السجل البدائي - الفصل 722
لاتنسو الدعاء لأخوتنا في غزة ❤️
الإعدادات
Size
A- A+Font
لون الخلفية
الفصل 722 الهروب من الظلام
شهقت سيرسي في رعب عندما شعرت أن عقلها يتحطم إلى ألف قطعة، كانت العملية غير مؤلمة وجعلت الفظائع التي حدثت لنفسيتها تشعر بالتضخيم لأن لا شيء كان يصرف انتباهها عن ملاحظة عقلها وهو يمزق نفسه.
بدون امتلاك أراضي، ضاع عقلها، ولم يكن هناك ما يُثبّت وعيها، لأن روحها ظلت ترتفع دون غلافٍ يحتضنها. إذا استمر هذا، فسيتلاشى وعيها في الكون، وقد يستغرق الأمر ملايين، بل مليارات السنين، قبل أن يندمج الجزء المتشظّي من روحها الخالدة.
لهذا السبب، كانت الشرارة السامية ضروريةً لتصبح ساميا، لأنها كانت تحوي روح السامي الخالدة. لا شيء آخر يمكنه احتواء روح خالدة، إلا أن تكون ساحرًا ببرجك السحري، ولكن هذا كان مجرد شكل آخر من الشرارة السامية، أو بالنسبة للشيطان، الشرارة الجهنمية.
صرخت صرخات مكتومة في الفراغ الشاسع بينما كان عقلها ممتدًا حتى خافت من أنها على وشك الضياع إلى الأبد.
حينها شعرت بذلك…
كشوكة باردة تُغرز في عينيها مرارًا وتكرارًا وتُحرّك دماغها. كانت منارة باردة، قديمة، متعفنة، ومألوفة جدًا.
بغير إرادة، احتضنت روحها ذلك البرد، وغمرتها آلاف الأجزاء من عقلها. لا يمكن للمتسولين أن يكونوا أصحاب خيار، وبدون هذا المنارة كانت تائهة، فأي قدر من الألم والانتهاك كان أفضل من أن تشعر بعقلك مشدودًا حتى يتحطم، وبصرخة مدوية حملت كل الأهوال في قلبها، استيقظت سيرسي.
وجدت نفسها راكعة أمام جسر جليدي. هبت عاصفة عاتية حولها، صبغت المكان بفوضى عارمة. هبت الرياح بشعرها على وجهها، فعقدت حاجبيها وربطت شعرها خلفها بقبعة جليدية.
‘هذا مُعقّد… ما زالتِ ضعيفة جدًا. إرادتي ستُحطّم هذا التوازن الهشّ هنا، تماسكي قليلًا يا سيرسي، الألم لن يدوم طويلًا. لا يسعني إلا هذا. أعلم أنكِ لا تسمعينني، لكن تماسكي.’
نظرت سيرسي عبر الجسر، فرأت قلعةً مصنوعةً من الجليد والعظام. هل هذه مملكة بورياس السامية؟ لم تكن هذه هي توقعاتها، بل كانت تتوقع شيئًا أعظم من ذلك.
سمعت صوت طقطقة كان عالياً بما يكفي ليقطع الأصوات الصاخبة للعاصفة، ثم استدارت لترى الأرض خلفها تتشقق إلى قطع وتسقط في غياهب النسيان.
انفتح فمها على مصراعيه من الصدمة حيث لم يكن خلفها سوى ظلام دامس بدا وكأنه يحاول الوصول إلى روحها وكان قريبًا جدًا منها دون أن تدرك ذلك.
سحبت سيرسي نفسها على قدميها وبدأت تسرع نحو الجسر قبل أن تتوقف عن حركتها، كانت تشعر بإحساس شديد بالخوف في روحها كما لو كان عبور هذا الجسر مثل تسليم نفسها إلى فم وحش جائع.
