السجل البدائي - الفصل 502

الفصل 502: الامتحانات

في مكان ما في المسافة، انطلق صوت يشبه تمزق العالم إلى قطع، وحلقت مجموعة من الطيور العملاقة التي ربما بلغ عددها المليارات من ذلك الموقع البعيد، وعلى مدى الدقائق الثماني التالية، مرت فوق أندار وأظلمت السماء.

حسب تقديره، كان من المفترض أن يكون كلٌّ من هذه الطيور أقوى من ساحر من الرتبة الرابعة. كان يختبئ بين أعدادها طيورٌ أضخم، يتجاوز حجم قوتها ما استطاع أندار أن يتصوره.

أذهل أندار شعورٌ بالعظمة ينبعث من كل شيء هنا في هذا المكان، من المخلوقات المارة أمامه، وحتى الريح. يبدو المكان كأنه لم يمسسه الزمن.

“هل رأيت ما يكفي يا صديقي الشاب؟” سمع صوتًا حلوًا لامرأة كبيرة السن بجانبه.

كاد أندار أن يُقلب عينيه، هل كلُّ ذي سلطةٍ يستغلُّ ضعفَ إدراكه؟ مع أن أندار أدركَ أن ذلك يعودُ إلى ضعفه فقط، فإن لم يُعلنوا عن أنفسهم، فلن يعلمَ أبدًا أنهم بجانبه.

رأى أندار وجه امرأة عجوز لطيفة بجانبه، تقف على بُعد خطوات قليلة. بدت في الستينيات من عمرها، وما أذهل أندار بشدة هو عيناها البنيتان المليئتان بالدفئ. انحنى لها على عجل. بدت كبشرية فانية، لكن غريزة في أعماقه جعلته يدرك أنها ليست كذلك على الإطلاق، بل كانت تحيط بها جلالة يستحيل إخفاؤها حتى تحت هيئتها الهشة.

“ يا الهـي ، عيناك فضوليتان للغاية، ويبدو أنهما ليستا باهتتين. عينان فضيتان جميلتان، لا أعتقد أنني رأيتهما من قبل، وأنت أيضًا صغير جدًا. دعني أنظر إليك يا صغيري.”

وقف أندار ساكنًا بينما بدأت تلمس وجهه وكتفيه، تُلقي نظرات هادئة وتُومئ برأسها هنا وهناك. لم يستطع منع نفسه، فبدا جسده وكأنه يتبع رغبات هذه المرأة دون تردد.

نظرت إليه العجوز بشيء من الحيرة في عينيها، لم يلاحظه أندار. لقد لاحظت أن جسد المساعد الشاب قد احس بها. كان هذا سخيفًا بالفعل، حتى رئيس السحرة سيصعب عليه استشعار لمستها، هذا الطفل وحش!

لم تكن تعلم أن أندار قد شعر بلمسة لاباليتاي، باب الفوضى، وهو كائن ذو قوة عليا، وعلى الرغم من أن أندار لم يكن لديه أي ذاكرة عن هذا اللقاء، إلا أن دستوره الفريد تذكر لمسة النية.

“عندما أخبروني عن عبقري لا مثيل له وُلد في كون مادي حديث، لم أُعر الأمر اهتمامًا، فالعباقرة كالأعشاب الضارة، ينبتون من أي زاوية عند أدنى فرصة.”

أشارت إلى جانبها نحو الخضرة اليانعة، وقالت: “هؤلاء مجرد ذرات ضئيلة من العباقرة في كون واحد، ناهيك عن الأكوان العديدة التي تبحر في الظلام العظيم، لكنني أرى أن إريك يلعب بأوراقه بصمت، وقد قلل من شأنك حتى عندما ظننت أنه يتفاخر. أقسم، صحيح أنك لست عبقريًا، بل وحش. من النوع الذي يظهر مرة واحدة في كل عصر. وحش أعتقد أنه أنشأ بدلًا من أن يولد”.

أضاءت عينا أندار وارتجفت روحه عند ذكر الكلمة – الإنشاء، لكن المرأة الأكبر سناً ابتسمت، “لا داعي للقلق بشأن هذا الطفل إذا كنت قد شعرت يومًا بالخوف من أن مواهبك قد أعطيت لك من قبل الآخرين لأغراض شريرة، فيمكنك أن تضع مخاوفك جانبًا.”

“لقد فحصتُ جسدك، ولم أجد عليه أي أثرٍ للقوة، مع أنني أرى كثيرين يحاولون غرس مخالبهم في روحك. لا شك أن طريقك سيكون مثيرًا للاهتمام. دعني أريك جزءًا مما بداخلك.”

توقفت ولمست ذراع أندار، ولدهشته، انفصل لحمه لكنه لم يشعر بألم، ومع ذلك، لم يتغير تعبيره وكان قلبه ثابتًا، أومأت المرأة العجوز برأسها تقديرًا لمزاجه.

لقد ظهرت عظامه بيضاء لامعة، وحتى تلك العظام كانت مرتفعة وتحت العظم كانت هناك شبكة متنامية من الأسلاك الذهبية والفضية، والتي كانت تحل محل عظامه ببطء.

بدأت المرأة العجوز مصابة بالدهشة، ونظرت إلى أندار في عينيه قبل أن تعود وتنظر إلى أحشائه، “من أجل تغيير مثل هذا، يجب أن يتضمن وجود قديم، وإذا لمسك فإن رائحته الأبدية ستبقى على جسدك، من المستحيل محوها، لا يوجد شيء عليك. هذا التغيير لم يحدث بواسطة قديم.”

كانت عيناها مليئة بالتكهنات لكنها واصلت التحدث بصوت عالٍ، “لا أعرف أي قوة فانية داخل هذا الكون المادي لديها قدرة كائن قديم، لمستهم ممنوعة من لمس هذا الكون لأنه لا يزال في مهده. هذا الكون لا يزال صغيرًا جدًا ولا يوجد كائن قديم يتجول فيه باستثناء ذلك الوغد لاباليتاي، لكنه جبان وتاجر، وقواه لا تندرج تحت الإنشاء. هذا يعني فقط أنك منشأ فريد من نوعه لهذا الكون.”

لاحظت ارتباك أندار، فابتسمت له قائلةً: “لا داعي للقلق بشأن ما أقوله الآن، لكنني لاحظت أن جسدك فريد من نوعه، وذاكرتك مثالية، لذا تذكر كلماتي. أنت كنزٌ خارقٌ من هذا الكون، ورغم أن بعض الحمقى بيننا حرموك من فن التأمل الذي اكتسبته بجدارة، فقد تكون قد حصلت على شيء أفضل.”

“كنتُ من بين الذين ناضلوا لتنال القبو اللانهائي. من المؤسف أن مُعتديك يفوق قدرتك… في الوقت الحالي. برؤيتك الآن، أشعر بالتفاؤل بقدراتك. يومًا ما، عندما تصبح قويًا بما يكفي، ستسعى لتحقيق عدالتك.”

تنفس أندار الصعداء، إما لأنها لم تلحظ علامات جسده الرئيسي، أو لأنه لم تعد هناك أي قيود خفية تُقيده. إن كانت تكذب، فلا سبيل له لمعرفة ذلك، لذا استمر في تصديق كلامها، فلم ير أي مبرر لكذب كائن بهذه القوة على مجرد مساعد. حتى لو فعلت، فلا سبيل له لمعرفة ذلك الآن.

الترجمة : كوكبة