السجل البدائي - الفصل 492

الفصل 492 التبجيل

لقد اختار أندار هذا الإختبار كاختباره الأول لأنه كان من السهل نسبيًا اجتيازه دون إضاعة الكثير من الوقت، ولكن هذا كان فقط نسبيًا لشخص مثل أندار.

رقصت شفرة الحمم البركانية عبر صفائح الفولاذ الناعم مما أدى إلى قطع دقيقة بدون أي حركات مهدرة، ولأن أندار كان قد شحذ كلا طرفي الشفرة، فقد تمكن من جعلهما يدوران ويثنيهما في أي شكل يريده للحصول على النتائج المرجوة التي يريدها.

طوال هذه الفترة كانت عيناه مغلقتين، وذلك لأنه كان قد قام بالفعل بمحاكاة كل ما كان عليه القيام به، لم تكن عيناه بحاجة إلى أن تكونا مفتوحتين لرؤية ما كان يفعله، لأن ذلك من شأنه أن يشكل مصدر إلهاء بالنسبة له.

*****

كان ديرون أحد المساعدين الذين كانوا ينحتون ببطء على الفولاذ الناعم باستخدام الشفرة المخصصة لهذا الاختبار ولم يشتت انتباهه كما فعل الآخرون عندما وصل الفتى المعجزة.

لقد كان هنا لمدة ثلاثة عشر عامًا وكان لا يزال مجرد مساعد من المستوى الثالث، ولم يكن هذا أمرًا غريبًا بالنسبة للعديد من المساعدين أن يعلقوا في هذه المرحلة لعقود من الزمن، لذلك استخدم الكثير منهم الفرصة لبدء دراسة مجال آخر من المعرفة، والذي ربما يمكن أن يساعدهم في العثور على الإلـهام ليصبحوا سحرة.

بفضل هذا الاختبار، أصبح واثقًا من قدرته على اجتياز عشرين بالمائة من تشكيل الحاجز، وهو ما كان كافيًا للحصول على درجة النجاح، وكان قادرًا على الإجابة على أربعمائة سؤال بدقة معقولة.

لن يحصل على أعلى الدرجات في هذا الاختبار، لكن ديرون كان متأكدًا من أنه سيكون متوسطًا، فقد تم إنشاء مثل هذه الاختبارات ليس لحلها بالكامل ولكن لدفع المساعدين إلى حدودهم.

كان يعرف أندار، ورغم أنه كان يحسد مواهبه، إلا أنه كان يفهم أن الحياة سباق لا يمكنك الركض فيه إلا وحدك، ولا فائدة من حسد هدايا الآخرين، ومع وضع هذه العقلية في الاعتبار، ركز على نحت التشكيل، وبعد الدراسة لمدة ثلاث سنوات في هذا المجال، كان واثقًا من نهجه.

في غضون عقد أو عقدين من الزمان، إذا فشل في أن يصبح ساحرًا رسميًا، فسوف يتعلم كل أساسيات التشكيل والنقش، وسيتم البحث عن خبرته في جميع أنحاء الاتحاد، حتى من قبل السحرة، وهذا يعني أنه يجب أن يركز على ما كان يفعله الآن حيث لا يوجد شيء آخر مهم.

ومع ذلك، ظلّ يشعر بتوتر متزايد في الهواء، يزداد صعوبةً في مقاومته، كان في الصمت، كما لو أن العالم يحبس أنفاسه. لم يعد قادرًا على تحمّل هذا التوتر، فنظر إلى الأضواء التي كان يراها في زاوية بصره، وابتلع ريقه، وسقطت الشفرة من بين أصابعه الخائرة.

يمكنك أن تسمع عن شيء ما ألف مرة، لكن لن يؤثر عليك أبدًا بقدر رؤيته مرة واحدة.

ما كادت أن تفارقه أفكاره حتى أخرج جهاز تسجيل ليضمن التقاط كل لحظة من هذا العرض المذهل أمامه، ملاحظًا، على نحوٍ مُشتت، أن جميع الطلاب تقريبًا هنا كانوا يُسجلون. كما أخرج جهاز الاتصال الخاص به واتصل بالمنتدى حيث بدأ البث المباشر.

كان أندار ممدًا يديه أمامه وكانت عيناه مغلقتين، وكان محاطًا بريح فضية ناعمة تتحرك حول جسده مثل التنانين، مما يجعل سترته ترفرف مثل الأجنحة.

