان من المهم أن يتطور أولاً ويستعيد سجله البدائي قبل اتخاذ إجرائات أكثر صرامة. فالتغيرات في الكون قللت من وقته لوضع خططه، وقللت من وقت تنفيذه.

في البداية، كان يعتقد أنه قد يكون لديه آلاف السنين ليكتشف أسرار تريون ببطئ، ويستبدل جميع السامين بصمت، ويقتل غولغوث أثناء نومه، لكن يبدو أن والده لن يمنحه الوقت الكافي لجعل هذا الحلم حقيقة… يا للعار.

سوف يترك روان سيرسي دون أي توجيه في الوقت الحالي بينما يركز كل ما لديه على ضمان إكمال المصنع الخاص به والتطور.

لم يفكر حتى في القيام بتطوره في العلن على الرغم من أن الكون أصبح الآن ميتًا، ولم يعد بإمكانها مشاهدة أفعاله أو الرد عليها.

لم يُخفف موت الكون حرصه، بل كان يعني وجود ما هو أقوى من الكون، ويعني أنه بحاجة إلى أن يكون أكثر حذرًا من ذي قبل، خاصةً إذا كان الأمر يتعلق بأبيه المرتبط بهذه القوة الجبارة.

لقد وجد الرجل العجوز فخذًا أكبر ليعانقه، وهذا يعني فقط أنه كان بحاجة إلى صنع مطرقة أكبر لسحق الفخذ المذكور.

أرسل رسالة إلى سيرسي لتوخي الحذر في تعاملاتها خلال الأشهر القليلة القادمة. دخل روان إلى أعماق وعيه وبدأ بتصميم مصنعه. كل ثانية تُحدث تقدمًا سريعًا، لكنها تتركه عرضة للخطر أمام العالم الخارجي.

لقد كان الأمر بمثابة مخاطرة كان عليه أن يتحملها بكل بساطة.

*****

كانت السامية مينيرفا مضطربة.

نادرًا ما كانت تعاني من مشاكل تُقلقها إلى هذا الحد، ليس بعد أن سُلبت منها مرآة القدر. فبدون هاتين العينين القويتين، لم تعد قادرة على الرؤية البعيدة، ومع أن ذلك جلب لها الكثير من المشاكل، إلا أنه حمل معه أيضًا مزايا فريدة. أولًا، لم تعد تُقلقها أحداث لا تملك القدرة على التحكم فيها أو التلاعب بها.

لقد أصبحت عمياء مثل بقية الدمى الملعونة التي تجلس على عروش الجنون.

مع ذلك، كانت مينيرفا عنكبوتة تشعر براحة أكبر في شبكتها، وقد نشرتها على مصراعيها مستخدمةً أي موارد عثرت عليها. ومن بين هذه الموارد مخلوقٌ ما أمسكته في النيكسوس حيث هرب روان.

اتخذ هذا المخلوق شكل حريش عملاق ذي قدرات تطورية لا مثيل لها. لم تكن مينيرفا تعلم من إبتكره، لكنها استطاعت أن تستشعر جزءًا من قوتها الكامنة فيه. باستخدام هذه القوة، استطاعت التأثير على المخلوق، وتوجيهه لتحقيق أهدافها، وجعله يناديها الأم.

في البداية، كان المخلوق مشروعًا جانبيًا، أرادت اكتشاف أسرار ولادته، ولكن بعد كل اختبار وعقبة وضعتها في طريقه تم سحقها بسهولة ولم يتباطأ تطوره بعد كل هذه السنوات، بل كان في الواقع يصبح أسرع، بدأت تعطي له أهمية أكبر.

قبل سبع سنوات، دمجت هذا الحريش تمامًا مع سموها، فأصبح خيطًا في شبكتها الضخمة. ومع مرور كل عام، كانت أهمية هذا الخيط تزداد، وكانت تأمل أن يحل يومًا ما محل إحدى قطعها الأساسية، تيلموس.

على أية حال، كانت بحاجة إلى العثور على الأصل الحقيقي لهذه الألفيقية.

