السجل البدائي - الفصل 739

الفصل 739 : إدانة الفاني.

كلمات روان لم تُبقِ على ذهنها سوى ما كانت تشعر به. كان مفهوم الروح شيئًا سمعته يهمس به الناس عند النيران ليلًا. كان شيئًا مجهولًا وروحانيًا، ورغم أنها أُعيدت إلى الحياة مرات عديدة وأصبحت الآن تمتلك روحًا خالدة، إلا أنها وجدت صعوبة في استيعابه.

أصبحت سامية، فأدركت وجود روحها، لكن الأمر توقف عند هذا الحد. لم يكن هناك سوى فهمٍ مبهم لوجودها وغايتها، وكان من المستحيل تمامًا التفكير في فهمها أو التلاعب بها، والآن هي تستهلكها.

كان هذا النفور بداخلها قويًا جدًا، كيف يُمكن أن يكون هذا مجرد جزء بسيط منه؟ هل يعني هذا أنها كانت عديمة الفائدة إلى هذه الدرجة بدون وجود روان؟

ارتجفت سيرس وأغمضت عينيها لبعض الوقت قبل أن يسيطر الغضب على روحها.

“لماذا أبكي كطفلة؟”

كانت تعلم ما الذي تعهدت به عندما قبلت مساعدة قوة كروان لتغيير مصيرها. كانت تقول لنفسها إن حياة قصيرة من النفع والقوة أفضل بمئة مرة من حياة عادية.

ماذا أرادت لنفسها حقًا؟ حياة بلا فائدة تُثقلها عاطفة وهبها إياها عدوٌّ ذبح والديها، أم حياةٌ ذات معنى، وإن كانت مُحاطة بالرعب والمعاناة والفوضى، إلا أنها ستُمكّنها ليس فقط من الانتقام لماضيها، بل أيضًا من التحكم في مصير عددٍ لا يُحصى من الآخرين، حتى لا يحدث ما حدث لها لأحدٍ آخر.

‘لهذا السبب عدتُ إلى تريون، فغاية كفاحي لا قيمة لها إن انهرتُ وبكيت عند أول بادرة مشكلة. وإن رافق هذا التغيير هذا القدر من الألم والمعاناة، فسأتحمله. لأُطهر الماضي من عارِي وأُحقق مستقبلًا أفضل للجميع.’

‘أليس هذا هو السبب الذي أنا روان نقاتل من أجله؟’ كان ماضيهم مليئًا بالشر والمعاناة، ولتغيير قصتهم، وإعادة صياغة القواعد، كان لا بد من محو كل شيء واستبداله بآخر جديد.

كافحت سيرسي للتحدث، وأصدرت أصواتًا خشنة مملة.

“يمكنكِ التحدث معي في رأسكِ. سأسمعكِ.” قال روان للسامية المُكافحة، لكنها أصرت على موقفها قبل أن تتكلم، ورغم أن كلامها جاء بطيئًا ومتقطعًا، إلا أن روان استطاع فهمها، وترددت كلماتها في وعيه البشري الناشئ.

“لصنع… شيء جديد ومشرق، لا بدّ من هدم القديم، الباهت، الفاسد!” كادت سيرسي أن تصرخ في الأجزاء الأخيرة، وزاد صوتها قوة، “لا أشعر بأي ندم، ولا أحتقر نفسي إلا لكوني ضعيقة جدًا. أؤمن بكِ، ومهما كلفني تغيير كل ما هو خاطئ في هذا العالم، فأنا مستعدة لدفع ثمنه.”

فتحت فمها وروحها وبصرخة جنون، لمست سيرسي روحها، وجذبت قوة بورياس فوقها.

أشرقت تلمنصة الرونية مثل النجم عندما اندلعت ملايين الصواعق من جسدها.

****

كان روان يراقب اندماج سيرسي وبورياس عن كثب، وكانت المنصة قد ارتفعت بالفعل لمسافة أربعمائة قدم، أي أكثر من نقطة منتصف الطريق، ولكن يبدو أن العملية ستنتهي بشكل أسرع بكثير مما كان يتخيل.