لاحظ ديرون أمام يده اليمنى شيئًا يشبه أخطبوطًا أسود، اتضح أنه حبر قلمه. كانت عدة “مخالب” سوداء ترقص على الصفحات، وتدوّن ملاحظاتها ورسوماتها البيانية.

فوق يده اليسرى، تم ترتيب قطع الفولاذ الناعم الثلاثة بشكل مثلث أفقيًا، بحيث يمكن للشفرة المصنوعة مما يشبه الحمم البركانية أن تنحت على جميع أسطحها في وقت واحد، كان هذا الفعل مذهلاً بالنسبة لديرون، كان الأمر أشبه بمشاهدة شخص يتلاعب بألف شفرة باستخدام يد واحدة فقط.

كانت حركات شفرة الحمم آسرة، إذ لم تكن تقوم فقط بصنع عشرات النحتات المعقدة كل ثانية على ثلاثة أسطح، بل كانت أيضًا مرنة مثل الثعبان، تلتوي في أوضاع مختلفة للتأكد من عدم إهدار أي حركة من حركة الشفرة.

بدأ ديرون يتعرق، “هل هذا ما ينبغي أن يكون عليه مُساعد؟ هل يُمكن لساحر رسمي أن يُقدم أداءً أفضل من هذا؟ هل هذا ما تعنيه الموهبة العظيمة؟ لماذا أشعر بهذا الشعور المُحبط في روحي بأن كل ما بذلته من جهدٍ لنفسي قد ذهب سدى؟ لماذا الفرق بيننا شاسعٌ إلى هذا الحد؟”

من خلال الومضات الساطعة من الضوء التي نتجت عن دوران شفرة الحمم البركانية بسرعة كبيرة، تم تسليط الضوء على وجه أندار ولم يعد ديرون يشاهد السحر لكنه كان يشاهد الرجل.

ما الذي يدور في ذهن شخص كهذا؟ هل يعتبر بقية كاسري الحدود أقرانًا له؟

كان هذا التفكير يتردد صداه بين المساعدين في جميع أنحاء مناطق الاختبار المختلفة، لكن أندار لم يهتم، فقد كان في حالة ذهنية حيث تم تقليص العالم فقط إلى المشاكل التي تواجهه.

استغرق أندار ست دقائق لإكمال الإجابة على الأسئلة الألف، ولم تكن إجاباته مفصلة فحسب، بل كانت شاملة للغاية. كانت أسس أندار عميقة للغاية، وقد استقى رؤىً من كل مجال درسه.

كانت هناك مرات تتطلب رسم مخططات للتشكيل، ولم يقم فقط برسم مخطط، باستخدام معرفته بالنقش، بل أنشأ مخططًا تفاعليًا يمكن الوصول إليه باستخدام الأثير لإعطاء رؤية أكثر تفصيلاً للتشكيل.

الآن بعد أن انتهى من الأسئلة، قام بإنشاء اثنين من شفرات الحمم البركانية الأخرى وركز فقط على الانتهاء من تشكيل الحاجز.

لكي ينجح في اجتياز هذا الاختبار بفعالية ويحتل المركز الأول بلا شك، فإن تشكيل الحاجز الذي أنشأه سيكون تشكيلًا تفاعليًا من شأنه أن يكتشف مقدار القوة التي تمارس عليه ويضبط ناتج طاقته لتتناسب معه.

سيؤدي هذا إلى حل أكبر المشاكل المتعلقة بالتشكيلات منخفضة المستوى، حيث كان هدر الطاقة هو أكبر عيوبها.

انتهى أندار من عمله في ساعتين، لكنه احتاج إلى ترك الفولاذ الناعم يرتاح ثماني ساعات أخرى قبل أن يتمكن من اختبار عمله. لم يُضيّع وقته، فقفز على حوت السحاب، متجهًا إلى منطقة الاختبار التالية.

بصرخة عميقة، اختفى حوت السحاب الخاص به في ومضة ضوء فضي ساطع وصوت رعد. حينها فقط تبدد السحر الذي ألقاه أندار عليهم جميعًا بحضوره، وبدأوا يتفقدون العمل الذي تركه ورائه، ولم تعد نظراتهم تحمل حسدًا، بل شيئًا آخر… التبجيل.

الترجمة : كوكبة