السجل البدائي - الفصل 495

الفصل 495 التيارات الخفية

نزل أندار إلى سطح السفينة، وكان تنفسه متقطعًا بعض الشيء، فقد كان مشغولًا بلا انقطاع طوال الساعات الثلاث الماضية، وبدأ ذلك يُرهقه. خفض رأسه واستراح لثلاث دقائق، بينما ساد الصمت الجميع وهم يراقبونه وهو يستريح.

كان أعضاء كاسري الحدود يشعرون بغصة في الحلق، حتى أن بعضهم بدأ بالبكاء. كان هناك فخر في قلوبهم، ولكن أيضًا شعور عميق بالرهبة. لا يمكن لساحر واحد فقط أن يصنع سفينة حربية كهذه، بل يجب أن يكون هناك فريق من السحرة متخصص في جميع مجالات الدراسة تقريبًا.

مع ذلك، كان قائدهم مجرد مساعد، وقد قام بهذا العمل الرائع. والجدير بالذكر أن الأساليب التي استخدمها كانت مذهلة، إذ صنع هذه السفينة الحربية باستخدام قوة العناصر الخام. أي نوع من الوحوش كان هذا؟

لقد زاد جمهور أندار، ومن العلامات في السماء، عندما بدأ لونها يتغير، حتى السحرة أنفسهم بدأوا ينتبهون.

كان هذا الفعل غير مسبوق أيضًا، فمن السخافة أن يهتمّ رئيس السحرة بشؤون مساعد، لكن هذا هو الوضع الراهن. كان أندار على قدر لقبه، بصفته الرقم واحد تحت السماء.

على قمة السفينة التي بناها من أجزائها، بدت شخصية أندار وحيدة، ولم يكن يدرك بعد أن صورته كانت تجتاح الاتحاد الأسود بأكمله، والآن كانت تصل إلى الأبراج العظيمة الأخرى والاتحادات تحت رعايتهم.

تم الكشف عن تفاصيل حياة أندار ومشاركتها، وفي أعماق مجتمع السحرة، في أماكن الخلاف والمخربين الذين يقاتلون ضد قواعد كوكب الساحر، جائت شائعة عن عبقري أعظم سُلبت حقوقه من قبل القوى المتغطرسة.

ربما لم يكن أندار يعرف هذا أو ربما كان يشتبه فيه، لكن صورته كانت متداولة في عالم السحرة، وبدأ يعني أشياء مختلفة لمجموعات مختلفة من الناس.

بدأ تغيير صامت يجتاح كوكب الساحر، ولم يكن يثير أي ضجة في هذه اللحظة، لكن ما كان يحتاجه كان الوقود، وربما ينفجر شيء صادم حقًا داخل الكوكب الأعلى.

*****

داخل كهف عميق مملوء بضباب تآكلي أرجواني يمكنه تفكيك الماس في أقل من ثانية، كانت شخصية جميلة لامرأة ذات شعر أسود طويل مصبوغ بخطوط أرجوانية تنظر إلى صورة أندار التي صنعتها باستخدام الضباب الأرجواني.

لم تكن هذه الصورة لأندار الحالي، بل صورة له وهو أصغر سنًا بكثير، بالكاد يبلغ من العمر ثماني سنوات. في عيني المرأة، لم يكن هناك أي أثر للحب أو حتى الود، بل مجرد شعور عام بالرضا تجاه الصورة.

لأي شخص يعرف نائبة رئيس الاتحاد الأسود، والدة أندار، كان من المستغرب أن تظهر هذا المظهر العاطفي. فن التأمل الذي تمارسه هو فنٌّ تُهمَل فيه كل ذرة من مشاعرها على طول الطريق، وتُقايضها بالسلطة.

تنهدت وأغمضت عينيها. كان جسدها ينهار ببطء، وكل ما تحت معدتها امتزج بالضباب الأرجواني. عند صعودها إلى منصب رئيسة السحرة، إن لم تنجح في الاندماج مع هذا الضباب الأرجواني، فالموت هو الخيار الوحيد.

وبينما هي تندمج مع الضباب الأرجواني، بدأت تنسى اسمها، وهويتها، وأحلامها، حتى الشاب الذي عرفت اسمه قبل لحظة فقط تم نسيانه.

كان أن تصبح ساحرةً كبيرةً كالموت. إن نجت، فسيكون الأمر أشبه بالقيامة، وسيعاد إليها كل ما فقدته. أما إن فشلت، فهذا يعني أنها لم تكن جديرةً بما يكفي.

لم يكن بإمكانها أن تعرف الحب أو الفرح أو الحزن إلا إذا أصبحت ساحرة كبيرة، وإذا فشلت، فإن حياتها ستكون مليئة بالكآبة والصمت، حياة تعيشها كما لو كانت جثة تمشي.

ولكن من أجل القوة النهائية والخلود، كان هذا هو الثمن الذي كانت على استعداد لدفعه مرة أخرى إذا كان هذا ما يتطلبه الأمر.

*****

لم يكن أندار بحاجة إلى سحب الأثير من بيئته، فقد أمده جسده الروحي بأكثر مما قد يحتاج إليه على الإطلاق، وإذا أراد، فيمكنه أن يقرر دفع ذلك الأثير الزائد إلى محيطه، لكن هذا سينتهي بقتل المساعدين المساكين من حوله.

التغييرات التي أجراها روان على جسده جعلته قويًا بشكل لا يُصدق، وتساءل إن كانت هذه القدرة على تخزين المعلومات داخل خلاياه نتيجةً للتغييرات التي أجراها روان عليها. كان قد تحرى عن مستخدمي تقنيات القبو اللانهائي، وكانت تعاويذهم الأساسية مخفية عن العامة، ومع ذلك لم يُذكر أي شيء عن هذه التقنية.

كان جسده مثاليًا على حد علمه، وكان ضعفه الوحيد هو الضغط النفسي الذي يتعرض له عند استخدام هذه القدرات الجبارة. لا بد من وجود طريقة لزيادة قوة عقله، وقد جعلها أولويته.

فتح أندار عينيه ودفع نفسه بعيدًا عن السفينة، وقفز مباشرة على حوت السحاب على ارتفاع مئات الأقدام فوق الذي كان ينظر إلى السفينة بازدراء، لم يكلف أندار نفسه عناء محاولة معرفة سبب حسد الحوت لسفينة ميكانيكية.

سمع أندار شهقة دهشة تسري بين الحشد، إذ رأوا أنه لم يستخدم أي تعاويذ أو قدرات سحرية ليقفز تلك القفزة. لم يدرك معظم الحاضرين، باستثناء السحرة، القوة الهائلة الكامنة في جسد أندار، ولم يدركوا أنه لم يُظهر سوى جزء ضئيل من قدراته الجسدية.

وكانت المحطة التالية هي صناعة التعويذات، وقد بدأ اندار في وضع استراتيجياته لإنجازها.

إن عملية التشكيل وصنع الدمى معقدة ولكنها تركز في الغالب على المنظور الكلي، في حين أن عملية صناعة التعويذات كانت على العكس وتركز على المنظور الجزئي.

كانت التعويذات صغيرة الحجم في العادة، ولم يكن معظمها أكبر من اثني عشر بوصة، وكان تصنيعها يتطلب تحكمًا دقيقًا والقدرة على العمل في مساحة صغيرة يبلغ قياسها بضعة نانومتر.

الترجمة : كوكبة