اكتشافه داخل النيكسوس يعني أنه على الأرجح من صنع الأمير الثالث الذي هرب أثناء تدمير النيكسوس. عرفت مينيرفا أن هذا الكائن الغامض يُطلق عليها اسم شريكة، لكنها لم تكن حمقاء، فقد كانت أكثر من أي شخص آخر تُدرك مدى فساد الأمير الثالث وشقيقه غولغوث وقوتهما.

إن اختفائها من حقول الإليسيوم لم يأخذها إلى بحر الدمار لأنها لم تكن لديها قبو، بدلاً من ذلك، وصلت إلى سفح جبل عظيم.

فجأةً، هاجمتها رائحة التعفن، رائحة مألوفة، وجدتها أكثر طبيعية من أي شيء آخر في الخليقة. كل شيء يموت، حتى السامين أنفسهم مع مرور الوقت، واستطاعت مينيرفا أن تشمّ رائحة التعفن في كل شخص.

لقد وجدت صعوبة أكبر في مقاومة تسليم نفسها لغولغوث، كانت رائحة الموت حول الملك السامي قوية للغاية لدرجة أنها تركتها في حالة ذهول.

طارت مينيرفا بضع بوصات فوق الأرض باتجاه الجبل قبل أن تتوقف أمام فتحة ضخمة تؤدي إلى كهف مظلم. كانت فتحة الكهف مليئة بالعظام واللحم المتحلل لملايين الجثث.

جميع هذه الجثث جائت من حيوانات وبشر، وكل ما بينهما، بخصائص غريبة كرأس مفقود. لم يكن الوحش يلتهم سوى رؤوس ضحاياه، ولم تكن مينيرفا بحاجة لإطعامه قط، فالصيد جزء لا يتجزأ من طبيعته، والقارة بأكملها كانت موطنه.

لقد أخبرت الوحش أنه يمكنه افتراس أي شخص أضعف منه، بما في ذلك أعضاء سلالة دمها، واكتشفت في وقت مبكر بما فيه الكفاية أن الوحش كان ذكيًا ولن يهاجم أبدًا أي شخص أقوى منه.

نظرت حول مدخل الكهف، فلاحظت مئات الآلاف من الأجساد الجديدة، بعضها لسحرة ومهيمنين، لكن معظمها للشياطين. بدأ الوحش يشعر بعدم الارتياح، وأصبح القتل أسهل عليه، لكنه كان بحاجة إلى المزيد من الطعام لتغذية قوته المتزايدة، لكن أفضل فريسة له لم تكن متاحة.

لم يكن تريون مليئًا بالسامين التي كانت الفريسة المفضلة للوحش، وفقط أجساد الشياطين القوية كانت قادرة على إخماد جوعه لفترة من الوقت.

“يا حريشي صغير، تعال إلى الخارج.” صرخت مينيرفا بصوت غنائي.

معنى غنائها، “ساعدني على فهم هذا الشيء الذي يزعج روحي”.

ساد الصمت لبضع ثوانٍ قبل أن يبدأ الكهف بالاهتزاز ثم يُغلق ببطء. تموج الجبل العظيم كما لو كان مصنوعًا من الماء، وبدأ لون أحجار الجبل الرمادي يتحول إلى ظلال من الأصفر والأحمر.

فوق المكان الذي كان فيه الكهف مباشرة، ثارت كماشتان ضخمتان يبلغ طولهما ميلاً على الأقل من الجبل، وانفتحت عينان كبيرتان فوق الكماشتين الملوحتين.

بدأ الجبل العظيم بالانهيار ببطء وتوسع حتى أصبح يشبه سلسلة جبال بأكملها.

“مرحبا أمي، هل تعرفين الآن لماذا رائحة الرياح لذيذة جدًا؟”

تبيّن أن الجبل هو حريش كان يستريح بعد وجبة دسمة. أحضر كماشة ضخمة، طرفها حاد كالإبرة، ومدّ يده حتى أصبح على بُعد أقدام قليلة من السامية.

الترجمة : كوكبة