كلماتها جعلته يُفكّر في أفعاله الماضية، وفي مسار مستقبله. لم يفكّر قطّ في شيءٍ سوى الفوز في هذه الحرب مع والده، لأنه كان يعلم مدى صعوبة ذلك.

بغض النظر عن مدى قوته، كان روان مدركًا لنقاط ضعفه وكان يعلم أن هناك العديد من الأساليب أو القدرات غير المعروفة التي يمكن أن تسقطه، وإذا كان هناك أي شخص يمكنه الاستفادة من تلك القدرات، فسيكون والده.

لهذا السبب لم يخطط قط لما سيأتي بعد ذلك. إما أن ينتصر في هذه الحرب وينجو، أو يخسر ويكون الموت هو أفضل نهاية له.

لم يكترث قط للأضرار الجانبية أو العوالم أو الأجساد المحطمة التي تركها خلفه. لم يكترث قط بإرثه أو كيف سيُخلّد اسمه، كل ما كان يعرفه هو النجاة.

سيرسي، وهي إنسانة فانية، لم تكن روحها شيئًا وفقًا لمعاييره، وكانت حياتها ضعيفة للغاية لدرجة أنه كان بإمكانه سحقها بحركة من أصابعه، أظهرت المزيد من التصميم وقوة الشخصية في لحظة واحدة تفوقت على أعظم توقعاته.

لم تكن تُقاتل من أجل نفسها، بل من أجل مستقبل مَن لا تعرفهم. لم يكن روان يستغلها فحسب، بل كانت هي تفعل المثل له أيضًا.

أدرك روان دافعها الحقيقي في تلك اللحظة. لقد سمحت له باستخدام جسدها وروحها كما يحلو له، لأنها كانت تعتقد أنه أفضل من سامين تريون.

تنهد روان في نفسه، ‘أُكافح من أجل الانتقام والبقاء، ولكن لا يوجد سبب يمنعني من تحقيق أمنيتكِ. لستُ المسيح الذي تبحثين عنه، ورحمتي أبرد من الفراغ. أُدرك قوة الحياة، لكنني لستُ بشريا فانيًا. طموحاتكم، أحزانكم، نوركم، وإن كان يُشرق عليّ، فهو شيء لم أعد أستطيع مُشاركته معكم جميعًا.”

‘سأُخلّص عالمكِ من الوحوش يا سيرسي، وسأمنحكم جميعًا القدرة على اختيار مسار مستقبلكم. ما دمتُ على قيد الحياة، سيُحفظ مصير الفانين وكل من اختاروا عيش حياة كريمة.’

لم يقل روان هذه الكلمات لسيرسي، بل احتفظ بها في قلبه. مع أن المعركة مع بورياس بدت سهلة، إلا أنها لم تكن ممكنة إلا لأنه استعد لهذا اليوم لعقود.

لقد كان محظوظًا لأنه كان لديه شخص مثل سيرسي ليستخدمه ضد هذا السامي، فقد كان لديه إمكانية الوصول إلى سلالة بورياس الحقيقية عبر مظاهر الروح عندما واجه السامي في جاركار منذ سنوات عديدة.

لن يكون سامين تريون الأخرى بهذه السهولة، لكن روان توقع أن يتغير هذا. لم يكن قتل بورياس لإضعاف تريون فحسب، بل كان لأمر أهم بكثير.

ذكرياته.

كان فهمه لتريون على وشك أن يتقدم خطوة هائلة. ستُظهر له ذكريات بورياس تفاصيل ماضيه وحاضره، وستكون مفتاح كشف تريوم من الداخل.

لقد تعلم روان الصبر، وانتظر حتى استوعبت سيرسي كل ما استطاعت، وكما هو الحال دائمًا فاجأته بقوتها، فقد أخذت كل شيء دون أن تفقد ذرة واحدة من قوتها.

الآن جاء دوره. أغلق عقلها ودخل روحها، مراقبا ذكريات سامي العواصف.

الترجمة : كوكبة