السجل البدائي - الفصل 716

الفصل 716 الطاعة أو التضحية

كان فيوري كورانيس يقف عاري الصدر على قمة جبل الدم لمدة عشر سنوات، وكانت عيناه مغلقتين، ومئات اللآلئ الصغيرة المشتعلة التي تحولت إلى شموس مصغرة تطفو حوله.

كان هذا المكان مكانًا مقدسًا كان من المفترض أن تدخله ولا تخرج منه، ولكن مثل كل التقاليد، كان من الممكن تعديله لاستيعاب احتياجات معينة، وقد حدث ذلك عدة مرات في التاريخ، وكان فيوري هو الشخص الأخير الذي ينتهك هذا القانون، ‘ولسبب وجيه’، كما فكر.

رفع نظره إلى السماء، ونظرته ثابتة وهو يحدق في النجوم العابرة، والريح تداعب شعره الأحمر الطويل الذي لم يتغير حتى مع صعوده إلى مرتبة السامي. لاحظ بعد وقوفه هنا لعشر سنوات أن هناك خطبًا ما في النجوم.

كانت هذه الملاحظة عابرة، وربما كان ذلك لوجوده في هذا المكان ووقوفه في هذا الوضع الدقيق هو ما دفعه إلى ملاحظتها. خطرت في باله فكرة عابرة، لكنها سرعان ما تلاشت، فقد ظنّ للحظة أن النجوم ليست حقيقية.

ولكن ذلك كان مستحيلاً، فمن هنا كان بإمكانه أن يشعر بحرارتها، وإذا أراد بنية الحرارة والقوة، كان بإمكانه أن يسحب هذه النجوم إلى جانبه، تماماً كما كان يفعل خلال السنوات العشر الماضية، والمئات من النجوم التي تحوم حوله كانت دليلاً على أن تفكيره العابر كان غير صحيح.

هز فيوري رأسه، مبددًا كل تلك الأفكار الضالة، والتشتت الذي ابتلي به عقله، كان على أعتاب مصيره، الطريق الذي تم وضعه عليه منذ اليوم الذي ولد فيه، والآن ينتظر على جبل الدم، للحصول على إجابته، لقد خُدع وغدر من قبل الشخص العزيز على قلبه، لكنه كان يأمل أن يكون مخطئًا في كل وجوده.

كان ينتظر ليتحدى أمه، الإمبراطورة سكارليت سينشيرين كورانيس، ابنة الشمس والأرض، حاكمة تريون. إن رفضت التحدث معه بودّ، فسيأخذ ما يريد بالقوة.

لم يكن هنا ليُنافسها على العرش، بل كان هنا فقط ليُجيب على أسئلته. أفعاله، وإن لم تكن غير مسبوقة، ستُعتبر في نظر الكثيرين حماقة. فالإمبراطورة لا تُقهر وإرادتها لا تُمس، لكن فيوري لم يعد فانيا بالساميا، وإرادته مطلقة.

ولكن هذا لم يكن السبب الحقيقي وراء استهجان أفعاله، القوة محترمة أولاً وقبل كل شيء في تريون وكان فيوري قوياً، وكان ذلك بسبب سبب بسيط، وهو أن فيوري لم يعد مهيمنا، وفقط كونه إبن الإمبراطورة هو ما سُمح له بالبقاء في هذا المكان.

لم تكن قمة جبل الدم واسعة، إذ لم يتجاوز عرضها خمسمائة قدم، وكانت أرضها زلقة بدماء لم تجفّ قط. كل قطرة دم هنا كانت تحمل قوةً هائلة، وكانوا يتحركون كما لو كانوا يعيشون حياتهم الخاصة.

