السجل البدائي - الفصل 704

الفصل 704 خطوط الرمال

لم يكن روان بحاجة إلى تكرار ما قاله، فقد أشاحت سيرسي بنظرها وركزت على أي شيء آخر سوى الألم الذي بدا بلا نهاية. ومثل نعامة دفنت رأسها في الرمال معتقدةً أنها مختبئة تمامًا، لم يُجدِ تظاهرها بعدم وجود الألم نفعًا، لكنها استطاعت أن تكذب على نفسها.

ظلت هناك لثلاثة أيام، ومع صوت فرقعة مسموعة، لم تعد في حالة التجسد وعادت إلى حالة الصدع. كادت تصرخ بصوت عالٍ من شدة البؤس، لكن فكيها رفضا الانفتاح، إذ تجمد جسدها بالكامل.

كان من المفترض أن تؤدي عملية كهذه إلى إطلاق كمية هائلة من الطاقة، لكن كل القوة التي كانت تتركها كانت تتلاشى بهدوء، أياً كانت العملية التي كان روان يستخدمها لتدمير قواها، فقد كان يفعل ذلك دون إهدار ذرة واحدة من الطاقة، كيف كان قادرًا على التلاعب بالطاقة مثل هذا دون الوصول إلى قدراته الكاملة.

كانت سيرسي لتكون معجبة لو عرفت أن مثل هذا الفعل بالنسبة له لم يكن حتى يعتبر تحديًا، أو ربما كان يفهم أساليب استخدام الطاقة بشكل غريزي وعلى مستوى متقدم، بحيث لا يمكن اعتبار أي شيء مستحيلًا عندما يتعلق الأمر بأمور مثل هذا.

توقف تشنجها، ومعه خفّ الألم الذي كاد يُجنّنها. وبعد أن تحرر عقلها من الألم، بدأ يتجول، ولم تستطع سيرسي إلا أن تسأل: “هؤلاء الناس… كل تلك العوالم، هل هم بداخلكِ، أم أنكِ مرآة تعكس حقائق أخرى؟ ما رأيته، هل كان حقيقيًا أصلًا؟”

كان روان صامتا، وقد أصيبت بالذعر قليلاً، ربما كان سؤالها قد تجاوز حدودًا معينة، “أنا آسفة، الشيء الوحيد الذي أجد أنه يصرف انتباهي بما يكفي لقمع الألم هو عندما أفكر فيك…”

كان هناك ابتسامة في صوت روان عندما أجاب، “عندما تفكرين بي؟ لماذا يا سيرسي، لم أكن أعلم أنني تركت انطباعًا عميقًا كهذا.”

حتى في خضم الألم، دارت سيرسي بعينيها، “أنت تعرف أن هذا ليس ما أقصده،” تتمتم لنفسها، “كل الرجال متشابهون، سواء كانوا سامين أو جبابرة أو أيًا كان ما هو عليه.”

لم تكن تتوقع إجابة، وأدركت أن مزحته غير المتوقعة كانت كافية لجعلها تبتسم وتنسى العذاب الذي كانت تعانيه، لكنها فوجئت عندما قال روان: “هناك آلاف العوالم في داخلي، كل منها يحمل مليارات الأرواح. كل هذه الأرواح المنتشرة تكاد لا تُحصى بالنسبة لعقل فاني، ولهذا السبب تُخاطرين بالجنون عندما تنظرين إليّ”.

“لا يستطيع الإنسان الفاني، حتى سامي الأرض، أن يعيش إلا حياة واحدة في كل مرة، وربما لو عاش طويلًا لتحول إلى شخص جديد تمامًا، ولكن على الأكثر، لا يستطيع الإنسان الفاني أن يصبح شخصًا جديدًا إلا عشر مرات على الأكثر، قبل أن تبلغ روحه حدها الأقصى وتتلاشى. عندما تنظرين إليّ بعمق، ترين حياة تريليون شخص. إن لم تتوقفي سريعًا، ستتفتت هويتك إلى تريليونات من القطع الصغيرة، ولن ترغبي في معرفة تأثير ذلك على جسدك. صدقيني، سيكون هذا أفظع ما ستشهدينه في حياتك.”

