السجل البدائي - الفصل 740

الفصل 740: قبو هيكاتون

بدت له ذكريات بورياس كمحيط، هائلة، لكن عندما لمسها، لم تكن عميقة، بل خاوية بشكل غريب. كان هناك شيء ما يعيقه، حاجز كان يأمل ألا يكون موجودًا، لكن من يخدع؟ من المستحيل أن يُقدّم له كل ما يريده على طبق من فضة.

كان والده أذكى من ذلك. كأي سلاح جيد، وضع ضماناتٍ في ذكريات بورياس. وكان روان ليفعل الشيء نفسه.

جاب بعقله بحر الذكريات، فاستقبل عشرات الأحاسيس والمقاصد. حلل كلاً منها، وغنى نفسه بفهم أعمق للسامي.

مع أن ما اكتشفه لاحقًا كان مفاجئًا، إلا أنه لم يستطع وصفه بالصادم. فمن خلال الذكريات السطحية التي جمعها، اكتشف فورًا أن بورياس لم يكن مكتملًا.

ما قتله كان بورياس بالفعل، فهذه كانت شرارته السامية في نهاية المطاف، لكن جزءًا أساسيًا منه جُرِّد، ولم يعد بإمكانه الوصول إليه. هكذا كان حال بقية سامين تريون.

ما تبقى هنا كان أشبه بتماثيل، أعطيت ما يكفي من القوة لجعلها تبدو قوية لبقية الكون، في حين أن قدراتهم الحقيقية كانت محبوسة في مكان ما.

كان بإمكان والده قتل أيٍّ من السامين إن شاء، واستبداله بـ”بورياس آخر” أو “كورانيس آخرى” إن شاء. في الواقع، لم يشكّ روان في أنه ربما فعل ذلك أكثر من مرة مع بعض السامين.

كان بورياس ينمو ببطء في حالة من الجنون داخل هذه المنطقة التي كانت مليئة بالطاقة الإضافية للتدمير، وكان أحد الأسباب التي جعلته قادرًا على البقاء على قيد الحياة لفترة طويلة هو نيته المتنوعة التي هدأت روحه وطهرت روحه.

بما أن هذه القدرة كانت فريدةً لبورياس، فقد استنتج روان أن بعض السامين الآخرين قد لا يستطيعون فعل الشيء نفسه. ربما عندما يُصاب بعضهم بالجنون دون أملٍ في الشفاء، يستطيع والده ببساطة استبدالهم. جوهرهم الحقيقي لم يكن هنا.

أدرك أن ما يُقدّره والده من السامين هو قدراتهم لا عقولهم. سرق روان عقل بورياس، لكن جسده وقوته الحقيقية كانا بعيدين عن متناوله.

تسبب هذا في أن تكون الذكريات التي حصل عليها روان هي كل ما يمكنه استخراجه من السطح، وإذا أراد أن يفعل المزيد، فسيتعين عليه دفع حاجز عابر يربط بورياس ببقية السامين.

أفضل وصف لهذه الظاهرة هو أن سامين تريون كانوا أشبه بعقل خلية. لم يتمكنوا من الوصول إلى معظم وعيهم، ولم يكن لهم سوى الطبقة السطحية من عقولهم.

لم يكن روان يعرف أي مصير كان أسوأ، هل أن يكون دمية دون أن يدرك ذلك، أم أن يكون دمية تدرك أن استقلالها محدود، وأن كل ما تملكه يمكن أن يُسلب منها بسحب المقود؟

أدرك روان فورًا أوجه الشبه بين السامين وأندار. فرغم أنه منح أندار جزءًا كبيرًا من استقلاليته في البداية، إلا أن الحقيقة هي أنه قبل أن يمنحه روان حريته، كان هو جوهر ذلك الطفل.

حتى لو كان أندار قد هلك، فإن روان كان سيجد طرقًا لإحياء أو جمع كل المنافع التي عمل الصبي من أجلها.

