السجل البدائي - الفصل 479

الفصل 479 أمبروزيا

أبحرت الشمس إلى الأمام وتبعتها إيفا.

توقفت عندما لفت انتباهها شيء رأته، ونظرت إلى أسفلها، وعيناها مغمضتان في تفكير بشأن التغيير غير المتوقع الذي كانت تشهده على سطح البحر.

رغبةً منها في مزيدٍ من البحث، نزلت حتى وطأت سطح البحر وانحنت لتغمر مياهه بكفيها. نهضت إيفا وجلبت الماء إلى وجهها وهي تُحلله بعبوسٍ خفيف.

الماء الذي أخرجته لم يعد أسود اللون بل أصبح الآن عديم اللون ولامعًا وكأنه مليء بقوس قزح، أحضرت الماء إلى فمها وشربت منه وتنهدت بسرور.

بخلاف الأثير الذي وُجد في البحر الأسود، الممتلئ بالبرودة والحدة والشعور بالوحشة، كان هذا الماء أفضل ما ذاقته في حياتها. لم تستطع إيفا تسميته إلا ماءً لأن هذا ما بدت عليه أراضي روان، ولكن ما كان ينبغي أن تسميه أمبروزيا.

ما ابتلعته للتو كان مناسبًا فقط للسامين وليس أي نوع من السامين، بل كان فقط لأعظمهم!

كان الأثير الذي يحتويه قويًا للغاية ولكنه كان أيضًا لطيفًا بشكل لا يصدق، ويحتوي على نوع من الخصائص العلاجية التي تهدئ الروح وتنعش العقل.

لم تعد إيفا تتبع الشمس المتجولة وبدأت في تتبع مسارات هذه الجيوب الصغيرة من المياه، وسرعان ما اكتشفت أنه يمكن العثور على المزيد من هذه المياه كلما اقتربت من مدينة شيول.

كانت إيفا تشك في ذلك، لأن هذا السلالة الغامضة التي قد تحل محل سلالتها كانت مصدرًا لا ينضب من التجدد بالنسبة لها. تتبعتها حتى حجبتها قوة بلا شكل، وكُبت جسدها حتى اضطرت للوقوف على سطح البحر.

لم يكن بوسعها أن تقترب من المدينة، ولم يكن أحد يستطيع ذلك، ولكنها استطاعت أن ترى أن المياه التي تستقر عليها بدأت تتغير تحت شكلها المتغير باستمرار.

بعد أن طلبت انتباه روان، ظهر بجانبها باستخدام استنساخ ونقلت له كل ما لاحظته وتعلمته.

رأت عينيه الذهبيتين تتألقان، فكادت إيفا أن تبتسم ردًا على ذلك، مسرورةً لأنها اكتشفت شيئًا أدهشه وأسعده. في هذه اللحظة، افتقدت فراقهما فحسب.

كانت سلالة شيول لغزًا عظيمًا لم يبدأ روان بفهمه تمامًا إلا في الدائرة العظمى الثالثة، ولم يسيطر عليها إلا بشكل جزئي في الدائرة العظمى الرابعة. بدأت تُحدث تغييرات طفيفة في أراضي لم يكن يعلم بها حتى.

أعطى هذا روان فكرة ترك وعي واحد دائمًا لمراقبة أراضيه بالكامل، لم ير أي سبب للقيام بمثل هذا الشيء، حيث كان معروفًا له كل تغيير حدث داخل أراضيه، لكن هذه القضية كانت مختلفة عندما يتعلق الأمر بالمسائل المتعلقة بالبدائيين.

لم يكن حتى على دراية بأن أراضيه كانت تتحوّل! كان هذا خبرًا مُقلقًا.

عاد وعي روان إلى العالم الخارجي، وفتح عينيه. كانت هذه التغييرات في أراضيه غير متوقعة، ورغب في تجربة المزيد في هذا المجال.

فتح كفه، فظهرت قطرة ماء عادية، فشعر الهواء من حوله بالبرودة والانتعاش، كما لو أن كل ما حوله قد طُهر. لو كان هذا هو البحر البدائي أو الظلام، لبدأ الفضاء المحيط به بالتحطم، لكن هذه القطرة كانت ألطف بكثير.

لقد شفى بدلا من أن يدمر.

كشفت المراقبة الدقيقة أن هذا “الماء” لم يكن عديم اللون، بل كان يتلألأ كما لو كان مليئًا بضوء النجوم. كانت رائحته مميزة عندما شمه روان، فشعر بموجة من الاسترخاء تتدفق إلى وعيه، وتنهد مستمتعًا.

كان الأمر كما لو أن وعيه المتعدد يتلقى تدليكًا. لولا قوة شخصيته التي اكتسبها من معاناته وتجاربه، لكان من السهل عليه أن يتخيل نفسه جالسًا هنا يستنشق هذا الماء كمدمن مخدرات.

لقد كان الإحساس جيدا!

كيف سيكون شعور هذا الماء بالنسبة لفاني؟ بالنسبة لروان، أي كائن ليس ساميا، أو يمتلك قدرات تعادل قدرات السامي، فهو فاني.

لم يكن عليه الانتظار طويلاً لمعرفة إجابته عندما شعر بقشعريرة في الهواء، وصرخات الفرح من عدد لا يحصى من الأرواح، نظر إلى الأمام واتسعت عيناه عندما رأى عشرات الآلاف من الأرواح تسرع نحوه، عيونهم مليئة بالتعصب.

اتسعت عينا روان وهو يعيد قطرة الماء بسرعة إلى فضائه العقلي، ونظرت الأرواح حولها في حيرة قبل أن يعودوا جميعًا إلى أجسادهم الغائبة مع صرخة يائسة أخيرة.

مسح روان العرق المجازي من على جبينه، لقد قتل تقريبًا كل إنسان داخل قصر إيروهيم عندما أخرج تلك القطرة من الماء.

لقد كان الاسم الذي أطلقته عليها إيفا يستحق ذلك، كان هذه هي الأمبروزيا.

****

كانت ديرا ذات يوم مالكة حانة، ورثتها من والدها، وكانت تديرها على مدى الخمسين عامًا الماضية، وكانت تأمل أن تورثها لابنها.

بعد تدمير العالم بأكمله، وجدت نفسها في إيدين حيث واصلت العمل الذي كانت تقوم به طوال معظم حياتها، كان لابد على شخص ما أن يقوم بذلك، على الأقل هذا ما كانت تعتقد في البداية، كما اتضح، كانت إيدين مختلفة تمامًا عما كانت تعتقد.

كانت تحمل حوضًا ثقيلًا ممتلئًا بأرغفة الخبز الساخن أسفل الدرج في مبنى مكون من طابقين لإطعام العديد من الأطفال في دار الحضانة الخاصة بها.

لم تعد ديرا تشعر بأي ضغوط وهي تحمل ما كان من المستحيل رفعه حتى في سنوات ذروتها.

في إيدين، بدأ الشباب يعود للجميع. قالوا إنه شيءٌ في الهواء، الأثير. سمعت أن الأثير الموجود في الهواء في عالمهم السابق لم يكن سوى جزءٍ ضئيل مما هو متاح هنا.

رفض ديرا تصديق أن الأثير وحده قادر على إحداث هذه التغييرات العميقة. ساميهم العظيم، إيروهيم، هو من نشر قوته ولمسته الشافية عليهم جميعًا.

الترجمة : كوكبة