لم يكن غريبًا أن يحيا هذا الدم، فقد كان كل إمبراطور أو إمبراطورة، في نهاية حكمه، يصعد على هذا الجبل، ويكشف عن رقبته طوعًا لخليفته ليشقه. لم يقاوموا نداء موت أجسادهم الفانية، فسيل دمهم حتى ينفد، حينها فقط يُفتح باب الملكوت السامي لسلفهم، ويصعدون إلى الخلود.

الآن بدأ فيوري يُدرك كل ما هو خاطئ في هذا المكان. كإنسان فانٍ، وجدن مصيرًا مجيدًا، فكان العيش خالدًا بجانب سلفه خيارًا لن يعيد التفكير فيه مرة، لكن كسامي لم يعد مهيمنا، بدأ يُدرك خطأ هذا الأمر برمته.

لن يكون هناك خلود يمكن العثور عليه هنا، فقط الموت.

الدم الذي لطخ ساقي فيوري حتى ركبتيه كان من ملايين السنين من حكم الأباطرة والإمبراطورات. دماء جميع أسلافه كانت هنا، ومع مرور الوقت، كان من المفترض أن يُزيّن دمه هذا الحجر النبيل.

لم يكن فيوري يخشى الموت، بل كان يخشى فقط أن يعيش حياةً بلا معنى. تذكر أمه وهي تقول له: “كيف يموت الفاني أفضل من أن يموت في سبيل ساميه؟”

كان من المفترض أن تُعطيه هذه الكلمات القوة، لكنها لم تعد كذلك. كان بحاجة إلى المزيد.

سمع صوتًا خافتًا من جانبه: “يا أمير النار، إلى متى ستنتظر؟ لقد أوضحت والدتك رغباتها بالفعل. أنت من يجب أن تعلم أن الإمبراطورة لا تتراجع عن رأيها أبدًا. لقد خذلت أوامرها، وترددك لا طائل منه.”

صمت فيوري طويلاً، وبدا وكأنه لن يُجيب على الصوت الذي اتضح أنه يد الإمبراطورة الملكية. هذا الجسد المُقنع، الذي بدا وكأنه منحوت من الظلام، والذي أدرك فيوري أنه سامي أيضًا، تحديدا أحد السامين القديمة التي هُزمت منذ زمن، لم يُكلف نفسه عناء معرفة اسمه.

“تتمنى والدتي أن لا أكون سوى تضحية لكورانيس، ولكن بإمكاني أن أصبح أكثر من ذلك… عليها أن ترى ذلك.”

نظر اليد الملكية بعيدًا إلى شيء ما في المسافة قبل أن يجيب، “الطاعة أعظم بكثير من أي تضحية يمكنك تقديمها”.

أضائت عيون فيوري ذات الألوان التسعة مثل الفرن، “لقد أعطتني ميراث طائر العنقاء السماوي، وكانت تتوقع أن أكون مجرد سامي صغير، ولكن انظر إلى ما حققته بهذه القوة. لقد وصلت إلى ارتفاعات من شأنها أن تهز المجرة نفسها، وهذا ليس كافيًا؟”

“أوه ولكنك نسيت شيئًا، أمير النار، لقد تم منحك أيضًا الشرارة السامية لكورانيس حتى تتمكن من الاندماج معها.”

“إلى أي غاية؟!” صرخ فيوري، معلنًا أخيرًا عن غضبه، “ما الذي سيحققه اندماجي مع السلف سوى إضافة القليل من القوة إلى مملكتها السامية و إدانتي إلى الأبد. أنا قادر على أكثر بكثير من مجرد أن أكون وقودًا للهب السامين…”

فجأة ضحك اليد الملكية بصوت غريب بدا مثل هسهسة القطة، “من الواضح أن إمبراطورتك تعتقد أن هذا هو كل ما تستحقه.”

من خلف فيوري، بدأ رأس طائر كبير في الظهور، وكانت عيون العنقاء التي ظهرت خلفه مليئة بالغضب الشديد لدرجة أن السماء بدأت تتوهج بحرارة ألف شمس.

الترجمة : كوكبة