كانت هذه قوة انعكاس. كان هذا إرث أبيه الملعون. كانت سامين تريون تُبرمج ببساطة، وكان والده يلعبها عرضًا. لم يكن مختلفًا كثيرًا عن أبيه، إلا أن إرادته الحقة بدأت تفصله عن إرثه الفاسد.

بدون إرادته، لم يكن ليتمكن أبدًا من رؤية مدى عمق سقوطه، وربما وجد نفسه في موقف لم يعد بإمكانه فيه فصل نفسه عن الرجل الذي أراد قتله.

‘ركّز على سبب وجودك هنا. سيكون لديك وقتٌ للبحث في وعيك والتخلّص من أيّ مخاطر كامنة في نفسك.’

****

لقد أصبح بورياس ساميا كبيرا بموت عدد لا يحصى من المهيمنين ذوي مستويات عالية من القوة الذين كانوا يحملون سلالته، لكن الفوائد الحقيقية لكل تلك الوفيات لم تصل إليه بل إلى مملكته السامية.

أدرك روان الخدعة التي تُلعب هنا. جوهر السَّامِيّ العادي هو شرارته السامية، أما بالنسبة لبورياس، فجوهر قوته هو مملكته السامية المفقودة.

لقد وضعه والده في قبو، بينما أخذ هو مملكته السامية.

أحد الأسباب التي جعلت روان قادرًا على قتل بورياس بسهولة هو أنه كان لديه إمكانية الوصول إلى شرارته السامية ولم يكن عليه أن يقاتل ضد المملكة السامية للسامي الأعلى؛ لم يكن لهذه المعركة سوى نتيجة واحدة عندما أصيب بورياس بالشلل بهذه الطريقة.

لا تزال مملكته السامية موجودة، ولكنها أُخذت بعيدًا، ولم يتمكن روان من العثور عليها لأن التفاصيل المتعلقة بالمكان الذي كانت تقيم فيه كانت مخفية عميقًا داخل عقل الخلية.

كان عقله الخلية بمثابة عقل والده. كان روان قريبًا جدًا من الرجل، ولو توغل أكثر في بحر الذكريات، لربما استطاع اكتشاف الكثير من الأسرار.

كانت الفكرة مغرية، لكنه كبح جماح نفسه. كان لديه خططه وسيتبعها، والقيام بذلك سيكون تحديًا مباشرًا، وبدون مزيد من المعلومات عن عدوه، سيفشل في تحقيق هدفه.

كان صيادا صبورًا. إنه بحاجة إلى منفذ للوصول إلى عقل الخلية، وربما وجد المفتاح عندما انتهى من البحث في عقل بورياس.

لم يكن بإمكانه أن يأمل في كشف أسرار تريون بحركة واحدة، لكن التعلم من ذكريات بورياس سيكون كافياً.

كان روان يأمل في فهم سبب القرار الذي اتخذه والده، وانغمس بشكل أعمق في الذكريات المتاحة له، وانطلق على طول الطريق السريع المضطرب للحياة الطويلة للسامي حتى وصل إلى بداية ما يمكنه الوصول إليه دون الانغماس بشكل أعمق في عقل الخلية للسامين.

كان هذا الجزء من ذكرياته مضطربًا، ربما لأن المالك الحقيقي لهذه الذاكرة كان قد مات منذ زمن طويل، ولم يتذكر بورياس سوى أجزاء صغيرة من هذه الحياة الماضية.

اكتشف روان أن الجزء الأكبر من حياة بورياس قد قضى داخل القبو، والآن يعرف روان الاسم الكامل له.

قبو هيكاتون.

ارتجف روان حماسًا عندما اكتشف الفتحة التي كان يبحث عنها. كان القبو جزءًا من مفتاح من سبعة أجزاء لفتح مكان غامض لم يكن معروفًا لبورياس وبقية سامين تريون.

كان هيكاتون اسم أخيه. وُلد هذا الكائن القديم قبل سبعمائة مليون سنة، وطوال معظم حياته، كان موجودًا كعاصفة هائلة امتدت لأكثر من مليون ميل، وكان وجوده هائلًا لدرجة أنه وصل إلى الفضاء الخارجي وأثّر على حركة الأقمار.

الترجمة : كوكبة