السجل البدائي - الفصل 591
لاتنسو الدعاء لأخوتنا في غزة ❤️
الإعدادات
Size
A- A+Font
لون الخلفية
الفصل 591 صانع القوارب
ضوء أحمر كان يخترق الكون بسرعات تفوق سرعة الضوء بعدة مرات، وصل أخيرًا إلى وجهته. عبر مجرات لا تُحصى وأجسامًا فلكية متنوعة حتى وصل إلى هذا المكان الغامض.
انتهى الضوء الأحمر ببطء وظهرت شخصية الأمير الثالث وهذه المرة لم يعد سمينًا، بل كان نحيفًا للغاية.
كان يرتدي رداءً أسودًا رثًا يبدو أنه منسوج من حرير العنكبوت وكان صدره العظمي مفتوحًا حيث كان من الممكن رؤية أربع عيون تشبه المكعبات، كانت ريح غامضة تخرج من الموقع أمامه ونفخت آخر الشعر على رأسه تاركة إياه أصلع.
تغير مظهر الأمير الثالث بشكل جذري، كأنه هيكل عظمي يرتدي بذلة جلدية باهتة. وما زاد من رعبه وجود رأس ثانٍ على كتفه الأيسر، وحول ضلوعه ذراعان إضافيتان مكسورتان ومُسمّرتان على ضلوعه لمنع يديه من الشفاء.
كان هذا الرأس لامرأة – إلورا إمبراطورية الحياة، وبدا أنها نائمة ورأسها مستندة على صدره العظمي، لكن نظرة أقرب ستكشف أن عينيها وفمها كانا مغلقين مخيطين، إن لم يكن أنفها يرتجف قليلاً، فمن المستحيل معرفة أنها كانت على قيد الحياة.
نظر الأمير الثالث حوله، وبينما كان يفعل، تآكل أنفه وسقط، كاشفًا عن الظلام في داخله وبريق آلاف الأسنان الحادة. كانت نهاية هذا الجسد قريبة، وقد استخدمه إلى أقصى حد، وهو أمر غير متوقع. كان يخطط لارتدائه لعصر كامل، وكان يناسبه تمامًا.
تأوه الأمير الثالث بانزعاج، “لماذا لا أستطيع الاستمرار في أكل كعكتي والحصول على المزيد؟ إنه أقل لطف يمكن لهذا الكون اللعين أن يمنحه لي بعد أن جعلت السافلة سمينة وسعيدة لفترة طويلة.”
وأخيرًا وصل إلى نهاية الفضاء.
في هذه المنطقة لم تكن هناك نجوم أو كواكب، لقد ذهب إلى أبعد مما يمكن لأي سامٍ أن يأمل في الوصول إليه في حياته القصيرة وكان في بداية صحراء.
هذا المكان بلا اسم، فإطلاق اسم عليه سيجعله أكثر تهديدًا مما هو عليه بالفعل، ولم يرغب أحد في وقوع هذا الحدث، ولا حتى البدائيون. لهذا السبب مُنع من الحصول على إسم.
أمامه صحراء شاسعة، عظيمة لدرجة استحال معها رؤية نهايتها. هبت عواصف رملية هائلة عبرها، عاتية لدرجة أنها كادت أن تدمر مجرات بأكملها في ثوانٍ، لكن كل هذه الأحداث المروعة كانت صامتة.
كانت هذه الصحراء مميزة للغاية، إذ لم تكن موجودة في هذا الكون فحسب، بل في كل كون وجد وما زال موجودًا، وهذا ما جعل هذا المكان خطيرًا للغاية.
لم يكن الأمير الثالث خائفًا من مخاطر الحاضر فحسب، بل كان خائفًا أيضًا من الماضي، وخاصة الماضي.
لأن هناك أشياء كثيرة كان من الأفضل تركها مدفونة في سجلات التاريخ المظلمة، ويمكن العثور عليها جميعًا هنا.
لم يكن خائفًا منهم، لكنه كان يعلم أنه إذا تم اكتشافه فإن الصحراء ستطالب به، وسيقضي بقية الأبدية في شن حرب عبثية ضد الرمال.
كم كان يكره هذا المكان.
كانت هذه الصحراء بمثابة الحاجز العظيم الذي حمى وعي الأكوان. لو لم يقطعها سالمًا، لكانت طموحاته قد ماتت هنا، وإن حدث ذلك، فالأفضل له أن يموت، فهذه رحمة.
توقف على شاطئ هذه الصحراء وبدأت عيناه الباردتان تتطلعان إليها ببطء، وبدا وكأنه ينتظر شيئاً أو يتردد.
“كان هناك سبب وجيه لخياطة عينيكِ وفمكِ يا حبيبتي. نكدكِ المتواصل كافٍ لإصابة حتى مخلوق مثلي بالجنون. كيف يعيش البشر مع نسائهم؟ أعني، بعد ملايين السنين التي قضيناها معًا، ستظنين أنني اعتدتُ على صوتكِ.”
ضحك الأمير الثالث بصوت وقح بدا غريبًا قادمًا من مظهره الكابوسي، انقسم جانب فمه وسقط جزء من شفتيه السفليتين، واستمر في الحديث دون حتى إلقاء نظرة على اللحم المهمل،
“لسوء حظكِ، سلالة دمكِ مميزة للغاية، وبمساعدتها، لديّ أمل في عبور هذه الصحراء. يا امرأة، لقد وهبتني ثروةً طائلة، يا له من توفيقٍ قد أشرق عليكِ. عابرة عالم!”
من صدره، بدأت العيون الأربع تتألق باللون الأخضر، وصُنعت منصة خشبية. جلس الأمير الثالث على حافة الصحراء وبدأ العمل بيديه.
“لم أخبرك قصتي قط. ليست الأكاذيب التي أخبر بها الجميع، بل القصة الحقيقية.”
“هل تعلمين أنني كنتُ صانع قوارب؟ كانت تلك أول حرفة لي، وكنتُ فخورًا جدًا بإنجازاتي. ألا تفهمين؟ حسنًا، لا ألومك. من أين أبدأ؟… وُلدتُ عندما كان مفهوم الوجود بلا معنى، وظللتُ وحيدًا لفترة طويلة… لفترة طويلة جدًا.”
“استغرق الأمر مني دهرًا لا يُحصى لأُدرك أنني أستطيع الحركة. ربما ظننتي ذلك بديهيًا، لكن رؤيتكِ قصيرة المدى. لم يكن هناك شيء في الوجود، لا ظلام، لا نور، لا فراغ، لا صوت… ببساطة عدم. هل تعرفين شعور أن تكوني الشيء الوحيد داخل العدم؟”
“قررتُ أن أعبر العدم، لكن ذلك كان مستحيلاً، فكيف يُمكن للمرء أن يخترق العدم؟ مرّت دهور آخرى قبل أن أُدرك أنني شيء، ومن ذلك الشيء، يُمكنني صنع أشياء أخرى.”
“فبدأتُ بصنع الأشياء، وهل تصدقين أن أول شيء صنعته كان قاربًا! غريب، أليس كذلك؟ في ذلك الوقت، كانت معرفة صنعه شبه طبيعية، لكن كما تعلمين، لم أكن أدرك حينها مدى قدراتي، ولم أكن أعلم أنني أستخدم فكرة لم تخطر ببالي وأجعلها ممكنة… لم أتجاوز العدم وصنعت شيئًا… إلورا، بجلي زوجك، فأنا من صنعت الزمن.”
الترجمة : كوكبة
——
هولي شيت..