السجل البدائي - الفصل 478

الفصل 478 من ظهوركم المجنحة

لم يكن كل مخلوق داخل الفضاء العقلي لروان فانيًا، وإذا أرادوا، فيمكنهم البقاء ساكنين مثل التماثيل.

هكذا كان حال جميع الحاضرين هنا. وقفوا جميعًا، بمن فيهم ملائكة اشار، يراقبون صعود النورانيين.

ولأول مرة، حتى ذلك النوراني البدائي الغامض في المقدمة أدار رأسه الذي كان يطفو فوق كتفيه، والوجه الذي يشبه الأسد ينظر إليه، وكانت الأضواء المشتعلة داخل عينيه مثل قمرين كاملين.

امتد هذا الصمت لمدة ثمانية عشر ساعة أخرى، ونظر روان إلى المسافة حيث كانت الشموس التي تتجلى على شكل نورانيين تنجرف بصمت، وأثر طفيف من الغضب يلون عينيه قبل أن يتلاشى، كان عليه أن يذكر نفسه، أنه كان يتوقع شيئًا كهذا.

كانت الشموس، التي تُمثّل قلوب النورانيين الأربعة، ترتفع في السماء مع ازدياد حجمها. تضاعف حجمها تقريبًا. ومع ذلك، بدأ ضوء الشموس وحرارتها يضعفان، إذ بدأ ظل أسود ينتشر على سطحها كالدخان.

الاندماج مع نوراني آخر أعاد العيب إلى أجسادهم، والنية الخالدة التي دمرهتها شيول كانت تشق طريقها إلى أجسادهم. كان هذا هو الثمن الذي دفعه مقابل تعزيز سريع لنورانييه، لكن الأمر كان يستحق العناء.

توقف نمو الشمس تدريجيًا، وأصبح قطرها الآن أكثر من أربعة آلاف ميل. تنفس روان الصعداء، إذ لم يصل الفساد إلى قلوب الشموس، بل تجمّع بكثافة حول أسطحها، ولهذا السبب خفت أنوارها، ومع ذلك، ظلت تحت السطح مشتعلة.

من المرجح أن النية لا تستطيع اختراق جوهر النورانيين لأنهم قد تم تطهيرهم، وحتى لو تمكنت من التسلل ببطء إلى أجساد رؤساء النورانيين مرة أخرى، فإن روان لن يسمح بذلك، وقبل أن يتم نشر رؤساء النورانيين، يجب عليه التأكد من تدمير كل قطعة أخيرة من النية المتبقية في أجسادهم.

مع مرور الوقت، سيُطهّرون أنفسهم من هذه اللطخة، وعندها فقط سيصبحون ملكه بالكامل. قرر روان أنه قبل أن يغادر الكون، يجب عليه حل مشكلة النوايا المختلفة المتشابكة بداخله، بما فيها نية الفوضى والنية الغامضة لكلٍّ من نورانييه.

وبعد مرور ثلاثين ساعة أخرى، خرج صوت رعد من داخل أشكال النورانيين الأربعة، ثم خرجت قوة شفط هائلة من أجسادهم، والتي امتصت على الفور كل الأثير الذي يطفو فوق سطح البحر.

تحتهم، بدأ بحر الظلام البدائي بالارتفاع كما لو كان حشوات حديدية تجذبها مغناطيسات عظيمة. كان النورانيون الصاعدون على بُعد أكثر من مئة ألف قدم من سطح البحر، لكن ذلك لم يوقف صعودهم، إذ ارتفع امتداد شاسع من الماء عرضه مئات الأميال إلى السماء حتى استقر تحت أقدام النورانيين.

أعطى روان الإذن لأراضيه فقفزت وغطت النورانيين وبدأ بالاندماج مع أجسادهم.

تدفقت مليارات الجالونات من البحر الأسود إلى أجسادهم، وكأن أجسادهم حُفرٌ لا قرار لها، فشربوا كل هذه القوة الممنوحة لهم، وبدأت أجسادهم تنمو. انعكس هذا التغيير أيضًا على شموسهم، حيث بدأت هي الأخرى تتمدد بشكلٍ هائل.