كانت ممزقة من التردد وتبع ذلك صوت شق أعلى خلفها، مدركة أن الظلام كان تهديدًا معروفًا ضد قوة غير معروفة في المقدمة، اتخذت قرارها وخطت سيرسي على الجسر، حيث سقطت الأرض التي وقفت عليها قبل لحظة في الظلام.
“روان…” همست بشراسة، “ما هذا؟ هذه ليست مملكة سامية!”
لم يجيبها سوى الصمت وبدأ الجسر يصدر صوتًا قاسيًا من المعدن الملتوي في قبضة عملاقة بينما بدأ الظلام يزحف إلى الأمام، يلتهم الجسر على طول الطريق.
بعد أن وضعت ذعرها جانبًا، ركضت سيرسي عبر الجسر ولاحظت أن الظلام بدأ يتسلل بشكل أسرع كما لو كان يطاردها.
لحسن الحظ لم يكن الجسر طويلاً للغاية، بالكاد مائة قدم وتمكنت من عبوره في أقل من ثلاث ثوانٍ وكسبت وقتًا ثمينًا بعيدًا عن الظلام، وعلى وشك أن تخطو للأمام، اصطدمت على الفور بجدار من الهواء والجليد الذي كاد أن يلقي بها في الظلام الذي التهم أكثر من تسعين بالمائة من الجسر.
مع صرخة اليأس والغضب، استعانت بقوى لم تفهمها بعد وهدأت العاصفة عندما تم توجيه غضبها إلى جسدها، كانت القوة مؤلمة لكنه كان ألمًا مألوفًا، مما جعلها تضحك على الرغم من الألم الناتج عن استدعائها.
أضاء شعرها الأزرق عندما تحول إلى صواعق رقيقة، وتركت قدميها الأرض التي تحملها الرياح التي تدور حولها مثل الإعصار.
أدركت أن هذه العاصفة كانت قوتها، وأن الظلام كان شيئًا آخر، فرسمت العاصفة داخلها وتوقف كل شيء عندما انتهت العاصفة، كان الأمر كما لو أن الزمن قد توقف ولكن هذا كان كذبة حيث انتهى الظلام من التهام الجسر وكان يقترب الآن من القلعة.
فجأة انفجر الظلام إلى الأمام مع صرخة عالية أفزعت سيرسي وألقت بنفسها نحو القلعة، على أمل أن تكون قادرة على الصمود في وجه الظلام، كانت كل غريزة في جسدها تخبرها أن هذا الظلام هو نهاية الحياة، ولمسه سيقتلها، جسداً وروحاً.
توقفت مسيرتها عندما اصطدم جسدها بالباب الصلب، واختفى ذهنها للحظة وجيزة من الألم واليأس. كان الباب مغلقًا.
“استجمعي قواكِ!” صرخت في داخلها، مستجمعةً كل قوة العاصفة التي استوعبتها ووضعتها على راحتيها. أضاءت يداها كنجمةٍ حين انبعثت منها قوةٌ رهيبة.
مع صوت انفجار قوي، شقت طريقها عبر الباب ودفعت نفسها داخل القلعة بآخر ما لديها من طاقة، بالكاد أخطأها الظلام بهامش طفيف، ولم تستطع إلا أن تبتسم عندما سمعت صرخات الغضب من ذلك الظلام.
استدارت، ورأت الظلام قد توقف عند حافة الباب، وبينما كانت تراقبه، ساد الصمت، وشعرت سيرسي بأنه ينتظرها. شعرت بقشعريرة تسري في جسدها، إذ أدركت بطريقة ما أن هذا الظلام واعي وجائع.
شعرت بألم مفاجئ في ساقها اليسرى، فنظرت إلى أسفل، ورأت أنها لم تتخلص تمامًا من قبضة الظلام، فقد اختفت قدمها اليسرى أسفل الكاحل. كان الجذع نظيفًا كالصورة، ولم يكن ينزف.
الترجمة : كوكبة