“فهمت”، قالت وهي مشتتة الذهن، وقد امتلأت بالرهبة. ما وصفه روان كان أشبه بمفهوم “الأراضي”، ولكنه أُخذ إلى أقصى حدوده.

فجأة سمع صوت انفجار قوي مثل بوق ضخم بالخارج، بدا قريبًا من أذنيها وأثار ذهول سيرسي، وسرعان ما استقرت عندما أدركت أنهم وصلوا إلى خطوط الرمال، وكان هذا هو المؤشر.

كانت تريون كبيرة جدًا بحيث لا تتمكن القوافل من الانتقال من قارة إلى أخرى في فترة زمنية قصيرة، وعادةً ما تستغرق كل رحلة ألفي عام على الأقل، ولكن في أوقات الطوارئ عندما كانت هناك حاجة إلى تسليم البضائع والخدمات على عجل، تم استخدام خطوط الرمال.

أنشأ فولجيم خط الرمال الذي ربط القارات. كان فولجيم، الملقب بسامي الحديد، ساميا قويًا معروفًا بابتكاراته التكنولوجية، وكان السامي الأكثر اهتمامًا برفاهية البشر، فأسس معبد السامي الحديدي الذي جلب للبشر اختراعات عظيمة مثل الكهرباء والسباكة. كان من أكثر السامين المحبوبين.

على عكس اسمه، لم يكن خط الرمال مصنوعًا من الرمال بل كان عبارة عن لوحات معدنية ضخمة يمكن أن يصل عرضها إلى عشرين ميلاً وتحوم على ارتفاع بضعة أقدام فوق سطح الأرض، ويمكن أن ترتفع إلى ثلاثين ميلاً عندما تكون متحركة.

يمكن تغطية هذه اللوحات المعدنية بالألواح الخشبية، وتتحرك عبر القارات بسرعة يطلق عليها الكثيرون سرعة البرق، لتوصيل البضائع والخدمات التي تحملها إلى وجهتها، وبغض النظر عن مدى ثقل الحمل الذي تحمله، فإن سرعتها لم تتأثر بأي شكل من الأشكال، كما لم تكن هناك اضطرابات على متنها، حيث كانت تشتت الرياح أمامها بدقة، وتحمي الجميع، حتى البشر.

كانت هذه طريقة أخرى لإظهار إحسان فولجيم.

لم تكن القافلة المتوسطة قادرة على تحمل تكلفة السفر باستخدام خطوط الرمال، ورغم أنها لم تكن باهظة الثمن، إلا أن معيشتهم بأكملها كانت تعتمد على التجارة مع العدد الهائل من المدن والبلدات الصغيرة على طول الطريق.

لكن كل عشرة آلاف عام، كانت تُمنح كل قافلة الضوء الأخضر لاستخدام خط الرمال، وكان ذلك عند تتويج الحاكم الجديد لتريون. لم يُبالِ السامين بالربح الضئيل الذي سيُجنى من نقل أكثر من أربعين مليار شخص إلى أعظم عاصمة على وجه الأرض.

في هذا الوقت المجيد، تم تشجيع كل مواطن من مواطني تريون على القدوم إلى العاصمة لتبجيل الحاكم الجديد لتريون، وهذه القافلة إلى جانب عدد لا يحصى من القوافل الأخرى ستأتي إلى خطوط الرمال الأقرب إليهم وسيتم نقلها إلى أروث العاصمة، والرحلة التي كانت ستستغرق آلاف السنين سيتم تقليصها إلى بضعة أشهر أو أقل.

دوى صوت انفجار قوي من عربة تقع في بداية القافلة وتخص روجر، السامي الأرض. كان هذا إعلانًا لجميع عربات القافلة بالاستعداد للصعود إلى اللوحة المعدنية المخصصة لها.

الترجمة : كوكبة