من أربعة آلاف ميل في القطر، بدأت في التوسع…

5000 ميل….

8000 ميل…

12000 ميل…

قبل أن تتوقف كل شمس عن النمو عند قطر ١٥٠٠٠ ميل، انحسر الظل الذي كان يغطيها إلى بقعة صغيرة على سطحها، وأشرق ضوءها أكثر سطوعًا من ذي قبل.

كان الضجيج الناجم عن هذا الحدث هائلاً، حيث قام روان بإطعام رؤساء النورانيين المتنامين ما يكفي من الأثير لتشغيل مائة نظام شمسي، ومع ذلك لم يكن ذلك كافياً.

استمروا في الشرب بعمق من الماء لمدة ساعة كاملة قبل أن تشبع أجسادهم، وبصرخة مدوية، انطلقوا في الهواء. أصبح طول أجسادهم الآن عشرين قدمًا، بجناحيهم. أطلقوا صرخة مدوية أخرى، فعادت دروعهم، لكن الآن كانت مختلفة.

لم يدتعد درعهم مصنوعة من الذهب فحسب، بل أصبحت تحتوي على أجزاء مصنوعة من معدن أبيض، ولم تعد هناك أي أحرف رونية مدمجة بالدروع، بل أصبحت فارغة. بالإضافة إلى ذلك، كانت هناك عينان كبيرتان على أجسادهم: واحدة على الصدر والأخرى في الخلف، تقعان بين جناحي كل درع.

انطلقت هالة مخيفة من أجسادهم ودفعت كل شيء إلى الخلف باستثناء روان، وسافرت هذه الهالة حتى وصلت إلى نهايات فضائه العقلي.

لم يعد هؤلاء نورانيين بل رؤساء نورانيين، والقوة والمجد التي يمكن العثور عليها بسهولة في كل شبر من أجسادهم من شأنها أن تجعل أي سامي يشعر بالخجل، حتى روان تعجب من جمالهم.

إذا كان من الممكن في السابق الخلط بينهم وبين البشر، فلن يكون هذا التنكر ممكنًا بعد الآن لرئيس النورانيين.

لم تبدُ أجسادهم الضخمة، التي يبلغ طولها عشرين قدمًا، ثقيلةَ الوطأة، بل كانت تحمل رشاقةً أنيقةً تجذب الأنظار. رفرفوا بأجنحتهم واختفوا، وكانت حركاتهم تتجاوز ما يمكن لنوراني عاديٍّ أن يفعله.

لقد ظهروا أمام منشئهم وركعوا على ركبهم، ابتسم روان ولمس رؤوسهم المدرعة التي كانت أكبر تقريبًا من جسده الذي يبلغ طوله سبعة أقدام.

ابتسم وقال: “من ظهوركم المجنحة سوف يُبنى أساس مملكتي”.

وأعطاهم تعليمات للتعرف على أشكالهم وقواهم الجديدة، ثم غادر روان مساحته العقلية.

ارتجف جسده وفتح عينيه، وبدا كأنه أربع شموس تطفو على عينيه، قبل أن تتقلص إلى وخزة إبرة. لو دقق المرء النظر في عينيه للاحظ أنها تحتوي على أربع شموس ساطعة.

أغمض عينيه مرة أخرى وكأنه نائم، لكن عقله كان مشغولاً بأفكار مختلفة عن المستقبل.

داخل الفضاء العقلي لروان، كانت إيفا تتحرك فوق بحر الظلام البدائي، بينما كانت تتبع أحد الشموس المتجولة، كانت عيناها متسعتين من الانبهار، في وقتها كحاكمة سابقة لقصر الجليد، لم ترَ قلب نوراني قط، لم تكن إيفا تعلم حتى أنه موجود.

الترجمة : كوكبة